سيناريوهات الفصل الأخير من أزمة الرئاسة في لبنان!
حدث في إحدى الدورات الانتخابية خلال عهد الرئيس فؤاد شهاب، أن تراجعت حظوظ الشيخ الياس الخازن في منطقة كسروان.
وبما أنه كان محسوباً على خط الشهابية، فقد قصد القصر الجمهوري في «الذوق»، ليخبر الجنرال شهاب بالأمر، ويطلب منه المساعدة مع العناصر المؤثرة على سير الانتخابات.
واحتار شهاب في إرضاء الخازن، ثم وعده بنقل طلبه الى كل السفراء الذين يزورون القصر. ثم فتح سجل المواعيد، وقال إنه سيستقبل سفيري باكستان والبرازيل خلال ذلك النهار، وأنه حريص على طرح موضوع الانتخابات معهما.
ولما سمع الشيخ الياس جواب الرئيس، تأكد أنه نأى بالموضوع كي لا يلزم نفسه بأي وعد. لذلك وقف مستأذناً بالانصراف وهو يقول: يا فخامة الرئيس، شو بيقدر يخدمني سفير الباكستان أو سفير البرازيل؟ أنا عاوزك تحكي مع مختار عجلتون، ورئيس بلدية الذوق، وخوري سهيلة.
أعيدت هذه الواقعة الى ذاكرة اللبنانيين بعد فشل الوسطاء الاقليميين والدوليين في ايجاد حل توافقي ترضى به قوى الموالاة والمعارضة. والثابت أن المبعوثين الأجانب والعرب لم ينجحوا في ردم الهوة السياسية القائمة بينهما. والدليل أن جميع الموفدين عادوا بخفي حنين، بدءاً بوزير خارجية فرنسا برنار كوشنير وزميله أمين عام الرئاسة الفرنسية كلود غيان... وانتهاء بوزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط ومدير مكتب أمين عام الجامعة العربية السفير هشام يوسف. ويرى المراقبون أن الخطاب الأخير الذي ألقاه أمين عام «حزب الله» السيد حسن نصرالله، أعاد مسألة الاستحقاق الرئاسي الى الساحة المحلية اللبنانية، منتزعاً من فرنسا والولايات المتحدة ومصر والجامعة العربية، كل أمل في التوصل الى حل اقليمي أو دولي.
وبما أن توقيت الخطاب جمع مناسبة الاحتفال بـ «يوم الشهيد» مع مناسبة قرب انتهاء ولاية الرئيس اميل لحود، لذلك حدد السيد حسن نصرالله موقفه النهائي من كل القضايا المطروحة: أولاً - ان المعارضة لن تعترف بالرئيس إذا انتخب من غير توافق، بل ستعتبره مغتصباً للسلطة. ثانياً - ان «حزب الله» لن يقبل بنزع سلاحه، وهو في سبيل رفض تطبيق القرار 1559 على استعداد لتحدي العالم كله. ثالثاً - نحن نريد رئيساً غير الذي يريده الأميركيون... رئيساً مؤتمناً على كامل مساحة الوطن اللبناني الذي لا يجوز لأحد أن يلقي به الى أيدي مجموعة من اللصوص والقتلة من اتباع المشروع الأميركي - الصهيوني. رابعاً - تناشد المعارضة الرئيس اميل لحود، أن يقوم بما يمليه عليه ضميره ومسؤوليته الوطنية والدستورية، أن يقدم على اجتراح مبادرة انقاذية لمنع البلاد من الفراغ ان لم يحصل توافق، ذلك ان انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً عمل اسوأ من الفراغ... وبقاء حكومة غير شرعية يُعتبر اسوأ من الفراغ ايضاً.
التفسير السياسي للشروط الأربعة التي أعلنها السيد حسن نصرالله، تشير صراحة الى فشل محاولات التوفيق، والى أن مرشحي «لقاء معراب» لن يكونوا مقبولين على قائمة مستحقي الرئاسة. ويعزو المراسلون في بيروت، السبب الخفي لنسف الوساطات الخارجية، الى استبعاد سورية من كل الحلول. وعلى هذا علقت صحيفة «تشرين» الرسمية في افتتاحيتها قائلة: «لا مانع لدى الرئيس جورج بوش وإدارته أن تتدخل أميركا وأوروبا وآسيا وافريقيا وكل من هب ودب على وجه البسيطة في أدق الشؤون الداخلية اللبنانية. في حين يمنع على سورية فقط التدخل».
في ضوء هذه الاشارة السياسية الهادفة يمكن فهم الموانع التي حالت دون تنفيذ التوافق، على اعتبار أن دمشق لن تسمح لواشنطن بتسجيل هدف في المرمى اللبناني. ومعنى هذا أن لبنان لا يزال رهين اللعبة الاقليمية - الدولية، وأن دوره ككرة فوق ملعب الشرق الأوسط، يسمح للاعبين بتقاذفه بين الأرجل. وفي توصيف آخر ذكر أحد المحللين بأن المفتاح المحلي لا يكفي لفتح الخزانة الحديدية ما لم يدخل أيضاً المفتاح الاقليمي. وهذا ما حدث في حرب 1958 التي انتهت عقب اتفاق واشنطن والقاهرة. بل هذا ما حدث في مؤتمر الطائف الذي وصفه العماد ميشال عون في حينه بأنه «اتفاق سوري - عربي بغطاء دولي»!
أغدق السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير، جزءاً كبيراً من عبارات الثناء والمديح على الرئيس اميل لحود، ثم طالبه بضرورة اجتراح حل إنقاذي، وطني حسبما تمليه عليه مسؤوليته الدستورية.
في مرحلة سابقة، أصدر الخبير القانوني القاضي سليم جريصاتي، اجتهادات دستورية تسمح للرئيس اميل لحود بالبقاء في سدة الرئاسة الأولى، في حال تعذر تشكيل حكومة وحدة وطنية شرعية تتسلم صلاحيات رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولاية لحود (24 الجاري). أو في حال تعطيل عملية انتخابات الرئاسة.
وذكر جريصاتي في حيثيات الاجتهاد أن روحية الدستور تحتم استمرارية الدولة، وعدم الدخول في الفراغ. لذلك يمكن للرئيس لحود البقاء في القصر الى حين اجراء انتخابات الرئاسة، أو تشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى هي المسؤولية.
واعترض على هذا الاجتهاد عدد من النواب الذين قالوا انه لا يحق للرئيس البقاء في الحكم دقيقة واحدة بعد 24 تشرين الثاني (نوفمبر). والمخرج الوحيد لهذه العقدة يتمثل في تعديل الفقرة الثانية من المادة الدستورية الرقم 49، لجهة تمديد ولاية الرئيس لحود لفترة معينة.
وتتضمن المادة الـ49 في صيغتها النهائية على النص التالي: «رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن، يسهر على احترام الدستور والمحافظة على استقلال لبنان ووحدته وسلامة أراضيه وفقاً لأحكام الدستور. يترأس المجلس الأعلى للدفاع وهو القائد الأعلى للقوات المسلحة التي تخضع لسلطة مجلس الوزراء. ينتخب الرئيس بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس الوزراء في الدورة الأولى، ويكتفي بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي. وتدوم رئاسته ست سنوات، ولا يجوز إعادة انتخابه إلا بعد ست سنوات من انتهاء ولايته».
ويستفاد من مراجعة هذا النص ان مجلس الوزراء مجتمعاً يتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية بدءاً من 25 الجاري، اي بعد ان يغادر الرئيس اميل لحود القصر الجمهوري متوجهاً الى بعبدات. أما بقاؤه فيعتمد على إمكان تعديل الفقرة الثانية من المادة الدستورية الرقم 49 لجهة تمديد ولايته لفترة معينة. وهذا التعديل يستلزم الحصول على ثلثي أعضاء مجلس النواب. وهذا ما لا يمكن تأمينه في ظل الظروف السياسية الراهنة.
يتردد في القصر الجمهوري ان لحود أخذ من الرئيس الباكستاني برويز مشرف، المثل لإعلان حال الطوارئ، عملاً بالدور الذي خصه به الدستور، اي المحافظة على سيادة الوطن واستقلاله. وهو يرى ان البلاد قد تغرق في حرب أهلية في حال لم ينتخب خلفه، أو في حال اعتراض فريق 8 آذار الذي يعتبر حكومة فؤاد السنيورة غير شرعية.
ولكن هذا المخرج اصطدم بالممانعة الدستورية لأن إعلان حال الطوارئ من قبل الرئيس، وبصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، يخضع لسلطة مجلس الوزراء، وماذا لو ان جماعة 8 آذار لا تعترف بشرعية حكومة السنيورة، كما أعلن السيد حسن نصرالله والعماد ميشال عون؟
الحل في تشكيل حكومة ثانية تمنح الرئيس لحود هذه الصلاحيات الاستثنائية. وبما ان هذا الخيار اصبح في مقدم الخيارات المطروحة، فقد طلب وليد جنبلاط من المحامي شبلي ملاط اعداد دراسة حول هذا الموضوع من الناحية القانونية.
ويتوقع موظفو القصر ان يجمع الرئيس اميل لحود اعضاء المجلس الأعلى للدفاع يوم الجمعة المقبل، ويقوم بتسليمهم زمام الأمور الأمنية. ويكون بهذه الخطوة قد تجاوز قائد الجيش العماد ميشال سليمان، وتجاوز مجلس الوزراء ايضاً.
يقول المحللون إن الخطاب الأخير للسيد حسن نصرالله، ألغى مهمة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي كان يبحث عن «رئيس توافقي له علاقة مميزة مع سورية وطيبة مع أميركا». ولكن المواصفات التي تضمنها الخطاب ترفض الاعتراف بالشق الثاني من مواصفات بري، الأمر الذي يشير الى انتهاء دوره. كما يشير الى انتهاء دور البطريرك الماروني نصرالله صفير الذي كان يبحث مع القيادات الروحية والسياسية عن اسم توافقي يرضي الموالين والمعارضين. ويقال في تفسير هذا الموقف المحدد ان «حزب الله» اتخذه إكراماً لحليفه العماد عون. وربما اشتكى عون من تجاهله أثناء عرض الاسماء بحجة ان «حزب الله» لا يريد نسف الجسور مع بكركي أو مصادرة دورها. وكي يقطع حملة التأويل بأن «حزب الله» قد يرضى بالنائب فريد الخازن رئيساً بديلاً في حال تعذر ايصال عون، فإن العماد كاشف المسؤولين في الحزب، بأنه لا يتحمل مسؤولية نواب حزبه، وبأنه وحده ملزم بالوقوف مع المقاومة.
يبقى السؤال المتعلق بجماعة 14 آذار وبالخطوات العملية التي قد تعتمدها للخروج من أزمة فراغ الرئاسة!
الجواب القاطع أن هذه الجماعة تتهيأ لانتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً، وأن الترتيبات الأمنية أعدت لجلسة انتخاب الرئيس في البرلمان أو في مكان آخر. ويرى قادة «حزب الله» أن الرد على هذا التحدي سيقابل بالتصعيد، لأن هذه الخطوة الاحادية الجانب ستجدد سيناريو 1988، وتدخل البلاد في حال الشرذمة والانقسام. ويدعم بعض نواب «لقاء معراب» فكرة انتخاب رئيس، باعتباره يمثل الهدف الأخير عقب خروج وزراء الطائفة الشيعية من حكومة السنيورة.
أمين عام الأمم المتحدة بان كي مون، عبّر عن قلقه الشديد إزاء الوضع المتأزم في لبنان الذي يمكن أن يجدد سيناريو الحرب الطويلة 1975 - 1990. وقال ايضاً: ما يخيفني هو أنه في مواجهة انعدام القدرة على انتخاب رئيس، يمكن أن تقوم حكومتان أو يتم انتخاب رئيسين. ومثل هذا المأزق - إذا حدث - يشكل وضعاً مقلقاً للأمن والسلام في المنطقة كلها، وليس في لبنان فقط.
وفي تصوره أن التحديات تتجاوز لبنان ومسألة الانتخاب، لتصل الى معركة هوية لبنان وارتباطاته الخارجية، أي معركة صدام مشروعين دوليين - اقليميين يتصارعان على أرض لبنان!
سليم نصار
المصدر: الحياة
إضافة تعليق جديد