الخلافات الهندوسية-البوذية-الإسلامية وتأثيرها على الاستقرار الآسيوي
الجمل: تتميز منطقة التيبت بموقعها النائي داخل القارة الآسيوية، والذي يتميز بالهدوء والانعزال عن بقية أجزاء الكرة الأرضية المضطربة، وبسبب الطبيعة الجبلية الوعرة، والسلاسل الجبلية الشاهقة العلو، التي يطل من بينهما جبل إفرست بقمته البارزة كأعلى قمة في العالم تجسد طموح اليابسة المرتفع بشموخ تجاه كبد السماء، وبرغم المناظر الخلابة للتنوع الطبيعي الشتوي الجليدي في قمم جبال التيبت، والصيفي المداري في سفوحها.. فإن هذه المنطقة، كما تشير المعلومات أصبحت مهددة باندلاع واحدة من أكبر الصراعات الأهلية في العالم..
• سردية العمق الروحي التيبيتي:
منذ آلاف السنين، نشأت وتوطدت الديانة الهندوسية في الهند، وخلال تطور الهندوسية، نشأت وتطورت الديانة البوذية في أحضان الهندوسية، ولاحقاً وبرغم انزواء اتباع البوذية جانباً، فقد ظلت هناك الكثير من جوانب التشابه بين الهندوسية والبوذية، وقد أدى ذلك إلى أن تتطور البوذية ضمن مسار متوازي مع الديانة الهندوسية.
استقرت الهندوسية في وسط وجنوب الهند، أما البوذية، وبسبب ارتباط طقوسها بالتأمل واليوغا.. فقد وجد أتباعها من مناطق التيبت وسلاسل جبالها الشاهقة وأوديتها العميقة، مكاناً مناسباً لممارسة طقوس ومناسك البوذية، إضافة إلى أن مناطق التيبت توفر لأتباع البوذية مكانهم الخاص على خريطة المنطقة، بما لا يتقاطع أو يتداخل مع الهندوسية.
الخلافات الهندوسية البوذية، ارتبطت وتلازمت مع الخلافات الطائفية- الهندوسية- الهندوسية، والبوذية- البوذية، وبسبب نشوء الممالك والسلطنات في الهند القديمة ومناطق التيبت القديمة، كان أن دخلت السياسة وفلسفة الحكم طرفاً في الخلافات الدينية والطائفية، وبرغم قيم التسامح والمحبة الكامنة في الهندوسية والبوذية، فقد ضاق المتطرفين الهندوس ذرعاً بالبوذيين، وضاق المتطرفين البوذيين ذرعاً بالهندوس، وذلك لأن تفسيرات نصوص الفيدا الهندوسية كانت تقابلها على الجانب الأخر تفسيرات متطرفة للحكمة البوذية وكتاب الطاو المدمج ضمنها.
• الاستعمار البريطاني ورسم حدود الخارطة الدينية- الإثنو-طائفية:
خبرة الحكم الاستعماري البريطاني، ومعطيات التعامل مع الواقع الديني- الإثنو-طائفي في منطقة شبه القارة الهندية دفعتهم إلى إقرار واعتماد تقسيم الهند إلى دولتين، على أساس الخطوط الدينية- الإثنو- طائفية، وعلى هذا الأساس:
- تم تقسيم المنطقة إلى دولة الهند (الهندوسية) وباكستان (الإسلامية).
- تم رسم الحدود الهندية- الصينية، بحيث ترتب عليها تقسيم البوذية التيبتية إلى بوذية تيبيتية توجد ضمن إقليم التيبت الصيني، وبوذية هندية توجد ضمن إقليم التيبت الهندي.
- تم رسم خط الحدود الباكستانية- الأفغانية، بحيث تم تقسيم مناطق الباشتون الإسلامية السنية إلى منطقة باشتونية أفغانية توجد ضمن الأراضي الأفغانية، ومنطقة باشتونية باكستانية توجد ضمن الأراضي الباكستانية.
• الحكومات الوطنية وإشكالية الاندماج الوطني الديني- الإثنو-طائفي:
في الهند نجح حزب المؤتمر الهندي، بقيادة الزعيم غاندي في إدماج الهندوس ضمن هياكله السياسية، مما أدى إلى استقرار النظام السياسي الهندي، وعدم نشوء النزاعات بين الدولة والكيان الديني الهندوسي.
وفي باكستان نجحت الأحزاب الإسلامية الباكستانية في إدماج الكيان الديني الإسلامي مما أدى إلى استقرار النظام السياسي الباكستاني لفترة من الزمن.
وفي الصين برغم فشل الحزب الشيوعي الصيني في إدماج الكيان الديني البوذي التيبيتي ضمن الهياكل السياسية، فإن عمليات القمع والاستئصال التي قام بتنفيذها الجيش الأحمر الصيني، نجحت في إخماد حركة الكيان الديني البوذي التيبيتي.
• احتقانات الأصولية الهندوسية- البوذية- الإسلامية: إلى أين؟
عندما انسحب الاستعمار البريطاني، لم تنس المستعمرات البريطانية، القيام بزراعة الألغام الجيو- سياسية، التي يمكن تفجيرها عند الحاجة لزعزعة الاستقرار وفتح صناديق الشرور الإثنية- الطائفية والدينية لجهة توظيفها في الصراعات السياسية الداخلية والإقليمية والدولية.
- على خط الحدود الباكستانية- الأفغانية، أسس البريطانيون ما عرف بـ(مناطق القبائل) والتي أصبحت عبارة عن "إمارات" أصولية- إسلامية سنية تعمل كدول دينية متطرفة ضمن قوام الدولة الباكستانية التي تعتمد النظام الليبرالي الديمقراطي الغربي، وكان طبيعياً أن تتصادم "الديمقراطية الليبرالية" مع الأصولية الإسلامية السنية.
- على خط الحدود الباكستانية- الهندية ترك البريطانيون إقليم كشمير ليكون معلقاً بين إدارة هندوسية تدين بالولاء للهند، وشعب مسلم يدين بالولاء لباكستان.. وهكذا استمر الصراع بين السلطة الإدارية الكشميرية الهندوسية التي أعلنت الانضمام للهند والقاعدة الشعبية الكشميرية- المسلمة التي مازالت تطالب بالانضمام للهند.
- على خط الحدود الهندية- الصينية تحول إقليم التيبت الهندي إلى قاعدة لملايين البوذيين التيبيتين الصينيين القادمين عبر الحدود هرباً من الجيش الأحمر الصيني، وأدى تمركز البوذيين التيبيتين الصينيين في إقليم التيبت الهندي إلى تبلور معارضة أصولية دينية بوذية ضد نظام الحكم الشيوعي الصيني، وتوترت العلاقات بين الهند والصين، وكان أن اندلعت الحرب الصينية- الهندية.
هدأت الأحوال والصراعات خلال فترة الحرب الباردة، ولكن ببروز الدول الثلاثة: الصين- الهند- باكستان، وتحول هذه الدول الثلاثة على خلفية سباق التسلح إلى دول نووية، أصبحت الولايات المتحدة أكثر انخراطاً في مشروع استخدام مثلث الأصوليات الثلاثة: الهندوسية- البوذية- الإسلامية، في تقويض استقرار مثلث البلدان النووية الثلاثة: الهند- الصين- باكستان.
الجمل قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد