حرب "الجهاديين" تمتدّ إلى غوطة دمشق

21-06-2014

حرب "الجهاديين" تمتدّ إلى غوطة دمشق

بقيت الغوطة الشرقية في ريف دمشق طوال الأشهر الماضية محيَّدةً عن نار الصراع الدائر في مناطق كثيرة من سوريا بين "الجهاديين". لكن على ما يبدو فإن انتقال الصراع إلى هذه المنطقة أصبح مسألة وقت فقط، لاسيما في ظل معطيات تشير إلى رغبة سعودية - تركية بالحصول على تنازلات من تنظيم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) لصالح مجموعات مدعومة منهما في العراق.
وتصاعدت حدّة التوتر في الغوطة الشرقية أمس الأول، بعد شيوع نبأ مقتل أنس قويدر مع والدته وتوجيه أصابع الاتهام إلى "داعش" بقتله، لاسيما أن قويدر، المعروف باسم أبو همام الشامي، كان يشغل منصب القاضي الأول لـ "داعش" في منطقة الغوطة الشرقية قبل أن ينشق عنه مؤخراً، الأمر الذي رأى فيه خصوم "الدولة الإسلامية" أنه يثبت تورطه بقتله انتقاماً منه لانشقاقه. لكن ما زال الغموض يلف وقائع انشقاق قويدر، ولماذا اختار اللجوء إلى "جيش الإسلام" وليس إلى "جبهة النصرة" كما جرت عادة المنشقين عن "داعش"؟.
وأصدر "جيش الإسلام" بياناً دان فيه مقتل قويدر الذي "ترك داعش وقدم إلينا تائباً إلى الله من بدعة الخوارج، وسُجِّلت توبة أخينا أبي همام عند الهيئة الشرعية أصولاً". وأضاف أن "جيش الإسلام خصّص لأبي همام مقراً وحرساً" لحمايته من "داعش" التي حكمت عليه بالكفر لتركه بيعة زعيم "داعش" أبو بكر البغدادي.
وفي لهجة تصعيدية واضحة، رأى البيان أن مقتل قويدر ووالدته من قبل "داعش" يعتبر "شنّاً لحرب اغتيالات على المسلمين السنّة"، وأن من أسماهم "كلاب النار" سيدفعون ثمناً باهظاً على هذه الحرب التي بدأوا بشنّها على أهل السنة في الغوطة"، وهو ما يعني أن "جيش الإسلام" يعلن بطريقة غير مباشرة الحرب على "داعش"، لكنه يريد إظهارها على أنها دفاع عن النفس أو "رد للصائل" بحسب أدبيات "الجهاديين"، خاصةً وأن مقتل قويدر جاء بعد أيام قليلة فقط من أول تفجير سيارة استهدف الأحد الماضي، أي بعد خمسة أيام فقط من "غزوة الموصل"، مدينة دوما بريف دمشق، معقل "جيش الإسلام" الرئيسي"، والذي أدّى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى. ووجه "جيش الإسلام" أصابع الاتهام بارتكابه إلى "داعش" الذي سارع عبر أنصاره الإعلاميين إلى إنكار علاقته بالحادثة.
كل هذه التطورات المبنية على وقائع يشوبها الغموض، تشير إلى أن ثمة من يدفع باتجاه تسخين جبهة الغوطة الشرقية وإشعال نار الصراع بين الفصائل "الجهادية" بعضها ضد بعض، وعلى نحو خاص تحريض الفصائل على محاربة "داعش".
وحماسة "جيش الإسلام" على تسعير نار هذه الحرب ضد "داعش"، رغم أنه كان يتجنب مواجهته طوال الفترة الماضية، تطرح الكثير من الأسئلة عن التوقيت الذي جاء بعد أيام قليلة من استيلاء "داعش" على الموصل في العراق، فهل ثمة علاقة بين الأمرين؟ وهل الدول الداعمة لـ "جيش الإسلام"، وعلى رأسها السعودية، تريد الضغط على "داعش" في سوريا للحصول منه على تنازلات لصالح الفصائل التي تدعمها في العراق؟.
فهذه الفصائل مثل "الجيش الإسلامي" و"المجلس العسكري العام" و"جيش المجاهدين" لم تتمكن بعد حوالي أسبوعين من السيطرة على الموصل أن تثبت أي دور لها في عملية السيطرة، التي برز فيها اسم "داعش" بلا منافس، وذلك رغم أن وسائل إعلام الدول الداعمة ما تزال تروج لدور هذه الفصائل، وتصف ما يحدث في العراق بأنه "ثورة شعبية" وليس أعمالاً إرهابية رافضة كل ما يقال عن قيادة "داعش" للمعارك الأخيرة في العراق؟.
فهل تريد الرياض إرسال رسالة إلى "داعش" إما أن يقبل بالفصائل التي تدعمها في العراق شركاء له في إدارة الموصل، وإما تمدّ الحرب عليه في سوريا لتشمل مناطق جديدة لم تدخل من قبل دائرة الصراع مثل الغوطة؟.
يعزز من هذا الاحتمال، أن أجهزة استخبارات عدة دول، على رأسها الاستخبارات السعودية والتركية، ربما بدأت تستشعر على نحو جدي بالخطر الذي يتهدد الفصائل التي تدعمها في المنطقة الشرقية من سوريا، على خلفية التقدم الكبير الذي تمكن "داعش" من إحرازه في ريف دير الزور مؤخراً، وبروز دلائل تشير إلى أن انهيار هذه الفصائل في المنطقة الشرقية، وانه سيكون لسيطرة "داعش" عليها تداعيات كارثية على شقيقاتها في مدينة حلب التي سيكون من السهل الانقضاض عليها بعد ذلك. وبالتالي سيكون ريف دمشق مع درعا هو المنطقة الوحيدة التي بإمكان الفصائل المدعومة سعودياً وتركياً أداء دور فيها، لذلك كان لا بد من استبعاد "داعش" من هذه المنطقة مسبقاً، لأنه يعتبر فصيلاً متمرداً خرج من بيت الطاعة ولم يعد بإمكان هذه الدول التحكم به وفق مشيئتها، خاصةً وأن من شأن سيطرة "داعش" على نينوى وصحراء الأنبار، المحاذية للحدود السعودية، أن يقرع جرس الإنذار في الرياض بأن الخطر بات وشيكاً، إضافة إلى أن سيطرته على دير الزور وريف الحسكة وريف الرقة ستجعل منه جاراً غير مرغوب به لدى أنقرة.
وتشير التقديرات إلى أن أنقرة والرياض مضطرتان إلى ممارسة لعبة مزدوجة مع "داعش"، تقضي بالاستفادة منه في زرع الفوضى والدمار حيث تريدان، وفي الوقت ذاته اتقاء شره ومنعه من الوصول إلى أراضيها، فهل تكون الغوطة الشرقية الميدان الجديد لهذه اللعبة؟.

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...