الدروس الخاصة:دروس إسعافيةبأسعارمفتوحةوقرض تسليف لدفع تكاليفها
لم تعد الدروس الخاصة مجرد ظاهرة محدودة الانتشار تتبع لطبقة قليلة مترفة ولم تعد تتمثل في دروس الموسيقا والغناء للطبقات المخملية بل أخذت مساحة كبيرة على الساحة المحلية والشعبية واقترن نجاح الطلاب بها ليتحول المدرس إلى تاجر علم يتوقف سعر بضاعته على العديد من العوامل منها كاريزما المدرس نفسه وموقعه كمدرس أول للمادة أوموجها تربويا ولا ننسى الأوقات والمواسم هذا إضافة إلى العبقرية الغير مسبوقة في إيصال المتلقي وأهله إلى حالة رعب من الامتحان عبر الأسئلة التعجيزية التي توصل الطالب إلى حتمية اتخاذ القرار والالتحاق بطابور الزبائن عند المدّرس قبل فوات الأوان ..
يشتكي المدرسون من حالة الإرهاق الناجمة عن الضغط عليهم من قبل عدد من الأهالي ليقبلوا بانضمام أبنائهم إلى ساعاتهم الثمينة ورغم أنهم يتذمرون من الجهد المضني لهذا العمل الذي يبدأ بعد نصف ساعة من الانصراف من المدرسة ويستمر إلى ساعة متأخرة من الليل خاصة في أيام الامتحانات حيث تنتشر الساعات الإسعافية والتي تستمر إلى مطلع الصباح التالي بالنسبة للشهادتين التعليم الأساسي والثانوية العامة ورغم أن عدد كبير من المدرسات يرفضن الساعات الخاصة نتيجة ظروف مادية مستقرة أو ضغوط عائلية إلا أنهن يرسلن طالبي العلم الثمين إلى بعض الزملاء والمعارف ورغم تنظيم عدد من المدارس دورات رمزية الأجر إلا أن الطلاب وأهلهم لايتوقفون عن البحث عن عمليات إنقاذ لآمالهم في جمع العلامات وسط سباق المعدلات المجنونة والتي تضيق الخناق على الطبقات المتوسطة الباحثة عن أمل في النجاة من الخطر الاعظم المتربص بمستقبل العائلة والمتمثل بالجامعات الخاصة وأقساطها الانتحارية لأي موظف أوعامل بسيط ..
ما الذي يجعل الطالب يحتاج إلى درس خاص هل العيب في المناهج أو في المدّرس ؟؟
وجهنا السؤال لعدد من الناشطين في هذا المجال وقد أكدوا أن المناهج موضوعة للطالب الجيد والممتاز وهذا الأخير نادرا مايلجأ لتعاطي هذه الحصص إلا من قبيل إرضاء وساوس الأهل خاصة القادرين ماديا منهم والذين يريدون التأكد من تأديتهم لكامل التزاماتهم تجاه أحلامهم المعلقة على نتائج آخر العام أو للاشتراك في طقس يكاد يكون جماعيا وقد يكتفي هؤلاء بدورات جماعية أو حصص مراجعة أما الطالب المتوسط فيبدأ رحلة العذاب مع العائلة التي تعيش المأساة بتفاصيلها وغالبا ما يحقق هذا الأخير نتائجا بعد أن تقع الأسرة بالكامل في حالة إرهاق وعجز مادي ولكن هذه النتائج لا تصل الحد المطلوب و تضع الأهل أمام المطب الكبير الذي عملوا على اجتيازه دون جدوى , مطب المعدلات القاتل......
.بالنسبة لطلاب الصف الثالث الثانوي العلمي وحسب رأي أحد المدرسين المختصين فإن الطالب الجيد يحتاج إلى أكثر من أربع عشرة ساعة في اليوم للحصول على مجموع جيد هذا إضافة إلى إدخال مادة الفرنسي إلى المنهاج والتي زادت من كثافة المناهج ولا ننسى سلالم التصحيح الانتحارية التي توصل عددا من الطلاب إلى حالة من الرهاب كذلك حالة الضعف التراكمية في مادتي اللغة العربية والإنكليزية والتي رغم حرص الوزارة على العمل بها منذ الصف الأول الابتدائي إلا أنها لا تزال دون ماهو مرجو من حيث النتائج على صعيد المحادثة والقواعد لتزيد في عدد طالبي الدروس وتدخل هذه الظاهرة بقوة إلى الحلقة الأولى في التعليم الأساسي
بالنسبة للشق الثاني من السؤال فإن المدرسين يؤكدون أنهم يؤدون واجباتهم على أكمل وجه ولكن الأعداد الكبيرة للطلاب قد تسبب أحيانا في عدم وصول المعلومة للجميع خاصة أن هناك فوارق فردية قد لا يتسنى للمدرس تلافيها أمام ضغط المناهج الكثيفة والتي يجب أن تنتهي في وقت محدد مع مراعاة خجل بعض الطلاب في الإفصاح عن عدم وصول المعلومة ناهيك عن أن بعض المسائل في المواد الرئيسية تتطلب حصة درسية كاملة مما يفرض عدم حلها جميعا والاكتفاء بالأمثلة..كما أن هناك ظروف طارئة تقتضي استبدال المدّرس وهنا لابد من ضياع عدد من الحصص قبل أن تتكفل المديرية المختصة بإرسال البديل والذي قد لايتمتع بالكفاءة المطلوبة في هكذا مرحلة حرجة ..
الطالبة فاطمة عباس حصلت على العلامة الكاملة في شهادة التعليم الأساسي ولم تلجأ للدروس الخاصة وتعتبر المتابعة في المدرسة كفيلة بالوصول إلى المعلومة الكاملة ..
علاء في كلية هندسة المعلوماتية حاليا يرفض الجلسات الخصوصية ولا مانع من اتباع دورات التقوية والتي قد يضطر الطالب إليها في الجامعة بشكل أكبر وتصبح الأسعار 7 نجوم
الطالب زياد : متفوق في الصفوف السابقة لكنه يشكو من عدم وصول المعلومات كما يجب في الرياضيات والفيزياء وينوي الالتحاق بركب أحد المدرسين لكنه يؤكد أن مدّرس اللغة العربية وهو مدير المدرسة يتغيب عن الحصص بشكل كبير بحجة عمله الإداري ويدعي بعض الطلاب أن هذا المدّرس مرتبط مع أحد المعاهد الخاصة ضمن مواعيد الدوام .
طالبات من إحدى مدارس البنات في دمشق يؤكدن أن المدّرسة تقوم بتحطيم معنوياتهم وتضغط بالأسئلة والتوبيخ المستمر لتشكيل حلقات قد تجمع ست أو سبع طلاب في الساعة بسبب الضغط ..
تصل أسعار الجلسات إلى أرقام خيالية ويتوقف التسعير على نقاط مهمة كالعرض والطلب وذلك حسب السوية العلمية للمدّرس أوحسب المستوى الذي فرضه منذ البداية وحسب وضع الطالب وعدد حصصه فالزبون القديم له إكرامية وأفضلية وتصل الجلسة إلى أكثر من 1400 ليرة سورية للساعات التي سبق وسميناها إسعافية وتتراوح أسعار الجلسات بين 300-1000 ليرة ويذكر بعض الطلاب أن المدرسين المهمين لا تتجاوز حصتهم الحصة الدرسية المدرسية أي 45 دقيقة وتقول السيدة سعاد أنها اضطرت لتقوية ابنها في خمس مواد مما اضطرها إلى سحب قرض من مصرف التسليف الشعبي على أمل مساعدة ابنها وتجاوز هذه المرحلة المصيرية وتضيف قائلة إن العلم هو فرصتنا الوحيدة ومع الأسف صرنا مضطرين لدروس بدءا من الصف الثاني بسبب مادة اللغة الانكليزية والتي لا تأخذ حقها من المدّرس حيث إن درس اللغة العربية للمرحلة نفسها يأخذ من الشرح فرصة أكثر ..أم حسن تقوم بمتابعة أبنائها بنفسها تقول : أنني أعمل مدّرسة ولذلك أفضل أن أفتح لاولادي مدرسة في البيت على الدخول في سجالات بلا طائل مع الزملاء وأكتفي بالتوصية بهم من أجل حسن المعاملة فمثلا في اللغة الانكليزية لا يراعي بعض المدّرسين المستوى العام وينسون أن هناك ضعف حتى في العربي فيحلون التمارين أتوماتيكيا وبحصة واحدة وأحيانا لا أجد كلمة مترجمة على الكتاب بل يسرد المدّرس الدرس ويعتمد على مواهبنا المنزلية بلا وسائل ولا حتى حرف على قطعة ورق مقوى. لدينا مشكلة في تعاطي الجهات المختصة مع المدّرس فالمنظرون في واد والعملية التربوية برمتها في واد وأساليب التفتيش والتوجيه تعتمد غالبا على الهجوم وليس التطوير والإصلاح ويلعب الدخل المتدني للمدّرس الدور الرئيسي في حالة ازدهار هذا العمل والذي قد دخله عدد كبير من طلاب الجامعات والخريجين الذين وجدوا نفسهم أمام واقع البطالة بلا أمل ..ووجد هؤلاء المبعدون فرصة في حياة كريمة عبر تسويق العلم واتباع أساليب الدعاية المتطورة وفتح معاهدهم المقترنة بأسماء موجهين ومؤلفين للكتب المدّرسية والتشدد في النظام والضغط على الطلاب لكسب رضا الأهل الواقعين تحت ضغط أزمة عصبية ونفسية من أول العام المصيري لآخره .
من خلال المتابعة للحالات السابقة تبين أنها تنتسب في غالبيتها للطبقة المتوسطة والتي تتميز بالدخل الثابت والعدد المحدود لأفراد العائلة مما يجعل الجزء الأكبر من المجتمع السوري خارج المنتفعين والمتداولين لهذه البضاعة المارقة من القوانين إما بسبب العجز المادي أو العدد الكبير للأبناء والذي خلق حالة عدم اهتمام أو للسببين معا وتركوا الموضوع يسير بشكل قدري معتمدين على مواهب أبنائهم الخاصة فهم غير قادرين على شراء مسألة رياضيات من السوق السوداء
بالرغم من كل ماتقدّم من واقع متردي واتجار بالعلم إلا أن العدد الأكبر من المعلمين مازال يقدّم من جهده وروحه للطلاب دون أن تدخل بينه وبين أبنائه حسابات الحياة ولا يبدأ بالتفكير بها إلا بعد تخطي الأبواب ساعة الانصراف ولم يكن يوما السبب الرئيسي لحالة انعدام الثقة بالعلم المجاني وإنما جملة من المتغيرات والقرارات أخذت في طريقها المدّرس والطالب وأولياء الأمور الذين كسروا الحواجز التربوية بعد أن اشتروا نتاج المعلم وعرقه وجاءت القرارات الحديثة لتترك الهيئة التدريسية أضعف أمام الأهل والجهات المعنية دون اعتبار لحالة التردي الخلقي والثقافي وانعدام ثقافة الاحترام ووجد المعلم نفسه بلا مال وبلا حقوق مما دعا عددا كبيرا إلى اختيار المال واستمتعوا بالبحبوحة في ظل انعدام منطق الاحترام والتقدير والتكريم الذي غالبا مايتناسب عكسا مع العطاء وطردا مع المعارف والأصدقاء المتنفذين . كما أن ظاهرة انتشار التعليم الخاص مرخص أو غير مرخص يصبح حالة طبيعية جدا إذا ماربطنا ه بالعولمة واقتصاد السوق المفتوحة والتي بدأت تتوضح بوادرها في الجامعات الخاصة والتي ستكون مثل تجاربنا في المجالات الأخرى تبدأ كفكرة جيدة وحالة تطور وتنتهي في جيوب التجار.....
ميس نايف الكريدي
بورصات واسواق
إضافة تعليق جديد