«داعش» يتابع فساده في ريف حلب الشمالي

14-08-2014

«داعش» يتابع فساده في ريف حلب الشمالي

عاد تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ (داعش) إلى ريف حلب الشمالي، الذي شهد قبل حوالي ثمانية أشهر انطلاق شرارة الحرب ضده من قبل الفصائل الإسلامية الأخرى.
وفي خطوة لا تخلو من الإشارة إلى بداية تلك الأحداث، أطلق التنظيم المتشدّد على معركته اسم «غزوة الثأر للعفيفات»، تذكيراً منه بالاتهامات التي وجّهها إلى باقي الفصائل آنذاك بخطف واغتصاب «المهاجرات» وزوجات «مجاهديه»، ومن أبرز المخطوفات حتى الآن زوجة القيادي حجي بكر (قتل في تل رفعت) واثنين من أبنائه.عنصر من «داعش» أمام لافتة تدل على الطريق إلى مارع
وسيطر «داعش» صباح أمس على ناحية اخترين، التي تعتبر بوابة ريف حلب الشمالي وتفتح الطريق أمامه إلى كل من مارع والراعي ودوديان الحدودية ومدينة اعزاز ذات المعبر الحدودي مع تركيا، والتي كانت من آخر المناطق التي انسحب منها «الدولة الإسلامية» في بداية «حرب الإلغاء الجهادية»، بهدف استيعاب الهجوم الذي شنته عليه الفصائل الأخرى في ذلك الحين، وذلك قبل أن يلتقط أنفاسه ويستردّ غالبية المناطق التي انسحب منها، ولاسيما في المنطقة الشرقية.
وإلى جانب اخترين سيطر «داعش» على عدد من القرى المحيطة بها، مثل المسعودية وتركمان بارح ودويبق والعزيزية، من دون أن يتوقف عندها، بل امتدّ حتى وصل عصر أمس إلى كل من دابق ذات الأهمية الخاصة لدى «الدولة الإسلامية»، لأن الأسطورة الدينية تشير إليها على أنها البلدة التي ستشهد معركة آخر الزمان بين الحق والباطل، وبلدة أرشاف وقرية احتيملات وقرية الحميدية. وبذلك يصبح «داعش» على بعد ستة كيلومترات من مدينة مارع مسقط رأس زعيم «لواء التوحيد» عبد القادر صالح الذي قتل العام الماضي، والمعقل الأساسي للواء.
ولم تكن سيطرة «داعش» على هذه البلدات والقرى في ريف حلب الشمالي مفاجئة، لأن غالبية هذه المناطق كانت تشهد اشتباكات مستمرة على مدى الأشهر الماضية، بينها انفجار سيارة، في السادس من حزيران الماضي، أرسلها «داعش» لتفجير حاجز «الجبهة الإسلامية» في قرية ثلثانة بريف اخترين، بينما سيطر التنظيم المتشدد على بلدة غنطو جنوب اخترين في 11 تموز.
ومع ذلك فإن التكتيك الذي اتبعه «داعش» هو الذي ولد شعور المفاجأة عند قادة الفصائل التي كانت تسيطر على المنطقة. حيث أوحى بأساليب مختلفة أن حشوده بالقرب من مدينة الباب، الواقعة تحت سيطرته، تهدف لتعزيز قواته التي تحاصر مطار كويرس، بينما كانت غايتها الحقيقية إطلاق «معركة تحرير ريف حلب الشمالي».
وانطلقت المعركة فجر امس، حيث هاجم مقاتلو «الدولة الإسلامية» من محاور عدة، وأطلق على جيش «داعش» الذي قام بالهجوم اسم «جيش جالوت» ويقوده حسان عبود قائد «لواء داوود» الذي بايع «الدولة» مؤخراً.
وبينما اتجهت القوة الرئيسية إلى بلدة اخترين مباشرة، كانت مجموعات أخرى تقوم بالالتفاف على القرى المحيطة بها من جهة الشرق والجنوب. وتعتبر اخترين من أهم معاقل «الجبهة الإسلامية» في الشمال الحلبي، ويتواجد فيها عدد كبير من مقاتلي فصائل هذه «الجبهة»، خصوصاً «جيش الإسلام» و«ألوية صقور الشام»، بالإضافة إلى تواجد عدد من مقاتلي «لواء جبهة الأكراد» الذين كانوا ينتشرون في محيط المنطقة كنوع من إقامة خط دفاع أولي لحماية مدينة عفرين ذات الغالبية الكردية. وكان «لواء جبهة الأكراد» أعلن بداية آب الحالي سيطرته على ثلاث قرى في المنطقة.
ومع بدء الهجوم، وقعت بين الطرفين اشتباكات عنيفة، استخدمت فيها أنواع الأسلحة، المتوسطة والثقيلة كافة، بينما برز استخدام «داعش» لبعض المدرعات والدبابات الأميركية التي غنمها من الموصل مؤخراً، وهي أسلحة صارت جزءاً أساسياً في أي هجوم يقوم به التنظيم المتشدد.
وسقط جراء الاشتباكات عشرات القتلى والجرحى، غالبيتهم من «الجبهة الإسلامية» و«لواء أمجاد الشام»، حيث قدرت أعدادهم بحوالي 40 قتيلاً، عرف بينهم قائد «الجبهة الإسلامية» في اخترين محمد أبو مهدي عاصي وهو مقاتل سابق مع تنظيم «القاعدة» في العراق، وكذلك المسؤول الشرعي لـ«ألوية صقور الشام» أبو عبد السميع. وعرف من قتلى «داعش» القائد الميداني أبو البراء المغربي. وأكدت مصادر «الدولة الإسلامية» أن أكثر من 100 مقاتل من «الجبهة الإسلامية» أصبحوا أسرى لديه.
من جهة أخرى، شهدت القرى المستهدفة بالهجوم حالة نزوح كثيفة للأهالي منذ ساعات الليل، وما زالت مستمرة نتيجة استمرار الاشتباكات. وأشار ناشطون من المنطقة إلى أن مئات العائلات تركت منازلها، وخرجت إلى البراري المحيطة بحثاً عن الأمن والأمان.
وفي وقت متأخر، بدأ «داعش» بقصف مدينة مارع بالمدفعية الثقيلة وقذائف الهاون، وتواترت أنباء عن حركة نزوح كثيفة عن المدينة.
وسارعت فصائل «الجبهة الإسلامية» تحت تأثير صدمة الهزيمة إلى اتهام بعضها البعض بالخيانة والتخاذل، علماً أن مدينة مارع المجاورة شهدت منتصف تموز الماضي اشتباكات بين «الجبهة الإسلامية» من جهة و«لواء قبضة الشمال» المنشق عن «لواء التوحيد» من جهة ثانية، الأمر الذي يلقي الضوء على حالة التشرذم التي تعيشها «الجبهة الإسلامية» والتي قد تكون أحد أسباب هزيمتها.
أما «جبهة النصرة» فتشير المعطيات إلى عدم تواجدها في اخترين لانسحابها منها منذ أقل من شهرين، إلا أن الاتهامات طالت حاجز «النصرة» في تركمان بارح، وأنه سهّل لمقاتلي «داعش» المرور والوصول إلى اخترين، بينما أكدت مصادر إعلامية أن خلايا عديدة من مقاتلي الجبهة بقيت في البلدة سرّاً وبايعت «داعش» فور دخوله البلدة وانضمت للقتال إلى جانبه. وكان «لواء جبهة الأكراد» أصدر بياناً أمس اتّهم فيه فصائل، لم يسمها، بالتواطؤ مع «الدولة الإسلامية» من خلال «فتح الممرات له لحصار اخترين وحصار تركمان بارح».
وبسيطرة «داعش» على اخترين ومحيطها يصبح الطريق مفتوحاً أمامه للتقدم، خصوصاً باتجاه مدينة اعزاز، التي شهدت أول حرب حقيقية بين «داعش» و«لواء عاصفة الشمال» في أيلول الماضي، إلا أن تقدم «الدولة الإسلامية» باتجاه الشريط الحدودي لن يمرّ من دون تعقيدات إقليمية ودولية، لاسيما أن الجيش التركي سبق له أن قصف مواقع وأرتالاً لـ«داعش» خلال الأشهر السابقة، سواء في اعزاز أو في بلدة الراعي المحاذية لحدوده. فهل تغض أنقرة طرفها عن تقدم «داعش» هذه المرة، أم تتجه إلى مزيد من التورط في مستنقع الأزمة السورية؟

عبد الله سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...