إرهابيون «محنّكون» اغتالوا الحريري
تكلّمت أمس المتحدثة باسم المدّعي العام الدولي للإعلام بعد صمت طويل سمح بتزايد التكهنات باحتمال اقتراب موعد صدور القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. قالت الكثير دون أن تكشف أبرز ما يهمّ الناس
«المدعي العام (في المحكمة الخاصة بلبنان الكندي دانيال بلمار) لا يقبل التنجيم والتكهن، وهو لا ينوي إجراء تحقيق غير حاسم»، قالت المتحدثة باسمه خلال مؤتمر صحافي عقدته أمس في نقابة المحرّرين في الأشرفية، وأضافت أنه «يلتزم بالوقائع الموضوعية فقط، ولن يدلي بأية معلومات عن التحقيق». وذكّرت المتحدّثة التونسية راضية عاشوري بأن بلمار يعدّ الإعلام «شريكاً»، وأعلنت: «لا يمكننا أن ننجح بدون مساندة الرأي العام».
حضر المؤتمر رئيس فريق مكتب المدعي العام ـــــ مكتب المحكمة الخاصة بلبنان في بيروت فاليريو اكويلا وممثل نقيب المحررين ملحم كرم الزميل أنطوان شدياق، الذي طلب الوقوف دقيقة صمت لراحة نفس الرئيس الشهيد رفيق الحريري.
تناولت عاشوري «مسارات التحقيق» و«الروايات البوليسية»، فشددت «نحن نرفض تسييس المحكمة». وتابعت «لا تعمل المحكمة على تأكيد ذنب شخص ما أو جهة معينة، بل إننا نعمل على جمع معلومات في عدّة قضايا بوليسية، والأدلة وحدها هي التي ستؤدي إلى كشف الجناة». وذكّرت بأنه حتى الآن ليس هناك متهمون، وأن «العمل جار بوتيرة أسرع للبحث عن الدليل الذي يقودنا إلى المتهم».
وفي هذا السياق خلصت عاشوري إلى أن «الذين اغتالوا الحريري إرهابيون محنّكون». وكرّرت دعوة كلّ من لديه أدلة ومعلومات عن الجناة لإرسالها إلى مكتب المدّعي العام عبر الموقع الإلكتروني المخصّص لذلك أو عبر الحضور إلى مكتبها في لبنان.
ورفضت التعليق على ما ورد في مجلّة «دير شبيغل» الألمانية بشأن امتلاك المدّعي العام معلومات عن ضلوع حزب الله في جريمة اغتيال الحريري، ووصفتها بالتكهّنات. وشدّدت على أنها وبلمار المصدران الوحيدان الموثوقان، داعية بطريقة غير مباشرة إلى عدم الاعتماد على التسريبات الإعلامية.
لا أفكار مسبقة لدينا، والجميع متساو أمام القانون، ولا يجوز أن يفلت المجرمون من العقابوأعلنت «أي معلومة أقولها يستفيد منها الجاني للإفلات من العدالة، فالقصة قصة مسؤولية»، مجدّدة بطريقة غير مباشرة إدانة أسلوب رئيس لجنة التحقيق الدولية الأوّل الألماني ديتليف ميليس الذي كان قد أعلن أسماء مشتبه فيهم ونشر إفادات شهود.
وسخرت من «الذين يعتقدون أن التحقيق يجري كما في بعض البرامج التلفزيونية». وكرّرت ما كان قد ورد على لسان بلمار: «ليس هناك وجبة عدالة سريعة على لائحة مأكولات مطعمنا» There is no fast food justice on our menu، لكن كان لافتاً قول عاشوري خلال المؤتمر الصحافي «الكلّ لديه نظريته … خذ مثلاً قضية جي اف كي (الرئيس الأميركي جون كينيدي الذي اغتيل عام 1963)»، ولا بدّ أن عاشوري لم تنتبه إلى أن التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس كندي لم يؤد إلى نتائج مقنعة، ويخشى البعض أن يتكرّر ذلك في التحقيق في جريمة اغتيال الرئيس الحريري.
لكنّ عاشوري أشارت، أمس، إلى تقدّم أحرز منذ التقرير الأخير لبلمار عندما كان يتولى مهمات رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة، ونقلت عنه قوله: «يمكنني أن أتحكم بوتيرة عمل فريق التحقيق، لكن لا يمكنني التحكّم في نتائجه. فالأدلة القاطعة وحدها تسمح بالتقدم». وتابعت المتحدثة الرسمية باسم المدّعي العام «لا أفكار مسبقة لدينا، والجميع متساو أمام القانون، ولا يجوز أن يفلت المجرمون من العقاب». وأشارت عاشوري أخيراً إلى أن بلمار «سيذهب إلى حيث تقوده الأدلّة».
ورُفعت في القاعة التي عقد فيها المؤتمر الصحافي شعارات منها: «إحالة الإرهابيين إلى المحاكمة» و«تحقيق العدالة للضحايا» و«المساعدة على إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب». وتحدثت عاشوري عن معاناة ضحايا جريمة اغتيال الحريري، فشدّدت على أنهم «يستحقون العدالة». وقالت «القضية تتعلّق بكل مواطن لبناني لا يشعر بأمان، ما دام الجناة أحرار».
يذكر أنه بعد حوالى عام ونصف العام من استشهاد الرئيس الحريري شنّت إسرائيل هجوماً على لبنان أدى إلى استشهاد نحو 1300 لبناني. وسألت «الأخبار» رئيس المحكمة الدولية الخاصة في نيسان الفائت: «لن تكون لهؤلاء محكمة دولية، بينما رجل واحد ذهب ضحية اغتيال ستكون له محكمة دولية؟»، فأجاب:
«أنا أوافقك الرأي، لكن هذه هي السياسة. عليك أن تلوم السياسيين في نيويورك الذين يقررون في جرائم غزّة وجنوب لبنان أن لا يأخذوا أي إجراء، وفي حال اغتيال الحريري يأخذون إجراءات. هذه هي السياسة».
كذلك يذكر في هذا الإطار تصريح لافت كان قد ورد خلال مقابلة أجرتها «نهار الشباب»، أخيراً، مع النائب وليد جنبلاط حيث سأله أحد الزملاء «كلامك وليد بك يؤكد أن المحكمة مسيّسة، وأن هواجس «حزب الله» منها كانت في محلّها؟»، فيجيب نجل الشهيد كمال جنبلاط: «هل قال أحد في الأساس أن المحكمة ليست مسيّسة؟».
قالت راضية عاشوري أمس إن مكتب المدعي العام الدولي لا يولي أي اهتمام بمحمد زهير الصدّيق الذي كان قد ذكره تقرير لجنة التحقيق الدولية الأول. واعتمد يومها على ما أدلى به الصدّيق لفريق تحقيق ديتليف ميليس لإصدار توصية بتوقيف أربعة من قادة مؤسسات رسمية لبنانية.
أضافت عاشوري أن المعلومات التي تقدّم بها الصدّيق «لا تتمتع بالصدقية». وتوضيحاً لما إذا كان ذلك يفترض محاكمة الصدّيق دولياً، أعلنت أن مكتب المدعي العام ليست بحوزته أدلّة موثوقة تسمح للمحكمة الدولية بملاحقته ضمن صلاحياتها القضائية. ويشير ذلك إلى أن للمتضررين من إفادات الصدّيق «غير الموثوقة» أن يتقدموا بدعاوى في محاكم أخرى إذا أرادوا ذلك، لا عبر المحكمة الخاصة بلبنان.
المصدر: أ ف ب
إضافة تعليق جديد