أردوغان بين بوتين وترامب
حدّد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في ما يشبه الإنذار، مهلة حتى أواخر أيلول الجاري، لتنفيذ الولايات المتحدة وعدها بإقامة «المنطقة الآمنة» بكل تفاصيلها. في احتفال تخريج ضباط من المدرسة الحربية في جامعة الدفاع الوطني يوم السبت الماضي، قال أردوغان: «خلال أسابيع قليلة، إذا لم يشرف جنودنا على المنطقة الآمنة، فإننا سنطبّق خطتنا نحن». وأضاف: «إذا لم نستطع أن نشكل خلال أسبوعين أو ثلاثة المنطقة الآمنة فعلياً في شرقيّ الفرات بواسطة جنودنا ووفق الشروط التي حدّدناها، فعلى الطرف المقابل أن يفكر فيما سيحصل».
وضَع أردوغان مع الأميركيين الحجر الأساس لـ«المنطقة الآمنة» في شرقيّ الفرات في السابع من آب الماضي. وبعد مرور شهر على تشكيل غرفة العمليات المشتركة، أخلى المقاتلون الأكراد شريطاً حدودياً بعمق 5 كلم بين تل أبيض ورأس العين باستثناء المدن والبلدات. وما خلا ذلك، من غير الواضح بعد تفاصيل الخطة ومراحلها، سوى ما تنشره وسائل الإعلام التركية (وهي خطة متشعبة ومعقدة، وتبدو في المحصلة هروباً من التعاون مع العنوان الصحيح لحلّ الأزمة، وهو الدولة السورية وضرورة عودة سيادتها على أراضيها، وما عدا هذا سيبقى «ترقيعاً بترقيع»، سواء في شرقيّ الفرات حيث الأميركيون، أو في جميع مناطق الاحتلال والهيمنة التركية).
يكتب محمد آجيد، في صحيفة «يني شفق» الموالية لحزب «العدالة والتنمية»، أن ما يؤخّر المضي في التطبيق الفوري والمنتظم لخطة «المنطقة الآمنة»، هو عامل «الثقة». فأنقرة لا تريد أن يتكرّر سيناريو منبج، وتلاعب واشنطن بأنقرة حتى الآن. لذا، ينتظر أردوغان أن يلتقي بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على هامش دورة الأمم المتحدة في الأسبوع الثالث من أيلول، ليحسم مسألة «المنطقة الآمنة»، وبالتحديد عمقها. ويقول آجيد إن واشنطن أعطت وعداً للأكراد بألا يدخل الأتراك إلى المناطق المأهولة، وهنا لبّ المشكلة.
سيذهب أردوغان إلى الأمم المتحدة مُحمَّلاً بورقة قوية، وهي تأييد روسيا لـ«المنطقة الآمنة» بعد اجتماع أردوغان مع نظيره الروسي، فلاديمير بوتين، الأسبوع الماضي. وإلى حين لقاء أردوغان – ترامب، سيكون الانتظار سيّد الموقف في ما خصّ «المنطقة الآمنة». ويتوجس البعض من وقوع تركيا في «فخّ» القيادة المشتركة لـ«المنطقة الآمنة»، على غرار «قوة المطرقة» التي تشكلت في مطلع التسعينيات بعد حرب تحرير الكويت لحماية الأكراد في شمال العراق، واتخذت تركيا مقراً لها، وأدّت دوراً بارزاً في دعم الكيانية الكردية وصولاً إلى الفدرالية هناك.
يكتب الدبلوماسي التركي السابق، داور داريندي، في صحيفة «جمهورييت»، أن تمركز «قوة المطرقة» في تركيا بعد حرب تحرير الكويت وضع تركيا أمام وضع صعب جداً وخطير، كان في أساس التخريبات التي تشهدها تركيا اليوم. واللعبة انتقلت من شمال العراق إلى الجزء السوري من كردستان. وما يثير القلق فعلاً، تشكيل غرفة العمليات المشتركة لـ«المنطقة الآمنة» في سوريا. ويضيف داريندي أنه من أجل تفادي الوقوع في الأخطاء نفسها وحماية مصالح تركيا الوطنية، على أنقرة أن تبدأ مفاوضات مع حكومة سوريا المركزية. ويختم بالقول إن «المنطقة الآمنة» مرشحة لتتحول إلى «قوة مطرقة» أخرى، ولم يتغير سوى الاسم، فيما اللعبة هي نفسها.
وفي إدلب، تتكرّر اللعبة نفسها التي أرساها بوتين - أردوغان في اتفاقية سوتشي في 17 أيلول 2019. فما خرجت به القمة الأخيرة للزعيمين يؤكد أن المصالح الدولية والقوى المؤثرة ترسم المعادلات السورية. وبقدر ما يرى البعض أن أردوغان رهينة القوتين العظميين، يذهب آخرون إلى أن أردوغان يلعب بنجاح مع القوتين العالميتين المتنافستين، أي روسيا وأميركا. فحتى في مناطق النفوذ الروسي، تكتب صحيفة «غازيتيه دوار»، أنّ قصف الطائرات الأميركية لمواقع لـ«داعش» في محيط إدلب، جاء بناءً على معلومات استخبارية تركية، بل إن المعارضة السورية ترى أن الطائرات الأميركية التي قصفت مقرّ اجتماعات لتنظيم «القاعدة» في إدلب قد انطلقت من قاعدة «إينجيرليك» في تركيا.
لم يكتف أردوغان بشنّ هجوم عنيف أمام بوتين على النظام السوري، واتهامه بأنه هو الذي لا ينفذ اتفاقية سوتشي، بل حصل على مهلة جديدة (مفتوحة!) من بوتين للبقاء في إدلب، بل كذلك مدعومة بإعلان وقف إطلاق نار من جانب الدولة السورية. ولا يخفى أن هذا الإعلان لا ينسجم مع التطلعات الرسمية السورية بمواصلة التقدم لتحرير معرّة النعمان وكل محافظة إدلب. ذلك أن كلفة التفاهمات السياسية في إطار حلّ نهائي للأزمة السورية لا شك ستكون أكبر بكثير من كلفة التضحيات التي يقدمها الجيش السوري وحلفاؤه لتحرير المناطق الواقعة خارج سيادة الدولة. وإذا كانت روسيا لم تفلح حتى الآن في إجلاس أنقرة إلى طاولة المفاوضات مع دمشق، فهذا يعكس أوراق قوة تملكها تركيا في مواجهة خصومها (سوريا) وحلفائها (روسيا – المصالح الاقتصادية والعسكرية، والاتحاد الأوروبي - ملف اللاجئين) على حدّ سواء. وهي أوراق تحول دون نجاح الضغوط السلمية على تركيا لتطبيق اتفاقية سوتشي وضرب تنظيم «هيئة تحرير الشام». ولا غرو في ما إذا اعتبرت صحيفة «يني شفق» أن وقف النار السوري من جانب واحد هو انتصار لتركيا ولأردوغان شخصياً، يحول دون نزوح مليوني شخص إلى تركيا، ومنها إلى أوروبا.
الأخبار
إضافة تعليق جديد