تسوية شرق أوسطية بدون تصحيح سياسي ؟

تدهور الوضع في الشرق الأوسط مرة أخرى.. فقد قام الجناح المسلح التابع لحركة المقاومة الإسلامية حماس خلسة بحفر نفق تحت التحصينات الإسرائيلية وخطف جندي إسرائيلي. فقامت إسرائيل بالهجوم والإغارة على غزة واعتقال العديد من أعضاء حماس في مجلس الوزراء الفلسطيني, والذين تنوي محاكمتهم محاكمة عسكرية بتهمة مزعومة هي الإرهاب.
وسيكون من غير المجدي البحث عن أولئك الذين ألقوا الحجر الأول في الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني.
من أن تكون هاجر المصرية, خادمة زوجة إبراهيم سارة, والتي ولدت لإبراهيم ولدا, وهو إسماعيل, يعتبر واحدا من أنبياء الإسلام. لقد تبنت هاجر ـ وقد وجدت أنها حامل ـ اتجاها فيه شعور بالعلو والتفوق نحو سيدتها, وعاملتها باحتقار. كما يمكن أن تكون سارة, التي بادرت بالإساءة وعاملت هاجر معاملة غليظة وقاسية بمكان بحيث أنها جعلتها تفر إلى الصحراء.
على أي حال, أنا لا أكتب عن أطراف الصراع هذا الوقت. أنا أكتب عن الوسطاء الذين يحاولون مساعدة الأطراف المتصارعة على تسوية الصراع.
ووفقا للتصحيح السياسي, فإن المفاوضات السيئة أفضل من الحرب الجيدة. وهذا المبدأ المسلم به الإنساني يبدو أنه يتجاوز التساؤل والشك, ولذا, فإن كل مبادرات السلام من الوسطاء في الشرق الأوسط تمتدح حتى لو كانت عديمة الجدوى عمليا.
إن آخر أداة للدبلوماسية الدولية, وهي خارطة الطريق, لم تنتج, ومن غير المحتمل أن تنتج نتائج دائمة.. والسبب واضح: فالطرفان ظلا يتقاتلان بضراوة جدا ولوقت طويل جدا بحيث أنهما لا يستطيعان ببساطة سماع أو فهم حجج التصحيح السياسي. وعندما يتوقف الجانبان المتصارعان لفترة لالتقاط الأنفاس, يعتقد الوسطاء أنهم قد نجحوا, ولكن غبطتهم تكون قصيرة العمر لأن الجانبين يستأنفان القتال على الفور تقريبا.
ولا يريد الوسطاء قبول الهزيمة لأنهم تكون لديهم مهمة مزدوجة: استعادة السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين, ودعم وتعزيز موقفهم الخاص في الشرق الأوسط. وعلى العكس من الجزء الأول من مهمتهم, يحمل الجزء الثاني ثمرة, تدفع الوسطاء قدما.
فما الذي يمكن فعله في هذا الوضع؟ اقترح حلا ابتداعيا: وهو ترك الجانبين يخوضان غمار الأمر ويشقان طريقهما في الحياة.
لقد علم البريطانيون درسا للدبلوماسيين الروس في الوقت الذي كانت فيه شعوب أوروبا السلافية تقاتل الإمبراطورية العثمانية. فلم يكن الروس هم وحدهم المهتمون القلقون بشأن الأعمال العثمانية, فقد استشاطت لندن غضبا أيضا من مذبحة فيليبوليس, حيث قتل الأتراك 12.000 بلغاري.
لقد أصدر وليام غلادستون, زعيم حزب ويغ الموالي للإصلاح, كتبا خاصا بعنوان (فظائع بلغاريا المروعة وقضية الشرق) حيث حاج لصالح تحرير بلغاريا والبوسنة والهرسك من نير الأتراك.
وأصرت المملكة المتحدة على أن الأتراك يجب أن يعاقبوا أولئك المذنبين بالمذبحة وبدء الإصلاحات الموعود بها طويلا لإيجاد ظروف حياة طبيعية لمسيحيي البلقان. ولم يكن البريطانيون الواقعيون يتوقعون أن يكون لإشارتهم تأثير كبير.
وعندما سأل السفير الروسي اللورد ديربي عن هدف السياسة البريطانية في الشرق, أجاب الدبلوماسي بأن المتمردين كانوا يقاتلون ليس لإصلاح إداري, ولكن للاستقلال, أو على الأقل الحكم الذاتي, في حين أن الأتراك, الذين وافقوا شفهيا على الإصلاحات, لن يمنحوهم حكما ذاتيا. فمطالبهم لا يمكن أن تتلاقى, ولذا فإن الجانبين كانا من غير المحتمل أن يتوصلا إلى تفاهم أو وفاق, كما قال.
ووفقا للورد ديربي, فإن القوى يمكنها فقط أن تنتظر إضطرابا لتسويته. فالأتراك إذا لم يمكنهم إخماد الثورة, فإن سلطانهم قد يوافق على منح الحكم الذاتي للبوسنة والهرسك. وإذا هزم الثوار, فإنهم كان سيتعين عليهم قبول نظام تم إنشاؤه في جزيرة كريت التي تم فتحها.
وعلى العكس من الدبلوماسيين الروس المشبعين بالعاطفة الزائدة, فإن البريطانيين, الذين لم يكنوا يعرفون وقتها مصطلح (التصحيح السياسي) كانوا ينظرون إلى المشكلة من وجهة نظر الإحساس العام والمنطق.
وأنا اقترح عمل نفس الشيء في الشرق الأوسط الآن. إن التصحيح السياسي هو شيء جيد في الحياة اليومية, ولكن ليس بالنسبة للتحليل الموضوعي أو السياسة العملية. والواقع السياسي ليس, ومن غير المحتمل أن يصبح أبدا, صحيحا سياسيا.
وسيكون شيئا عظيما إذا توصلت إسرائيل وفلسطين إلى قناعاتهما الخاصة, ونهضتا ونفضتا عنهما الغبار وجلستا لمناقشة تسوية مقبولة بشكل متبادل. ولكن هذا حلم مستحيل, ولذا فهو ليس له مكان في السياسة العملية.
إن منطق القتال ومنطق السلام لا يجتمعان. والمقاتلون يمكن فصلهم (والسؤال ما الذي تكون قوات حفظ السلام من أجله؟), أو أننا يمكن أن ننتظر لتلقي أحدهم ضربة قوية صعبة بشكل خاص ستجعله يتوقف ويفكر. وهذا سيكون أفضل وقت للتأمل والتفكير الفعال.

بيوتر رومانوف
المصدر: عن المركز الدولي لدراسات أمريكا والغرب