النشر العربي مفضوحاً في ندوة للترجمة!

05-04-2006

النشر العربي مفضوحاً في ندوة للترجمة!

   في حوار أُجري معها على هامش ندوة الترجمة الانكليزية العربية التي عقدت أخيراً في لندن برعاية المجلس الثقافي البريطاني، اعترفت الروائية اللبنانية حنان الشيخ بأنها أقدمت على تغيير أو تعديل بعض نصوصها الروائية أكثر من مرة عند ترجمتها الى الانكليزية. وقدمت الشيخ مثالاً لأسباب التعديل بأن محررة الدار الناشرة البريطانية طلبت منها ان تغير نهاية إحدى رواياتها بحيث تنتهي بالشخصية التي بدأت بها لأنها الأقوى، بدل ان تنهيها بشخصية ثانوية. ووجدتها الشيخ فرصة كي تدخل تعديلات أخرى كانت تسلمتها كملحوظات نقدية على النص ككل. وعلى هذا الأساس يمكننا القول اننا نقرأ للأديبة حنان الشيخ نسختين لأعمالها، واحدة بالعربية والأخرى بالانكليزية. وهي بحسب شهادتها لا تجد ضيراً في ان تقدم على هذه التعديلات، وليس لدينا نحن أيضاً أي تحفظ، فهي في النهاية مالكة النص بفضائه وجسمه ومن حقها ان تعيد النظر به.
   استشهدت بهذا المثل فقط لأستهل مقالي عن الوضع المزري الذي يعيشه المبدعون العرب في عالم نشر يختفي فيه المتخصصون ويبرز البائع والمشتري فقط: الكاتب يبيع نصه والناشر يشتريه، بثمن بخس على اكثر الاحتمالات يصل حد التبرع بالنص للناشر في مقابل ان يرى النور.
   لقاء المهتمين بالنشر الذي كان هدفه تشجيع الترجمة والتواصل بين عالمين، فضح في شكل أو في آخر الوضع المزري الذي يعانيه عالم النشر العربي، فقد طرحت في قاعة النقاش تخصصات من الجانب البريطاني مثل: ناشر، وكيل نشر، محرر نشر، مدقق حقوق النشر، إلخ. بينما حضر في الجانب العربي ناشرون فقط أو من يمثلهم، اضافة الى الادباء العرب المدعوين.
   واذا قدمنا مثالاً لأحد المساهمين البريطانيين في الندوة، وهو توبي أيدي الوكيل الادبي المعروف بتحمسه لنقل آداب العالم غير الأوروبي، فقد تحدث عن مساهمته في اغناء عالم النشر في بريطانيا بالأدب الصيني منذ سنوات طويلة بسعيه الحثيث لإقناع الناشرين في لندن وعواصم اخرى بتبني العمل، لا بالانكليزية فقط بل باللغات الأخرى ايضاً. ولو تصورنا ان تلك الأعمال تركت لمبادرة الناشرين البريطانيين من غير تدخل جهات وسيطة، لما اختاروا ربما ان ينشروها. اين هو هذا الوكيل الأدبي في عالمنا العربي؟ وأين المحرر في دار النشر الذي يتسلم النص ويبدي ملاحظاته النقدية بعين ناقدة فيقترح إضافة او شطباً أو تطويراً في الشخصيات والأحداث، بغض النظر عن مستوى الكاتب وشهرته، فما هو مهم لكل تلك المؤسسات، هو الكتاب الذي سينشر وضرورة توافر شروط النجاح والرواج فيه. والمحرر مهنة لا تسيء الى أحد من الكتّاب، فقد يملك الكاتب مخيلة تنتج التفاصيل الجميلة بينما يكون ضعيفاً في النحو والصرف، أو يسهو عن شروط منطقية في تقنية النص، مما يسيء الى المنتج الأدبي ككل، لذا لا بد من مراجع لغوي لا يتدخل في اللغة فقط، بل حتى في التنقيط والفواصل التي تغير معنى النص في كثير من الأحيان بحسب موضعها. ومع الزمن يكون لكل كاتب محرره الذي يرتبط باسمه ويكوّنان معاً فريق عمل متناغماً. ويتمسك كثير من الكتاب في العالم بمحررين معينين لأنهم الأقدر على التفاهم معهم وإبراز جودة نصوصهم. والمحرر لا يمكن ان يحل محل الكاتب للاسباب التي اوردناها.
   إضافة الى ما تقدم، اين الوكيل الأدبي الذي يفاوض باسم الكاتب دور النشر فلا يضطر المبدع الى المفاوضة مباشرة. المشكلة انه ليس لدينا صناعة نشر بمعنى الكلمة، لأن أي صناعة تقوم على توزيع الاختصاصات، وليس من مهمات الكاتب التفاوض مع دور النشر او موزعي الكتب، بل هي مهمة الآخرين الذين لا يكتبون ابداعاً.
   هذا التعقيد في عالم النشر المتقدم يقابله (كدح) شخصي سواء من جانب الكاتب او الناشر العربيين، لذا جاءت كلمة حسين العودات صاحب «دار نشر الأهالي» السورية مفعمة بالألم تنعى اهدافاً وضعتها الدار لانتاج متميز لكنها افشلت لأسباب عدة، من بينها: الرقابة وأصحاب المكتبات، او الموزعون غير الدقيقين في دفاتر حساباتهم، أو المؤلفون ضعاف الموهبة، والقراء ايضاً ملامون في ورقته، هؤلاء الذين لا يقــــرأون ما هو جدي ويهجمون في غالبيتهم على كتب سطحية يترفع الناشر عودات عن تبنيها وطباعتها. هل هي مأساة الناشر العربي بمفرده ومسؤوليته دون آخرين؟ أم هي مأساة المبدع في علاقة تشبه ما يعرف في تجارة التجزئة الانكليزية بشعار «كاش اند كاري» أو «ادفع واحمل».
   انها مأساة مجتمع بأكمله يحتاج الى من يقنعه بقراءة كتب معينة، كما يحصل في مجتمعات أخرى من دون انتظار نضج ذائقته الخاصة ذات البوصلة المهزوزة. وإن فرض ووجد هذا الوكيل الأدبي اولاً ومسؤول الترويج الاعلامي لاحقاً، فمن يدفع لهما في عالم النشر الذي لا يحصل فيه الكاتب نفسه على أي مقابل، الا في استثناءات محدودة! من يحمي حقوق النشر فلا يحبط المبدع من ان كتابه لم يبع او بيع ولم يتسلم حقوقه عنه، بسبب غياب نظام قانوني لضبط المبيع والريع وحقوق المؤلف.
   مأساة النشر العربي تحكمها في الغالب الآن القدرة على الدفع لا جودة المنتج، مما يعني ابتلاء القارئ بكتاب ركيك لا يضيف اليه شيئاً، ومملوء بالأخطاء اللغوية والمطبعية. الآن لا أحد يهتم بجودة السلعة، نعم السلعة وليس في ذلك حط من شأن الكتاب. عندما تنظر المجتمعات المتقدمة الى الكتاب كسلعة، فإنها تحترم التخصصات وتعمل على تقديمه بأفضل حلة كي يباع ويروج، بدل الشكوى التي تقدم الى الكاتب من تراكم نسخ كتابه في المخازن لأنه لم يبع!
   أخطاء وارتباكات في النشر تطاول الحكومات ايضاً ورقابتها التي تحقر الكتاب ودوره في المجتمع، وكذلك الصحافة الثقافية التي تسيطر عليها في كثير من الأحيان العلاقات الشخصية لا النظرة الموضوعية. أخطاء يتحمل مسؤوليتها أيضاً غالبية الناشرين الذين يشكون من الوضع ويصرون على تكريسه بطقوس الشطارة إياها. لقد ضحك الجمهور غير العربي في قاعة ندوة الترجمة عندما أشار الكاتب العراقي سنان انطون الى دفع الكاتب العربي مبلغاً من المال للناشر كي يرى كتابه النور. ضحك الحضور الغربي الذي يعرف ان الكاتب هو الذي يُدفع له. بعد كل ذلك، بعد كل هذه الفوضى في عالم النشر العربي، هل سنعترض إن غيرت كاتبة معروفة مثل حنان الشيخ نصها بطلب من محررة دار النشر الانكليزية؟ بالطبع لا، وليت كل الناشرين العرب يوظفون محررين ناقدين ينقذون الكاتب العربي من مواجهة العالم بمفرده إن صنف نصه بالضعف وكثرة الأخطاء. عالمان مختلفان تماماً في منطق النشر والإبداع، فهل حقاً ان الهوة بينهما تحتاج إلى مجرد تنشيط الترجمة من لغة أحدهما إلى الأخرى!

 


   
   الحياة - غالية قباني       

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...