وفر ضبط تهريب البنزين يزيد الرواتب 18% فهل تفعلها الحكومة؟
اللافت في كلام رئيس الحكومة خلال اجتماعه مع إعلاميين يمثلون جهات إعلامية في القطاع الخاص هو الرقم الذي يستنتج عن كمية مادة البنزين التي تم توفيرها بعد تطبيق البطاقة الذكية والتي تقدر بنحو 1.5 مليون ليتر يومياً، وهي الكمية التي يتم تهريبها، وتبلغ نسبتها 18% من كتلة الرواتب السنوية في الموازنة العامة للدولة (2019) حيث بلغت نحو 676 مليار ليرة سورية، والسؤال هنا: هل تفعلها الحكومة وتزيد الرواتب بنسبة 18% الناجمة عن ضبط التهريب بمادة واحدة فقط؟
هنا يستوقفنا عدد المستفيدين من زيادة كهذه على الرواتب، الذين لا يتعدون 1.8 مليون مواطن (بحسب تصريح وزير المالية بتاريخ 4/2/2018)، وبفرض أن كل موظف يعيل 3 أشخاص فيعني أن المستفيدين بشكل أو بآخر من أي زيادة في الرواتب لا يتعدى 5.4 ملايين مواطن، فماذا عن بقية أفراد الشعب؟ الإجابة عن هذا السؤال يجب أن تكون محل دراسة راسمي إستراتيجية الحكومة للفترة المقبلة.
من جهة أخرى، وللوقوف على حجم الخسارة التي سببها تهريب مادة البنزين فقط، فإن إجراء عملية حسابية بسيطة لقيمة الفاقد من المادة يبين أنها تبلغ 337.5 مليون ليرة سورية يومياً، وفق السعر الرسمي المدعوم لليتر والبالغ 225 ل. س (سنوياً نحو 121.5 مليار ليرة سورية)، أي إن الاقتصاد السوري يخسر يومياً نحو 675 مليون ليرة (سنوياً نحو 243 مليار ليرة سورية) في حال تم حساب ليتر البنزين وفق السعر العالمي، ومن ثم فإن قيمة الدعم التي تدفعها الحكومة وتذهب هباءً منثوراً تقدر بنحو 121.5 مليار ليرة سورية سنوياً.وفي حال قمنا بالعودة إلى السنوات العشر الماضية وحساب الفاقد جراء تهريب أو «ضياع» البنزين فإننا نكتشف حجم المصيبة كاملةً ولاسيما أن سعر ليتر البنزين لم يرفع إلى 225 ل.س حتى تاريخ 16/1/2016، فيما كان قبل ذلك أقل بكثير على مدى السنوات السابقة.
وبالعودة لأرقام موازنة العام 2019 نجد أن تكلفة دعم المشتقات النفطية تبلغ نحو 430 مليار ليرة سورية، وهذا يعني أن نسبة 28% من قيمة الدعم ضمن موازنة العام 2019 لا يستفيد منها المجتمع السوري ولا يصل إلى مستحقيه، بل يتم تهريبه أو المتاجرة به لمصلحة فئة قليلة جداً، أي إن نحو ثلث قيمة دعم المشتقات النفطية يضيع جراء هدر الموارد والفساد من دون أن يصل إلى مستحقيه.
في هذا الصدد، نشير إلى أن إصدار القرار الناظم ببيع المشتقات النفطية بموجب البطاقة الذكية أثار الكثير من ردود الفعل بين ممتعض وصامت، فضجت وسائل التواصل الاجتماعي بآراء الشارع حول ذلك، فمنهم من اعتبرها خطوةً فاشلة، ومنهم من اعتبرها ليست في وقتها، الجديد في القصة هو ما صدر عبر وسائل التواصل الاجتماعي عن قرب رفع الدعم عن مادة البنزين فوق حدّ معين يسمح ببيعه لكل سيارة خاصة، هذه المعلومات أكدها رئيس الحكومة خلال اجتماعه مع وسائل الإعلام أمس الأول، حيث اعتبر أن دراسات الحكومة توصلت إلى أن احتياجات السيارة من فئة 1600 CC الشهري لا يتجاوز 120 ليتراً، وهذه الاحتياجات سوف تستمر الحكومة بدعمها، وما يزيد عليها فسيتم بيعه بسعر التكلفة، وهذا يعني رفع الدعم عنه جزئياً أو كلياً، من دون أن يصدر قرار في ذلك حتى تاريخه.
بناءً على ذلك، فإن المساعي الخاصة بإيصال الدعم لمستحقيه من خلال ما يتم طرحه حالياً حول مادة البنزين، يستوجب قرارات أخرى تسهم في دعم المواطن، فالكتلة النقدية التي سوف تتوافر جراء رفع الدعم عن الكميات التي تفوق 120 ليتراً شهرياً لكل سيارة خاصة يجب أن تحول لزيادة في رواتب وأجور الموظفين مثلاً، وأن دعم الإنتاج عوضاً عن زيادة الرواتب هو الأفضل اقتصادياً ولكن لا يخفى على أحد ضعف وشح الراتب ومدلولاته السلبية على الاقتصاد ككل وعلى مستويات الفقر بالبلد، فلا ضير في تحويل وفر العام 2019 إلى زيادة في الرواتب والأجور، علماً بأن أغلبية أصحاب السيارات الخاصة فئة 1600 CC لن يتأثروا مطلقاً من القرار في حال صدوره، ولكن غياب الشرح للرأي العام يجرد أي قرار من مضمونه، أما فيما يخص السيارات العامة فإن ما رشح من معلومات سوف يجعل المواطن يرزح تحت احتكار من نوع آخر.
الوطن
إضافة تعليق جديد