الحملة الأردنية رسالة غير مباشرة لمحور دمشق- طهران
الجمل ـ خاص : جاء إعلان الحكومة الأردنية حول اعتقال عشرين مشتبهاً به على صلة بقياديين من حركة حماس في دمشق، في وقت فتحت سوريا أبوابها على مصراعيها أمام حكومة حماس المنتخبة، واستقبلت وزير خارجيتها محمود الزهار بحفاوة بالغة، رافقها إطلاق حملة تبرعات شعبية في جميع أنحاء البلاد ماتزال مستمرة. بينما ترددت مصر في استقباله، واعتذر أحمد أبو الغيط عن لقائه بدعوى انشغالاته الكثيرة.
بالتناغم مع التصرف المصري، علق الأردن زيارة الزهار، فبدا ذلك وكأنه مؤشر على تسخين عربي بالوكالة لأحد ملفات الضغط على دمشق، طالما أن ملف التحقيق في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري يمر في طور فاتر.
فهل كان التصرف الأردني للضغط على سوريا، أم هو لإحكام العزلة على حركة حماس ؟
بالتزامن مع طبخ مجلس الأمن لقرار 1680 الذي يحض سوريا على أقامة علاقة دبلوماسية مع لبنان وترسيم الحدود، بدأت الحكومة الأردنية بالتصعيد فيما يخص حماس، وبدا موقفها ملتبساً بين اتهام يشمل إيران وسوريا وحماس وبين نفي الاتهام وحصره بقياديّ حماس في دمشق. فبعد استقبال سوريا الثلاثاء 9 أيار الجاري لـ 244 لاجئا فلسطينيا فروا من العراق ومنعتهم السلطات الأردنية من دخول أراضيها، بث التلفزيون الأردني مساء يوم الخميس 11 أيار صوراً واعترافات لثلاثة عناصر مرتبطة بحركة "حماس" في دمشق اعترفوا بتهريب أسلحة، والتخطيط لعمليات من شأنها زعزعة الاستقرار في المملكة الأردنية. وتحدث المتهمون عن سفرهم إلى سورية واجتماعهم مع عناصر في حركة حماس دربوهم عسكرياً وأمنياً، وعلى كيفية مواجهة التحقيق ومقاومته، وزودوهم بتعليمات حول أمن الاتصالات، وأمن المواصلات، والأمن الشخصي وغيرها، كما زودوهم بخرائط لاماكن أسلحة خزنت في الأردن.
استبقت الحكومة الأردنية بث الاعترافات بإعلانها اعتقال 20 شخصاً منهم في نيسان الماضي. في تلك الأثناء، زار وفد رفيع من المخابرات الفلسطينية عمان، بقيادة اللواء طارق أبو رجب، للاطلاع على الأدلة التي تؤكد تورط المعتقلين من نشطاء حماس فيما وصفته الحكومة الأردنية بـ "المؤامرة". وقال ناصر أبو جودة الناطق باسم الحكومة الأردنية، بداية أنه جرى اعتقال المتهمين قبل نحو ثلاثة أسابيع، حيث عثرت قوات الأمن على كميات من الأسلحة بينها قذائف صاروخية، قاموا بإخفائها في أنحاء متفرقة من البلاد، وأنه "تم ضبط أسلحة ومتفجرات من أنواع TNT وT4 وكبسولات صواريخ تستهدف بعض المنشآت وعدداً من المسؤولين". وفي تصريحات لاحقة، رفض جوده توجيه اتهامات مباشرة لدول ويقصد "ايران وسوريا" في عمليات تهريب الأسلحة وتجنيد أشخاص لديها. وفي رده على سؤال حول إشارات أردنية لتورط سورية وإيران في عملية تهريب الأسلحة. لم يؤكد تورط دول قائلاً: "لقد أشرت إلى بعض ما تم اكتشافه من خلال التحقيق والمتابعة....وعندما تحدثت عن ان احد المعتقلين تلقى أوامر من قيادي في العمليات موجود على ارض سورية لم أتحدث عن سورية، بل تحدثت إن هذا الشخص موجود على أراض سورية" مشدداً على أن التحقيقات لم تنته بعد، وبالنسبة لمصدر الأسلحة ومواقع التدريب لا زالت قيد التحقيق. واستند الموقف الأردني على اتفاقية بين الأردن وحركة حماس وُقِّعت في التسعينيات تمتنع الحركة بموجبها عن استعمال الأراضي الأردنية في أية عمليات سواء نقل أسلحة أو تخزينها أو تنفيذ عمليات فيها. وقد سبق وأغلقت الحكومة الأردنية في العام 1999 مكاتب حماس على أراضيها واعتقلت عدداً من قادتها، ثم أبعدتهم إلى قطر على خلفية اتهام الحركة بممارسة نشاطات سياسية غير قانونية واتهام قادتها بالانتماء إلى جماعة محظورة.
ورأى محللون أن بث الحكومة الأردنية لاعترافات ثلاثة من المعتقلين لديها، كان رداً على امتناع حماس عن المشاركة في الوفد الأمني، فيما اعتبره آخرون بأنه بمثابة توجيه رسالة الى الأخوان المسلمين في عمان المساندين حماس، في وقت مطلوب من الأردن المشاركة في عزلها دوليا. أما دمشق التي كانت معنية الى حد ما بالاتهامات والتصعيد الأردني، فلم تنخرط كثيراً بالنفي أو بالرد، واكتفت باستغراب هذا الموقف، وتركت الجدل السياسي لحركة حماس التي نفت على لسان الناطق الرسمي باسمها سامي أبو زهري الاتهامات الأردنية، وقال إنها تأتي ضمن مؤامرة دولية ضد الحركة، ورفض الاتهامات الأردنية مؤكداً أنها باطلة ولا أساس لها من الصحة. كما ردت الحكومة الفلسطينية على ما أثاره التلفزيون الأردني، وأكد رئيسها إسماعيل هنية أن "لا صحة مطلقا لكل ما يتم الحديث عنه، وتلقينا تأكيدات من قيادة حركة حماس في الخارج بأنه لا صحة للموضوع". وانتقد هنية ما أسماه التصعيد الإعلامي وقال: لا داعِ لاستحضار المسألة في الإعلام بين الحين والآخر، خصوصاً في وقت يتعرض الشعب الفلسطيني لحصار من الخارج. أما الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية فقد أعتبر أنه "نظراً لعدم مشاركة أعضاء من الحكومة الفلسطينية بالاجتماعات التي عقدت في عمان "بين مسؤولي المخابرات في البلدين، وانطلاقا من حرص الحكومة على حق المواطن الأردني ان يطلع وبكل شفافية على الحقائق والأدلة". من جانبه نفى ممثل حركة حماس في لبنان أسامة حمدان تلقَي الحكومة أي دعوى للتباحث في الموضوع وقال: إن الأردن اتهم حركة حماس، ثم وجه الدعوة للرئيس الفلسطيني محمود عباس، وكان الأولى أن يوجه الدعوة لحركة حماس". واعتبر حمدان أن الحديث مع الرئيس عباس في هذه المسألة "حمل في طياته إشارة واضحة أن الجهات المعنية في الأردن تحاول الحصول على شرعية لروايتها من طرف فلسطيني"، متهماً هذه الجهات بلعب دور "لإحداث شرخ في العلاقة بين حركة حماس وأبو مازن".
في حين استهجن المتحدث سامي أبو زهري تدخل السلطة الفلسطينية في هذا الموضوع باعتبار أن الاتهامات موجهة إلى الحركة مباشرة، معتبراً أنه لا يوجد أي مبرر لإرسال وفد باسم السلطة إلى عمان، خاصة في وجود ما أسماه "وجود أحكام مسبقة بهذا الخصوص". وذهب الشيخ نايف الرجوب وزير الأوقاف الفلسطيني إلى أبعد بتأكيده أنّ حكومة حماس "لن تكون طرفاً في مسرحية الأسلحة التي تدّعيها الأردن"، لذلك لم تشتركْ في الوفد الأمني، واتهم الأردن باستجابته للضغوط الأمريكية والأوروبية في عدم التعامل مع الحكومة الفلسطينية، وقال: إن الأردن أراد ذريعة، فابتدع مسرحية الأسلحة التي لا تقوم على أساس.
بعد أسبوع من التوتر والتصعيد بين الجانبين الأردن ـ حماس، راحت حماس تميل باتجاه التهدئة، خاصة وأن دمشق وإيران لم تشتركا في هذا الجدل، وكما بات واضحاً، لا أهمية لصحة أو بطلان الاتهامات الأردنية، لأن المسألة حسب بعض المحللين في سوريا، تكمن في توجيه التهم والتي ترمي إلى عدة أهداف: أولاً، خلق شرخ بين حكومة حماس في الداخل، وقيادي حماس في الخارج والمتواجد عدد منهم في دمشق، بغية إضعاف الحركة. ثانياً، التبرير للرأي العام الأردني مشاركة حكومته في الضغط على حماس وإحكام عزلها دولياً. ثالثاً وهو الأهم، توجيه رسالة غير مباشرة الى حركة محور "المواجهة" الذي أعلنته دمشق وايران والذي يضم القوى والفصائل الممانعة للمشروع الأمريكي في المنطقة، من أجل ضمان عدم تأثر استقرار الأردن بمقاومة المحور للضغط الأمريكي. بدا هذا واضحاً في نتائج زيارة وزير الخارجية الايراني منو شهر متقي لعمان يوم الأربعاء الماضي ولقائه الملك عبد الله، وبحثه الملف النووي الايراني وملف العراق والملف الفلسطيني. وقال وزير الخارجية الأردني عبد الإله الخطيب :"إنه تم التأكيد على أهمية الحفاظ على استقرار وامن الدولتين وان تكون كل دولة حريصة على امن واستقرار الدولة الأخرى" مشيراً الى ان الأردن وإيران لهما مصلحة أساسية واضحة في تعزيز الأمن والاستقرار في العراق وصيانة وحدة أراضيه. وإنه حصل اتفاق كامل بين الجانبين على أهمية الحفاظ على الأمن والاستقرار في الأردن. ونفى أن يكون الأردن قد وجه اتهامات لإيران بخصوص قضية أسلحة حماس؛ "إنما الذي تم هو وصف لهذه الأسلحة التي تم ضبطها"، لافتاً إلى أن الأردن يفضل بحث هذه القضية عبر الأطر الرسمية مع السلطة الفلسطينية بكل مكوناتها وعلى كل المستويات. من جانبه نوه منو شهر متقي في المؤتمر الصحفي الذي عقده مع نظيره الأردني الى تقدير ايران للدعم الأردني المتواصل للقضية الفلسطينية. وقال: "‘ن بلاده تدعم فلسطين حكومة وشعبا...وان الحاجة لذلك ملحة أكثر من ذي قبل" وأنه تم الاتفاق على "مواصلة التشاور المشترك في القضايا الثنائية وقضايا المنطقة" مشيرا الى ان بلاده اقترحت عقد اجتماع للدول المجاورة للعراق في طهران منتصف الشهر المقبل، وأن تكون أول محطة للتشاور هي عمان. وردا على سؤال حول ما إذا كان قد تم بحث قضية قيام عناصر من حماس بتهريب أسلحة الى الأردن، قال متقي: "المباحثات لم تتناول هذه القضية، وإنما جرى الحديث من قبلنا عن دعم حماس وحكومتها المنتخبة". وكان اللقاء فرصة لإعادة التأكيد على الإرادة السياسية لدى البلدين لتمتين العلاقات بينهما.
وكما يبدو تفهمت دمشق المخاوف الأردنية، ما جعلها تلتزم الهدوء حيال التصعيد الأردني، وفي كلمته الأولى أمام مجلس الشعب السوري، عاد وزير الخارجية وليد المعلم وأكد موقف سوريا من حكومة حماس ومن القضية الفلسطينية: "إن الخيار الفلسطيني عزز من صدقية موقف سورية فى تفريقها الحازم بين المقاومة الوطنية والارهاب، غير أن موقف الولايات المتحدة ودول أخرى أوروبية أثبت بطلان ادعاء الدعوة للخيار الديمقراطي حين تأتى هذه الدعوة من واشنطن وعواصم أخرى". وفى هذا الصدد، أكد المعلم على أن استمرار تقديم المساعدات للشعب الفلسطيني أمر لا يمكن تبرير ما سواه بأي ذريعة. وأعرب عن الحرص السوري على ضرورة أن يتحلى التعامل الفلسطيني- الفلسطيني بالحكمة والتعقل من منطلق ان الحفاظ على الوحدة الوطنية الفلسطينية أمر حتمي لا بديل عنه، إذا ما أردنا للصمود والنضال الفلسطيني ألا يصاب بنكسة. ولم يتطرق المعلم في كلمته مساء الأربعاء 17 أيار إلى ما أثير في الأردن بخصوص حماس، وتحدث بشكل عام عن العلاقات السورية مع الدول العربية ووصفها بالجيدة ومرشحة لمزيد من التطور بعد ان اتضح للكثير من العرب صوابية المواقف السورية وصدق صمودها.
بالاستناد على تلك المعطيات لا يبدو التصعيد الأردني انه يصب في خانة المشاركة في الضغط على سوريا، بقدر ما هو ضغط على حكومة حماس، وهو ما تحاول حماس التعاطي معه بغضب واستنكار حيناً وبدبلوماسية وحذر حيناً آخر. ومؤخراً أعلنت أنها "تبحث خيار إقامة دولة فلسطينية على الأراضي المحتلة عام 1967 في إطار حل لا يكون على مراحل، لكنه لا يشمل الاعتراف بإسرائيل. في وقت طالب رئيس الوزراء إسماعيل هنية المصارف العربية بأن تكون "أكثر جرأة" في تحويل المساعدات المالية، بعدما وصل الحصار على الشعب الفلسطيني الى مرحلة بالغة الخطورة. فهل ستتمكن حماس من إمساك العصا من الوسط؟ أو السؤال الأصح هل ستسمح لها أمريكا والقوى الدولية بأن تفعل ذلك، خاصة وأن أمريكا بدأت بالتبشير أن حكومة حماس ستسقط بعد ثلاثة أشهر.
إضافة تعليق جديد