اللغو و التعقيد في الأيمان
الجمل - خاص : أهمية الأيمان :
لم تكن الأيمان من الكلمات ذات الأهمية عندنا في بداية بحثنا عن دلالة الفعل في أقوال العهد و الوعد و الميثاق و الشهادة. بيد أن تحليل مكونات دلالات هذه الكلمات الأربع كشف لنا علاقتها الأساسية بالأيمان شكلا ومضمونا، وبالتالي عدم إمكانية إبراز مضامينها جميعها دون ربطها ربطا وثيقا بمضمون الأيمان.
ورد لفظ أيمان (أي بصيغة الجمع) بمعنى الحلف 22 مرة و بمعنى الجهة 14 مرة، ولم يرد لفظ يمين بمعنى الحلف مفردا بينما جاء خمس مرات مفردا بمعنى الجهة، مرة بلفظ (يمينك) و أربعا أخرى بإضافة أصحاب عليه (أصحاب اليمين)
ما سر العلاقة بين اليمين بمعنى الجهة و اليمين بمعنى الحلف حيث جاءا بنفس اللفظ في الإفراد و الجمع (يمين جمع أيمان) ؟ نجد الجواب على هذا السؤال لدى أهل اللغة و التأويل :
يرجع القرطبي أصل اليمين إلى التحالف والتعاقد عند العرب فيقول :
"الأيمان جمع يمين، واليمين الحلف، وأصله أن العرب كانت إذا تحالفت أو تعاقدت أخذ الرجل يمين صاحبه بيمينه، ثم كثر ذلك حتى سمي الحلف والعهد نفسه يمينا(1) "
و يزيد صاحب روح المعاني هذا المعنى وضوحا بذكره حديثا لرسول الله يذكر فيه اليمين منصوبا على إنه مفعول الحلف :
"المراد بالأيمان الأمور المحلوف عليها، وعبر عنها بالأيمان لتعلقها بها، أو لأن اليمين بمعنى الحلف تقول : حلفت يمينا كما تقول حلفت حلفا، كما في قوله فيما أخرجه مسلم وغيره : "من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليفعل الذي هو خير" وقيل "على" في الحديث زائدة لتضمن معنى الاستعلاء(2) "
تذكرنا "على" الزائدة في الحديث بعلى الواردة في قوله تعالى " و يحلفون على الكذب" حيث حال المنافقين المغايرة و المخالفة للمألوف و المعروف فقد حل عندهم الكذب محل اليمين كما تعبر عنه الآية من حقيقة حالهم.
كان هذا تأويلا تاريخيا لمعنى اليمين كحلف. وقد تفرد القرطبي و ابن منظور في بيان أصل معنى اليمين من حيث أنه اليمن و البركة فقد عبر القرطبي عن هذا المعنى باختصار قائلا :"وقيل يمين فعيل، من اليمن وهو البركة سماها الله تعالى بذلك لأنها تحفظ الحقوق (3)"
أما صاحب لسان العرب فقد توسع في بيان هذا الأصل حيث لم يكتف بشرح الأصل و إنما ربطه بمقاصد القرآن فابتدأ بتفصيل معنى اليمن والميمنة، و نقيضهما الشؤم و المشأمة، رابطا ذلك بتقسيم القرآن الناس إلى فريقين يوم القيامة من حيث العمل و المصير، وكذلك حب رسول الله للتيمن، و ميل الناس عموما إلى الأكل بيمينهم. كان معظم ذلك نقلا عن الجوهري. ثم أفاض ابن منظور في بيان وجوه اليمن المتعددة عند العرب نقلا عن أبي منصور و الأصمعي اللذين استعرضا هذه الوجوه مع ربطها ربطا حصيفا ببعض آيات القرآن المؤكدة لما ذهبا إليه :
1- "اليمن البركة، و هو "خلاف الشؤم". قال الجوهري يمن فلان على قومه فهو ميمون إذا صار مباركا عليهم. و رجل أيمن أي ميمون، و جمع ميمون ميامن، و الأيامن خلاف الأشائم. و تيمَّنت به تبرَّكت. والميمنة اليمن، و قوله عز وجل أولئك أصحاب الميمنة ، أي أصحاب اليمن على أنفسهم، أي كانوا ميامين على أنفسهم غير مشائيم, و جمع ميمنة(4) ميامن.
2- و اليمين يمين الإنسان وغيره, وقوله في الحديث كان يحب التيمن في جميع أمره ما استطاع. والتيمن الابتداء بالأفعال باليد اليمنى والرجل اليمنى والجانب الأيمن.
3- و الأصل في اليمنة أن تكون مصدرا كاليسرة، ثم سمي الطعام يمنة لأنه يعطى يمنة أي باليمين كما سموا الحلف يمينا لأنه يكون بأخذ اليمين.
4- قال أبو منصور : اليمين في كلام العرب على وجوه، يقال لليد اليمنى يمين، واليمين القوة والقدرة(5) ، وفي التنـزيل العزيز " لأخذنا منه باليمين" قال الزجاج : أي بالقوة، وقيل باليد اليمنى. واليمين المنـزلة. (قال) الأصمعي : هو عندنا باليمين، أي بمنـزلة حسنة. وقوله عز وجل : :إنكم كنتم تأتوننا عن اليمين" قال الزجاج : هذا قول الكفار للذين أضلوهم، أي كنتم تخدعوننا بأقوى الأسباب، كأنه أراد : تأتوننا عن المأتى السهل"
و يوسع صاحب التبيان في تفسير غريب القرآن ما جاء به صاحب اللسان من معنى اليمن خلاف الشؤم رابطا إياه بالجهة من الإنسان : "والعرب يسمون اليد اليسرى الشؤمى والجانب الأيسر الأشأم، ومنه اليمن والشؤم، فاليمن كأنه ما جاء عن اليمين والشؤم ما جاء عن الشمال. ويقال أصحاب الميمنة، أصحاب اليمن على أنفسهم، أي كانوا ميامين على أنفسهم، وأصحاب المشأمة أي أصحاب الشؤم على أنفسهم، لأنهم كانوا مشائيم على أنفسهم (6)"
و تفرد صاحب فتح القدير بذكر وجه التقدم في معنى اليمن والميمنة نقلا عن المبرد : "وقال المبرد : أصحاب الميمنة أصحاب التقدم، وأصحاب المشأمة أصحاب التأخر. والعرب تقول اجعلني في يمينك، ولا تجعلني في شمالك، أي اجعلني من المتقدمين، ولا تجعلني من المتأخرين(7) "
يفهم من بحثنا المبسوط أعلاه أن استعمال اليمين بمعنى الحلف يتضمن عملية إبدال حل فيها لفظ اليمين محل اسم مصدر فعل الحلف
بعد تعرفنا على أهمية الأيمان من خلال فهم علاقتها بيمين و ميمنة الرجل المفضلة عنده بالفطرة و علاقتها باليمن الذي هو البركة، سنحاول العثور على دلالات الفعل فيها مبتدئين بمعنى البلوغ المتضمن في أقدم آية في القرآن ورد فيها لفظ الأيمان :
بلوغ الأيمان
كان أول استخدام للفظ الأيمان في سورة القلم المكية التي هي من أوائل السور والتي من المفروض أن تكون صيغة الجدل فيها مع المشركين من أوائل صيغه في القرآن. و ورد لفظ الأيمان مشفوعا بصفة البلوغ :
"أم لكم علينا أيمان بالغة إلى يوم القيامة ؟"
و خير تفسير لصيغة السؤال هذه يأتي من مقارنتها بصيغة سؤال لاحقة ورد فيها لفظ العهد صريحا في نفس السياق و بنفس الدلالة، ونعني بذلك قوله تعالى :
" قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده" [البقرة : 2/80]
حيث الأيمان على الله هي العهد عند الله. و بلوغ الأيمان في آية القلم هو في دلالته على الوصول و الانتهاء بها إلى غايتها و نهايتها ما هي عليه آية البقرة في دلالتها على عدم الإخلاف في العهد، أي من الوصول به إلى غايته و نهايته.
لنحاول وضع الآية في سياقها من الجدل مع المشركين الهادف على بيان مدى تهافت تفكيرهم :
" إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم.
أ فنجعل المتقين كالمجرمين ؟
ما لكم كيف تحكمون؟
أم لكم كتبا فيه تدرسون؟ أن لكم فيه لما تخيرون.
أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة؟ إن لكم لما تحكمون" [القلم : 68/34-39]
و لنا أن نسأل ابن منظور عما إذا كان معنى الوصول و الانتهاء هو الأصل في معنى البلاغ والبلوغ، فبم يجيبنا صاحب لسان العرب ؟ :
1- دلالة الوصول و الانتهاء :
بلغ الشيء يبلغ بلوغا و بلاغا : وصل و انتهى.
البلاغ ما يتبلغ به و يتوصل إلى الشيء المطلوب.
والإبلاغ الإيصال و كذا التبليغ، والاسم منه البلاغ.
و قوله عز و جل : إن الله بالغ أمره : أي نافذ يبلغ أين يريد به.
وقوله تعالى : أم لكم أيمان علينا بالغة : قال ثعلب : معناه موجبة أبدا قد حلفنا لكم أن نفي بها، وقال مرة أي قد انتهت إلى غايتها، وقيل يمين بالغة أي مؤكدة.
2- دلالة المقاربة و المشارفة :
و بلغت المكان بلوغا إذا وصلت إليه، و كذا إذا شارفت عليه،
ومنه قوله تعالى فإذا بلغن أجلهن، أي قاربنه,
و عن أبي حنيفة : بلغت النخلة و غيرها من الشجر : حان إدراك ثمرها.
و بلغ الغلام : احتلم كأنة بلغ وقت التكليف.
وشيء بالغ أي جيد، وقد بلغ في الجودة مبلغا.
و قول بليغ : بالغ و قد بلغ.
و لصاحب التعاريف كلام موجز و لكنه بليغ يجمع دلالتي الوصول و المشارفة :
"البلاغ كالبلوغ الانتهاء إلى أقصى المقصد والمنتهى زمانا أو مكانا أو أمرا من الأمور المقدرة، وقد يعبر عن المشارفة وإن لم يصله، فمن الانتهاء "بلغ أشده وبلغ أربعين سنة" و "أيمان علينا بالغة" أي منتهية في التوكيد. ومن المشارفة "فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن (8)"
و هذه أقوال لعدد من المفسرين اهتموا بهذه الآية و قد أجمعوا على اعتبار الأيمان عهودا :
"أم لكم أيمان علينا بالغة" أي أ لكم عهود على الله تعالى حلف لكم على ما تدعون بأيمان بالغة، أي مؤكدة. وكل شيء متناه في الجودة والصحة فهو بالغ، ويجوز أن يكون المعنى بالغة إلى يوم القيامة، أي تبلغ تلك الأيمان إلى يوم القيامة في لزومها وتوكيدها (9)"
" أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيامة إن لكم لما تحكمون" أي أ معكم عهود منا ومواثيق مؤكدة(10) "
"أم لكم أيمان علينا بالغة" كأنه يقول : هل أقسمنا لكم قسما فهو عهد لكم بأنا ننعمكم في يوم القيامة وما بعده (11)"
و يزيد صاحب فتح القدير على ما سبق إضافة لطيفة تعتبر قوله تعالى " إن لكم لما تحكمون" جوابا للقسم :
"أم لكم أيمان علينا بالغة" أي عهود مؤكدة موثقة متناهية. والمعنى أم لكم أيمان على الله استوثقتم بها في أن يدخلكم الجنة. وقوله إلى يوم القيامة متعلق بالمقدر في لكم، أي ثابتة لكم إلى يوم القيامة، لا نخرج عن عهدتها حتى يحكمكم يومئذ. وجواب القسم قوله إن لكم لما تحكمون، لأن معنى"أم لكم أيمان" أي أم أقسمنا لكم. قال الرازي(12) : والمعنى أم ضَمِنّا لكم وأقسمنا لكم بأيمان مغلظة متناهية في التوكيد(13)"
هذا هو الأصل في الأيمان، أي أن تكون بالغة القصد في صدق المراد من الحلف الذي هو أشد أنواع التأكيد، كما سنرى في بحث فقه الأيمان. ولكن ليس هذا حال الغالب من البشر كما سيتأكد لنا من خلال دراسة تواردات فعلي الحلف والقسم :
أولا- فعل الحَلْف :
ربما كان أصل العلاقة بين الحَلِف و الحَلْف اللزوم و هو وحده يفسر هذه العلاقة. و نعني باللزوم الوفاء بالقول بتحويله إلى فعل ملازم له. ومن هنا جاء الحَلْف لتوكيد أمر يحتاج إلى توكيد باعتبار أن الأساس هو انتفاء الكذب مع الحَلَْف نظرا لتوقع علاقة اللزوم هذه. انظر ماذا يقول صاحب اللسان نقلا عن الليث في حقيقة اللزوم في غاية دلالة الحَلْف والحِلْف :
" والحليف : المحالف. (قال) الليث : يقال حالف فلان فلانا، فهو حليفه، و بينهما حِلْفٌ لأنهما تحالفا أن يكون أمرهما واحدا بالوفاء. فلما لزم ذلك عندهم في الأحلاف التي في العشائر و القبائل صار كل شيء لزم شيئا فلم يفارقه فهو حليفه حتى يقال : فلان حليف الجود و فلان حليف الإكثار و فلان حليف الإقلال، وحالف فلان بثَّه وحزنَه أي لزمه"
و السبب في هذا التلازم بين الحِلْف و الحَلِف وجود العزيمة والنية على الوفاء باليمين. يقول صاحب اللسان في أصل معنى الحلف :
"الحِلْف و الحَلِفُ اليمين و أصلها العقد و العزم و النية. والحِلْفُ العهد يكون بين القوم. و قد حالفه أي عاهده، و تحالفوا أي تعاهدوا. قال ابن الأثير : أصل الحلف المعاقدة و المعاهدة على التعاضد و التساعد على الإنفاق".
و لكن ما سيلاحظه القارئ هو أن آيات الحلف إنما جاءت في المنافقين خاصة لبيان كذبهم في أيمانهم. و كنا لاحظنا نفس الحال بحقهم و حق الكافرين في قسمهم جهد أيمانهم إثباتا لغير موجود و نفيا لما هو موجود، كما هو حالهم في شرائهم ثمنا قليلا بأيمانهم :
ورد فعل الحلف مرة واحدة في سورة المائدة، في سياق النهي عن اللغو في الأيمان و بيان كفارة الحلف : "ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم" [المائدة : 5/89] و قد جاء هذا النهي توكيدا للزجر عن الإكثار من الأيمان بالله كما أكده قوله تعالى في سورة البقرة : " و لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم" [البقرة : 2/224]
و من الجدير بالذكر هنا أن الآيات التي ورد فيها فعل الحلف مدنية كلها باستثناء آية القلم، و كان معظم وروده في سورة التوبة في سياق وصف سوء أخلاق المنافقين ، كما هو الحال في ورود فعل الحلف في سورتي النساء و المجادلة.
و لعل من المفيد بداية التنويه بذم الحلف الكثير في سورة مكية، هي من أوائل السور، وهي سورة القلم، وذلك في سياق نهي الرسول عن إطاعة المكذبين عموما وعن إطاعة أحد أكابر كفار مكة خصوصا وهو الذي وصف فيما وصف به من سيئ الأخلاق كثرة حلفه :
"و لا تطع كل حلاف مهين، هماز مشاء بنميم، مناع للخير معتد أثيم، عتل بعد ذلك زنيم" [القلم : 10-13]
ننتقل الآن إلى السور المدنية مبتدئين بأشد الآيات قدحا و فضحا للمنافقين، و هي تلك التي نجدها في سورة المجادلة حيث حشد لوعيدهم العديد من أوصافهم المذمومة ومنها حلفهم على الكذب :
"أ لم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم، ما هم منكم و لا منهم، ويحلفون على الكذب وهم يعلمون, أعد الله لهم عذابا شديدا، إنهم ساء ما كانوا يعملون, اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين.....يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم، ويحسبون أنهم على شيء، إلا إنهم هم الكاذبون, استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله، أولئك حزب الشيطان، أ لا إن حزب الشيطان هم الخاسرون" [المجادلة : 58/14-19]
و وسم المنافقين بالحلف الكاذب يتكرر في سورة التوبة في عدة مواقع ستتبعها حسب تسلسلها :
1- الحلف على الكذب اعتذارا عن الجهاد :
"لو كان عرضا قريبا أو سفرا قاصدا لاتبعوك، ولكن بعدت عليهم الشقة, و سيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم، يهلكون أنفسهم، والله يعلم إنهم لكاذبون. عفا الله عنك، لم أذنت لهم، حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين" [التوبة : 9/42-43]
2- الحلف على الكذب إثباتا لما هو منتف و نفيا لما هو مثبت :
"و يحلفون بالله إنهم لمنكم، وما هم منكم، ولكنهم قوم يفرقون. لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون" [التوبة : 56-57]
"يا أيها النبي جاهد الكفار و المنافقين و اغلظ عليم، ومأواهم جهنم و بئس المصير. يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر بعد إسلامهم، وهموا بما لم ينالوا، وما نقموا إلا أن أغناهم الله و رسوله من فضله. فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم عذابا أليما في الدنيا والآخرة، وما لهم في الأرض من ولي و لا نصير" [التوبة : 9/73-74]
3- الحلف لإرضاء المؤمنين وليس لإرضاء الله و رسوله :
" يحلفون لكم ليرضوكم، والله و رسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين" [التوبة : 9/62]
" سيحلفون لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم، إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون، يحلفون لكم لترضوا عنهم، فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين" [التوبة : 9/95-96]
4- الحلف زعما لإرادة الخير وحالهم و عملهم عكس ذلك تماما :
"و الذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين و إرصادا لمن حارب الله و رسوله من قبل، وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى، والله يشهد إنهم لكاذبون" [التوبة : 9/107]
" فكيف إذا أصابتهم مصيبة بما قدمت أيديهم ثم جاءوك يحلفون بالله إن أردنا إلا إحسانا و وتوفيقا، أولئك الذين يعلم الله ما في قلوبهم فأعرض عنهم و عظهم و قل ليهم في أنفسهم قولا بليغا"[النساء :4/62]
ثانيا فعل القسم
في القرآن مواضع كثيرة تتضمن قسما منه تعالى بمخلوقاته، سواء ورد فيها فعل القسم أم لم يرد، ونكتفي منها هنا بما ورد فيه فعل القسم لبيان الفارق بني صدق قسمه تعالى المنطلق مما هو قائم و لازم و دائم :
"فلا أقسم بمواقع النجوم، وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون" [الواقعة : 56/75-78]
" فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم، و ما هو بقول شاعر: قليلا ما تؤمنون، ولا بقول كاهن، قليلا ما تذكرون" [الحاقة : 69/38/42]
"فلا أقسم برب المشارق و المغارب إنا لقادرون على نبدل خيرا منهم و ما نحن بمسبوقين" [المعارج : 70/40-41]
"لا أقسم بيوم القيامة، و لا أقسم بالنفس اللوامة، أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه" [القيامة : 75/1-3]
" فلا أقسم بالخنس، الجوار الكنس، والليل إذا عسعس، و الصبح إذا تنفس، إنه لقول رسول كريم، ذي قوة عند ذي العرش مكين" [التكوير : 81/15-20]
"فلا أقسم بالشفق، و الليل و ما وسق، و القمر إذا اتسق، لتركبن طبقا عن طبق" [الانشقاق : 84/16-19]
"لا أقسم بهذا البلد، و أنت حل بهذا البلد، و والد و ما ولد، لقد خلقنا الإنسان في كبد" [البلد : 90/1-4]
"هل في ذلك قسم لذي حجر؟ " [الفجر : 89/5]
وذلك على عكس ما هو عليه قسم المشركين و المنافقين. و لابد من الإشارة هنا إلى تكرار صيغة ارتبط فيها فعل القسم بجهد الأيمان خمس مرات في القرآن، و رغم ارتباطها بالجهد إلا أنها لم تكن أيمانا صادقة، و ذلك لأن حال المشركين في مكة والمنافقين في المدينة هو الكذب في كل ما يحلفون عليه :
1- و يستوي في ذلك كون قسم المشركين افتراضا لغير الموجود أو إنكارا للموجود :
"وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءتْهُمْ آيَةٌ لَّيُؤْمِنُنَّ بِهَا ..." [الأنعام : 6/109]
"وَأَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لاَ يَبْعَثُ اللّهُ مَن يَمُوتُ ..." [النحل : 16/38]
"وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ ..." [فاطر : 35/42]
2- أو كونه قسما للمنافقين على شكل وعد لن ينجزوه البتة :
".. أَهَـؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ ..." [المائدة : 5/53]
"وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ ... " [النور : /53]
أصل القَسَم من القِسْمَة :
ما حقيقة العلاقة بين القِسْمَة والقَسَم و لاسيما أنهما من جذر واحد ؟ تكمن هذه العلاقة في حسم تقدير الحظ والنصيب. يمكننا التدليل على ذلك من خلال الرجوع إلى أصل معنى القَسْم و القسمة حيث يقول صاحب اللسان :
"القَسْم مصدر قَسَمَ الشيء يَقْسِمُه قَسْما فانقسم، وقسّمه : جزّأه، وهي القَسمة، والقِسم بالكسر الحظ و النصيب"
و يقتضي القَسَم الحسم في الرأي أي دون مداخلة للشك، كما هو المعروف من مجازات "قَسَمَ" عند العرب. لنلاحظ كيف ينقل ابن منظور عن أهل اللغة المعنى و خلافه في دلالة قَسَمَ على التقدير و النظر من حيث العمل به وعدمه :
" والقسم الرأي، وقيل الشك. و قسم أمره نظر فيه و قدره كيف يفعل، و قيل قسم أمره لم يدر كيف يفعل فيه "
و تكتمل العلاقة بين القَسْم والقَسَم في القسامة عند العرب التي تقتضي الحلف مرات و مرات من قبل أهل القتيل إثباتا لاستحقاق دمه، و أهل الحي الذين وجد عندهم مقتولا لنفي التهمة عنهم بقتله، ذلك درءا للشك في كلا الفريقين. لننظر ماذا نقل صاحب اللسان لنا في أصل القسم :
"أقسمت : حلفت، و أصله من القسامة الذين يحلفون على حقهم و يأخذون. والقسامة من الإقسام وُضِعَ مَوْضِعَ المصدر، ثم يقال للذين يقسمون قسامة. والقسامة : اليمين كالقسم، وحقيقتها أن يقسم به أولياء الدم، خمسون نفرا، على استحقاقهم دم صاحبهم إذا وجدوه قتيلا بين قوم و لم يعرف قاتله، فإن لم يكونوا خمسين أقسم الموجودون خمسين يمينا أو يقسم المتهمون على نفي القتل عنهم. و قد أقسم يقسم قسما و قسامة، و قد جاءت القسامة على بناء الغرامة و الحمالة لأنها تلزم أهل الموضع الذي يوجد فيه القتيل"
اللغو في الأيمان
و لجريان الحلف على ألسنة الناس عموما، بما في ذلك المؤمنون، جاءت آيتان مفتاحيتان هما مدار بحث الآيمان لتحذر المؤمنين من كثرة الحلف، وهما، و إن نفيتا المؤاخذة في حال اللغو و أثبتتاها في حال التعقيد و الكسب، إلا أنهما تدخلان في نهي القرآن العام عن جعل الله تعالى عرضة لأيمان الناس.
و الآيتان في الأساس آية واحدة تكررت صيغتها في سياقين مختلفين دون تغيير في سورتي البقرة و المائدة في جملة عدم المؤاخذة على اللغو في الأيمان :
"لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم"،
و لكن تبديلا ذا دلالة حصل في جملة المؤاخذة :
" لكن يؤاخذكم"
حيث وردت المؤاخذة في صيغتين:
1- صيغة "بما كسبت قلوبكم" في آية البقرة،
2- صيغة " بما عقدتم الأيمان" في آية المائدة،
و لا يعني التشابه الكبير بين الصيغتين تطابقهما في الدلالة، و رغم كونهما موضوع مؤاخذة إلا أن هذه المؤاخذة ليست نفسها في الكسب والتعقيد، ذلك أن دلالات الكسب سيئة في غالب نظائر "كَسَبَ" الكثيرة نسبيا في القرآن. أما دلالات التعقيد فهي حسنة عموما في جل نظائر "عَقَّدَ" و "عُقْدَة" القليلة.و ربما يغلب العمد و قصد الكذب و الحنث في حال الكسب، بينما يرجى العزم على الصدق و الوفاء في حال التعقيد.
ثم إن سياق الآيتين ليس واحدا. ففي سورة البقرة جاءت آية المؤاخذة في سياق نهي المؤمنين عن كثرة الأيمان التي ينجر عنها الامتناع عن فعل الخير بحجة الحلف واليمين. و قد انتهت الآية الأولى بمغفرة الله تعالى و حلمه دون ذكر الكفارة، كما تطرقت لمسألة الإيلاء من النساء لكونها من الأيمان المنهي عنها:
"و لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم
أن تبروا وتتقوا و تصلحوا بين الناس،
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم،
ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم،
والله غفور حليم.
للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر،
فإن فاءوا فإن الله غفور رحيم" [البقرة : 2/224-226]
أما في سورة المائدة فقد جاءت الآية على ما يبدو متأخرة في الزمان عن الأولى بعد أن صار لزاما إرفاق المؤاخذة بعلاج يتمثل في الكفارة التي جاء بيان و تفصيل أحكامها في نهاية الآية تكفيرا عن يمين ينبغي الوفاء بها. وكما ابتدأت آية البقرة بنهينا عن جعل الله عرضة لأيماننا انتهت آية المائدة بأمرنا بحفظ هذه الأيمان :
"لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم،
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان،
فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم
أو كسوتهم
أو تحرير رقبة،
فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام،
ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم،
واحفظوا أيمانكم،
كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون" [المائدة : 5/89]
تتناول هاتان الآيتان جملة من مقاصد فقه الأيمان نعرضها على النحو التالي :
1- النهي جعل الله تعالى عرضة لأيماننا
2- عدم المؤاخذة على اللغو
3- و المؤاخذة على التعقيد
4- حفظ الأيمان
حول هذه المقاصد يدور هذا البحث أساسا :
1- و لاتجعلوا الله عرضة لأيمانكم :
بهذا النهي صدرت الآية الأولى من آيات البقرة الثلاث، لنتابع بقية الآية :
"و لا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم
أن تبروا وتتقوا و تصلحوا بين الناس،
والله سميع عليم" (البقرة : 2/224)
نهانا تعالى عن جعل القسم و الحلف باسمه حاجزا يحجزنا و مانعا يمنعنا من فعل البر و التقوى والإصلاح بين الناس، و قد جاء الحاجز و المانع بلفظ العرضة فماذا يقول المفسرون فيها؟
يرجع القرطبي لفظ العرضة إلى معنى النصبة و أصلها من الشدة و القوة حيث يقول :
"قوله تعالى عرضة لأيمانكم أي نصبة له. و العرضة من الشدة والقوة، والمعنى لا تجعلوا اليمين بالله قوة لأنفسكم وعدة في الامتناع من البر. و قد جاء في محل نصب على المفعولية، أي لا تمنعكم اليمين بالله عز وجل البرَّ والتقوى والإصلاحَ(14) "
و لكون نتيجة الحلف الكثير كذلك فإن هذا النهي الخاص عن جعل الله عرضة للأيمان يتضمن نهيا عاما عن كثرة الأيمان التي هي من حال الناس عموما في لغوهم، لنتابع ما يقوله القرطبي في سياق بيان وقوف الحلف حاجزا عن فعل البر و التقوى و الإصلاح بين الناس :
"قوله تعالى "أن تبروا" معناه أقلوا الأيمان لما فيه(15) من البر والتقوى فإن الإكثار يكون معه الحنث وقلة رعي لحق الله تعالى (16)"
و يقدم لنا القرطبي ثلاثة تقديرات لدلالة جملة "أن تبروا"نوردها أدناه لأنها تساهم جميعها في زيادة التفسير المقدم أعلاه وضوحا و جلاء، و لتضمنها مقارنة بين بنيات الآيات المتشابه في أنساقها تزيدنا قربا والتصاقا بنسيج النص القرآني :
1- " و "أن تبروا وتتقوا" مبتدأ وخبره محذوف، أي البر والتقوى والإصلاح أولى وأمثل، مثل "طاعة وقول معروف(17) ".
2- وقيل معناه ألا تبروا فحذف "لا"، كقوله تعالى : "يبين الله لكم أن تضلوا" أي لئلا تضلوا فلا تمتنعوا عن شيء من المكارم تعللا بأنا حلفنا ألا نفعل كذا.
3- وقيل المعنى لا تستكثروا من اليمين بالله فإنه أهيب للقلوب، ولهذا قال تعالى واحفظوا أيمانكم، وذم من أكثر اليمين فقال تعالى : "ولا تطع كل حلاف مهين(18) "
أما صاحب روح المعاني فيجد معنيين للنهيِ وعلاقتِه بجملة البر، و إن وصل إلى نفس النتيجة من حيث النهي عموما عن كثرة الحلف :
"وقوله تعالى "أن تبروا وتتقوا وتصلحوا بين الناس" عطف بيان لإيمانكم، وقيل بدل، والمعنى لا تجعلوا الله تعالى حاجزا لأجل حلفكم به عن البر والتقوى والإصلاح، وعلى الثاني ولا تجعلوا الله نصبا لأيمانكم فتبتذلوه بكثرة الحلف به في كل حق وباطل(19) "
2- لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم
ما المقصود باللغو الذي لا نؤاخذ عليه و بالتعقيد موضوع المؤاخذ ؟
ندرس أولا اللغو :
ورد لفظ اللغو سبع مرات في القرآن، وقد جاء في سياقين ربما اختلفا في المشهد ولكن لم يختلفا في المقصد، ألا و هو ضرورة ابتعاد المؤمنين عنه، أي اللغو :
السياق الأول :
ورد لفظ اللغو ثلاث مرات في سياق بيان صفات المؤمنين التي من بينها إعراضهم عنه، وهو من مشاهد و شواهد إيمانهم في الدنيا :
" والذين هم عن اللغو معرضون" [المؤمنون : 23/3]
"و إذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه" [القصص : 28/55]
أو مرورهم كراما أي سالمين على مجالسه :
ننوه هنا بعطف جملة اللغو على سابقتها جملة الزور، مما يزيد في مذموميته :
" والذين لا يشهدون الزور، وإذا مروا باللغو مروا كراما" [الفرقان : 25/72]
السياق الثاني
و كذلك ورد لفظ اللغو أربع مرات في سياق وصف مشاهد نعيم الجنة التي منها عدم سماع اللغو فيها أو عدم شرب شراب يؤدي إلى ذلك :
"لا يسمعون فيها لغوا و لا كذابا" [النبأ : 78/35]
"لا يسمعون فيها لغوا إلا سلاما" [مريم : 19/62]
"لا يسمعون فيها لغوا و لا تأثيما، إلا قيلا سلاما سلاما" [الواقعة : 56/25-26]
" يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها و لا تأثيم" [الطور : 52/23]
و يتميز نفي سماع اللغو هنا بميزتين :
1- يتميز بالعطف في حال ذكر شبيه و مثيل اللغو و هو الكذب الكثير"الكِذَّاب"،كما في سورة النبأ، و الإثم الكثير "التأثيم"، كما في سورتي الواقعة و الطور، مما يدل على أن في اللغو كذبا و إثما كثيرا،
2- كما يتميز بالاستثناء و يعني سماع نقيض اللغو، و هو السلام الذي جاء مستثنى فعل السماع في سورة الطور بينما جاء مفعولا لمصدر فعل القول "القيل" في سورة الواقعة(20) .
كما جاء مرة بلفظ لاغية في نفس سياق وصف الجنة :
"في جنة عالية لا تسمع فيها لا غية" [الغاشية : 88/10-11]
و لم يأت اللغو في صيغة فعل إلا في سورة فصلت بمعنى الإكثار من اللغط فيه بقصد تبديله ونسيانه كما قال الفراء :
"و قال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون" [فصلت : 41/26]
فهل نجد في التأصيل اللغوي لفعل اللغو ما هو أساس لكراهيته قرآنيا ؟ ماذا يقول أهل اللغة في اللغو؟
تبرز الاستعمالات المتعددة لفعل لغا في لسان العرب معنى سلبيا أساسيا هو السقوط عموما. وإن خص الكلام بهذا السقوط. و قد توسع القوم في دلالات الإسقاط في اللغو إلى أن وصلوا به إلى درجة الإلغاء التي لا تقف عند سقط الكلام و حسب بل تتعداه إلى الحكم بالإسقاط على كل ما لا قيمة له في مؤداه.
وكما هو حال كلمات العربية، فإن هذا المعنى السلبي لا ينطبق على اللغة كلغة، بمعنى مجموع أصوات كلام قوم ما أو نطقهم، حيث هذا حالهم و واقعهم، وهو ليس محط حكم بالسلب و الإيجاب. و مع ذلك تتوسع مجازات فعل اللغو السلبية لتشمل طريقة الشرب و الحب عند من يبالغ فيهما :
1- اللغو و اللغا : السقط من الكلام وغيره :
اللغو : السقط و ما لا يعتد به من كلام وغيره و لا يحصل منه على فائدة و لا نفع.
2- أصل اللغو من اللغا :
اللغا : ما لا يعد من أولاد الإبل في دية أو غيرها لصغرها. وشاة لغو ولغا : لا يعتد بها في المعاملة. (قال) الفراء : وقالوا كل الأولاد لغا، أي لغو، إلا أولاد الإبل فإنها لا تلغى, قال قلت و كيف ذلك؟ قال لأنك إذا اشتريت شاة معها ولد فهو تبع بها لا ثمن له إلا أولاد الإبل.
و قوله عز و جل : لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم، اللغو في الأيمان ما لا يعقد عليه القلب، مثل قولك لا و الله و بلى و الله (21). قال الفراء كأن قول عائشة أن اللغو ما يجري في الكلام على غير عقد.
"و إذا مروا باللغو مروا كراما" أي مروا بالباطل.
و اللاغية : اللغو، و في التنزيل العزيز : "لا تسمع فيها لا غية" أي كلمة ذات لغو، و قيل أي كلمة قبيحة أو فاحشة. و قال قتادة أي باطلا و مأثما و قال مجاهد شتما. و قال غيرهما اللاغية بمعنى اللغو مثل راغية(22) الإبل أي رغائها و نباح الكلب (هذا لفظ الجوهري)
3- الإلغاء من اللغو بمعنى الإسقاط :
و ألغيت الشيء أبطلته.وكل ما أسقط فلم يعتد به ملغى.
و قال الفراء في قوله تعالى : "لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه" أي الغطوا فيه يبدل أو ينسى فتغلبوه.
4-و اللغو النطق من اللغة :
و اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم و هي فُعْلة من لغوت أصلها لُغْوة ككرة، وجمعها لغى. و في المحكم الجمع لغات و لُغون.
و اللغو النطق يقال هذه لغتهم التي يلغون بها أي ينطقون. و لغوى الطير أصواتها و اللَّغْوى لغط القطا. ويقال سمعت لغو الطير ولحنه و قد لغا يلغو.
و لغى بالشيء لهج، و لغي بالشراب والماء أكثر منه، و لغي فلان بفلان أولع به.
3- و لكن يؤاخذكم بما عقَّدتم الأيمان :
و بعد دراسة دلالات اللغو ننتقل إلى دراسة نقيضه في الآيتين، ألا وهو التعقيد الذي أصله العقد :
1- أصل معنى العقد هو الشد والربط نقيض الحل :
يقول ابن منظور في بداية مادة عقد : "العقد نقيض الحل(23) ، و يقال عقدت الحبل فهو معقود، وكذلك العهد" و قد أورد معنى مجازيا قديما للعقد يدخل في صلب بحثنا ألا وهو البناء بالجص :
"و عقد البناء بالجص يعقده عقدا ألزقه، والعقد ما عقدت من البناء، والجمع أعقاد وعقود. وعقد بنى عقدا. و تعقد السحاب، صار كالعقد المبني. واعتقد الشيءُ صلب واشتد.
2- عقد أو تعقيد الأيمان بمعنى توكيدها :
و قد اشتق من هذا الأصل المادي في الحبل أو البناء معنى مجازي خلقي اجتماعي هو اليمين الذي غالبا ما يرافق العهود و المواثيق :
" و عقد العهد و اليمين يعقدهما عقدا و عقدهما : أكدهما". والعقد العهد، والجمع عقود، وهي أوكد العهود. و المعاقدة المعاهدة والميثاق. و عاقده عاهده و تعاقد القوم تعاهدوا.
3- أصل معنى العقدة :
العقدة عند ابن منظور من العقد حيث قال بعد تعريفه الأولي للعقد : "ومنه (أي العقد) عقدة النكاح والبيع (أي) وجوبهما، قال الفارسي : و هي من الشد والربط، وعقدة كل شيء إبرامه (24).
و يرجع أصل العقدة إلى صورة ما عليه بعض النبات الصحراوي من التشابك في الجذور و الفروع حيث يقول :
"و العقدة من الأرض الكثيرة الشجر، و تكون من الرمث و العرفج، وقيل المكان الكثير الشجر..... و العقدة من المرعى هي الجَنْبَة (25) ما كان فيها من مرعى عام أول (26)، و منه سميت العقدة.
ثم يستخلص من ذلك المعنى الأصلي مجازات عديدة تتلخص فيما يلي : "وكأن الرجل إذا اتخذ ذلك(27) فقد أحكم أمره عند نفسه و استوثق منه، ثم صيروا كل شيء يستوثق الرجل به لنفسه ويعتمد عليه عقدة"
والعقدة المعقودة على الحبل المفتول أساسا تزيد معنى الشد و الربط قوة بإضافة معنى التشابك إلى الأول و معنى التلازم إلى الثاني فلا يبقى مجال للتراخي في الشد و لا للفكاك في الربط. وهذا ما يرجوه الناس في علاقاتهم، و لا سيما في الزواج.
و قد أكدت آيتان كريمتان من سورة البقرة هذه الحقيقة من خلال اعتبار عقد النكاح عقدة، كما اعتبر هذا العقد ميثاقا غليظا في سورة النساء (28) و ذلك بغية تثبيت و تأبيد قوة ومتانة الرباط الوثيق بين المرأة والرجل الذي تمت تسميته زواجا، كما خلقنا الله تعالى أزواجا :
"وَلاَ تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىَ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ " [البقرة : 2/235]
"إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ" [البقرة : 2/237]
و لكن يؤاخذكم بماكسبت قلوبكم
كما هو الحال بالنسبة لمجموع آيات الأحكام، فإن علاقة المؤاخذة ببحثنا إطارية، بمعنى أن ذكر معاقبة الله تعالى عباده المؤمنين على اللغو و التعقيد و الكسب في الأيمان إنما يهدف إلى تذكيرهم بالحدود التي ينبغي عليهم التحرك داخلها و عدم تجاوزها في قول و فعل الأيمان.
و كتأطير للبحث، نجري استعراضا سريعا لمدلولات المؤاخذة في نظائرها السبع في القرآن، و خاصة في آيتي البقرة و المائدة اللتين ثم تصديرهما بها.
فقد لاحظنا كيف جاء فعل المؤاخذة منفيا في الجملة الأولى ثم مثبتا في الجملة الثانية، بما مجموعه أربعة تواردات لم يعرض المفسرون فيها إلى معنى المؤاخذة بسبب اشتغالهم باللغو و التعقيد و الكسب و مجمل المسائل المتعلقة بأحكام الأيمان :
لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم،
ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم،
"لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم،
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان،
و قد ورد هذا الفعل في خمس آيات أخرى :
ورد مرتين مسبوقا بلا الناهية :
ليعني في أولاهما دعاء إلى الله بعدم المؤاخذة خفف من شدتها سياق الدعاء المشفوع بوجود النسيان و الخطأ في آية البقرة :
"ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ربنا و لا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا، ربنا و لا تحملنا ما لا طاقة لنا به، و اعف عنان و اغفر لنا، وارحمنا، أنت مولانا، فانصرنا على القوم الكافرين" [البقرة : 2/286]
و يعني في ثانيتهما اعتذارا من موسى للخضر، عليهما السلام، عن نسيانه عهد عدم السؤال :
"قال لا تؤاخذني(29) بما نسيت و لا ترهقني (30) من أمري عسرا" [الكهف : 18/73]
ثم ورد ثلاث مرات في جمل شرط مسبوقة بأداة الامتناع للامتناع "لو" لإفادة عدم تعجيل الله تعالى، بل تأجيله إلى أجل مسمى، مؤاخذة الناس بالعذاب على ظلمهم في آية النحل :
"و لو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة، و لكن يؤخرهم إلى أجل مسمى، فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة و لا يستقدمون" [النحل : 16/61]
و على كسبهم السيئات في آية فاطر:
"و لو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا ما ترك على ظهرها من دابة، و لكن يؤخرهم إلى أجل مسمى، فإذا جاء أجلهم فإن الله كان بعباده بصيرا" [فاطر : 35/45]
و في آية الكهف، حيث أخذ الأجل صيغة الموعد:
"و ربك الغفور ذو الرحمة، لو يؤاخذهم بما كسبوا لعجل لهم العذاب،بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلا" [الكهف :18/58]
و لم يهتم معظم المفسرين بشرح معنى المؤاخذة لاعتبارهم معنى المعاقبة فيها مفهوما بداهة. بيد أن صاحب روح المعاني تفرد بتحليله لمعنى المفاعلة في المؤاخذة حيث اعتبر آخَذَ مثل أَخَذَ في دلالته على المعاقبة. لكنه ميز معنى المشاركة في المؤاخذة من خلال بيان دور طرفيها، و هما أولا الله تعالى المؤاخِذ و ثانيا العبد المذنب طالب العفو، أي عدم المؤاخذة :
"و المؤاخذة المعاقبة، وفاعل هنا بمعنى فعل. وقيل المفاعلة على بابها لأن الله تعالى يؤاخذ المذنب بالعقوبة والمذنب كأنه يؤاخذ ربه بالمطالبة بالعفو، إذ لا يجد من يخلصه من عذابه سواه فلذلك يتمسك العبد عند الخوف منه به فعبر عن كل واحد بلفظ المؤاخذة(31) .
و بعد متابعة طويلة، عثرت على المرة الوحيدة التي فسر فيها الطبري المؤاخذة بالمعاقبة :
"يقول تعالى ذكره : "ولو يؤاخذ الله الناس" يقول : ولو يعاقب الله الناس ويكافئهم بما عملوا من الذنوب والمعاصي واجترحوا من الآثام ما ترك على ظهرها من دابة تدب عليها، ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى يقول ولكن يؤخر عقابهم ومؤاخذتهم بما كسبوا إلى أجل معلوم عنده محدود لا يقصرون دونه ولا يجاوزونه إذا بلغوه (32)"
و هذا ابن كثير يقول بالمعاقبة كذلك :
"و قوله لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم أي لا يعاقبكم ولا يلزمكم بما صدر منكم من الأيمان اللاغية وهي التي لا يقصدها الحالف بل تجري على لسانه عادة من غير تفقيد ولا تأكيد "
المؤاخذة و الكفارة
بعد استعراض الطبري مجمل أقوال أهل التأويل في المؤاخذة و علاقتها بالكفارة، لخصها تلخيصا ميز فيه بين حالتين تمييزا يحسم فيه القول في الكفارة وعدمها، حيث يقتضي عدم المؤاخذة عدم لزوم الكفارة بينما تقتضي المؤاخذة لزومها. و قد ارتأينا نقل أقواله مرتبة تسهيلا لفهم القارئ غير الخبير بلغة الطبري المطبوعة بالمنطق الصوري :
حالات عدم لزوم الكفارة هي من اللغو :
قال أبو جعفر: واللغو من الكلام في كلام العرب كل كلام كان مذموما وفعلا لا معنى له مهجورا، يقال منه لغا فلان في كلامه يلغو لغوا إذا قال قبيحا من الكلام... ومسموع من العرب لغيت باسم فلان بمعنى أولعت بذكره بالقبيح.
فإذا كان اللغو ما وصفت، وكان الحالف بالله ما فعلت كذا وقد فعل، ولقد فعلت كذا وما فعل، واصلا بذلك كلامه على سبيل سبوق لسانه من غير تعمد إثم في يمينه، ولكن لعادة قد جرت له عند عجلة الكلام،
والقائل والله إن هذا لفلان وهو يراه كما قال، أو والله ما هذا فلان وهو يراه ليس به،
والقائل ليفعلن كذا والله، أو لا يفعل كذا والله، على سبيل ما وصفنا من عجلة الكلام وسبوق اللسان للعادة على غير تعمد حلف على باطل،.
والقائل هو مشرك أو هو يهودي أو نصراني إن لم يفعل كذا أو إن فعل كذا من غير عزم على كفر،
جميعهم قائلون هجرا من القول، وذميما من المنطق، وحالفون من الأيمان بألسنتهم ما لم تتعمد فيه الإثم قلوبهم،
كان معلوما أنهم لغاة في أيمانهم لا تلزمهم كفارة في العاجل ولا عقوبة في الآجل لإخبار الله تعالى ذكره أنه غير مؤاخذ عباده بما لغوا من أيمانهم وأن الذي هو مؤاخذهم به ما تعمدت فيه الإثم قلوبهم.
حالات لزوم الكفارة من الكسب أو التعقيد :
وإذ كان ذلك كذلك، وكان صحيحا عن رسول الله أنه قال :
"من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه"
فأوجب الكفارة بإتيان الحالف ما حلف أن لا يأتيه مع وجوب إتيان الذي هو خير من الذي حلف عليه أن لا يأتيه،
وكانت الغرامة في المال أو إلزام الجزاء لا شك عقوبة كبعض العقوبات التي جعلها الله تعالى ذكره نكالا لخلقه فيما تعدوا من حدوده، وإن كان يجمع جميعها أنها تمحيص وكفارات لمن عوقب بها فيما عوقبوا عليه،
كان بينا أن من ألزم الكفارة في عاجل دنياه فيما حلف به من الأيمان فحنث فيه، وإن كانت كفارة لذنبه، فقد واخذه الله بها بإلزامه إياه الكفارة منها.وإن كان ما عجل من عقوبته إياه على ذلك مسقطا عنه عقوبته في آجله،
و احفظوا أيمانكم
الحفظ (34) هنا بمعنى المحافظة أي المراعاة و المراقبة و عدم النسيان، و هو بمعنى الأمر في آية البقرة بالمحافظة على الصلوات :
"حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ" [البقرة : 2/238]
محمد نبيل الخياط
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
34-"الحفظ نقيض النسيان، حفظ الشيء حفظا، و حفظت الشيء حفظا أي حرسته، و حفظ المال والسر حفظا رعاه، ويقال استحفظت فلانا مالا إذا سألته أن يحفظه لك و استحفظته سرا، وفي التنزيل في أهل الكتاب بما استحفظوا من كتاب الله أي استودعوه وأتمنوا عليه. و المحافظة المواظبة على الأمر و المحافظة المراقبة، وفي التنزيل العزيز حافظوا على الصلوات أي صلوها في أوقاتها أي واظبوا على إقامتها في مواقيتها و التحفظ التيقظ من السقطة كأنه على حذر من السقوط.و المحافظة و الحفاظ الذب عن المحارم والمنع لها عند الحروب والاسم الحفيظة، يقال ذو حفيظة وأهل الحفائظ أهل الحفاظ وهم المحامون على عوراتهم الذابون عنها .و الحافظ هو الطريق البين المستقيم الذي لاينقطع فأما الطريق الذي يبين مرة ثم ينقطع أثره ويمحي فليس بحافظ" لسان العرب ج : 7 ص :441-442
1- تفسير القرطبي ج: 3 ص: 101 و 102
2- روح المعاني، ج 2، ص 127
3- تفسير القرطبي ج: 3 ص: 101 و 102
4- وردت الألفاظ الأربعة في سورة الواقعة يرافقها لفظ أصحاب، فأما عبارتا أصحاب الميمنة وأصحاب المشأمة فلم تتفرد بهما سورة الواقعة حيث وردا كذلك في سورة البلد :
"فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ، وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ" [الواقعة :56 /9]
"أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ" [البلد : 90/18-19]
و أما عبارتا أصحاب اليمين و أصحاب الشمال فوردتا فقط في سورة الواقعة :
"وَأَمَّا إِن كَانَ مِنَ أَصْحَابِ الْيَمِينِ، فَسَلَامٌ لَّكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ" [الواقعة :56 /90-91]
"وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ" [الواقعة : 56/27]
"وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ مَا أَصْحَابُ الشِّمَالِ" [الواقعة : 56/ 4]
5- هذا المعنى، و ما يتضمنه من مفهوم الملكية و رمزها اليد اليمني، حاضر في القرآن بقوة تلخصه عبارة "ما ملكت يمينك (مرة واحدة) وأيمانكم-أيمانهم (ثلاث عشرة مرة)" رتبناها على النحو التالي :
"... وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاء اللَّهُ ... قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ .." [الأحزاب : 33/50]
"إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ" [المؤمنون : /6]
"إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ" [المعارج : /30]
"... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .." [النساء : 4/3]
"وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ .." [النساء : 4/24]
"... وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً " [النساء : 4/36]
".. وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ .." [النور : /33]
".. لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ...[النور : /58]
".. هَل لَّكُم مِّن مَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن شُرَكَاء ..." [الروم : /28]
"... فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُواْ بِرَآدِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاء أَفَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ" [النحل : 16/71]
6- التبيان في تفسير غريب القرآن ج: 1 ص: 404 و405
7- فتح القدير ج: 5 ص: 148
12- فتح القدير ج: 5 ص: 274 و 275
13 - و يتأكد معنى البلوغ في الأيمان بما تم به وصف حكمة القرآن و حجته و غيرها من المواضع :
ففي سورة القمر ورد وصف القرآن بأنه حكمة بالغة :
"حكمة بالغة فما تغن النذر" [القمر : 54/5]
حيث يفسرها البغوي وصاحب زاد المسير بالتمام و بلوغ الغاية :
"حكمة بالغة يعني القرآن حكمة تامة قد بلغت الغاية في الزجر "
" حكمة بالغة : قال المفسرون والمعنى جاءهم القرآن وهو حكمة تامة قد بلغت الغاية فما تغني النذر "
كما يتأيد معنى البلوغ في الأيمان من خلال وصف حجة الله تعالى كذلك بالبلوغ بنفس معنى التمام و بلوغ الغاية. هذا ما أكده البيضاوي و القرطبي و أبو السعود و صاحب فتح القدير في تفسيرهم لقوله تعالى. ليلاحظ القارئ مدى التشابه بل والتطابق أحيانا في أقوال المفسرين :
" قل فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين" [الأنعام : 6/149]
"قل فلله الحجة البالغة : البينة الواضحة التي بلغت غاية المتانة والقوة على الإثبات أو بلغ بها صاحبها صحة دعواه، وهي من الحج بمعنى القصد كأنها تقصد إثبات الحكم وتطلبه "
"فلله الحجة البالغة، أي البينة الواضحة التي بلغت غاية المتانة والثبات أو بلغ بها صاحبها صحة دعواه، والمراد بها الكتاب والرسول والبيان، وهي من الحج بمعنى القصد كأنها تقصد إثبات الحكم وتطلبه "
"يخبرهم أن لله الحجة البالغة على الناس أي التي تنقطع عندها معاذيرهم وتبطل شبههم وظنونهم وتوهماتهم، والمراد بها الكتب المنـزلة والرسل المرسلة وما جاءوا به من المعجزات "
"قوله تعالى : قل فلله الحجة البالغة، أي التي تقطع عذر المحجوج وتزيل الشك عمن نظر فيها "
14- تفسير القرطبي ج: 3 ص: 97 و98
15- أي الإقلال من الأيمان
16- تفسير القرطبي ج: 3 ص: 97 و98
17- أي مثل قوله تعالى طاعة و قول معروف : "طَاعَةٌ وَقَوْلٌ مَّعْرُوفٌ، فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ" [محمد : 47/21] حيث هي مبتدأ خبره محذوف.
18- تفسير القرطبي ج: 3 ص: 97 و98
19- روح المعاني ج: 2 ص: 127
20- يذكرنا لفظ السلام بنقيضه خطاب الجهل في سورة الفرقان : " , إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما" [الفرقان : 25/63]
21- هذا التعريف أخرجه البخاري عن عائشة رضي الله عنها قالت : نزل قوله تعالى "لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم" في قول الرجل لا والله وبلى والله"
22 - هذا معنى لطيف جدا تنبه إليه الجوهري فاللاغية مثل الراغية لأن اللام والراء متجاورتان في المخرج و بالتالي فهما قريبتان في المعنى فاللاغية مثل الراغية من حيث كونها التلفظ بأصوات لا معنى لها و لا فائدة فيها.
23 - يؤيد هذا دعاء موسى عليه السلام : "واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي" [طه : 20/27]
24- يقول صاحب اللسان بعد توسع في معنى البرم السيئ، وهو خاصة ثمر الأراك الذي لا طعم له و لا حلاوة ، وكذلك في معنى الضجر من صحبة رجل برم لا فائدة في كلامه و لا طائل و بعد بيان مختلف مجازات البريم الدالة على اختلاط لونين متناقضين : "و أبرم الأمر و برمه : أحكمه، و أبرم الحبل أجاد فتله. والمبرم والبريم : الحبل الذي جمع بين مفتولين ففُتِلا حبلا واحد" و هذا ما يفسر ورود هذا الفعل مرة واحدة في القرآن في معنى سيء يتضمن تحديا للكفار من جنس عملهم : " أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون" [الزخرف : 43/79] بيد أن معنى الإبرام بمعنى العقد يبدو واضحا في هذه الجملة. أما عربية اليوم فقد كرست معنى العقد أكثر في مجال المعاهدات والاتفاقات.
25- يقول صاحب اللسان في الجَنْبَة : "و الجَنْبَة عامة الشجر (أي اسم عام) الذي يتربل (أي ينمو ويغلظ) في الصيف. و قال أبو حنيفة : الجَنْبَة مما نَبْتَتُهُ بين البقل (اسم عام للعشب و خاصة للخضروات) والشجر، وهما مما يبقى أصله في الشتاء و يبيد فرعه. و يقال مطرنا مطرا كثرت منه الجنبة. و في التهذيب : نبتت منه الجنبة، والجنبة اسم لكل نبات يتربل في الصيف. الأزهري : الجنبة اسم واحد لنبوت كثيرة وهي كلها عروة (أي تبقى لها خضرة في الشتاء تتعلق بها الإبل). سميت جنبة لأنها صغرت عن الشجر الكبار و ارتفعت عن التي لها أرومة في الأرض. ومن الجنبة النُّصيًّ و الصُّلِّيان و الحماط و المكر و الجدر والدهماء، صغرت عن الشجر و نبلت (أي كبرت)عن البقول. قال : وهذا كله مسموع من العرب.
26- ربما عنى يقوله عام أول عاما سابقا من الرعي باعتبار أن ما يتحدث عنه من عقدة و عروة من النبات هو ما يبقى له أصل أو خضرة في الشتاء تتعلق به الإبل حتى تدرك الربيع. قال ابن منظور في العروة التي هي بمعنى العقدة كذلك : "و قيل العروة الجماعة من العِضاه (اسم نبات) خاصة يرعاها الناس إذا أجدبوا. و قيل العروة بقية العِضاه و الحمض في الجدب و لا يقال للشجر عروة إلا لها. غير أنه قد يشتق لكل ما بقي من الشجر في الصيف. قال الأزهري : و العروة من دِقِّ الشجر ما له أصل باق في الأرض مثل العرفج و النصي و أجناس الخُلَّة والحمض (أنواع من النباتات الصحراوية) فإذا أمحل الناس عصمت العروة الناس.
27- ربما قصد بعبارة "اتخذ ذلك" جعل حال النبات هذا مثلا لما ينبغي أن تكون عليه أمور الناس.
28- نقل صاحب الدر و الثعالبي عن مجاهد و ابن زيد أن الميثاق الغليظ هو عقدة النكاح.
29- اعتبر الطبري هذا الاعتذار من معاريض العرب، وقد أخذ عدد من المفسرين عبارته كما هي دون زيادة، أما صاحب زاد المسير فقد زادها وضوحا و جلاء عندها أطلق عليها اسم التعريض الذي هو أبلغ من الكشف والتصريح : "والعرب تستعمل التعريض في كلامها كثيرا فتبلغ إرادتها بوجه هو ألطف من الكشف و أحسن من التصريح" زاد المسير ج: 5 ص: 360.
30- "ولا ترهقني من أمري عسرا" تعني : "لا تضيق علي ولا تشدد علي"، تفسير ابن كثير ج: 3 ص: 98
31- روح المعاني ج: 3 ص: 70
32- تفسير الطبري ج: 22 ص: 147
إضافة تعليق جديد