تداعيات استمرار الاحتلال الأمريكي للعراق والأزمة السياسية المتوقعة
الجمل: تشير التحركات الجارية في واشنطن وبغداد إلى أن ملف وجود القوات الأمريكية في العراق سوف يصعد إلى مسرح الأحداث من جديد، بما سوف يؤدي إلى المزيد من التداعيات الخطيرة، داخل وخارج العراق: فما هي حقيقة التطورات الجارية حول عملية انسحاب القوات الأمريكية من العراق، وكيف يمكن قراءة الاحتمالات المتوقعة في مرحلة ما بعد عام 2011م، وما مدى مصداقية اندلاع الأزمة السياسية المتوقعة؟
* أزمة ملف قوات الاحتلال الأمريكي في العراق: توصيف المعلومات الجارية
أكدت الإدارة الأمريكية الحالية مراراً وتكراراً على تمسكها بإنفاذ عملية انسحاب كامل القوات الأمريكية من كامل الأراضي العراقية بحلول نهاية عام 2011م، وبرغم ذلك، فقد بدأت تبرز المزيد من المعلومات والتقارير التي تفيد لجهة أن عملية سحب القوات الأمريكية من العراق سوف تتحول بحلول نهاية هذا العام إلى عملية استمرار وجود القوات الأمريكية في العراق، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية:
• تقول التقارير والتسريبات، بأن العديد من الزعماء السياسيين العراقيين أصبحوا أكثر ارتباكاً وعدم مصداقية إزاء اعتماد المواقف الواضحة إزاء عملية انسحاب قوات الاحتلال الأمريكي من العراق، وفي هذا الخصوص، فقد بدأت الساحة السياسية العراقية الداخلية وهي أكثر انقساماً إزاء خروج أمريكا من العراق.
• تحدثت العديد من التصريحات الأمريكية الرسمية وغير الرسمية عن التزام واشنطن بقرار سحب القوات الأمريكية من العراق، وأضافت هذه التصريحات ما يشير إلى عكس ذلك، عندما أكدت بأن عملية سحب القوات الأمريكية سوف تنطوي على المزيد من المخاطر الداخلية والخارجية، منها عدم جاهزية الأوضاع الداخلية العراقية للحلول محل الوجود الأمريكي، إضافة إلى احتمالات اندلاع الحرب الأهلية داخل العراق، وذهبت بعض التصريحات مذاهب شتى، من خلال التأكيد على أن عملية سحب القوات الأمريكية من العراق سوف تفرض على واشنطن التزامات مالية باهظة، ولما كانت واشنطن في ظل الظروف الحالية تعاني من الأزمة، فمن الأفضل إرجاء عملية سحب القوات من العراق إلى حين توافر الموارد المالية اللازمة لتغطية نفقاتها الباهظة.
تشير المعطيات الجارية داخل الساحة السياسية العراقية، وداخل الساحة السياسية الأمريكية إلى أن ملف الوجود العسكري الأمريكي في العراق سوف يلعب دوراً هاماً في إشعال الخلافات بين العراقيين، وأيضاً بين العراقيين والأمريكيين.
* البيئة السياسية العراقية: المواقف إزاء ملف القوات الأمريكية في العراق
تقول التقارير والتسريبات بأن القوى السياسية العراقية تعاني حالياً من حالة استقطابات حادة، بما سوف يدفع بدوره إلى نشوء اصطفافات جديدة، حول مشكلة وجود قوات الاحتلال الأمريكي في العراق، وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية:
• الرافض لاستمرار الوجود العسكري الأمريكي: يأتي في مقدمتهم الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، إضافة إلى بعض القوى اليسارية والوطنية العراقية.
• المؤيدين لاستمرار الوجود العسكري الأمريكي: يأتي في مقدمتهم القوى السياسية الكردستانية، إضافة إلى العديد من الأطراف السياسية المرتبطة بالسعودية وعلى رأسها الحزب الإسلامي العراقي.
• القوى المتأرجحة: وتتمثل في القوى السياسية العراقية، التي حددت موقفاً يقول بأن بقاء أو عدم بقاء القوات الأمريكية هو أمر سوف يحدده البرلمان العراقي، وبالتالي، فهي سوف تلتزم بما سوف يقرره هذا البرلمان في نهاية الأمر، ويعتبر الزعيم العراقي نوري المالكي (تكتل دولة القانون) والزعيم العراقي إياد علاوي (تكتل القائمة العراقية) من أبرز المناصرين لهذا الاتجاه.
تحدثت العديد من وجهات النظر العراقية، عن وجود تيار عراقي سياسي كبير يسعى للإبقاء على الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وفي هذا الخصوص أشار الناشط السياسي العراقي الدكتور محمد جواد فارس إلى أن القوى المتأرجحة التي تقول بضرورة ترك الأمر للبرلمان العراقي لكي يقرر فيه، هي بالأساس قوى داعمة لاستمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وتأسيساً على ذلك، فإن هذه القوى تسعى إلى جهة تقنين استمرارية الوجود العسكري الأمريكي في العراق من خلال التفاهم مع واشنطن على ترتيبات ثنائية يتم عرضها والتصويت عليها داخل البرلمان بما يؤدي إلى إضفاء الشرعية على استمرار وجود القوات الأمريكية في العراق.
* البيئة السياسية الأمريكية: المواقف إزاء ملف القوات الأمريكية في العرا
تقول التقارير والتسريبات بأن البيئة السياسية الأمريكية، تعاني من ظاهرة الاستقطابات السياسية حول الموقف إزاء القيام بسحب القوات الأمريكية من العراق بحلول نهاية عام 2011م الحالي، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• القوى الداعمة لاستمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق: وتتمثل في صقور اليمين الأمريكي الموجودين في الحزبين الجمهوري والديموقراطي، إضافة إلى عناصر اللوبي الإسرائيلي المنتشرين في أروقة الكونغرس الأمريكي والإدارة الأمريكية.
• القوى الرافضة لاستمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق: وتتمثل في بعض القوى السياسية المعتدلة في الحزبين الجمهوري والديموقراطي، مع ملاحظة أن هذه القوى تتمثل بقلة العدد وضعف التأثير.
• القوى المتأرجحة: وتتمثل في قطاع واسع من السياسيين الأمريكيين الناشطين داخل الكونغرس الأمريكي والإدارة الأمريكية، وفي هذا الخصوص تجدر الإشارة إلى أن حجم هذه القوى يتميز بالضخامة وكبر الحجم، إضافة إلى أن موقفها يتميز بالتواطؤ مع خيار إبقاء القوات الأمريكية في العراق، ولكن على أمل أن يتم ذلك بناء على قيام بغداد بمطالبة واشنطن رسمياً بعدم سحب القوات الأمريكية من العراق.
هذا، وتشير المعطيات إلى أن الرأي العام الأمريكي، وإن كان يدعم مبدأ سحب القوات الأمريكية من العراق، فإن موقف الرأي العام الأمريكي يتميز بالهشاشة، والقابلية للانقلاب، وذلك بفضل تأثيرات الإعلام الأمريكي وعمليات التسويق السياسي، التي أصبحت تركز حالياً على حث الرأي العام الأمريكي باتجاه ضرورة الالتزام ببقاء القوات الأمريكية في العراق، وفقاً للمزاعم القائلة لـ: وجود خطر الحرب الأهلية ـ وجود خطر الإرهاب ـ احتمالات سيطرة القاعدة على العراق ـ احتمالات سيطرة إيران على العراق ـ احتمالات تعرض المصالح الأمريكية في الخليج للخطر ـ وإضافة لذلك، بدأت بعض المعطيات الجديدة تشير إلى عمليات تسويق سياسي الملامح تسعى لتأكيد المزاعم القائلة بأن وجود القوات الأمريكية في العراق بشكل مستمر هو الضمانة الأساسية لحماية أمن إسرائيل. وأن أي خروج للقوات الأمريكية من العراق سوف يجعل أمن إسرائيل في حالة انكشاف تام في مواجهة الخطر الإيراني وخطر تنظيم القاعدة والجماعات الشيعية المسلحة.
* إبقاء القوات الأمريكية في العراق: نظرية المؤامرة وخلفيات السيناريو
تحولت الساحة السياسية العراقية إلى ساحة ارتباط شديدة التعقيد لجهة تشابك العديد من مصالح القوى السياسية العراقية مع القوى السياسية الأمريكية، وفي هذاالخصوص نلاحظ أن هذا الارتباط، أصبح ينطوي على جملة من المعطيات التي أصبحت بدورها تشكل العوامل الحاكمة في صياغة وتحديد شكل السيناريو الأمريكي في العراق، وفي هذا الخصوص نشير إل الآتي:
• تأثير العامل الكردستاني: تنظر القوى السياسية الكردية إلى الوجود العسكري والسياسي الأمريكي المستمر في العراق باعتباره الضامن الرئيسي والحقيقي لبقاء واستمرار ليس إقليم كردستان العراقي وحسب، وإنما إلى ضمان بقاء استمرارية المشروع الانفصالي الكردي، والذي تتجاوز طموحاته الحدود العراقية باتجاه دول الجوار العراقي.
• تأثير العامل الإسلامي السني: ينظر العديد من السنة العراقيين إلى الوجود العسكري والسياسي الأمريكي المستمر في العراق، باعتباره الضامن الرئيسي لعدم صعود القوى الاجتماعية الطائفية الشيعية وفرض سيطرتها الكاملة على العراق.
• تأثير العامل العلماني: تنظر العديد من القوى العلمانية العراقية إلى الوجود العسكري والسياسي الأمريكي المستمر في العراق، باعتباره الضامن الرئيسي لعدم تحويل العراق إلى دولة دينية، طالما أن صعود الحركات الدينية، وعلى وجه الخصوص الطائفة الشيعية، هو الأكثر احتمالاً.
• تأثير العامل السعودي: تنظر الرياض باهتمام بالغ إلى مستقبل العراق، وذلك على أساس اعتبارات أن صعود القوى الشيعية العراقية هو الأكثر احتمالاً بعد الخروج الأمريكي، وبالتالي، فإن بقاء القوات الأمريكية في العراق سوف يمنع بالضرورة صعود الشيعة العراقيين، والذي تنظر إليه الرياض وبقية العواصم الخليجية باعتباره مصدر خطر داهم، طالما أن الشيعة العراقيين سوف يتحالفون مع طهران، إضافة إلى قيامهم بالسعي لدعم الجماعة الشيعية الخليجية الموجودة في شرق السعودية والبحرين وقطر والكويت وبقية المناطق الخليجية، وإضافة لذلك فإن أي صعود شيعي في العراق سوف يؤدي إلى تعزيز قدرة حزب الله اللبناني بما يضعف بالضرورة تيار المستقبل السني اللبناني الحليف للسعودية.
• تأثير العامل التركي: تنظر أنقرا بشكل دقيق للتطورات العراقية في مرحلة ما بعد عام 2011م، وذلك في محاولة التوصل إلى شكل السيناريو العراقي في حالة الانسحاب الأمريكي، والسيناريو العراقي في حالة عدم الانسحاب الأمريكي، وفي هذا الخصوص، تقول التسريبات بأن أنقرا تفضل الخروج العسكري الأمريكي من العراق، وفي نفس الوقت تؤيد بقاء النفوذ السياسي الأمريكي في العراق، وتشير النظرة الفاحصة إلى أن خلفيات الموقف التركي المشار إليه، تتضمن الآتي:
ـ أي وجود عسكري أمريكي مستمر في العراق، سوف يجعل أنقرا في موقف ضعيف إزاء واشنطن، فقد ظلت أنقرا تستخدم وجود القواعد الأمريكية في تركيا للضغط على واشنطن، ولكن عندما تكون لواشنطن قواعد عسكرية في العراق، فإنها تصبح أكثر زهداً في تلبية شروط أنقرا.
ـ استمرار النفوذ السياسي الأمريكي في العراق، سوف يتيح لأنقرا التفاهم مع واشنطن لجهة تنسيق المشروعات الأمريكية ـ التركية المشتركة إزاء العراق، إضافة إلى أنه سوف يتيح لأنقرا تعزيز تحالفها مع القوى السنية العراقية، مع ضمان عدم تمدد النفوذ الإيراني إلى العراق، بما يجعل تركيا أقل وزناً في مواجهة وزن طهران الجيوسياسي المتزايد في المنطقة.
• تأثير العامل السوري: يتميز العامل السوري بامتلاك القدر الأعظم من القوة الجيوسياسية الناعمة داخل العراق، وذلك بسبب قدرة دمشق على الاحتفاظ بالمزيد من العلاقات المتوازنة مع كافة الأطراف العراقية بمختلف اتجاهاتها المذهبية والسياسية، وإضافة لذلك، يوجد تشابه كبير بين طبيعة البنية السياسية العراقية والبنية السياسية السوري، وذلك بسبب وجود التوجهات القومية العربية، وآليات تقاليد نظام الدولة ذات الطابع الجمهوري، وفي هذا الخصوص تنظر دمشق إلى استمرار الاحتلال العسكري الأمريكي للعراق باعتباره يمثل جريمة في حق الشعب العراقي، وبالتالي فإن ما هو مطلوب حالياً يتمثل في ضرورة استعادة سيادة واستقلال العراق وإضافة إلى عدم إفساح المجال لوجود وتمركز القوات الأمريكية والأجنبية ليس في العراق وحسب، وإنما في سائر أنحاء منطقة الشرق الأوسط.
من الواضح أن الزعماء العراقيين لم يقوموا حتى الآن بالمزيد من الفحص والتدقيق في مكونات سيناريو استمرار الوجود الأمريكي في العراق، ومدى خطورة التهديدات التي سوف تترتب على ذلك بالنسبة لمستقبل العراق، ولمستقبل المنطقة، إضافة إلى أن الزعماء العراقيين لم يدركوا بالشكل الكافي شكل المخاطر القادمة على مستقبل الدولة العراقية، إذا حدث وصعد الزعماء الجمهوريون الأمريكيون مرة أخرى إلى البيت الأبيض الأمريكي، وفي هذا الخصوص تشير التسريبات إلى أن الجمهوريين وصقور الإدارة الأمريكية وجماعات اللوبي الإسرائيلي يبذلون جهوداً خارقة مضنية لجهة تمديد فترة وجود القوات الأمريكية في العراق إلى ما بعد جولة الانتخابات الرئاسية الأمريكية القادمة، وفي حالة صعود إدارة أمريكية جمهورية فإن أول ما سوف تبدأ بتنفيذه، سوف يكون: فرض تقسيم العراق إلى ثلاثة دول كأمر واقع، ثم استخدام الموارد العراقية في استهداف دول المنطقة، وإذا لم يستجب العراقيون للتقسيم، فإن المهمة العاجلة سوف تتضمن إلغاء النظام الجمهوري وإعادة النظام الملكي، المطلق الصلاحيات على غرار الملكيات الخليجية. مع ملاحظة، أن واشنطن تستضيف حالياً من يطلق على نفسه لقب "ولي العرش العراقي".
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد