شيعة الإمارات
يجسد شيعة الإمارات أكثر حالات الاندماج نجاحاً في منطقة الخليج؛ فلم يشهد المجتمع الإماراتي في تاريخه ما سمي بـ"المسألة الشيعية" التي شهدتها مجتمعات خليجية أخرى.
يعود الوجود الشيعي في الإمارات إلى منتصف القرن التاسع عشر، حينما بدأ الشيعة من البحرين والساحل الشرقي للسعودية، بالتوافد إلى الإمارات عامة، وإلى إمارة دبي خاصة، وتبعهم من ثم شيعة إيران والهند.
ويشكل شيعة الإمارات جزءاً من النسيج الاجتماعي، ويجسدون أكثر حالات الاندماج نجاحاً في منطقة الخليج. فلم يشهد المجتمع الإماراتي في تاريخه ما سمي بـ"المسألة الشيعية" التي شهدتها مجتمعات خليجية أخرى؛ مثل السعودية والبحرين والكويت.
ومما ساعد على اندماج الشيعة أن مجتمع الإمارات يعد من أكثر المجتمعات الخليجية تسامحاً فيما يتصل بالأديان، وأشدها تنوعاً في الأعراق والأقوام والثقافات.
يقدر تقرير "الحرية الدينية في العالم"، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2006، نسبة الشيعة إلى إجمالي السكان، بنحو 15 في المائة من إجمالي عدد سكان دولة الإمارات، الذي يبلغ نحو 4.5 مليون، ويشكل نسبة غير المواطنين منهم نحو 85 في المائة، في حين أن مصادر أخرى تقول إن نسبة الشيعة لا تزيد عن 10 في المائة.
ويتركز الشيعة في إمارة دبي والشارقة وأبوظبي، ولهم وجود محدود في بقية الإمارات الأخرى.
ويغلب على المجتمع الشيعي في الإمارات مذهب الإمامية، وتتنوع أصولهم الإثنية/ القومية إلى عرب، وهم "البحارنة" الذين جاؤوا من شرق الجزيرة العربية؛ مثل البحرين، والإحساء والقطيف في السعودية؛ وإيرانيين أو "العجم"، وأبرزهم اللاريون والأشكنانيون؛ وهنود، ومنهم اللواتية، الذين هاجروا قبل قرون من منطقة حيدر آباد الهندية إلى سلطنة عُمان، ومنها إلى الشارقة ودبي.
ويذكر أنه توجد في الإمارات، وفي معظم دول الخليج العربية، قبائل تسمى الهولة (وهي تحريف عن الحولة)، والتي كانت تاريخياً تستوطن الساحل العربي من الخليج. إلا أنها انتقلت منذ قرون بعيدة إلى الساحل الفارسي، وفي القرنين التاسع عشر والعشرين عادت واستقرت في الساحل العربي مرة أخرى.
ومع أن هذه القبائل يطلق على أفرادها وصف "العجم" أحياناً، إلا أنها قبائل عربية القومية وسنية المذهب، ومنها قبيلة آل علي، وآل حماد، والملا، وخوري.
وفضلاً عن المواطنين الشيعة، يقيم في الإمارات أيضاً عدد كبير من الإيرانيين الشيعة، الذين هاجر أغلبهم إليها بعد الثورة الإيرانية.
فقد أشار تقرير لجريدة "الشرق الأوسط" اللندنية (نشر في 26 يناير/ كانون الثاني 2007) إلى أن عدد الإيرانيين- بحسب تقديرات غير رسمية - يقدر بنحو نصف مليون، يتركز معظمهم في دبي.
كما يقيم في دبي أيضاً عدد من أتباع طائفة البهرة (التي تنتسب إلى المذهب الإسماعيلي)، ولا يعرف عددهم في دبي على وجه الدقة، إلا أن مصادر تقدرهم بعدة آلاف، ومعظمهم يحمل التابعية الهندية والباكستانية.
وتقيم طائفة البهرة مجلس العظة السنوي لها بمناسبة عاشوراء في دبي، حيث شارك في احتفال العام 2004 زعيم الطائفة الدكتور محمد برهان الدين، الملقب بالسلطان، وحينها منحتهم حكومة دبي أرضاً لإقامة مركز لهم في الإمارة. وتعد هذه الطائفة من الطوائف الثرية، وذلك لاشتغال أتباعها بالتجارة، وتعني تسميتهم بالعربية "التاجر".
ووفقاً لتقرير وزارة الخارجية الأمريكية السابق، تتمتع الأقلية الشيعية بالحرية في ممارسة شعائرهم الدينية.
وتعتبر كافة جوامع الشيعة وحسينياتهم ومآتمهم ملكاً خاصاً، ولا تتلقى أي تمويل من الحكومة، وتتبع في إمارة دبي مجلس الأوقاف الجعفرية الخيرية، المشكَّل بمرسوم من حاكم دبي السابق، الشيخ مكتوم بن راشد. ولا يتم تعيين الأئمة لمساجد الشيعة من قبل هيئة الأوقاف والشؤون الإسلامية، ولكنها تراقب كل خطبهم عن كثب.
ورغم أن منهاج الدراسات الإسلامية المتبع في المدارس الحكومية يدرِّس المذهب السني فقط، إلا أنه لا ينال من المذاهب الإسلامية الأخرى.
ومن أبرز المساجد والمآتم الشيعية في دبي، مسجد الإمام علي، الذي يعد أقدم مساجدهم في الإمارة، وبالقرب منه يقع مأتم الحاجي ناصر، الذي أقيم في أواخر القرن التاسع عشر، ومأتم الكراشية.
أما في العاصمة أبوظبي، فلهم مسجد الرسول الأعظم، ومأتم البحارنة الكبير. وفي الشارقة يوجد لهم مسجد كبير أسمه الزهراء، وحسينية الزهراء، التي تعد من أقدم الحسينيات في الدولة برمتها.
مثل باقي المواطنين، لا يوجد للشيعة أحزاب أو جمعيات سياسية، إذ لا يسمح القانون في دولة الإمارات بتشكيل الأحزاب أو إقامة التجمعات السياسية.
ويذكر "تقرير حقوق الإنسان لعام 2005-2006"، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية، أن هذه الأقلية "لا تشغل مناصب عليا في الحكومة الاتحادية"، وفي الواقع فإن توزيع الحقائب الوزارية الاتحادية يستند إلى حصص كل إمارة والثقل القبلي، بشكل كبير.
وقد شغل أحد المواطنين الشيعة منصب وكيل وزارة الإعلام في السبعينيات، وهو الدكتور عبدالله النويس، الذي هو من بحارنة أبوظبي. ولم يترشح أي شيعي إلى مقاعد المجلس الوطني الاتحادي (البرلمان)، التي خضعت للانتخاب الجزئي، وغير المباشر في ديسمبر/ كانون الأول 2006.
تنعم الأقلية الشيعية بالازدهار الاقتصادي؛ فمعظم أفرادها يعمل في قطاع التجارة والأعمال الحرة.
وتاريخياً، غلب على "البحارنة" في الإمارات الاشتغال بالتجارة والمهن البحرية وصناعة الحلي.
من الشخصيات البارزة في المجتمع الشيعي الإماراتي، الشيخ عيسى بن عبدالحميد عيسى الخاقاني، إمام وخطيب الشيعة في العاصمة أبوظبي، وغدير ميرزا رئيس مجلس الأوقاف الجعفرية الخيرية بإمارة دبي.
المصدر: CNN
إضافة تعليق جديد