خيارات قليلة أمام الحكومة السورية لمحاربة عقوبات الوقود
الكاتب: سارة الديب (Sarah ElDeeb)- ترجمة لينا جبور
تسعى الحكومة السورية للتعامل مع أسوأِ أزمة وقود مرَّت بها منذ اندلاع الحرب في عام 2011، وتفاقمت هذه الأزمة بسبب العقوبات الأمريكية التي تستهدف شحنات النفط المتوجهة إلى دمشق.
وقد ظهر ارتياح مؤقت عندما وصلت الاحتياطيات أو النفط المهرب إلى السوق، وقلّت أعداد الأشخاص، بنسبة بسيطة، في الصفوف المزدحمة أمام محطات الوقود، وكذلك كان الأمر بالنسبة إلى الذّعر العام الذي تُرجم إلى انتقاد واسع لسياسات الحكومة.
لكن ينبغي على الحكومة السورية اتخاذ إجراءات ضروريّة أكثر دراماتيكية، فهي تحتاج إلى شراء أكثر من 75% من الوقود من مصادر خارجية.يقول الخبراء: يجب على دمشق إما استعادة السيطرة على حقول النفط في الشرق التي تسيطر عليها حالياً "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة من الولايات المتحدة، أو استبدال خطوط إمدادات النفط التي كانت تأتي من إيران بأخرى جديدة من روسيا
–ما يقتضي كلفة على المستوى السياسي.
يمكن للقوات الحكومية وحلفائها القيام بخطوة سريعة في الشرق إذا واصلت واشنطن الحديث عن سحب قواتها المتمركزة هناك، والعمل مع "قوات سوريا الديمقراطية". إنَّ الانسحاب الأمريكيّ من شأنه أن يتيح لتركيا فرصة لشنِّ هجوم خاصٍّ بها لإبعاد "قوات سوريا الديمقراطية" التي تعدّها تهديداً لها، وتوسيع حدودها. ومع ذلك، هناك علامات على أن الولايات المتحدة قد تعيد النظر في خططها.
وقال فابريس بالانش، الخبير في الشؤون السورية بجامعة ليون، في نهاية المطاف، لا مفر من الهجوم على الشرق. «عندما تهاجم تركيا الأكراد، ستستولي قوات الأسد على حقل العمر النفطي. وهذا أمر آتٍ، ربما بعد ثلاثة أشهر؟ أو ستة أشهر؟ أو عام واحد؟».
تحتاج سورية في الوقت الحالي إلى النفط. فقد وصل الإنتاج المحلي هذا العام إلى 24 ألف برميل يومياً –أي نحو 20-25% من إجمالي الاحتياجات– من أصل 350 ألف برميل يومياً قبل الحرب. ويقول المسؤولون الحكوميون: إنَّهم بحاجة إلى وقود مدعوم بقيمة 2.7 مليار دولار كل عام.
كانت إيران التي قدمت الدعم العسكري الحيوي للرئيس الأسد المزوِّد الرئيس للنفط، غير أنَّ طهران تشعر الآن بالخطر، إذ تشدد الولايات المتحدة العقوبات عليها.إنَّ الخط الائتماني الذي أمدّت إيرانُ به دمشق منذ عام 2013 لتزويد النفط قد توقف، وتوقفت معه شحناتها النفطية في أواخر العام الماضي. جاء ذلك بعد العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر على شبكة امتدت إلى سورية وإيران وروسيا، وكانت مسؤولة عن شحن النفط إلى الحكومة السورية.أصدرت وزارة الخزانة أيضاً تحذيراً عالميّاً من العقوبات المفروضة على شحنات النفط غير المشروعة، مع تسمية سفن معينة والضغط على شركات التأمين. لا تزال ناقلة واحدة على الأقل من النفط الإيراني المتجهة إلى سورية ترسو خارج قناة السويس منذ كانون الأول/ديسمبر، وفقاً لموقع TankerTrackers.com.وصلت الليرة السورية إلى واحدة من أدنى قيمها منذ سنوات، نحو 590 ليرة/للدولار في السوق السوداء مقارنة بالسعر الرسمي البالغ 430 ليرة، ما أدى إلى ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
يستفيد الوسطاء من العقوبات عن طريق شراء النفط وإدخاله برّاً، وعادة ما يكون ذلك من العراق أو لبنان –ما يوفر نحو 20% من احتياجات دمشق. يتم تهريب بعض الكميات من حقول النفط في شرق سورية، وقد حافظت هذه التجارة على استمرارها؛ بينما كانت المنطقة تحت سيطرة "داعش"، وتستمر الآن تحت سيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" بقيادة الأكراد. في الآونة الأخيرة، رصد نشطاء وسكان دمشق شاحنات نفط تعبر الحدود إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
هذا، وعلى المدى البعيد، قد يتعين على "قوات سوريا الديمقراطية" التفاوض مع دمشق بشأن حلٍّ وسط، بالنظر إلى اعتمادها غير المستقر على الحماية الأمريكية. لكن في الوقت الحالي، تسعى "قوات سوريا الديمقراطية" إلى فرض العقوبات، وتشديد السيطرة على طرق الإمداد وتأمين الجسور عبر نهر الفرات إلى المناطق التي تسيطر عليها الحكومة، إضافةً إلى حظر صنع المراكب التي تحمل النفط عبر النهر.
يمكن لروسيا أن تقدم إمدادات مستقرة لتحلّ محلّ إيران. لكن لتحقيق هذا الأمر، قد يضطر الرئيس الأسد إلى إعادة ضبط العلاقات مع حلفائه الرئيسين، أي موسكو وطهران اللتين لهما مصالح مختلفة في سورية.
وتساءل في هذا السياق كيريل سيمينوف المحلل لشؤون الشرق الأوسط –ومقره موسكو– والخبير غير المقيم في مجلس الشؤون الدولية الروسيّ، «ما الذي يمكن أن يقدمه الأسد في المقابل وهل يعدُّ ذلك مربحاً بالنسبة لروسيا؟». وأضاف: «يمكن أن تستخدم موسكو هذا لجعل الأسد أكثر مرونة، ودفعه للعمل أكثر لصالح موسكو بدلاً من إيران».
في الأسبوع الماضي، أعلنت الحكومة السورية عن خطط لتأجير ميناء طرطوس لروسيا مدّة 49 عاماً. وقد استأجرت روسيا سابقاً جزءاً من الميناء ليخدم قاعدتها البحرية هناك. جاء هذا الإعلان في أعقاب تقارير في شباط/فبراير الماضي بأن إيران تجري محادثات لاستئجار ميناء اللاذقية القريب مقابل إلغاء ديون دمشق. سوف يسمح ذلك لطهران بالوصول إلى البحر المتوسط، بجوار الميناء الذي تديره روسيا. ستكون موسكو في موقف صعب مع "إسرائيل" التي تقوم باستهداف القواعد الإيرانية في سورية، وتحتفظ بخط عسكري مفتوح مع روسيا.
التقى نائب رئيس الوزراء الروسي يوري بوريسوف مع الرئيس الأسد في دمشق في نهاية نيسان/أبريل، وقال: إن عقد الإيجار الروسي للميناء سيعزز التجارة الثنائية ويفيد الاقتصاد السوري. وأعرب عن أسفه لأن حقول النفط الشرقية ليست بقبضة الحكومة، لكنه قال: إنَّ «هناك مقترحات محددة» موجودة، وإنَّ «سورية يجب أن تكون مستعدة لحل (المشكلة)».
قال وزير النقل السوريّ علي حمود: إن شركة ستروي لنقل الغاز –وهي إحدى الشركات الروسية الرائدة في مجال الغاز والنفط– ستوسع الميناء لزيادة قدرة استيعابه الحالية لأكثر من الضعف، وستضخ أكثر من 500 مليون دولار. لا تخشى شركة ستروي العقوبات الأمريكية، إذ يسيطر عليها صديق حميم للرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين الذي يواجه عقوبات أمريكية منذ عام 2014 بسبب علاقته بأزمة القرم.
وقال ديفيد بوتر، خبير الطاقة في تشاثام هاوس، إن إيران وروسيا تستخدمان أزمة الوقود كقوة ضغط على حكومة الأسد. وقال أيضاً: «تريد إيران ضمانات لسداد الديون. يبدو أن روسيا تتجه نحو مزيد من السيطرة السياسية (والعسكرية)». في حين أن موسكو لم تحدد بعد ماذا تريد، إلا أنها تتطلَّعُ إلى «فرض إرادتها على نطاق أيِّ تسوية سياسية، لتأمين الأصول الاقتصادية (و) السيطرة على الساحة العسكرية –وإبعاد إيران».
وقال ليث أبو فاضل، مؤسِّس ورئيس تحرير موقع "المصدر للأخبار" المؤيد للحكومة السورية: إنَّ دمشق «قد تختار المسار الذي حدده الروس»، بما في ذلك التقارب مع المملكة العربية السعودية، المنافس الرئيس لإيران في المنطقة.
في أواخر الشهر الماضي، ذكرت وسائل الإعلام الروسية أنَّ مبعوث بوتين إلى سورية سافر إلى دمشق بعد اجتماع مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حيث ناقشا الأزمة السورية. وكانت دول الخليج، التي دعمت المعارضة المسلحة، تقدم مبادرات إلى الأسد بهدف إخراج دمشق من مدار طهران.
وكتب أبو فاضل «إن قرار الحكومة السورية المحتمل قد لا يتماشى مع إيران، لكن في هذه المرحلة من الحرب، تفرض العقوبات ونقص التمويل ضرائب على دمشق»
المصدر: الأسوشيتد برس (Associated Press)
الجمل بالتعاون مع مركز دمشق للدراسات
إضافة تعليق جديد