آلية عمل سورية بين أنقرة وموسكو: بحث عن «أيام جميلة» أم تأجيل الاختلاف؟

11-08-2016

آلية عمل سورية بين أنقرة وموسكو: بحث عن «أيام جميلة» أم تأجيل الاختلاف؟

لم تمض ساعات على قمة سان بطرسبورغ، حتى ظهرت ثلاث آليات عمل وثلاث نقاط اتفاق بين الروس والأتراك بشأن سوريا. الاكثر اهمية، ان أنقرة بدأت المزايدة على الاميركيين بالاشارة الى انهم «ما عادوا يولون لرحيل (الرئيس السوري بشار) الأسد اولوية»، في موقف ربما يحمل اكثر من تأويل، بينها ربما استفزاز واشنطن من باب التقارب مع موسكو، خصوصا ان الاتراك اضافوا على ذلك القول ان الاميركيين «لا يملكون نهجا في سوريا». فهل «اكتشف» الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان «النهج» الروسي سوريا، اجدى واكثر فاعلية؟رجال ينتظرون تلقي المساعدات الغذائية في حلب (رويترز)
 خلال قمة فلاديمير بوتين ورجب طيب اردوغان في سان بطرسبورغ امس الاول، تبلورت على ما يبدو الكثير من الرسائل التركية الى الاميركيين، وايضا إلى اوروبا اذ راحت الصحف الغربية تتحدث عن ان الاوروبيين «خسروا» تركيا. لكن الغموض ما زال يتحكم بطبيعة التفاهمات التركية ـ الروسية المستجدة، وفحوى المقايضة التي من المحتمل انها قد تتبلور حول ما اسماه بوتين «التفاهم المشترك» بالشأن السوري، ووصفته انقرة بانه «ارضية مشتركة»، بمشاركة وزارات الخارجية والدفاع والاستخبارات.
لكن اهمية الوفود التركية التي يجب ان تكون وصلت بالأمس إلى موسكو، ومنها قائد الاستخبارات حقان فيدان، تشير الى ان الأتراك، الملدوغين من عقرب الارهاب وشرخ المحاولة الانقلابية، ربما يحاولون اعادة التموضع سوريا. لكن العقد الاساسية تظل رهن شياطين التفاصيل، وهي ستتطلب مشاورات طويلة حول الشأن السوري. كما كان من اللافت للنظر تشديد الكلام التركي الذي صدر امس على التفهم الروسي لموقف انقرة من الاكراد والمرارة من الغرب والأميركيين، والتمسك التركي بفكرة رحيل الرئيس بشار الاسد.
اما اللافت الاكبر أمس فكان كلام رئيس الوزراء التركي بن علي يلديريم الذي قال أمام أعضاء مجلس مصدري تركيا إن «سوريا ودولا أخرى في المنطقة ستشهد تطورات جميلة»، مضيفاً أنه «بعد الآن، ستعمل تركيا بشكل وثيق أكثر مع دول المنطقة لحل قضايا المنطقة وفي مقدمتها سوريا، ومثلما حللنا مشاكلنا مع إسرائيل، ومثلما أعدنا الأمور إلى مسارها مع روسيا، سنشهد تطورات جميلة في سوريا ودول أخرى في المنطقة، وبدأت مرحلة ذلك، واتّخذت خطواتها، وسنشاهد معا نتائجها».
وشدد على أن دول المنطقة «أفضل من تحلل وتنتج الحل الصحيح لقضاياها»، مضيفا أنه «شاهدنا ما آلت إليه الأمور نتيجة دور من يجهلون التفاصيل الدقيقة للأحداث لبعدهم عن المنطقة، ففي سوريا قتل 500 ألف إنسان بريء، في حين أن تركيا استضافت ثلاثة ملايين سوري». ولفت يلديريم إلى أن تجاهل دولة محورية مثل تركيا في ما يتعلق بحلول مشاكل المنطقة، إنما يعني «عدم الرغبة في انتهائها، أكثر مما يعني جهلاً بها».
وقال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو إن تركيا «تعمل على إنشاء آلية ثلاثية مع روسيا بخصوص موضوع سوريا»، مضيفاً «نحن متفقون معهم (مع الروس) بشأن وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية والحل السياسي في سوريا».
وكشف جاويش اوغلو أنه سيصل مساء اليوم إلى سان بطرسبورغ مدير الاستخبارات التركية (حقان فيدان) وممثل عن وزارة الخارجية، وممثل عن الجيش التركي، وسيتم رفع مستوى التمثيل مستقبلاً، ليشارك فيه وزيرا خارجية البلدين».
وقال الوزير التركي إنه «يمكن لتركيا أن تجد أرضية مشتركة مع موسكو بشأن سوريا»، موضحاً «نتشابه في التفكير في ما يخص وقف إطلاق النار والمساعدات الإنسانية والحاجة إلى حل سياسي في سوريا، وربما نفكر بشكل مختلف في ما يخص كيفية تنفيذ وقف إطلاق النار».
وفي تصريح متزامن مع كلام وزير الخارجية التركي، اوضح المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن، أن الرئيس التركي ونظيره الروسي «قررا قيام كل طرف بإنشاء آلية ثلاثية مؤلفة من موظفين في الاستخبارات والجيش والسلك الديبلوماسي، تعملان معاً من أجل تسوية الأزمة السورية»، مؤكداً أن اللقاء الأول بين الآليتين «سيبدأ غداً (اليوم)، وأن الطرف التركي ربما سيتوجه هذه الليلة (أمس) إلى موسكو».
وفي مقابلة مع قناة تلفزيونية تركية، أكد قالن أن المسألة السورية «كانت حاضرة» في لقاء أردوغان وبوتين، مضيفاً أن الزعيمين «بحثا مجدداً المسألة السورية بشكل مفصل عقب عقدهما مؤتمراً صحافياً مشتركاً» امس الاول.
وأوضح أن اللقاء «تركز على وقف الاشتباكات، وإيصال المساعدات الإنسانية إلى حلب، وتحقيق مرحلة الانتقال السياسي، والحفاظ على وحدة التراب السوري»، مضيفاً أن الجانبين «توافقا حول الأخذ بالاعتبار الموقف التركي تجاه تنظيمات الاكراد الإرهابية خلال اتخاذ الخطوات المذكورة».
وشدد المتحدث التركي على أن «هناك اختلافاً في الآراء بين الجانبين حول مصير رئيس النظام السوري بشار الأسد، وفي كيفية تحقيق عملية الانتقال السياسي، وإيقاف الاشتباكات، وحماية وحدة الأراضي السورية»، مؤكداً أن وفدي البلدين «سيبحثان تلك المسائل بالتفصيل».
وأضاف قالن أن الرئيس التركي طرح لبوتين مسألة فتح «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي مكتباً له في موسكو، مشيراً أن «الجانب الروسي تفهم حساسية تركيا في هذا الشأن».
ولفت قالن إلى أن البلدين متفقان على مكافحة المنظمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش» و «بي كا كا»، موضحًا أن الجانب الروسي يدرك تمامًا المساعي التركية في مكافحة الإرهاب.
وشدد على أن الموقف التركي حيال منظمتي «حزب الاتحاد الديموقراطي» وجناحه العسكري في سوريا «في غاية الوضوح، والرئيس التركي شدد على هذه النقطة لدى اجتماعه مع الروس».
وفي ما يتعلق بالرؤية الأميركية في سوريا، اعتبر أن الولايات المتحدة «تمتلك رؤية اقتصار مكافحة الإرهاب في سوريا على تنظيم داعش الإرهابي فقط»، مضيفًا «نظام الأسد ومستقبله والهجمات ومقتل المدنيين غدت قضية ثانوية بالنسبة للولايات المتحدة».
وأضاف «عند النظر في عموم سوريا ومقارنتها مع أولوية الولايات المتحدة بمكافحة داعش، يمكن رؤية أن الاستراتيجية الأميركية ليست نهجاً في حل مشكلة الإرهاب»، معتبراً أن «الذي يغذي داعش الإرهابي والمجازر في سوريا هو استمرار بقاء النظام، لذلك فإن تجاهل النظام والتركيز على داعش فقط استراتيجية خاطئة».
وشدد قالن على أن موقف انقرة لم يتغير برغم المصالحة مع روسيا، «وما زلنا نريد رحيله» في إشارة إلى الرئيس السوري. واضاف «لم يتغير موقفنا».
وقال «لدينا اتفاقات مع روسيا بشأن التعاون في محاربة الإرهاب. ويتعلق ذلك بمحاربة الإرهابيين الأكراد وتنظيم داعش»، مضيفاً «من السابق لأوانه الحديث عن انتقال سياسي محتمل في سوريا بمشاركة بشار الأسد. موقف أنقرة من الأسد لم يتغير»، مضيفا أن الحكومة التركية تشتبه بأن «النظام السوري يحاول كسب الوقت».
وشدد على أن «تركيا تدعم مرحلة مكافحة داعش ولن تتراجع عن ذلك»، مضيفاً أن «البعض (لم يسمهم) يعتقدون أن الأتراك يولون لمكافحة حزب العمال الكردستاني الإرهابية أهمية أكبر من مكافحة داعش الإرهابي، مكافحتنا للأخير لا تعني تراجعنا عن مكافحة الكردستاني، حيث لا يوجد فرق بين التنظيمات الإرهابية».
وأضاف أن السؤال الذي يجب أن يطرح نفسه هنا «لماذا الغرب لا يولي أهمية لمكافحة الكردستاني بقدر داعش؟»، مضيفًا «نحن كعضو في التحالف الدولي لمكافحة داعش نقاتل هذا التنظيم، واستخبارات بلادنا أرسلت أسماء إرهابيين إلى فرنسا في هذا الإطار، وثبت أنهم نفذوا في فرنسا وبلجيكا عمليات إرهابية في ما بعد».
ولفت إلى أن الشعب التركي الذي وقف ضد الانقلاب، لم يلق الدعم اللازم من الإعلام الغربي ومن سياسييه ما شكل خيبة أمل في نفوس الأتراك.
ولفت إلى أن الجانبين الروسي والتركي أكدا على تعزيز التعاون بين الطرفين للحيولة دون تكرار حادثة إسقاط الطائرة، مشيراً إلى أن رئاستي هيئة الأركان في البلدين «أعادتا خط الاتصال المباشر بينهما».
اقتصادياً، أعلن المتحدث الرئاسي التركي أن تركيا وروسيا اتفقتا على انشاء صندوق استثماري مشترك، متوقعاً أن «يتخذ البلدان خطوات لزيادة السياحة الروسية الى تركيا في الاجل القصير بما في ذلك رحلات الطيران العارض (تشارتر)».
وكان وزير الخارجية التركي قد جدد ايضاً هجومه على الاتحاد الاوروبي، وقال الوزير التركي ان «الثقة بالاتحاد الاوروبي تدهورت ويا للأسف. لسنا مسؤولين عن ذلك، المسؤول هو الاتحاد الاوروبي الذي، واقول ذلك بوضوح شديد، تبنى موقفاً مؤيداً للانقلاب وشجع الانقلابيين». واعتبر ان «الاتحاد الاوروبي سقط في اختبار يوم 15 تموز».
واستطرد متسائلاً «توجه الجميع الى باريس - رئيس وزراء تركيا - وقدم دعمه لفرنسا (بعد هجمات باريس) لكن بعد الانقلاب الفاشل لم يقم اي مسؤول بزيارة تركيا»، مضيفاً «لقد اتصلوا ونشكرهم على ذلك. لكن بعد مثل هذه الاوقات العصيبة، هل كان من الصعب المجيء الى تركيا؟».
اما قالن فقال «لا نقاشات بشأن عدم بقاء تركيا عضواً» في «الناتو»، لكنه اضاف أنه «من الطبيعي أن تبحث تركيا عن «خيارات أخرى» بشأن التعاون الدفاعي، بعدما لم تتلق الدعم المتوقع من أصدقائها الغربيين وشركائها في حلف شمال الأطلسي» عقب الانقلاب الفاشل.
وكانت متحدثة باسم الاطلسي بعثت الرسالة نفسها ردا في بيان على «تكهنات» في الصحف الغربية في هذا الصدد.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...