«رواية اسمها سورية»دراماترسم تضاريس المجتمع السوري عبر150عاماً
منذ أن دخل العرب مرحلة الفوات التاريخي، لم يعودوا قادرين على زجّ أنفسهم في اللحظة الراهنة التي يعيشها العالم، ولم يستطيعوا، في المقابل، أن ينتجوا حركة مضادة لبؤسهم، كالتي قادوها في زمن سابق. ومنذ ذلك التاريخ، انفرط العقد الذي كان يشكل جملاً مفيدة في سياق نص المجتمع العربي. عندها، بقي كل نشاط فردي، محكوماً بفرديته، ولم يستطع أن يؤلف منظومة، يمكن أن يطلق عليها (نشاطاً جماعياً) أو منهجاً نظرياً. أراد نبيل صالح أن يكتب تاريخ سورية، فما كان منه إلا أن دعا فريقاً من الباحثين والمفكرين والروائيين والشعراء والنقاد، واختار لهذا المشروع لجنة استشارية، وأطلعهم على مشروعه الكبير. كان دائماً يكرر عبارة: «أنا أؤمن بالعمل الجماعي». ولأن هذا العمل الجماعي، يجب أن ينجح، فقد جهد نبيل صالح أن يكون موضوعياً ما أمكنه ذلك، حيث «أشرفت لجنة من المفكرين والمؤرخين الثقات على غربلة واختيار الأسماء التي يمكن تعدادها ضمن طبقة الفحول ونخبة النخب». وأخيراً أطلق على الموسوعة/ الرواية عنوان (رواية اسمها سورية.. مئة شخصية أسهمت في تشكيل وعي السوريين في القرن العشرين). وللأمانة، فقد تم اختيار بعض الشخصيات غير السورية، كجمال عبد الناصر وجمال باشا السفاح والملك فيصل وفوزي القاوقجي، لأنها أثرت في التاريخ والمجتمع السوري. عملتُ مع نبيل صالح، منذ البداية الأولى للمشروع، لذلك كنتُ على اطلاع بكل حيثيات الإنجاز. عاينت اختيار الشخصيات، التي وردت في الكتاب، وشهدت النقاش الطويل، الذي دار حولها، ومن ثم اشتغلت في العمل المضني، إلى أن اكتملت المواد، وأصبح الكتاب جاهزاً، ينتظر أن ندفعه إلى المطبعة. رأيتُ أن من واجبي الدفاع عن العمل الجماعي الفريد من نوعه في سورية؛ ذلك العمل الذي أرهق الكثيرون أنفسهم، وفي مقدمتهم نبيل صالح، كي يخرج إلى النور. والدفاع ليس إلا ضرورة وواجباً عليّ وعلى الآخرين أيضاً، من أجل أن يحترم كل منا عمله وعمل الآخر، وفي الوقت نفسه القيام بتصويب الأفكار الخاطئة التي وردت، والثناء على الجهد الجميل. لا بدَّ لكل جهد جماعي، كي ينجح، أن تتوفر له عدة عوامل. وإن حدث ونجح، فلا بد أن يثير غيظاً وحقداً لدى البعض؛ هذا البعض الذي تحكمه نزعته الفردية، أو يحكمه ضعفه تجاه الآخرين. وقد واجهت (رواية اسمها سورية) هجوماً من أفراد، اتضح أنهم لم يقرؤوها أو يتصفحوها حتى، لكنهم أرادوا فقط الانقضاض عليها وتشويهها، قبل أن يرى وجهها كل أبناء البلد الذي كتبت من أجله. مع الأيام الأولى لنشر (رواية اسمها سورية) تصاعدت أصوات كثيرة، بعضها أعجب بالعمل الجماعي، والآخر تبرّم منه، متذرعاً بعدد من الحجج. وقام بعض الأفراد، بالهجوم، لمجرد أن هذه (الرواية) لم تذكر اسم أحد أقربائهم، أو أحد أفراد أسرهم، أو أناساً يرونهم جديرين بالدخول فيها. ووجدَتْ فئة ثالثة نفسها، في تصيّد الأخطاء الإملائية والنحوية، ولم تنظر إلى حجم الجهد المبذول، وضخامة المعلومات، وجمالية الأسلوب. والمضحك أن نفراً من الكتاب، لم يجدوا في الرواية ما يستحق عناء قراءتها، ذلك لأن أحداً لم يدعهم للكتابة فيها، معتبرين أنفسهم حجر زاوية في أي عمل. إلى الآن، لم تتم قراءة الموسوعة/ الرواية بشكل تستحقه، واكتفت القراءات بالتنويه عن صدورها، كأي كتاب آخر، مغفلة الجهد الكبير، والمهمة الاستثنائية التي حملها نبيل صالح، في تجميع هذا الكمّ من الكتّاب السوريين لأول مرة، لإنجاز كتاب واحد حمل اسمهم جميعاً، وأرَّخ لسورية بهذا الشكل الروائي، لأول مرة أيضاً. أتت كثير من القراءات الصحفية، ضعيفة وباهتة، ولم تعط الموسوعة حقها، أو حتى نصف حقها. فقد عرضت لعدد من الشخصيات الواردة، من دون النظر إلى القيمة الحقيقية للمشروع، الفريد من نوعه سورياً حتى الآن. هل من المنطقي والطبيعي، أن يتناول كاتب أو صحفي هذا العمل الضخم، وكأنه يقوم بالتعليق على كتاب كُتِبَ خصيصاً للبسطات وللأرصفة؟ أبطال الرواية تناقشنا مطولاً حول عنوان الموسوعة، واتفقنا أخيراً على العنوان الذي تصدَّرَ أجزاءها الثلاثة (رواية اسمها سورية.. مئة شخصية ساهمت في تشكيل وعي السوريين في القرن العشرين). والسبب في التسمية، هو اختيار نبيل صالح أن تكتب المواد بشكل حكائي، وكذلك بسبب رسم الشخصيات ضمن التسلسل الزمني، وربطها مع بعضها بشكل منطقي. ودرءاً لأي كسر في هذا التسلسل، فقد وُضعتْ المراجع والمصادر في آخر الموسوعة، وليس في نهاية كل بحث. ويبرر نبيل هذا قائلاً: «حتى لا ينتبه القارئ إلى أنه يقرأ عملاً تاريخياً، وإنما يظل ضمن الإيحاء الحكائي للشخصيات، ذلك أن متعة الحكاية هي ما يشدّ القارئ أكثر من أي شيء آخر». مئة شخصية مؤثرة، أسهمت في تشكيل هوية المجتمع السوري وثقافته، حباً أو قسراً، سلباً أو إيجاباً، خلال القرن العشرين. وتم التركيز، في كتابة حياة هذه الشخصيات، على الجانب الدرامي المشوق من كل شخصية. وكما يقول نبيل صالح، فقد أراد أن تتم كتابة حياة هؤلاء الناس بأسلوب روائي درامي، ليظهروا من لحم ودم: يأكلون ويشربون ويحلمون ويحزنون، ويعيشون حياتهم مثلنا، لا كما توردهم كتب التاريخ: جامدين. رُتبتْ الشخصيات في الكتاب، حسب سنة ولادتها، فشملتْ القراءة الزمنية النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وكامل القرن العشرين. وابتدأ الكتاب مع (أبو خليل القباني) المولود سنة 1833، وانتهى مع سليم بركات الذي ولد سنة 1951. وشمل الكتاب الشخصيات السياسية والاقتصادية والتاريخية والفنية والأدبية والاجتماعية، وأظهر صفات كل شخصية، وما تحمله من آمال وأحلام وأحزان. وكانت البحوث حيادية تجاه الشخصيات، فلم يُلق اللوم على شخصية، ولم يُكلْ المديح لشخصية، بل عُرضت الشخصيات كما عاشت، مع سرد درامي للأحداث التاريخية التي واكبتها، ولحالة المجتمع السوري آنذاك. أفردت الموسوعة صفحاتها لكل أولئك الذين عاشوا في تضاريس الخارطة السورية، أو في تضاريس الحلم والعقل السوريين. أوجدت الموسوعة، لأول مرة، الكاميرا الدقيقة والنقية، التي من خلالها، ظهرت صور المجتمع السوري على مدى ما يقارب 150 عاماً. فشوهد أبطال الموسوعة وهم يسيرون تحت الظلال ويخططون للمستقبل، ويتناحرون تحت سقف الوطن، ويموتون دفاعاً عنه، ويظلم بعضهم البعض الآخر، ويضحي أحدهم في سبيل أخيه. كل هذا في بانوراما تاريخية، تكون فيها الحكاية العنصر الرئيس، الذي يربط بين السياسي والاقتصادي والأدبي والفني، لتشكل في النهاية (رواية اسمها سورية). إذاً، ماذا بعد؟ لم يحصل، سابقاً، أن اتفق هذا العدد الكبير من الكتاب والباحثين السوريين، على كتابة عمل مشترك، فجاءت (رواية اسمها سورية) كأول عمل جماعي سوري، يؤرخ لبلدهم الذي يحبونه. ولم يحصل سابقاً أن اتفق هذا العدد الكبير على كتابة حكاية بلدنا سورية، المكان الذي انطلقت منه رسالة العقل الخالدة، إلى شتى أرجاء الأرض. إن اتفقنا على اختيار الشخصيات، وإن رأى بعضنا أن الكتاب أهمل بعض الشخصيات الأخرى، أو أدرج بعضها على حساب أخرى، فهذا لا يلغي أن يكون النقد موضوعياً، وأن يعطى العمل أهميته الكبيرة، وفرادته المميزة. وفي كل الأحوال، على المتعالين على المشروع أن يعلموا، أن لا هدف شخصياً لأي مشارك فيه، وإلا لكان وجد لنفسه مشروعه الخاص، وأفرغ كل أنانيته فيه. أضاءت الموسوعة جوانب كثيرة لعدد كبير من الشخصيات، لم تكن معروفة سابقاً، كما أورد شخصيات لم يسمع بها كثيرون، بسبب البعد الزمني والنسيان الذي طمرها. يجب على أي قراءة، كي تكون نزيهة، أن تتمتع بالحب أولاً، وبالحب ثانياً، وبالحب ثالثاً وليس أخيراً. وهكذا، وبالحب فقط، يستطيع القارئ أن يعرف قيمة هذا العمل الجماعي المضني. الكتاب: رواية اسمها سورية.
عقبة زيدان
ملحق الثورة الثقافي
إقرأ أيضاً:
مائة شخصية سياسية وأدبية صاغت رواية اسمها سورية
نبيل صالح : " رواية اسمها سورية " كتاب يكشف أسرار الوحدة الوطنية
عادل أبو شنب يطالب بطبعة شعبية لكتاب «رواية اسمها سورية»
البيان: اقتراح ترجمة «رواية اسمها سورية» كمدخل لفهم العقل العربي
وليد إخلاصي: «رواية اسمها سورية» تتعرض لهجوم غير مسبوق
البيان: «رواية اسمها سورية» كتاب يخوض في الممنوع سورياً
الوطن العمانية: «رواية اسمها سورية» تحلل الشيفرة الثقافية للسوريين
الحياة: «رواية اسمها سورية» تثير عاصفة نقدية في دمشق
المستقبل: «رواية اسمها سورية» استقراء لفلسفة تاريخ سورية الحديث
الشرق الأوسط: «رواية اسمها سورية» كتاب جريء بالمقياس السوري
الوطن السورية: «رواية اسمها سورية» انعاش للذاكرة الوطنية
الراية القطرية: «رواية اسمها سورية» استقراء لتاريخ سورية الحديث
السفير: «رواية اسمها سورية» تجمع الأبطال والأشرار وتثير شهية النقاد
الكفاح:«رواية اسمهاسورية» مدونةعاطفية وثائقية تجمع الجمالي بالسياسي
قناة المنار: «رواية اسمها سورية» تتجاوز حدود سايكس بيكو
الثورة : "رواية اسمها سورية" تقدم ذاكرة السوريين بلغة الأدب
مونتكارلو: «رواية اسمها سورية»ترسم خريطة سورية الثقافية خلال قرن
الدستور: مئة شخصية تروي التاريخ السوري في "رواية اسمها سورية "
مجلة شبابلك: «رواية اسمها سورية» كتاب كل السوريين
النور السورية: حسبك تجنب اللوم حول "رواية اسمها سورية"
سيريا نوبلز: «رواية اسمها سورية» بين التشويق والتأريخ
الأخبار: العسكر والسياسيون يتداولون بطولة «رواية اسمها سورية»
فواز حداد : رواية اسمها سوريا لم تستقبل بما يليق بها من نقد وتقييم
فلسطين المسلمة: «رواية اسمها سورية» دراما سورية مشوقة
سعاد جروس تكتب عن «رواية اسمها سورية» التي تستنهض ماضينا
الوطن الإماراتية: 38 كاتبا يؤلفون «رواية اسمها سوريا»
«رواية اسمها سورية» في الميزان مع اعلام الزركلي وأعلام سورية
الهدف: صفوة المجتمع السوري يحتفلون بصدور «رواية اسمها سورية»
إضافة تعليق جديد