تركيــا وصــورة «العــدو»
لم يكن اختفاء الصحافيين التركيين في سوريا، اللذين أطلق سراحهما بوساطة إيرانية أمس الأول، سوى تعبير عن المأزق التركي في المنطقة، وفي سوريا تحديداً، أكثر منه تقارباً بين طهران وأنقرة اللتين تتبادلان «الخدمات» الإنسانية في المنطقة، بمعزل عن التعارض الكامل في الموقف من الأزمة السورية.
فاختفاء الصحافيين لم يكن مجرد حادثة تحصل في كل البلدان التي تشهد اضطرابات، ويقتل فيها صحافيون أو يخطفون، بل إنها حادثة تتصل بتورط تركيا في الحدث السوري بطريقة غير مسبوقة، وتنعكس عليها تداعيات بمستويات مختلفة.
وكان لافتاً على سبيل المثال حوار وزير الإعلام السوري عادل محمود مع صحيفة «جمهورييت» قبل أيام، والتي وصف فيها رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان بـ«عدو تركيا» وفقاً للصحيفة، متهماً تركياً بالتدخل في الشؤون الداخلية لسوريا وبانتهاج سياسة مذهبية وأتنية تعزز الانقسامات في المنطقة. وهذا الكلام يذكّر باعتبار رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي تركيا بأنها تنتهج سياسات «معادية» للعراق.
ولم يعد اتهام تركيا بالمسؤولية عن استمرار الاضطرابات في سوريا، عبر دعم «الجيش السوري الحر» والمعارضة السورية، أمراً يتجنب الإشارة إليه المسؤولون السوريون، الذين كان لسان حالهم، السابق، أن تركيا يمكن أن تتعقل وتغيّر موقفها. لكن اللهجة الحادة الجديدة لدمشق التي تسمّي تركيا بالاسم تعكس في جانب منها أن دمشق قد «نفد صبرها» (وهو مصطلح تركي بامتياز) تجاه أنقرة التي لم تعدم وسيلة إلا واختبرتها كي تسقط الرئيس السوري بشار الأسد، وان الوقت قد حان لكي تدفع تركيا ثمن تدخلها في الشأن الداخلي السوري.
سميح ايديز يكمل صورة التورط التركي هذا في مقالة له في صحيفة «ميللييت». ويقول إن من الملامح السلبية لصورة تركيا أن الصحافيين الأتراك الذين غطوا الانتخابات النيابية في سوريا قد نقلوا ردة فعل الناس على انفجاري دمشق بالقول «اردوغان قاتل الأطفال» محمّلين أنقرة مسؤولية التفجيرين. ويقول إن حدة النظرة إلى تركيا تتصاعد بوصفها «حامي السنة» في المنطقة»، مضيفاً إن البعض بدأ يردد أن التحريضات سـوف تتحوّل إلى عنف يطال تركيا.
ويعرض ايديز مثالاً على إمكانية ارتداد العنف على تركيا قضية نائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي الملاحق بمذكرة من الانتربول الدولي وتمتنع أنقرة عن تسليمه. ويقول إن «تركيا بموقفها هذا تصبّ الزيت على النار. بالطبع تركيا لن تسلّم الهاشمي، لكن الحقيقة انه لا يمكن غض النظر عن ردة الفعل المحتملة ضد تركيا بسبب هذه القضية، خصوصاً انه ملاحق بتهم ارتكاب أعمال إجرامية ضد الشيعة. كما يجب ألا نهمل القناعة التي باتت سائدة أن تركيا تمول وتسلّح عمليات الجيش السوري الحر».
في الوقت ذاته، يقول ايديز إن توقع وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو بإمكانية تغيير روسيا والصين لموقفيهما من سوريا لم يكن في محله، بل إنهما أصبحتا أكثر تشدداً في الوقوف إلى جانب دمشق.
ويُنهي ايديز مقالته بالقول إن الجميع في تركيا يتساءل «هل نُؤخذ إلى الحرب؟»، و«إذا بدأت غداً أو بعد غد تفجيرات وعمليات انتحارية في تركيا ماذا سنفعل؟». ويقول إنه «لا بد أن السلطة في تركيا قد درست كل هذه السيناريوهات، لكن يتطلب أن نفكر بطريقة صارمة عن الفائدة من الوصول إلى مثل هذه النقطة التي تسبب قلقاً متصاعداً وسط الشعب».
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد