بلقنة السودان وحروب ما بعد التقسيم
الجمل: دخلت الأزمة السياسية السودانية مرحلةً فائقة الأهمية، مع بدء العد التنازلي للحظة إجراء الاستفتاء الذي سوف يحدد مصير جنوب السودان المقرر عقده في يوم 9 كانون الثاني (يناير) 2011 القادم: فما هي حقيقة الأوضاع الجارية؟ وما هو سياق الموقف الحالي؟ وما هو شكل السيناريو القادم؟
* المسرح السوداني: توصيف المعلومات الجارية
شهد المسرح السياسي السوداني تحركات متسارعة خلال السبعة أيام الماضية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• جاء المبعوث الأمريكي الخاص بالسودان سكوت غريش عدة مرات وقام بعدة جولات داخل وخارج السودان، فقد زار الخرطوم حيث عقد عدة لقاءات مع الحكومة السودانية، ثم ذهب إلى جوبا حيث عقد لقاءات مع حكومة جنوب السودان، ثم زار إقليم دارفور متفقداً الأوضاع، ثم زار بعد ذلك العاصمة القطرية الدوحة متفقداً ومتابعاً مفاوضات سلام دارفور، وبعد ذلك أشرف على عقد لقاءات الوساطة بين الحكومة السودانية والحركة الشعبية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا والتي تمت تحت إشراف الرئيس الأثيوبي ميليس زناوي والاتحاد الأفريقي، وفي نفس الوقت سعى خلال وجوده في أديس أبابا إلى متابعة اجتماعات وفد قبيلة المسيرية وقبيلة دنكا نقوك المتعلق بحل الخلافات القبلية حول مستقبل منطقة إبيي.
• غادر وفد سوداني برئاسة علي عثمان محمد طه نائب الرئيس البشير وتوجه إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث عقد اجتماعات مع كبار رموز الإدارة الأمريكية شملت الرئيس أوباما، ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون وسوزان رايس المندوبة الأمريكية في مجلس الأمن الدولي. وبعد ذلك خاطب علي عثمان محمد طه اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي مؤكداً قيام استفتاء تقرير مصير جنوب السودان في موعده.
• غادر الرئيس عمر البشير إلى سرت الليبية حيث شارك في فعاليات قمة الجامعة العربية الاستثنائية، والقمة العربية-الأفريقية التي ترافقت معها، وسعى إلى حشد التأييد العربي والأفريقي لدعم موقف الحكومة السودانية، ولتجديد الموقف العربي-الأفريقي الرافض لموضوع المحكمة الجنائية الدولية.
• جاء إلى الخرطوم وفد مجلس الأمن الدولي، وما كان جديراً بالاهتمام والملاحظة أن الوفد قد ضم في سابقة نادرة كل أعضاء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي (أمريكا، روسيا، الصين، فرنسا وبريطانيا) إضافة إلى الدول الأخرى غير دائمة العضوية. وما كان لافتاً للنظر إضافةً لذلك أن الوفد قد بدأ جولته بزيارة العاصمة الأوغندية كمبالا، ثم جوبا عاصمة جنوب السودان، ثم الفاشر عاصمة إقليم دارفور، ثم العاصمة السودانية الخرطوم، حيث التقى بكبار المسئولين السودانيين، وبرغم أن الوفد قد التقى بعلي عثمان محمد طه نائب الرئيس البشير، فقد رفض الوفد عقد أي لقاء مع الرئيس عمر البشير.
تزامنت هذه التحركات مع تزايد حدة التصريحات بين الحكومة السودانية وحكومة الجنوب، إضافة إلى تبادل الاتهامات وعمليات التعبئة الفاعلة بين المناصرين لوحدة السودان والمناصرين لانفصال الجنوب.
* المنعطفات الحرجة الماثلة
تشير التحليلات والمعطيات، إلى أن الأزمة قد تزايدت بسبب تباين المواقف حول مصداقية تعامل الأطراف السودانية مع اتفاقية السلام الشاملة السودانية، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
- تضمنت اتفاقية السلام موقفاً واضحاً يتيح للجنوبيين استحقاق التصويت في نهاية الفترة الانتقالية لجهة إما خيار الوحدة الطوعية ضمن السودان أو خيار الانفصال عن السودان.
- تم تحديد الفترة الانتقالية لست سنوات بدأت مطلع عام 2005، وبالتالي، وبحلول 9 كانون الثاني (يناير) 2010م يكون قد حل موعد استحقاق الاستفتاء.
- تم التوقيع على الاتفاقية بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وحزب المؤتمر الوطني الحاكم، وبضمانات دولية وإقليمية ضمن مجلس الأمن الدولي والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا إضافةً إلى دول الاتحاد الأوروبي ودول الجوار السوداني والاتحاد الأفريقي ومنظمة دول الإيغاد.
- تولت الحركة الشعبية لتحرير السودان مسؤولية حكم الجنوب خلال الفترة الانتقالية، وفي نفس الوقت تم تكوين حكومة وحدة وطنية تجمع الطرفين إضافةً إلى الأطراف المعارضة الأخرى في الخرطوم.
- تضمنت الاتفاقية وضع العديد من الالتزامات على عاتق حكومة جوبا وحكومة الخرطوم.
ظلت علاقات خط خرطوم-جوبا طوال الأعوام الستة الماضية مليئة بالخلافات والتوترات. وفي هذا الخصوص انحصرت الاتهامات بين الطرفين في الآتي:
• سعت الحركة الشعبية إلى اتهام الخرطوم بعدم بذل الجهود لجعل الوحدة خياراً جاذباً للجنوبيين في الاستفتاء، وبالتالي فإن الأكثر احتمالاً هو أن يصوت الجنوبيون لصالح الانفصال.
• سعت الخرطوم إلى اتهام الحركة الشعبية بأنها سعت إلى دفع الجنوبيين باتجاه خيار الانفصال، إضافة إلى التعاون والتنسيق مع الأطراف الخارجية الساعية لفصل الجنوب عن السودان.
على خلفية هذه الاتهامات، فقد ظهرت العديد من الحقائق والمستجدات المتطورة وكان من أبرزها:
- صدور تقرير فريق المراقبين الدوليين والذي أشار صراحة إلى أن الحركة الشعبية لتحرير السودان قد نفذت 23% من التزاماتها المنصوص عليها في اتفاقية السلام. أما الحكومة السودانية فقد نفذت حوالي 85% من التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاقية.
- تم تسليم تقرير فريق المراقبين الدوليين إلى حكومة الخرطوم، وحكومة جوبا ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وبقية الدول الدائمة وغير الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي إضافةً إلى دول الجوار السوداني.
هذا، وبرغم التحديد الذي أشار إليه التقرير، فقد سعت واشنطن إلى مطالبة الحكومة السودانية بتنفيذ الاستفتاء في موعده، بغض النظر عن اكتمال الترتيبات والالتزامات المنصوص عليها في الاتفاقية، ووقف الاتحاد الأوروبي ومجلس الأمن الدولي إلى جانب الموقف الأمريكي. وتأسيساً على ذلك، فقد أعلنت الحركة الشعبية لتحرير السودان بأنها قد رتبت أوضاعها من أجل اللجوء إلى العديد من الخيارات البديلة في حال تأخير الاستفتاء، بما تضمن خيار إعلان انفصال الجنوب داخل برلمان جنوب السودان على غرار سيناريو انفصال إقليم كوسوفو عن صربيا، أو خيار إجراء استفتاء مستقل خاص بجنوب السودان ومعزول عن حكومة السودان.
هذا، ومن جانبها أعلنت الحكومة عن التزامها بالموعد المقرر لعقد الاستفتاء، ولكنها اشترطت ضرورة اكتمال الالتزامات العاجلة المتعلقة بالاتفاقية، وما هو شديد الخطورة يتمثل في عدم اكتمال ترسيم الحدود السياسية الفاصلة بين جنوب السودان وشماله، وفي هذا الخصوص يرى العديد من الخبراء بما في ذلك العديد من الأمريكيين، بأن عدم ترسيم هذه الحدود سوف يفتح الباب على مصراعيه أمام احتمالات حدوث حرب مرتفعة الشدة بين شمال وجنوب السودان في مرحلة ما بعد الانفصال.
تقول المعلومات والتقارير بأن عملية ترسيم الحدود الشمال-الجنوب قد تم إكمال 80% منها على الورق، ولكن ما تم إسقاطه ميدانياً على الأرض لم يتجاوز الـ30%. وفي هذا الخصوص تقول التقارير والمعلومات أن هناك خلافات كبيرة بين الطرفين حول تبعية بعض المناطق النفطية.
سوف تشهد الأيام القادمة المزيد من التوترات، فقد حشدت حكومة جنوب السودان قوات الجيش الشعبي على مشارف حدود الجنوب مع الشمال، وفي نفس الوقت تقول التسريبات بأن حكومة الخرطوم قد قامت بنشر سبع فرق عسكرية على طول حدود الشمال مع الجنوب. هذا، ولم تتحدث التسريبات عن حدوث أي اشتباكات، ولم رصد المراقبون حدوث عمليات ترحيل كبيرة في أوساط بعض سكان هذه المناطق، ما عدا قبائل المسيرية والزريقات المسلحة الداعمة لقوات الحكومة على الجانب الشمالي، وقبائل الدينكا الداعمة لموقف الحركة الشعبية. هذا، وتقول آخر المعلومات أن الرئيس السوداني عمر البشير قد أطلق تصريحاً شديد اللهجة مساء الأمس اتهم فيه الحركة الشعبية صراحةً بخرق اتفاقية السلام والتحالف مع الأطراف الخارجية لجهة تقويض هذه الاتفاقية، بما يمكن أن يؤدي إلى جعلها باطلة من الناحيتين القانونية والعملية.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد