اليوم تشييع أم السوريين ورائدة الأدب النسائي السوري
توارى الثرى اليوم الأديبة السورية ألفة الإدلبي التي توفيت في باريس منذ أيام عن عمر يناهز الخامسة والتسعين. والأديبة التي ولدت في حي الصالحية الدمشقي العام 1912 يمكن اعتبارها كاتبة دمشق الأولى، إذ قلّما خلا عنوان كتاب أو رواية أو محاضرة لها من ذكر دمشق، بل إن هناك من اعتبر نثرها في وصف دمشق مضاهياً لشعر نزار قباني فيها.
وإذا كان هناك من لقّبها بـ«ست الشام»، فإن خيري الذهبي، الروائي السوري المعروف، اعتبرها أم السوريين عندما قال: «حين يفخر المصريون معلنين أن نجيب محفوظ أبوهم وأبو الرواية المصرية والعربية فمن حق السوريين أن يفخروا بأن المرحومة ألفة كانت أمهم».
استفادت الأديبة الراحلة في تحصيلها الأدبي من مكتبتين؛ مكتبة أبيها أبو الخير عمر باشا، التي تلقّت عبرها الثقافة العربية الكلاسيكية، ومكتبة خالها كاظم داغستاني الذي عرّفها بالأدب الحديث آنذاك. وللمناسبة فإن والدة الأديبة تعود إلى أسرة داغستانية هاجرت من بلدها لتستقرّ في دمشق، ولعل هذا الجانب هو ما ألهم الأديبة روايتها للفتيان «حكاية جدي» التي فيها الكثير من سيرة العائلة.
وإذا كانت الأديبة قد تزوجت مبكراً بصورة تقليدية من رجل لم تره في سن السابعة عشرة، فإن ذلك لم يمنعها من أن تكون من أبرز الوجوه النسائية الناشطة في مجال المطالبة بحقوق المرأة، فكان أن أسست مع ريما كرد علي في العام 1942 جمعية «الندوة الثقافية النسائية»، كما برز نشاطها في العديد من الجمعيات النسائية من بينها «حلقة الزهراء الأدبية» العام ,1945 و«منتدى سكينة» و«جمعية الأدباء العرب»، التي كانت نواة لـ«اتحاد الكتاب العرب».
ولأن الأديبة كانت مهمومة بمشكلات المرأة فإن الأدب لديها كان جزءاً من نضالها لتحرير المرأة، ولعل ذلك يأخذ تعبيرها الأصدق في رواية «دمشق يا بسمة الحزن»، التي قدمت كمسلسل تلفزيوني عام ,1992 بعنوان «بسمة الحزن» من إخراج لطفي لطفي. كما يجري هذا العام تصوير الرواية للسينما في فيلم من إخراج ماهر كدو، تحضيراً لمناسبة دمشق عاصمة الثقافة العربية .2008
الرواية تحكي عن دمشق إبان الثورة السورية ضد الفرنسيين، في مجتمع تتحكم فيه عقلية أبوية تكبل حرية المرأة. ولطالما تناقل النقاد السؤال الكبير لبطلة الرواية صبرية حين تقول: «أيطالب أهل بلدي بالحرية ويعجزون عن منحها لبعضهم بعضاً؟ نصف الأمة يرسف في قيود خلفتموها أنتم أيها الرجال... حين أمزق هذا الحجاب الذي يكاد يخنقني استمتع بالضياء والهواء».
في العام 1947 فازت الأديبة بالجائزة الثانية لإذاعة لندن عن قصتها «القرار الأخير» ما شجعها للتوجه للكتابة في مجلة الرسالة المصرية، كما أرسلت واحدة من مجموعاتها القصصية إلى رائد القصة العربية محمود تيمور ليقدم لها بالقول: «هذه القصص طراز خاص وشخصية خاصة». هذه الشهادة التي ظلت الأديبة تعتز بها طوال حياتها إلى جانب شهادة مارون عبود: «أنا أؤمن بالذاتية، وقد وجدت ألفة الإدلبي ذاتُ ذات».
تركت الأديبة الراحلة مجموعة من الكتب التي قلّما يغيب اسم دمشق عن عناوينها: «قصص شامية»، «وداعاً يا دمشـق»، «المانوليا في دمشق»، «نظرة في أدبنا الشعبي»، و«عصي الدمع» وسواها كثير. وقد ترجمت أعمالها إلى العديد من اللغات .
راشد عيسى
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد