السيناريوهات الجديدة في ملف الأزمة الليبية
الجمل: بحلول مطلع هذا الأسبوع تحولت أنظار المراقبين والمحللين السياسيين والإعلاميين لجهة الاهتمام أكثر فأكثر بالتطورات الجارية في ملف الأزمة السياسية الليبية، وذلك بعد أن برز بوضوح من خلال نتائج اجتماع قمة الثمانية الأخيرة في منتجع دونفيل الفرنسي، بأن أطراف التحالف الدولي الرئيسية وعلى وجه الخصوص واشنطن ـ باريس ـ لندن، قد حسمت أمرها، عاقدة العزم على حسم ملف الأزمة السياسية الليبية: فما هي حقيقة التطورات والأحداث والوقائع الجارية في فعاليات الأزمة الليبية وما مدى إمكانية الحسم النهائي وما هو شكل السيناريو المتوقع. وما هي مصداقية إسقاطه على مسرح الصراع الليبي، والذي تقول التسريبات بأنه أصبح ينطوي على المزيد من المفارقات والمفاجآت غير المتوقعة؟
* مسرح الصراع الليبي: توصيف المعلومات الجارية
تشير المعطيات الجارية إلى حدوث المزيد من تطورات الأحداث والوقائع الجديدة في مسرح الصراع الليبي، وفي هذا الخصوص نشير إلى الآتي:
• تطورات البيئة الداخلية: تقول التقارير والتسريبات بأن الوقائع الداخلية الجديدة قد شملت الآتي:
ـ قيام نظام الزعيم معمر القذافي بتوزيع قطع السلاح على حوالي 800 ألف شخص في مناطق غرب ووسط وجنوب ليبيا، مع التركيز الخاص على منطقة غرب ليبيا ذات الأهمية السياسية، والمناطق التي تتضمن حقول النفط الليبية الرئيسية، إضافة إلى مناطق النهر الصناعي العظيم الذي يقوم بتزويد المدن الليبية بإمدادات مياه الشرب.
ـ تزايد العمليات المخابراتية السرية على طول الحدود التونسية الليبية، وفي هذا الخصوص فقد استطاعت عناصر المعارضة الليبية وبالتعاون مع أجهزة التحالف الدولي تنظيم فعاليات شبكة سرية أصبحت ناشطة حالياً في تهريب عناصر أجهزة الأمن والجيش الليبي التي تعلن انشقاقها عن نظام القذافي، إضافة إلى تسريب عناصر المعارضة الليبية لجهة القيام بزرع الخلايا الليزرية في المنشآت الحساسة والحيوية بما يجعل من السهل على قوات التحالف الدولي قصفها بالصواريخ الموجهة المنطلقة من عرض البحر أو بواسطة الطائرات الحربية.
ـ تبلور المزيد من الاصطفافات الإثنو ـ سياسية على أساس الخطوط القبلية وتوزيعاتها الجهوية، بحيث حزمت قبائل منطقة شمال شرق ليبيا (يقطنها حوالي 30% من السكان وتشكل حوالي 25% من مساحة ليبيا) أمرها إلى جانب المعارضة الليبية، وبالنسبة لمنطقة غرب ووسط وجنوب ليبيا (يقطنها 70% من السكان، وتشكل 75% من مساحة ليبيا) فقد حزمت أمرها ضمن موقفين، الأول داعم لنظام القذافي وتحديداً في مناطق غرب ليبيا، والثاني ينظر بحيادية سلبية، وبرغم ذلك، ما يجمع الأول والثاني هو رفض التعامل مع المعارضة الليبية الحالية بسبب ارتباطاتها الوثيقة مع ماضي ليبيا الملكي.
• تطورات البيئة الخارجية: تقول التقارير والتسريبات بأن الوقائع الأخيرة قد شملت الآتي:
ـ تفاهم واتفاق أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ تل أبيب لجهة الإسراع بحسم ملف الأزمة السياسية الليبية.
ـ تصريحات الجنرال فوغ راسموزين (أمين عام حلف الناتو، التي أكد من خلالها صراحةً بأن نهاية نظام القذافي قد اقتربت.
ـ تزايد جهود الدبلوماسية الوقائية، وفي هذا الخصوص وصل الرئيس الجنوب إفريقي جاكوب زوما منتدباً من الاتحاد الإفريقي، وأجرى المزيد من المشاورات داخل العاصمة الليبية طرابلس، وأشارت التسريبات إلى أن محور النقاش قد ركز على التفاهم حول كيفية العثور على المخرج المناسب وإنهاء الأزمة، وكان خيار خروج القذافي من ليبيا مطروحاً من بينها.
ـ سعت موسكو إلى تغيير موقفها السابق باعتماد موقف جديد، تمثل في التأكيد على خيار خروج القذافي واستعداد موسكو لجهة القيام بإرسال مبعوثها إلى طرابلس للتفاهم إذا وافق القذافي على هذا الخيار.
ـ عودة الوساطة التركية مرة أخرى، ولكن من وراء الكواليس، وتقول التسريبات بأن أنقرا تسعى إلى إكمال صفقة، تتضمن خروج القذافي إلى ملاذ آمن خارجي مقابل التزام أطراف التحالف الدولي بتجميد فعاليات ملف المحكمة الجنائية الدولية ضد القذافي وأفراد عائلته.
ـ إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلنتون، بأن واشنطن تتفاهم حالياً مع حلفائها الدوليين لجهة القيام باستخدام وتوظيف الأرصدة الليبية الخارجية المجمدة في المؤسسات الأمريكية والأوروبية (حجم الاستثمارات الليبية في أوروبا وأمريكا يقدر بحوالي 53 مليار دولار) في عمليات دعم المعارضة الليبية.
هذا، وتجدر الإشارة إلى أنه من الصعب على جامعة الدول العربية المشاركة بأي جهود من أجل تعزيز فعاليات إنهاء الأزمة الليبية، وذلك لعدة أسباب، من أبرزها عدم إمكانية عقد أي فعاليات للجامعة العربية، في هذا الوقت الذي حفل بظهور العديد من التوترات على خلفية تورط العديد من الأطراف العربية في فعاليات الاحتجاجات، إضافة إلى أن العديد من خصوم القذافي، وعلى وجه الخصوص السعودية وقطر وحلفاءهما سوف يسعون إلى الحيلولة دون عقد أي فعاليات جديدة خاصة بالملف الليبي، طالما أنهم نجحوا في أخذ ما يريدون من الجامعة إزاء ليبيا.
وبالنسبة للاتحاد الإفريقي، فهو وبرغم مبادرته ورغبته لجهة القيام بدور في حل الأزمة الليبية، فإن مجموعة الدول الفرانكفونية الحليفة لفرنسا، ومجموعة الدول الأنجلوفونية الحليفة لبريطانيا وأمريكا، تشكلان بالضرورة الأغلبية ذات التأثير على كافة فعاليات عملية صنع واتخاذ القرار الإقليمي الإفريقي. وتأسيساً على ذلك سوف يبقى الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو اللاعبان الرئيسيان الخارجيان الأكثر قدرة لجهة الإمساك بزمام المبادرة والسيطرة على فعاليات الأزمة الليبية، وعلى وجه الخصوص في المسرح العسكري، والمسرح الدبلوماسي، وبعد ذلك وبدرجة أقل تأتي المعارضة الليبية كلاعب ثانوي يتوقف دوره على مدى التزام اللاعبين الخارجيين لجهة القيام بدعمه ومساندته.
* السيناريوهات المحتملة في ملف الأزمة الليبية
برغم وجود وجهة نظر واسعة الانتشار تقول بأن التحالف الدولي سوف يسعى إلى تصعيد عمليات حلف الناتو ضد نظام القذافي، وبالتالي، فقد أصبحت أيام هذا النظام معدودة، فإن استعراض الوقائع الداخلية والخارجية وإخضاعها لمعطيات الفحص الدقيق والتحليل السياسي، يمكن أن يشير إلى أن أي سيناريو محتمل الإنفاذ والتطبيق، سوف يظل بمثابة سيناريو نظري مثالي، ما لم يتصدى للتعامل بفعالية مع العوامل الحاكمة الآتية:
• عامل عدم تمتع المعارضة الليبية بالتأييد الواسع في أوساط الرأي العام الليبي، فالكثير من سكان وسط وجنوب وغرب ليبيا يتعاملون بسلبية واضحة إزاء فعاليات المعارضة الليبية.
• عامل الاصطفافات القبلية، وحالياً تقول التسريبات بأن قبيلة "ورفلى" التي تمثل حوالي ربع (25%) من إجمالي سكان ليبيا، تقف بشكل كامل مع نظام القذافي.
• عامل الغطاء الدولي: حتى الآن لا يوجد قرار دولي يعطي أطراف التحالف الدولي وحلف الناتو ولاية القيام بتنفيذ عملية عسكرية برية للإطاحة بنظام القذافي، إضافة إلى أن دول الجوار الليبي الستة (مصر ـ السودان ـ الجزائر ـ تونس ـ تشاد ـ مالي) ما تزال أكثر رفضاً لفكرة السماح لأي قوات دولية باستخدام أراضيها والقيام بعملية غزو عسكري ضد ليبيا.
تقول المعلومات والتسريبات، بأن الأكثر احتمالاً هو سعي أطراف التحالف الدولي لجهة القيام بعملية سرية من أجل اغتيال الزعيم معمر القذافي وبقية رموز نظامه. ولكن هذا الخيار ينطوي على مخاطر، تتمثل في أن التخلص من القذافي ورموز نظامه سوف يفسح المجال أمام كبار ضباط الجيش الليبي لجهة القيام بالاستيلاء على السلطة، وليس رموز المعارضة الليبية المدعومين غربياً، وهو أمر سوف يفسح المجال أمام ظهور صراع جديد بين المعارضة الحالية، والنظام العسكري الذي سوف يحل محل نظام معمر القذافي. ولن تستطيع أطراف التحالف الدولي وحلف الناتو الاستمرار في عمليات دعم المعارضة أو العمليات العسكرية لأن الأمر يتطلب صدور قرار دولي جديد يوفر لها الغطاء القانوني. وإضافة لذلك، هناك خيار أن يقرر الزعيم القذافي مغادرة السلطة، وهو خيار يتوقف على مدى استمرار الانقسامات في أوساط المؤسسة العسكرية ـ الأمنية ـ السياسية الموالية له، إضافة إلى تحول ولاء القبائل المناصرة له إلى جانب المعارضة، وبالتالي فإن التأكيد على رهانات هذا السيناريو تحتاج إلى المزيد من الوقت، إضافة لذلك، هناك سيناريو الانقلاب العسكري، وهو برغم احتمال حدوثه، إلا أن الانشقاق وخروج العسكريين المعارضين لنظام القذافي وانضمامهم للمعارضة أو لجوئهم إلى الدول الغربية، قد أضعفت حجم العناصر التي يمكن أن تخطط وتنفذ وتدعم خيار الانقلاب العسكري ضد نظام القذافي، وحالياً ما هو متاح لجهة الحدوث يتمثل في الاحتمالات الأكيدة بتكثيف عمليات القصف الجوي بواسطة حلف الناتو، إضافة إلى قيام أطراف مثلث واشنطن ـ باريس ـ لندن بابتزاز الأصول والأرصدة المالية الليبية الخارجية البالغ حجمها 54 مليار دولار، والاستيلاء عليها مقابل تقديم المساعدات الغالية الثمن للمعارضة، وإضافة لذلك، فقد بات في حكم شبه المؤكد أن مفاعيل التعبئة السلبية الفاعلة سوف تدفع الاصطفافات القبلية ـ العشائرية إلى التحول باتجاه المواجهات بما يمكن أن يشكل جبهة صراع مسلح ثالثة في ليبيا، تضاف إلى جبهة الصراع المسلح بين المعارضة وقوات القذافي، وجبهة الصراع المسلح بين قوات حلف الناتو ونظام القذافي.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد