الحوار كما تريده باريس وواشنطن
استقبل الرئيس الفرنسي جاك شيراك قبل أيام، مساعد الامين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن، وعبّر عن موقف حازم بشأن القرار 1559، ولم يثر تصريحه أي ردود فعل على المستوى المحلي، في الوقت الذي استأثر باهتمام لافت من قبل العديد من البعثات الغربية المعتمدة، خصوصا في أوساط الدبلوماسيين الاوروبيين. هناك من يتحدث عن ازدواجية في الموقف، حيث تدعم الخارجية الفرنسيّة الحوار اللبناني اللبناني، وترجمة ذلك، المزيد من الوقت، والمزيد من الحوار للوصول الى تفاهم حول كيفية مقاربة هذا القرار، في حين أن الرئيس الفرنسي كان حاسما في التأكيد على تنفيذه بالكامل، وكأنه لا يريد التعويل طويلا على عامل الوقت؟!.
يأتي لارسن الى بيروت عن طريق واشنطن، وباريس، وموسكو، حيث ينتظر أن تكون له جولة هامة من المحادثات مع وزير خارجية سوريا وليد المعلم، الذي يقوم بزيارة عمل الى العاصمة الروسيّة.
درجت العادة أن يجول في المنطقة أولا، على أن يعرّج على بعض عواصم الدول الكبرى، وهو في طريق العودة الى نيويورك، في حين أنه تعمّد هذه المرة أن تكون له محطات هامة في بعض عواصم دول القرار، في بداية الجولة، وأيضا في نهايتها، وهذا ما يشجع بعض الدبلوماسيين المتابعين على القول إن لارسن يتابع وقائع <<الحوار الخارجي>> حول هذا القرار، والمتلازم مع الحوار اللبناني في ساحة النجمة؟.
ينطلق <<الحوار الخارجي>> من مسلمات خمس: إصرار دولي على تنفيذ القرار بكامل مندرجاته. وتأكيد بالمقابل على ان ينجح حوار <<الباب أول>> في بيروت. وحرص على ان يتمكن لارسن من <<هندسة آلية التنفيذ>>، وهو الذي نادى أثناء زيارته السابقة الى المنطقة بمعادلة التوفيق بين القرار، واتفاق الطائف. والتأكيد على ألاّ يؤدي التنفيذ الى اختلال الامن في لبنان، والعودة الى المتاريس الطائفية، والفئوية. والاشارة الى دور سوريا المفصلي في المساعدة، لجهة الحديث عن تدفق الاسلحة الى فصائل فلسطينية، او الى المقاومة في الجنوب، وأيضا وقف التسلل عبر الممرات غير الشرعية؟!.
تنطوي هذه المسلمات على مجموعة من المتناقضات، وكل واحدة تناقض الاخرى، او تصطدم معها، ولكن في النتيجة، هذا هو الاسلوب الدولي المتبع تجاه الحوار اللبناني اللبناني، والدليل أن الولايات المتحدة <<الحريصة على استمراره>>، لا ترى غضاضة في ان يترك النائب وليد جنبلاط الطاولة للقيام بزيارة الى كل من واشنطن، ونيويورك، علما بأنه كان في وسعها إرجاء الزيارة، والسعي الى إنجاح الحوار؟!.
ومن المفارقات، أن الادارة الاميركيّة تحرص على نجاح الحوار، ومع ذلك لا تكلف نفسها مشقة ردع إسرائيل، ومنع الاستفزاز الذي يمارسه طيرانها الحربي في أجواء بيروت، وفوق طاولة الحوار، في الوقت الذي تطالب فيه المتحاورين بالتخلص من سلاح المقاومة تنفيذا للقرار 1559؟!.
وما يسري على الجانب الاميركي، يسري على الجانب الفرنسي، من منطلق أن البعثات المتابعة في بيروت لم تعرف بعد بماذا رسمل الرئيس شيراك المتحاورين لكي ينجح الحوار، خصوصا بعد زيارته الهامة الى المملكة العربية السعودية، حيث كان الحوار على طاولة البحث، من دون ان تظهر نتائج عملانيّة على أرض الواقع؟!.
لكن في موازاة ذلك، تمكن المسؤولون السعوديون استنادا الى بعض المتابعين من التوصل الى قناعات مع الرئيس الفرنسي، انطلاقا من ان الحوار لا بدّ من أن ينجح، لأن البديل سيكون كارثيّا على لبنان، وعلى العلاقات اللبنانية السورية، وعلى المنطقة، ولا يمكن أن ينجح عن طريق الكيديّة، وفي ظل الاجواء المتشنجة بين البلدين، إذ ليس بالتحدي يمكن التخلص من رئيس للجمهورية تعتبره قوى 14 شباط من الرموز السورية في لبنان. وليس بالتحدي يمكن اختيار الرئيس البديل، لأن أي بديل سيأتي لا بدّ من أن يأتي موثوقا من دمشق، أو يوحي بالثقة والارتياح في محيطها، وصاحب نظرة واضحة في كيفية معالجة العلاقات المتوترة معها، وإعادة إرسائها على أسس من الثقة، والاحترام المتبادل.
إن الرعاية العربية للحوار تنطلق من هذه المسلمة، وتتمحور حولها، بمعنى أن الحوار لا يمكن ان ينجح إلاّ إذا اقتنع المتحاورون بصيغة، او آلية من شأنها أن تفتح كوة في <<جدار الفصل>> الذي ترتفع مداميكه مع دمشق، وإذا ما تبين أن مثل هذه المحاولة متعذرة، فلا بدّ من أن يسلك الحوار مسارا آخر، هو المسار الدستوري، أي الانكباب على التفاهم على قانون جديد للانتخاب، وتقصير ولاية المجلس النيابي الحالي، وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، على أن ينتخب المجلس الجديد رئيس الجمهورية، ويتم على الاثر، تشكيل حكومة اتحاد وطني تتولى استلام كامل الملفات الخلافية، المطروحة على طاولة الحوار لإيجاد المخارج المؤاتية لها؟!.
إضافة تعليق جديد