«إشبين» حفل التطبيع: ترامب يستعجل السعودية
لا يترك الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مجالاً لحلفائه في الرياض لالتقاط الأنفاس؛ إذ بات يذكّر هؤلاء، بمناسبة ومن دونها، بأنه ينظر إلى الساعة، وبأن تأخُّرهم عن اللحاق بقاطرة التطبيع ربّما يؤثّر في فرص إعادة انتخابه. الابتزاز نفسه، منذ ما قبل انتخاب ترامب، وبعده، بدءاً مِن «حلْب» الدولة الغنية، إلى تهديدها بأمنها تارةً لخفض أسعار النفط، وتارةً أخرى لرفعها، وصولاً إلى تذكيرها بأنه هو من أنقذ «مؤخّرة» ابن سلمان في أعقاب جريمة اغتيال خاشقجي. لكن الابتزاز الصريح يقابله انبطاح تحاول السعودية الإيحاء بأنه قدرٌ لا هروب منه.
لم يغب طيف السعودية عن حفل التطبيع في البيت الأبيض؛ جَرّت المملكة حليفتها الإمارات ووكيلتها البحرين إلى مقدّمة الصف، بينما وقفت هي في الخلف تنتظر «وقتاً ملائماً» لإعلان تطبيعٍ اعتبره عرّاب صفقات «السلام»، جاريد كوشنر، «حتميّاً». لكن ما بات جليّاً، أن الانتظار لوقتٍ طويل لا يصبّ في مصلحة المرشّح الرئاسي، دونالد ترامب، وهو الذي عاد ليذكّر، أول من أمس، بأنها «مسألة وقتٍ» قبل أن تلتحق الرياض بنادي المطبّعين الجُدد، بعدما باتت قاب قوسين مِن السير على خطى مَن أرشدتهما إلى «الطريق الصحيح».آجلاً ستعترف السعودية بإسرائيل، كما لفت الرئيس الأميركي، الذي بات يميل أكثر إلى وضع تصريحاته في إطار «التكهّنات»، إذ توقّع أيضاً إمكانية انضمام «سبع أو ثماني دول» إضافية إلى اتفاقات التطبيع «بما فيها تلك الكبيرة»، كما سمّاها، مبيّناً أن المملكة ربّما تكون إحداها، ولكنّها ستنضمّ «في الوقت الملائم»، إلى اتفاقات من شأنها أن «تؤسّس لسلام شامل في المنطقة قائم على الصداقة والاحترام المتبادل».
ترتبط «اللحظة التطبيعية» التي التقطتها أبو ظبي والمنامة بحاجة ترامب، بصفته راعي «الاختراق التاريخي» هذا، إلى أيّ ورقة يمكنه توظيفها في معركة غير محسومة النتائج ضدّ المرشّح الديموقراطي جو بايدن، الذي لا تزال استطلاعات الرأي تمنحه تقدّماً واضحاً على مستوى الولايات المتحدة، مع اقتراب موعد المناظرات المباشرة في الـ29 من الشهر الجاري. وإن كان رهان الرئيس الأميركي على أتباع اليمين المسيحي المتطّرف المُحبّ جداً لإسرائيل لا يزال حاسماً، إذ يشكّل هؤلاء نواة قاعدته الناخبة، معطوفاً على حاجته إلى خرقٍ من وزنٍ آخر، مثل تطبيع العلاقات بين المملكة وكيان الاحتلال، يبدو أن الأوراق الخارجية لن تكون ذات جدوى في انتخابات مفصليّة تجيء في خضمّ أزمة داخلية كبرى سبّبتها الاستجابة الفاشلة للإدارة لأزمة وباء «كورونا»، وما تركته مِن تبعات على مستوى الاقتصاد الوطني ومعدّل البطالة.
في هذا الوقت، تحاذر الرياض خطواتها، فيما تتلطّى خلف «المبادرة العربية للسلام». على هذه الخلفية، تجنّبت التعليق على الحفل الذي استضافه البيت الأبيض، على رغم تهليل وسائل إعلامها للتقدُّم المحرَز على مستوى العلاقات الخليجية - الإسرائيلية؛ بل إن مجلس وزرائها عادَ ليكرّر اللازمة نفسها، والتي تفيد بأن المملكة «تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني وتدعم جميع الجهود الرامية للوصول إلى حلّ عادل وشامل للقضية الفلسطينية» في إطار «مبادرة السلام العربية»، كما ورد في بيان صدر بعد وقت قصير من مراسم توقيع اتفاقَي التطبيع. موقفٌ جاء مُكمّلاً لآخر أطلقه وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، من برلين، الشهر الماضي، وأشار فيه إلى أن بلاده لن تطبِّع العلاقات مع الكيان العبري قبل التوصّل إلى اتفاق سلام إسرائيلي - فلسطيني شامل على أساس مبادرة بلاده لعام 2002. إزاء ذلك، يبدو موقف السعودية مرتبكاً، فهي إذ تحاول الإيحاء بأنها ثابتة على مواقفها السابقة، تأخذ في الاعتبار الأثمان التي يتوقّعها ترامب في مقابل «إنقاذه مؤخّرة محمد بن سلمان» في قضية اغتيال جمال خاشقجي، وفق ما ورد في كتاب بوب وودوارد «الغضب» (صدر أول من أمس)، نقلاً عن الرئيس الأميركي.
بالعودة إلى المواقف «الثابتة»، بدت مقالة الدبلوماسي السعودي والمدير السابق لجهاز الاستخبارات، تركي الفيصل - السبّاق إلى التطبيع مع الإسرائيليين -، المنشورة في صحيفة «الشرق الأوسط» (21 آب/ أغسطس)، لافتة على أكثر من مستوى، ولا سيّما أنها ملأى بالتناقضات. يقول الفيصل إنه «تفاجأ» بخطوة الإمارات التطبيعية، إلا أنه يثمّن حاجة الدول السيادية، ويدعو، في الوقت ذاته، إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلّة. المقالة المدسوسة فيها سموم كثيرة، تُبرّر طبعاً تحالف أبو ظبي - تل أبيب، وتدعو القيادة الفلسطينية إلى الاتّعاظ «بما يقوله أحدُ أبرزِ زعامات تيار فتح الإصلاحي الديمقراطي، سمير المشهراوي، والْجِمِي الشاتِمِينَ والشامِتِينَ من مواطنيكِ، ولا تَنْسَي أنَّ مَصالحَ الشعبِ الفِلسطيني هي مع دولة الإمارات العربية التي تستضيف أكثرَ من ثلاثمائة ألفِ فِلَسطيني يسترزقون من خيراتها، وينعمون برعايتها لهم». ويمهِّد الفيصل الطريق أمام دول عربية أخرى لتلتحق بركب الإمارات، قائلاً: «على كُلٍّ، إذا كانت أي دولة عربية يناهزها اللّحَاق بدولة الإمارات العربية المتحدة، فيجب أن تأخذَ الثمنَ في المقابل، ولا بُدَّ أن يكون ثمناً غالياً»، ليوضح أن السعودية «وضعت ثمنَ إتمام السلام بين إسرائيل والعرب، هو قيام دولة فلسطينية ذات سيادة وعاصمتها القدس، بِناءً على مبادرة المرحوم الملك عبد الله بن عبد العزيز. ولرُبَّ غدٍ لِناظرِهِ قريبٌ».
بايدن متحمّس لـ«السلام»
رحّب مرشّح الحزب الديموقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن، ونائبته كامالا هاريس، بخطوة كلّ من البحرين والإمارات في اتجاه تطبيع علاقاتهما مع إسرائيل. وقالا إن من الأمور الجيّدة أن نرى دولاً أخرى في الشرق الأوسط تعترف بإسرائيل وتُرحّب بها كشريك. وفي إعلان منشور على الموقع الرسمي لحملتهما الانتخابية، أكّد بايدن وهاريس أنه في حالة انتخابهما في تشرين الثاني/ نوفمبر، فإن إدارتهما ستبني على هذه الخطوات لضمّ مزيد من الدول إلى المسار الذي افتتحه الرئيس دونالد ترامب، كما ستعمل على تعزيز هذه العلاقات وتطويرها، تحت عنوان «حلّ الدولتين»، وتالياً «منطقة أكثر استقراراً وسلاماً».
الأخبار
إضافة تعليق جديد