سورية ... بفوقية

14-03-2014

سورية ... بفوقية

الجمل_ بشار بشير: مباشرة بعد الإستقلال ابتدأ شكل للعلاقات بين سورية ومحيطها، يتكون ورغم الرغبة والمصلحة السورية في كون هذه العلاقات سلسة وتعاونية إلا أنها في كثير من الأحيان ومع الكثير من الأطراف لم تكن كذلك، كان هناك دائماً صراع دولي وإقليمي في سورية وعلى سورية ولكنه كان صراعاً محكوماً رغم سوئه بضوابط، كان يمكن التصرف كيفما كان للفوز بالصراع، ترغيب ترهيب معاهدات مؤامرات وحتى إنقلابات.
الضابط الوحيد أو الخط الأحمر الذي لم يتجاوزه أحد (بعد الأستقلال) هوالمساس بكيان الدولة السورية الجغرافي والإجتماعي (كما أرسته أتفاقية سايكس بيكو للأسف) حتى دخلنا أزمة (حرب) 15/3/2011 حيث ولأول مرة يحاول البعض تجاوز المحرَّم ليس فقط بالمساس بشكل الدولة وبكيانها وإنما عندما ثبت له أنه خاسر في الصراع فقد قرر قبل الإنسحاب أن يحاول إنهاء سورية كدولة تماماً عبر تفكيكها إجتماعياً وسياسياً وجغرافياً وعبر محوها كدولة بتدمير ممنهج لكل بنيتها الإجتماعية والمدنية والإقتصادية والثقافية والتاريخية.
بعد التسبب بكثير من الأضرار وبعد التوغل بعيداً في تجاوز كل المحرمات انقسمت الدول المعادية والمحاربة لسورية إلى ثلاثة أقسام:  أولهم الدول الغربية والأوروبية التي استشعرت مدى خطورة ما وصلت إليه الحرب في سورية مع إمكانية تأثرها هي ببعض هذا الخطر فأصابها إنعدام توازن أوإنعدام يقين، فهي من جهة تريد تنفيذ خطتها القذرة في سورية ومن جهة أخرى تريد أن تكون بعيدة عن إرتداداتها، وهي عندما أيقنت أن هذه الإرتدادات لابد ستصيبها لم تستطع الإنسحاب أوالتوقف عن خوض الحرب في سورية فصلفها الإستعماري أوالإمبريالي يمنعها، وحقدها المتأصل على سورية يمنعها (حاولت كثيراً أن أجد أسباباً للحقد الأوروبي على سورية والذي بدأ منذ ألف عام تقريباً أي مع بدء تشكل الدول والممالك الأوروبية ولم أعثر على أي حركة قامت بها سورية عبر تاريخها تبرر حقد الأوروبيين عليها،إنه حقد صرف موجود بشكل بنيوي في التفكير الأوروبي).
القسم الثاني هوالدول التابعة للدول الغربية والأوروبية  ويأتي على رأسها الدول العربية (الشقيقة) والتي تأتمر بأي إشارة تصدر من الدول السابقة، وهي أيضاً تعيش مرحلة عدم توازن عنيفة، فإنكشاف المؤامرة في سورية أحرج هذه الدول، وتذبذب بوصلة مشغليهم قطّع بهم السبل فضلوا (وهم من الضالين أصلاً على مر تاريخهم) فلم يعودوا متيقنين ماذا يجب أن يفعلوا، الوقائع تظهر أنهم سيستمروا بتنفيذ الأوامر القديمة حتى تأتيهم أوامر جديدة (وكفى الله الأعراب شر التفكير) .
القسم الثالث وهوبالحقيقة ليس قسماً هودولة واحدة استمرت بالإندفاع في العملية التدميرية والتفكيكية الخطيرة هذه "الدولة "هي عدوتاريخي لسورية سبقت عداوتها عداوة الأوروبيين (التي ذكرتها في الأسطر السابقة)... هي ما يُدعى الآن السعودية.  
قريباً ستنتهي هذه الحرب بعكس ما اشتهى مفجروها وسيكون على سورية (المنتصرة) إعادة صياغة شكل علاقاتها مع محيطها، وهنا تلح علينا أسئلة بعضها تلقينا إجابات أولية عنها وبعضها الآخر نحن بإنتظار الإجابة عليه والبعض نتفهم أنه لايمكن الإجابة عليه مباشرة وستظهر إجابته عبر تصرفات الدولة على الأرض.  رغم ذلك سنسأل وربما في صيغة بعض الأسئلة يكمن الجواب الذي نتمنى الحصول عليه!
الجامعة العربية (التي يجب أن يترفع كل السوريين عن التلفظ باسمها واسم أمينها العام) تضع نفسها في موضع المقرر الذي يحق له طرد سورية  ويحق له وضع الشروط على عودتها، ويحق له إختيار من سيجلس على كرسي سورية في هذه "الجامعة".
ما يهمنا هنا هو قرار سورية هل ستقبل أن تعود "للجامعة العربية"؟ هل ستقبل سورية أن تعوِّم هذه الهيكلية المتهالكة  التي لم تنجز شيئاً عبر تاريخها(القميء) سوى تشريع ومباركة تدمير بعض دولها الأعضاء.
أيضاً انتشرت أخبار صحفية تقول ان أمير قطر يحاول أن يفتح قنوات للتواصل مع القيادة السورية.  ماذا تعني قطر لسورية وماذا تشكل ؟ وماالذي يربط قطر بسورية؟ وبماذا يؤثر وجود قطر أوعدم وجودها كلية على سورية؟ كتبت منذ فترة واليوم أصرعلى ما كتبته، العلاقة التي يمكن أن تربطنا بقطر هي علاقة باردة تحتفظ فيها سورية بفوقية واضحة والهدف من هذه العلاقة هوتقديم قطر لتعويضات نقدية وعينية عن الأضرار التي سببتها لسورية مرفقة هذه التعويضات بكثير من الأسف والإعتذارات التي لن نقبلها ولكن على قطر تقديمها.
نصل للسعودية التي لم تكن علاقتنا معها عبر التاريخ إلا علاقة غزو وحرب وقطيعة وتآمر، كانت سورية  تحاول عبثاً تجميل هذه العلاقة حتى وصلنا إلى ما يحصل اليوم حيث سقطت الأقنعة ولم تعد تنفع مساحيق التجميل.
هل إذا حصل ما يُحكى عنه من تغيير في المستوى القيادي السعودي سنقول عفا الله عما مضى ها قد ذهبت الأفعال بذهاب فاعيليها ولنبدأ مع السعودية من جديد ؟ هل إذا حصحص الحق وكبحت السعودية جنونها تجاه سورية سنقبل أن تعود المياه لمجاريها ؟ هل يمكن أن نعامل السعودية مثل قطر بأن نقايضها علاقتنا معها بتعويضات تدفعها، وعن ماذا وكيف ستعوضنا ؟
هل يمكن تعويض الأرواح التي أزهقت والطموح الذي أجهض والأثر التاريخي الذي دمر والجسد الإجتماعي الذي مزق ؟ كيف سنصوغ علاقاتنا الجديدة مع السعودية وهل يجوز إعادة صياغة هذه العلاقة بالإتكاء على نظريات ومقولات ماقبل الحرب مثل الأخوة العربية ومثل الصلات الدينية والإجتماعية.
حسناً لقد ضربت السعودية بالعروبة عرض الحذاء وليس عرض الحائط وزادت بأن حرمت ومنعت السوريين من الحج أي أنها لاتقيم للصلات الدينية وزناً، وهذا ليس أول منع  فقد مُنع السوريون من الحج وقت الوحدة مع مصر، ومراراً إبان الإحتلال العثماني نتيجة لخلافات بني سعود مع السلطان العثماني وولاته.

من الواضح أنه من العصي قيام علاقة صحية بين سورية والسعودية بشكلها الحالي التي لم يخرج فيها صوت واحد من أي مستوى إلا ويناصبنا العداء نظرياً وعملياً.  وهنا يمكننا الإستفادة من تجارب التاريخ لحل معضلة هذه العلاقة، إيران الشاه عدوة سورية والمنطقة ورأس حربة المؤامرات والشرطي ذوالهراوة تحولت بعد الثورة على الشاه إلى الحليف الأوثق لسورية. ... هاهوالتاريخ يقدم لنا دروسه.
موضوع شائك لابد من السؤال عنه أيضاً، إنه علمانية الدولة. لم تحافظ سورية على عدالتها أوتوازنها العلماني وأفسحت المجال  للتيارات الإسلامية على حساب التيارات الأخرى (أياً كانت) خاصة العلمانية

لا ننكر أن ظروفاً فاعلة فرضت على سورية إفساح المجال للإسلاميين ولكن الغريب أن هذا الإفساح قابله تضييق على العلمانيين، أنا هنا أتحدث عن الإسلام السياسي ولنا في مصر أسوة حيث ميزت بين دين الإسلام وبين الإسلام السياسي ولم تتوان سلطةً وشعباً عن الاصطدام مع الإسلام السياسي ومحاربته دون أن يُعتبر هذا خروجاً عن الدين.  والسؤال هل ستعود سورية إلى توازنها العلماني حتى لوتطلب هذا بعض الصدامات ؟
أنتهجت سورية منذ إستقلالها سياسة خارجية سمحة تصالحية  ولم تمانع في أن تكون "حمّال الأسية "

انظروا إلى شكل علاقاتنا مع الدول العربية. انظروا إلى إتفاقياتنا مع تركيا ومقدار المحاباة التي فيها لتركيا على حساب سورية، انظروا لإتفاقاتنا حتى مع لبنان وستستغربون أن أكثر هذه الإتفاقات تحوي بنوداً لصالح لبنان وظالمة لسورية وكأن لبنان يحتل سورية (عكس ماكان الجميع يَعتبر ويروِّج)، كانت سورية تعتبر أن سياستها السمحة تخدم هدفها الأستراتيجي الكبير ولعلها كانت محقة لكن الذئاب التي حولنا فهمت التصرف السوري على أنه سماح لها بالتمادي إلى حد نهشنا.  والسؤال هل سنحتفظ بطيبتنا التي لا يستحقها إلا القلائل ؟ وهل سنستمر يإطعام الذئاب إن لم يكن من لحمنا فمن زادنا ؟ ألا يحق لسورية بعد الحرب أن تتصرف بلؤم وبكثير من الفوقية ؟ لعل هذه من أهم صفات الدولة في هذا الزمن ومعها صفة أخرى لا تقل أهمية في رسم هيبة الدولة ولا يجب على سورية نسيانها، إنه ثأر الدولة، هل سنكتفي بأن ينكفئ من ولغوا في دمنا إلى الظل وسنعتبر أن حقنا وحق شهدائنا قد وصلنا بانكفائهم ؟ أحد أبلغ مظاهر عظمة الدولة أن لا تنسى ولا تترك ثأرها, هل تريد أن تُظهِّر عظمتك طبق عقوبتك، الله جل جلاله يتصرف هكذا.

لازال يحز في نفسي أن الأرمن على يد أسطفان زاغكيان  ثأروا لقتلاهم بتنفيذ  القصاص العادل بأحمد جمال التركي العنصري بينما لازال السوريون يسمونه جمال باشا وإن أضافوا له لقب السفاح، كانوا هم الأولى بالثأر منه بعد أن أَعدم ظلماً وحقداً وعنصرية نخبة رجالهم .  كم أحمد جمال السفاح قد ولغ في الدم السوري في هذه الحرب ؟ هل سنكتفي  عقوبه لهم أن يزاحوا إلى الظل, أم هل سننتظر أسطفان آخر ليثأر لنا ؟ القضاء على الإرهاب ليس بإنهاء أدواته فقط وإنما بالإقتصاص من رؤوسه أيضاً.  "يجب سحق الإرهاب "صرخة أُطلقت في قاعة صغيرة تمثل كل سورية متبوعة بتساؤل:  عم تسمعونا ؟ نعم نسمعك بوضوح يا سيادة الرئيس.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...