دمشق: الانسحاب من المدن مشروط بوقف التسليح والتمويل
اتهم مسؤول سوري، أمس، دولا عربية وإقليمية بتغذية حرب أهلية في سوريا، مشيرا إلى أن مواقف بعض الدول هي بمثابة إعلان حرب وعدوان على سوريا، متهما هذه الدول بالسعي لإفشال مهمة مبعوث الأمم المتحدة والجامعة العربية إلى سوريا كوفي انان، موضحا أن انسحاب القوات من المدن «مشروط باستكمال أنان خطته، عبر الطلب من الدول التي تسلح وتمول بالتوقف عن التسليح والتمويل، وأن يضمن أنان ذلك».
وقال المسؤول، الذي طلب عدم ذكر اسمه خلال لقاء مع صحافيين في دمشق، ان انان وسوريا والعديد من الدول الأخرى ترغب في إنجاح مهمة المبعوث الدولي، لكن «هذا ليس موقف كل الدول» في إشارة إلى قطر والسعودية وتركيا وأيضا الولايات المتحدة.
في هذا الوقت، أعلن مجلس الأمن، في بيان، دعمه خطة انان، ودعا السلطات السورية للالتزام بمهلة تنتهي في 10 نيسان الحالي لوقف القتال، و«كل الأطراف بما فيها المعارضة إلى وقف العنف المسلح بكل أشكاله في غضون 48 ساعة من تنفيذ الحكومة السورية» هذا الأمر، محذرا من انه «سيدرس اتخاذ مزيد من الخطوات كما يراه مناسبا» إذا لم يتم هذا الأمر.
وطالب المجلس الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بتقديم اقتراحات لنشر مراقبين دوليين في سوريا لمراقبة تنفيذ وقف العنف، وذلك بينما وصل فريق بعثة استطلاعية دولية أرسله انان إلى دمشق لتمهيد الطريق لإمكان الاتفاق مع السلطات السورية على هذا الأمر.
وقال انان، الذي يزور طهران في 11 نيسان، إن السلطات السورية أبلغته أنها بدأت سحب قواتها تدريجا من ثلاث مدن، إلا أن تقارير لا تزال ترد مشيرة إلى أن مستوى الضحايا في سوريا «مقلق». وشدد، امام الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر الفيديو من جنيف، على أن «الجيش السوري والمسلحين يجب أن يوقفوا كافة أعمال العنف بحلول الساعة السادسة صباح 12 نيسان بتوقيت سوريا، إذا التزمت الحكومة بالموعد النهائي لوقف القتال في 10 الحالي».
وكشف المسؤول السوري أنه خلال الاجتماعين بين الرئيس بشار الأسد وأنان في دمشق، أكد الأول أن أكثر ما يعني سوريا في الوقت الراهن «هو تعزيز سلطة الدولة وحماية المواطنين»، معتبرا في حديثه لأنان أن «أي خطة يجب أن توفر الأمن لمواطني سوريا، ولا تجلب مزيدا من العنف» وهو ما وافق عليه المبعوث الدولي، مشددا على أهمية أن تكون «الدولة السورية طرفا محاورا بحد ذاته في مقابل صعوبة الاتصال بالأطراف الأخرى» في إشارة إلى تشتت المعارضة وتعقد تركيبتها.
ورأى المسؤول في تقييمه للمحادثات التي جرت بين الطرفين أن أهم التحديات التي تواجه مهمة أنان يتمثل في وقف العنف، مشيرا إلى أن «ما يزيد الطين بلة أن ثمة دولا تصرح وتقوم بالتحريض والتسليح والتمويل»، معتبرا أن توقف العنف يحصل مع توقف هذا الأمر. وتابع «لا يمكن إنهاء المظاهر المسلحة وهناك دول تعلن أنها تسلح المعارضة. إن هذا الإعلان بمثابة إعلان حرب وإذكاء لحرب أهلية وهو عدوان على سوريا».
وفي إشارة إلى المحادثات بين الحكومة السورية وأنان، كشف المسؤول أن سوريا أرسلت بالفعل رسالة رسمية إلى المبعوث الدولي تبلغه فيها البدء بسحب الآليات الثقيلة من المناطق السكنية، وتضمنت الإشارة إلى سحب الآليات العسكرية الثقيلة من المدن في الأول من نيسان، مشيرة إلى الأمكنة التي جرى منها ذلك، على أن «تستكمل سحب بعض الوحدات من المناطق الساخنة في 10 نيسان»، كما عاد وزير الخارجية وليد المعلم وبعث برسالة ثانية إلى أنان أمس الأول يؤكد فيها «عكس ما تداولته وسائل الإعلام من اعتبار هذا التاريخ (10 نيسان) تاريخ إنهاء الانسحاب»، ومؤكدا على عبارته السابقة «سحب بعض وحدات الآليات الثقيلة من المناطق الساخنة». ووعد المعلم بإجراءات إضافية بعد أن يحقق انان شرط «وقف تسليح المسلحين ونزع أسلحتهم، وأن يضمن للحكومة السورية آلية لضمان عدم إطلاق النار على المواطنين».
وقال المسؤول ان محادثات هاتفية جرت بين الطرفين أمس الأول أيضا، أكد فيها المعلم ما قاله في رسالته «بأن السحب (للقوات) مشروط باستكمال أنان خطته، عبر الطلب من الدول التي تسلح وتمول بالتوقف عن التسليح والتمويل، وأن يضمن أنان ذلك». وطالب المعلم «بتحقيق التزامن» بين الأمرين، بحيث تقوم سوريا بالإعلان رسميا عبر «رسالة موقعة بتنفيذ بعض بنود الخطة، على أن يعلم أنان الجانب السوري بقيام الطرف الآخر بتنفيذ ما عليه».
وأوضح المسؤول أن أنان قال ان هناك من فريقه مَن يتحدث للمعارضة في اسطنبول وغيرها، مشيرا إلى أن «هناك دولا تعمل مع سوريا وتريد نجاح مهمة المبعوث الدولي، كما أنه هو لا يرغب في الفشل»، ليذكر مجددا أن «استكمال الانسحاب لا يجري إلا بعد ضمان انتهاء وقف التسليح والتمويل». ورأى أن إصدار بيان رئاسي حول مهمة أنان في مجلس الأمن «لا يساعد، والذي يساعد هو وقف العنف والتسليح».
وحول ما إذا كانت الحكومة السورية مستعدة للحوار مع المعارضة، قال المسؤول «نحن جاهزون كحكومة للحوار، لكن المعارضة هي من لا يقبل به».
وشدد وزير الدفاع السوري العماد داود عبد الله راجحة، خلال تمثيله الرئيس السوري بشار الأسد في احتفال بتخريج دورة ضباط القيادة والأركان ودورة الأركان في دمشق، على أن «سوريا أدركت منذ البداية حجم المؤامرة، وأن ما يجري أبعد ما يكون عن الإصلاح والحرية والديموقراطية لأنه يستهدف الدور الريادي المقاوم والفاعل لسوريا التي أدارت الأزمة بحكمة وروية، عبر إصدار حزمة من الإصلاحات الكفيلة بالانتقال إلى واقع أكثر حداثة وعصرنة». وأضاف ان «الفصول الأخطر من المؤامرة تم تجاوزها، ولن يكون نصيب ما تبقى منها بأفضل من غيره من المشاريع التي تحطمت على صخرة الصمود السوري، شعبا وجيشا وقيادة».
وقدم مجلس الأمن الدولي، في بيان رئاسي، دعمه الرسمي لموعد 10 نيسان الذي حدده انان لوقف «العنف».
ودعا المجلس «الحكومة السورية إلى التطبيق العاجل والواضح لالتزاماتها بحسب ما وافقت عليه في اتصالها مع المبعوث في الأول من نيسان بان توقف جميع تحركات قواتها باتجاه المراكز السكانية، وتوقف استخدام جميع الأسلحة الثقيلة في هذه المراكز، وتبدأ سحب الحشود العسكرية من المناطق السكانية وما حولها، وتطبيق هذه الخطوات بأكملها في وقت لا يتعدى العاشر من نيسان».
كما دعا المجلس «جميع الأطراف بما فيها المعارضة، إلى وقف العنف المسلح بجميع أشكاله خلال 48 ساعة من تطبيق الحكومة السورية الكامل هذه الإجراءات. كما يدعو المعارضة إلى الدخول في حوار مع المبعوث بهذا الشأن». ودعا المجلس الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى تقديم مقترحات بشأن بعثة مراقبة تابعة للأمم المتحدة تراقب الالتزام بأي هدنة تعقد في المستقبل.
وأضاف البيان إن «مجلس الأمن يطلب من المبعوث اطلاع المجلس أولا بأول على مستجدات وقف العنف طبقا للجدول الزمني المذكور سابقا، وعلى التطور باتجاه تطبيق الاقتراح المؤلف من ست نقاط بأكمله. وفي ضوء هذه التقارير، فإن المجلس سيدرس اتخاذ مزيد من الخطوات كما يراه مناسبا».
وقال دبلوماسي غربي رفيع المستوى إن الأعضاء الغربيين في المجلس يأملون أن يقدم انان إفادة إلى المجلس في 11 نيسان تعلمهم بما إذا كانت دمشق قد التزمت بالمهلة الأولى أم لا، ثم مرة ثانية في 13 الحالي، بعد انتهاء مهلة الـ 48 ساعة التالية. وأضاف ان انان سيكون الشخص الذي يقرر ما إذا كانت سوريا قد التزمت بالمهلة استنادا إلى «أفضل المعلومات المتاحة».
وقال انان إن الحكومة السورية أبلغته أنها بدأت «الانسحاب الجزئي» من مدن ادلب والزبداني ودرعا. وأضاف «ما زلت بانتظار المزيد من العمل ومعلومات أكثر اكتمالا».
وأضاف «من الواضح انه يلزم القيام بأعمال اكبر بكثير وبشكل ملح. ويلزم القيام بخطوات فورية ويمكن التحقق منها لإكمال تطبيق الالتزامات في الأيام الحاسمة المقبلة». وتابع «من الواضح أن العنف لا يزال متواصلا. ولا تزال ترد تقارير يومية عن مستويات مقلقة من الضحايا وغيرها من الانتهاكات».
وكشف أنان عن أنه «إذا سحبت الحكومة قواتها وأسلحتها الثقيلة من المدن بحلول العاشر من نيسان، فإنه سيدعو إلى الوقف الكامل للأعمال العدائية بحلول الساعة السادسة صباحا بتوقيت دمشق في 12 نيسان»، مفيداً عن حديث لفريقه مع جماعات المعارضة التي التزمت على أساسه «بالدعوة الى وقف العنف فور تطبيق الحكومة السورية التزاماتها بوضوح».
وحث وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في اتصال هاتفي انان، على الضغط كذلك على المسلحين السوريين. وقالت وزارة الخارجية الروسية، في بيان، إن لافروف ابلغ انان هاتفيا ان موسكو دعمت بيان مجلس الأمن بناء على فهمها انه سيتم فرض موعد نهائي ثان للمعارضة السورية المسلحة بإلقاء السلاح. واضافت ان لافروف «اكد انه يجب على المعارضة السورية، وليس فقط السلطات السورية، ان تتخذ خطوات ملموسة» باتجاه وقف العنف.
وكان لافروف اعلن ان موسكو يمكن ان تؤيد بيانا لمجلس الامن يدعم الجدول الزمني الذي طرحه انان لوقف إطلاق النار في سوريا إذا لم يتضمن «تهديدات ومهلا نهائية» ضد الرئيس السوري بشار الأسد. وقال «قبلت الحكومة السورية مقترحات (انان) وبدأت تنفيذها ومن المهم جدا عدم تقويض هذه العملية بمواعيد نهائية وتهديدات»، لكنه أضاف «مع الأسف هناك الكثير من الراغبين بإصدار الإنذارات والتهديدات. وقد ذكرنا اجتماع أصدقاء سوريا. ففي الوقت الذي يصر فيه كوفي انان على ان الحكومة والمعارضة يجب ان تسحبا قواتهما من المدن نسمع من اسطنبول بيانات تحث المعارضة على اتخاذ خطوات أخرى».
وأعلن المتحدث باسم المبعوث الدولي احمد فوزي، في إفادة صحافية في جنيف، أنه تم توجيه طلب للدول الأعضاء في الأمم المتحدة لتوفير قوات لبعثة مراقبة وقف إطلاق النار تنشر في سوريا بعد 10 نيسان. وقال إن «التقارير الإعلامية عن نشر ما بين 200 و250 مراقبا غير مسلح ليست بعيدة للغاية» عن الواقع، مضيفا ان القوة ستنشر تدريجا.
ووصل فريق طليعي أرسله انان إلى دمشق ليبدأ مناقشة الانتشار الكامل، الذي يتطلب صدور قرار من مجلس الأمن. وقال فوزي «فريق التخطيط بالكامل في دمشق الآن. هناك نحو 10 أو 11 منهم». ويرأس الفريق النروجي الجنرال روبرت مود المختص بشؤون الشرق الأوسط، والذي سيلتقي مع مسؤولين في السلطات السورية لبحث «تفاصيل نشر بعثة المراقبين الدوليين».
وأعلن فوزي أن مكتب انان، الذي سيجري محادثات في طهران في 11 نيسان، على اتصال وثيق مع المعارضة السورية داخل سوريا وخارجها. وقال «نتلقى إشارات إيجابية من المعارضة تفيد بأنه متى تلتزم الحكومة بمهلة العاشر من نيسان فإنها ستلقي أسلحتها أيضا». وأضاف «وقف جميع الأطراف للعنف ليس هدفا في حد ذاته. سيكون مؤشرا على بدء عملية سياسية. الحقيقة أن انان لم يبدأ بالتفكير فيها وحسب بل يعمل أيضا نحو صيغة مقبولة للجميع لا أستطيع الخوض فيها الآن».
وفي واشنطن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية مارك تونر ان واشنطن «لم تر مؤشرات على التزام قوات الاسد بخطة انان». واضاف «ان العقاب لعدم الالتزام سيكون زيادة الضغط على الاسد وعلى نظامه، ورسالة واضحة الى من حوله انهم يقفون في الجانب الخاطئ من التاريخ».
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه انه «غير متفائل» بشأن تطبيق النظام السوري خطة انان. وقال، في باريس، «هل يمكن أن نكون متفائلين؟ لست كذلك، لأنني أعتقد أن بشار الأسد يخدعنا. إنه يتظاهر بقبول خطة انان المكونة من ست نقاط بينما لا يزال يستخدم القوة في الوقت نفسه». وأشار إلى أنه «إذا لم يلتزم الأسد بخطة انان فإنه لن يكون في مقدور المجتمع الدولي عندئذ السماح باستمرار المجازر إلى أجل غير محدد».
وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر، في بيان، أن السلطات السورية وافقت على زيارة اللجنة «لاماكن الاحتجاز». وقال البيان ان «وزارة الخارجية والمغتربين وافقت على الإجراءات المحددة لزيارة أماكن الاحتجاز» في سوريا، مشيرا إلى أن هذا الاتفاق «سيوضع موضع التنفيذ في زيارة تقوم بها اللجنة الدولية للأشخاص المحتجزين في سجن حلب المركزي».
وتأتي هذه الموافقة ضمن اتفاق توصل إليه رئيس اللجنة جاكوب كيلنبرغر خلال مباحثات أجراها مع مسؤولين سوريين خلال زيارته سوريا تسمح «بحضور أوسع للجنة الدولية في البلاد». وأضاف البيان «تم الاتفاق أيضا بين الخارجية السورية واللجنة الدولية على إجراء يتعلق بكيفية تفعيل مبادرة اللجنة الدولية التي تطالب بوقف القتال لفترة محددة لدواع إنسانية في المناطق المتضررة من القتال».
زياد حيدر
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد