«قاع المدينة»: عن عالمي الفقر والثراء..ودراما العلاقة بينها

ترتفع سحب الدخان في مكتب فخم، هو موقع التصوير الأول الذي اختاره المخرج سمير حسين لمسلسله الجديد «قاع المدينة» للكاتب محمد العاص. يستمتع النجم أيمن زيدان خلف مكتبه بسيجاره الفاخر، ينفث الدخان بطريقة تعكس ثقة زائدة بالنفس، كما تتطلب شخصية الثري «أبو ماهر» التي يؤديها. يعد عكسياً «خمسة، أربعة..» قبل أن يتولى مساعد المخرج المهمة عنه، ويبدأ تصوير المشهد من دون إعادة.
رغم نجاح تصوير اللقطة، إلا ان المشهد لن يظهر هكذا على شاشة التلفزيون لاحقاً. فالأمر يحتاج إلى المزيد من «تقطيع المشهد»، كما يشرح المخرج حسين لمدير تصويره وليد كمال الدين، طالباً أخذ تفاصيل أكثر عبر الكاميرا، كملاحقة حركة السيجار بين أصابع النجم زيدان، والاقتراب أكثر من وجهه لضبط ملامحه.. فضلاً عن إعادة تصوير المشهد ذاته ولكن من جهة مغايرة.
يعاد تصوير المشهد من زاوية جديدة. لكن هذه المرة كان على فريق الإنتاج أن يغير الديكور كي يتيح للكاميرات أداء عملها. تمر دقائق سريعة فتنفذ التغييرات اللازمة، يدرك المرء خلالها معنى أن يعمل نحو خمسة عشر شخصاً في موقع تصوير لمشهد لا يظهر فيه على الشاشة إلا ممثل واحد... ولثوان. والممثل الواحد هنا هو زيدان بدور «أبو ماهر»، الذي هو جزء من حكاية المسلسل الذي يقترب، وفق البيان الذي وزعته الشركة المنتجة، من أحياء العشوائيات في دمشق ليلتقط أبطاله من بينها، ويلاحق حكاياتهم المتشابكة والمتداخلة والتي سرعان ما تمتد إلى خارج هذه الأحياء بحكم العمل أو الدراسة لتتقاطع مع حكايات شخوص آخرين من سكان أحياء المدينة الأخرى، وأساليب عيشهم المختلفة ومستوياتهم الثقافية والمالية، ما يحدث تقارباً أو تنافراً بين العالمين تحكمه المصالح والرغبات والأهداف المختلفة.
في المشهد الثاني، تنضم الفنانة الشابة جيني أسبر إلى النجم زيدان، يشرح المخرج المشهد للممثلين، لافتاً إلى أن تصويره سيتم «وان شوط» أي دفعة واحدة، يبدأ التصوير. تنسى جيني جملتها، فيعاد المشهد مرة ثانية وثالثة، ويكتشف النجم زيدان في مرة رابعة أنه قدّم جملة على أخرى فيعتذر من تلقاء نفسه ليعاد تصوير المشهد مجدداً. في كل مرة يبدو المخرج سمير حسين قائماً على أدق التفاصيل. مرة جديدة، و رغم نجاح الممثلين في أداء المشهد، إلا أن المخرج يطلب إعادة التصوير ، متنبّهاً إلى جهاز التلفزيون الذي يظهر في الكادر، طالباً من «شباب الإنتاج» توليف التلفزيون على إحدى المحطات الأجنبية. نسأله ما الفرق؟ فيوضح لنا أن صوت التلفزيون يتم تسجيله لاحقاً، كالعادة، بطريقة «البلاي باك» وبعمليات المونتاج والمكساج، وبالتالي يمكن للمشاهد بسهولة أن يكتشف أن الصوت الذي يسمعه لا ينطبق على حركة الشفاه على التلفزيون فيما لو كانت المحطة عربية، ولذلك يختار المخرجون عادة محطة أجنبية لتجاوز المأزق هذا.
بين البسيط والمركّب
أكد المخرج سمير حسين أن «مادة المسلسل دسمة، وهي بسيطة جداً بمقدار ما هي مركبة، فيها كل ما يشتهي المتفرج أن يشاهده، وما يحقق له المتعة الأساسية»، مشيراً إلى أن «قاع المدينة» جزء من تجربة درامية يخوضها بدءا من مسلسل «الأمهات»، هدفها الأول والأخير الناس».
وعن مفهوم «القاع» في مسلسله، قال المخرج حسين: «سيظهر بجانبيه الشكلي والجوهري، الجانب الشكلي له علاقة بالبيئة الجغرافية وبكل الانعكاسات اللفظية التي لها علاقة بكلمة قاع، أما الجانب الجوهري، فله علاقة بعمق القاع البيئي والنفسي للشخصيات».
ويشير المخرج حسين إلى التشابه الحاصل في النصوص في معرض إجابته عن كثرة النصوص الدرامية التي تتناول أحياء العشوائيات هذا العام، إلا أنه يرى أن المسألة تتعلق في النهاية «بالمعالجة الدرامية بغض النظر عن المكان الجغرافي، ومن يسكن فيه»، مؤكداً «أن المشكلة الأساسية هي كيف نعالج شخصيات العمل على نحو تقدم بالدرجة الأولى متعة وبالدرجة الثانية فائدة للناس».
يؤدي أدوار البطولة في العمل نخبة من نجوم الدراما السورية منهم، إضافة إلى زيدان وإسبر، خالد تاجا، منى واصف، باسم ياخور، عبد المنعم عمايري، غسان مسعود، ديمة قندلفت، حسن عويتي، تاج حيدر، نضال سيجري، صفاء رقماني ، عامر علي، صفاء سلطان وآخرون. أما الإنتاج فهو لـ»مؤسسة عاج للإنتاج والتوزيع الفني».

ماهر منصور

المصدر: السفير