هل لدينا استراتيجية ثقافية سورية؟
أينما ذهبنا وتوجهنا نسمع من يتحدث عن أزمة في الحراك الثقافي بل وصل الأمر الى حدّ الادعاء أننا نعيش حالة خواء , فلا القضايا الكبرى عادت تشغلنا, وليس ثمة هموم وآمال وطموحات مستقبلية في هذا المجال تشدّنا وتحفز هممنا وفي تفسير ذلك ثمة مَنْ يرى أننا نحن الذين نصنع ذلك بكل ثقة لأننا سطحنا ثقافتنا,
وآثرنا الهامشي على الأصيل وامتطينا موجة التزييف والتطبيل لكل جذاب بّراق دون أن يحمل معنى, يضاف الى ذلك غياب التخطيط الحقيقي سواء كان من قبل المؤسسات الثقافية الحكومية أو الأهلية العاملة في هذا المجال... وثالث الأسباب : نريد قطف الثمار قبل الزرع, وكل واحد منا يسأل ما الذي سأحصده قبل أن يفكر بالحرث والزرع وعلى الأقل انتظار أول المواسم, كلنا في عجلة من أمرنا, شاعر يكتب قصيدة واحدة ويضع نفسه مكان أمير الشعراء, وروائي سمع حكاية من جدته ونقلها بأسلوب أكثر ركاكة يريد أن تعد عن روايته رسائل دكتوراه, ونقاد يبحثون في سجلات الأحوال المدنية عن مطلقات ستدفع بهن الأيام الى سوق الأدب , و... قضايا كثيرة تثار وتطرح وكأنها قشة في مهب الريح... هل ثقافتنا بخير... هل لدينا ملامح استراتيجية ثقافية
أو على الأقل: ما أساليب ممانعتنا الثقافية..؟ كيف تنظر شريحة واسعة من مثقفينا الى هذه القضية... نأمل أن يثير هذا الاستطلاع حراكاً مع الاعتقاد المسبق أنه لا حياة لمن تنادي...
سهيل زكار : الدكتور سهيل زكار عبّر عن رأيه بشفافية تامة بأنه لا توجد لدينا استراتيجية ثقافية في سورية, صحيح لدينا وسائل إعلامية متعددة ومتنوعة لكن لم نلحظ أي خطة ثقافية استراتيجية من خلالها مهما كان نوعها من أهداف غير أهداف أو خطط قصيرة أو متوسطة أو بعيدة المدى, وحتى الآن الاهتمام بالشؤون الثقافية لم يتعد الكلام, والخطة الإعلامية للاستهلاك تشكل عبئاً كبيراً عن هذا الواقع في ظل صراع الحضارات من أجل البقاء ونأمل في يوم من الأيام على مستوى الجامعات والوزارات وعلى مستوى المؤسسات المدنية والأهلية حتى وإن كانت مؤسسات صناعية أو تجارية ان تدعم الثقافة في إطار استراتيجية واضحة ومحددة, فهذا الانعدام سيؤدي الى نوع من أنواع الثقافات الطفيلية أو الفوضوية ويحدث ضرراً كبيراً على مسألة استهلاك الكتاب والقراءة التي أصبحت ضعيفة ليس في سورية وحسب وإنما في أرجاء الوطن العربي كافة.
زبير سلطان :زبير سلطان, مدير ثقافة دير الزور سابقاً وعضو اتحاد الكتاب العرب يقول: لدينا استراتيجية لها خطوطها العامة.. فلو عدنا الى دستور الحزب يقول أن بناء ثقافة علمية منفتحة على التجارب الانسانية تبدأ بخلق انسان مثقف واعٍ مستنير يقوم على قاعدة ثقافية قومية بسبب المشروع القومي. لذلك يبدأ ببناء كل منظماته الشعبية بمؤسساته التربوية والثقافية حول هذا الخط العام, خط بناء المشروع النهضوي العربي الذي يبني انساناً عربياً وبناء وحدة وطنية في مواجهة الصراع العربي الصهيوني وبناء حضارة انسانية جديدة متجددة منفتحة على الآخرين وثقافة ولكن ضمن أسس, من هنا يأتي حجب الثقافات التي تهدد الثقافة الاستهلاكية أو المدمرة لعقول الشباب, هنا تبدأ حالة منع الرقابة. لكن هذه الاستراتيجية تبدأ ببعض الآليات الضعيفة غيرالقادرة, مثلاً مؤسساتنا الثقافية, من يديرها غير مثقف أو غير مهتم بالعملية الثقافية بقدر ما هو مهتم بالعمل الاداري. ومن هنا تبدأ عملية الضعف, قد نولي مثلاً بعض الدوريات فيها من يهتم بالثقافة ولكن ليس بدورها الشمولي ويؤدي ذلك الى ضعف في تنفيذ الاستراتيجية منظماتنا الشعبية معظمها تتغيب عن دورها الثقافي رغم أن جانبها الثقافي مهم.
نضال زغبور: توضع الاستراتيجيات عادة للايديولوجيات والسياسات الكبيرة وهذه من اختصاص دول وحكومات وأعتقد أن هذا السؤال يطرح على كبار الشخصيات العاملة في هذا المجال أو وزارة الثقافة -وزارة الاعلام-وزارة التعليم العالي-وزارة التربية لكن من باب أولى كإعلاميين أن نقول : إنه لا يوجد استراتيجية محددة فيما يتعلق بمجال الثقافة وتوابعها إلا أن هناك حراكاً ثقافياً يتصاحب مع الحراك السياسي والاقتصادي وقد يطغى واحد على الآخر.
الاستراتيجية الثقافية توضع أثناء الأزمات لكن ما المقصود بالاستراتيجية الثقافية؟ هل لدى أميركا وأوروبا بمختلف أطيافها استراتيجية ثقافية؟ أم أنها مرتبطة بحملة توعوية تترافق مع نشاط أو تحرك تريد الحكومة أن تقوم فيه أو القيادة السياسية وتريد أن تنشر معه وعياً معيناً أو فكراً معيناً أو رسالة معينة هنا يكون الموضوع مرتبطاً فقط بالأزمات الداخلية أو الخارجية وأعتقد أن هناك تداخلاً كبيراً في هذه الحالة فعندما تتعرض البلاد لأي خطر داهم داخلي أو خارجي تلقي بظلالها على نوعية المحاضرات والندوات لكن هل هذه الأنشطة التي تحدث في المراكز الثقافية والملتقيات هي استراتيجيات ثقافية, إنها اجتهادات شخصية نابعة من حرص كثير من المواطنين العاملين في الشأن الثقافي والفكري لأن يتابعوا ويواكبوا لكن الحكم على النجاح في هذا الموضوع صعب ولكن كيف يسلط الاعلام الضوء على هذه النشاطات ويسوقها بشكل أو بآخر هنا باعتقادي الموضوع الأهم.
فنحن لا نملك استراتيجية ثقافية أما من يتحمل المسؤولية فالجميع يتحملها ونحن دائماً نحمل الحكومة والوزارات والمؤسسات المعنية هذا الجانب فالموضوع أن الجميع لديه مسؤولية كل حسب طاقاته وإمكاناته.
هناك نقطة أخرى أن العاملين في المجال الثقافي وليس المثقفين هم اتكاليون (لم يدعوني أحد-لم يخبرني أحد) المفروض أن يبذلوا جهداً والسعي لمادة معينة, وهناك نقطة أساسية هل أنت قيم ووصي على آراء الآخرين؟ هل غربالك هو غربال منطقي ومعقول بحيث أنك توصّف الأمور كما هي أم تبالغ في جانب وتغفل جانباً لأنه لم يعجبك؟
فالشأن الثقافي لا يوجد فيه ما يعجبني أو ما لا يعجبني فهو إطلالته على عقل وفكر مجموعة من الناس من كل الشرائح فليس بالضرورة أن يجيب أي حوار فكري على كل التساؤلات بقدر ما هو يعمل على تحفيز وتحريض المخزون المعرفي والفكري لدى المتلقي فالمسؤولية جماعية.
سهام ترجمان : برأيي الفكر والإبداع لا يخضعان لاستراتيجية والسؤال من اساسه خطأ فالاستراتيجية توضع للامور المادية او للبترول او للزراعة او للصناعة إلا الفكر والادب والابداع فالابداع هو خلق ذاتي على سبيل المثال البعثات خارج سورية يلزمها تخطيط وبعد تعليم الطالب . الطب او الادب يذهب الى الغرب ليتخصص ويحصل الكثيرون على شهادات عالية وكل هذا يحتاج الى تخطيط من الدولة يخضع لاستراتيجية هو حالة فردية ولكنه في نهاية المطاف الابداع يظهر في عدد قليل من هؤلاء الخريجين وبالتالي فإن أحد عناصر الابداع هو الفقر والمعاناة الروحية والحرمان سواء كان عاطفيا أم ماديا .
والآن تغير الامر فاصبح الابداع يحتاج لدفء ولمكان يضمه وتوفير مستلزمات الابداع.
وعلى سبيل المثال . الدكتور احمد جويل درس في جامعات مصر وسافر الى امريكا مع كثيرين غيره لكنه هو وحده تفوق وحاز على جائزة نوبل. وتفوق حتى على اساتذته .
وايضا في مصر الكثير الكثير من الادباء لكن نجيب محفوظ وحده نال جائزة نوبل لماذا؟.. لان نجيب محفوظ لم يضع له احد استراتيجية ليصبح روائيا كبيرا حياته هي الاستراتيجية عندما دخل الحارة الشعبية في مصر وعاش حياتها بعمق ودرس فيها فظهر للعالم انه مبدع .
وفي الموسيقا لدينا ايضا في سورية غزوان زركلي هو من طلاب المعهد الموسيقي وهو الوحيد المبدع من بين طلاب المعهد وعندما يعزف على البيانو في مسارح دمشق لا يمكن وصف حالة الجمهور لشدة الانسجام والانفعال والتصفيق وكأن عروق يده هي اوتار البيانو اي ان اعصابه تصبح متحدة مع اوتار البيانو ويحلق بنا الى عوالم خارج المكان .. هذا هو الابداع.
علي العائدي : على صعيد الثقافة في سورية هناك مؤسسات ترعى هذه الاستراتيجيات بالنسبة للثقافة فهي ثقافة انسانية تشمل مجموعة من الثقافات فهي ليست ملكاً لفئة او شعب دون آخر.
بالنسبة لمكتبة الاسد الوطنية كاستراتيجية هي عبارة عن منهج عمل وخطة وتعتبر كمكتبة وطنية حاضنة لنتاج الفكر الانساني عبر الاجيال المتلاحقة ويعتبر هذا الكنز مصدراً او خزاناً للثقافة بكل اطيافها وهناك استراتيجية ثقافية واضحة تماما من خلال نجاح هذه المؤسسة في تطبيق اهدافها وبالنسبة للملامح الاساسية لهذا العمل المكتبة استطاعت منذ افتتاحها وحتى الآن ان تقدم الخدمة للباحثين بشكل عام والتي تسهم في عملية تطوير الحصول على المعلومة وتقوم بزيادة الروابط الثقافية بين المكتبة الوطنية ومختلف المكتبات الوطنية في العالم وتوفر آخر نتاج فكر انساني من خلال الانشطة .
هذا من ناحية ومن ناحية اخرى تقوم المكتبة بنشاط ثقافي على مدار العام في قاعة المحاضرات تلامس الثقافة المجتمع الآن من خلال استضافة متخصصين لاقامة ندوات في هذا الموضوع بالاضافة الى نجاح معرض الكتاب الدولي كتظاهرة ثقافية تعطي مؤشراً ومن ضمن الملامح ازدياد عدد الباحثين الذين يرتادون المكتبة من داخل وخارج سورية ضمن هذا العمل تسعى المكتبة لتطوير نظم المعلومات كي تسهم اكثر في وصول المعلومة الى الباحث مستفيدة من التطور المعلوماتي والتقني في هذا الموضوع .
عيسى فتوح: لا يوجد لدينا استراتيجية ثقافية مع الأسف فكل جهة ثقافية تكاد تكون جزيرة مستقلة بكل شؤونها الثقافية وحبذا لو تضع هذه الجهات استراتيجية للتنسيق فيما بينها ولتتعاون لخدمة الثقافة في هذا البلد ولدعم الكتاب ولتنسيق كل ما يطبع أو ينشر حتى لا يكون هنالك تعارض فيما بينها حتى أن المحاضرات التي تلقى في المراكز الثقافية كثيراً ما يكون تعارض في مواعيدها فلا يعرف المواطن الى أين يذهب..!
نأمل أن يكون هناك تلاقٍ بين الوزارات والمؤسسات وان يكون هناك تنسيق بينها خدمة للأدباء والكتاب الذين يعيشون في عزلة وفي تهميش الى حد ما.
والمسؤول عن الوزارات والمعنيون واتحاد الكتاب لوضع هذه الخطة لسنة أو لعدة سنوات.
محمود فاخوري : ان الحديث عن الثقافة وازمتها واستراتيجيتها هو حديث ذو شجون ولا يزال يتردد في مختلف الاوساط الثقافية في سورية ويدل على ان هذه الازمة تكاد تكون مستعصية الحل في ايامنا هذه على الرغم من تطور وسائل الاعلام المختلفة وتقدم الطباعة وكثرة ما يطبع لمختلف الاعمار والاجيال وتيسير وسائل الثقافة المدرسية والجامعية والعامة بمختلف وسائل التقنية الحديثة.
لكننا لا نرى تناسبا طرديا بين ذلك كله, وبين ما نعانيه من اضطراب وتخلخل في بناء الثقافة وفي معرفة مدى ما تتطلبه من وضع استراتيجية واضحة مدروسة ومستمرة.
آية ذلك- على الاقل-مانجده في المسابقات الثقافية التي تجرى عن طريق مختلف وسائل الاعلام اذ نسمع ونرى ما يطرح من اسئلة في تلك المسابقات وعدم معرفة اجوبتها على الرغم من ايجاد فرص للاختيار أو الاستعانة بالجمهور والافراد الآخرين ومثل ذلك كثير .
وهذا خلاف ما كان عليه جيلنا على الاقل من اقبال على القراءة والمطالعة والتثقف برغم قلة الوسائل والفرص المتاحة وكان التنافس على اشده فيمن يحوز قصب السبق في حيازة كتاب جديد شراء او استئجارا.
وكان لمكتبة الصف اثر كبير في تثقيف الطلاب الى جانب مكتبة المدرسة والمكتبة الوطنية حيث يكثر الاقبال على ذلك كله عن طواعية ورغبة ذاتية او بطريق العدوى دون ان يكون هناك استراتيجية او استراتيجيات توجه الطلاب والجمهور الى ذلك .
وفي عصرنا هذا نجد في سورية ما يدل على وضع استراتيجيات مدروسة في بعض المؤسسات الثقافية من رسمية وغير رسمية كالسلاسل التي تصدر عن بعض دور النشر او عن وزارتي الاعلام والثقافة او اتحاد الكتاب العرب سواء أكان ذلك فيما يصدر من مجلات وصحف او فيما يطبع من كتب .
د.علي القيم : الثقافة بشكل عام شمولية واسعة وسع المدى لها علاقة بالانسان وتاريخه وحضارته وفنونه وفكره وفلسفته وبالتالي لا يمكن تأطيرها في قانون او في كتاب او دراسة او في خطة ولكن بشكل عام هناك رؤى وآفاق مستقبلية يمكن ان يستفاد منها والعمل على تنفيذها مثل تطوير العمل في الكشف عن آثارنا وعرضها وتقديمها والاستفادة منها في دراسة التاريخ والفنون واقامة المعارض الاثرية المتجولة في سورية والعالم للتعريف بالمكنوز الحضاري والثقافي في سورية. فعندما نضع خطة منهجية وزمنية لترميم عشرات المواقع والاوابد او للكشف عن الآثار الكامنة في مئات المواقع الاثرية الممتدة في العمق الزمني الى آلاف السنين فمعنى ذلك اننا وضعنا استراتيجية وخطة عمل وهذا ينطبق على المؤسسة العامة للسينما عندما تضع في خطتها 20 فيلما وثائقيا و18 فيلماً سينمائياً او مديرية المسارح والموسيقا عندما تضع خطة لانتاج واخراج 15-20 مسرحية تعرض على مدار العام وتشارك في المهرجانات والاسابيع الثقافية التي تقيمها الوزارة والهيئة العامة لدار الاسد للثقافة الفنون وعندما تضع خطة مبرمجة لتقديم عروض موسيقية على مدار العام هذا يعني ان لديها خطة وامثلة كثيرة عن ذلك ...الخ والوزارة عندما تقوم بتنظيم عشرات الندوات والمؤتمرات والملتقيات الثقافية والفكرية والفنية في دمشق والمحافظات السورية هذا يعني ان لديها خطة تقوم بتنفيذها .
والمراكز الثقافية كذلك الامر , معنى هذا ان هناك خطة قد تكون غير كافية وشاملة لكنها في المدى القريب والبعيد تشكل اطار عمل وآفاقاً باستشراف العمل الثقافي الذي يهدف الى بناء الانسان وتأكيد الهوية العربية وتأصيل التراث.
د. حسين جمعة: نستطيع أن نتمثل الأنشطة الثقافية المختلفة الممتدة على ساحة القطر العربي السوري وهي أنشطة ثقافية متنوعة منها ما يتعلق بالمحاضرات أو الأمسيات أو نشر الكتب, كلها يمكن أن تشكل حالة ثقافية وهذه ليست مرتبطة بالكلمة فحسب وإنما مرتبطة بالمسرح والفن والموسيقا ومؤسسات وهيئات مثل دارالأسد للثقافة على سبيل المثال مديرية المسارح ووزارة الاعلام ونحن في اتحاد الكتاب العرب نقوم بنشاط نوعي, إذاً أنا أستطيع أن أقول إن كل مؤسسة تضع خطة لنفسها وهذا فيما أظنه قائماً في كل مؤسسة من مؤسسات القطر لأن هناك لا مركزية واحدة في العمل وهذا من أسس المؤسسة الثقافية لكنها تنسجم ضمن إطار خدمة الوطن وقضاياه وقضايا الأمة وهمومها. إذا نحن لا نسير هكذا.
حسن .م. يوسف: هذا السؤال ينطوي على مفهومين معقدين يفتقران للوضوح في اذهاننا هما الاستراتيجية والثقافة لذا أسمح لنفسي قبل الدخول في الاجابة ان اذكر الاخوة القراء بأبسط تعريفين لهذين المفهومين .
الاستراتيجية حسب قاموس اوكسفورد: هي خطة تفصيلية مرسومة بمهارة لتحقيق النجاح سواء في مجال الحرب ا و السياسة او الاعمال او الصناعة او الرياضة. اما الثقافة حسب تعريف القاموس نفسه فهي: طريقة حياة مجموعة بشرية ما خاصة عاداتها العامة ومعتقداتها في فترة محددة من الزمن.
واذا دققنا في هذين التعريفين سنجد ان في السؤال المطروح شيئا من الالتباس فالسؤال يضعنا امام مفهوم مركب جديد لا يقل التباسا في أذهاننا عن مفهومي الثقافة والاستراتيجية.
في ضوء ما سبق اعتقد انه من غير الممكن وضع (خطة تفصيلية مرسومة بمهارة ل طريقة حياة اية مجموعة بشرية) فالحياة اكثر تعقيدا ومرونة من ان تعاش وفق خطة مرسومة مسبقاً!.
اما التخطيط لانتاج وتسويق الاعمال الثقافية والفنية في بلدنا فهو امر آخر وهو شبه غائب عنا والقليل الناجح منه, جله من نتاج مبادرات الافراد.
مجيب السوسي: لا بد من وضع برنامج عمل يرتكز على آلية مفيدة تفرضها طبيعة الحال والمراكز الثقافية في المحافظات هي بوابات واسعة لحوار الفكر ولطرح الثقافة بكل وجودها المنفتحة خصوصا واننا نعيش في مرحلة العولمة ومحاولات الاختراق الثقافي من الثقافات المضادة التي تنوي احداث القطيعة مع تراثنا وتاريخنا ومن ثم الدخول في عروق ونبض اجيالنا لحرفها عن مسارها الاخلاقي وبهدف تغيير سلوك المنظومة الاجتماعية وبالتالي الثقافية.
إن ثقافتنا تنبع بالاساس وبتدرج هرمي من اخلاقيات المجتمع بدءاً من الجاهلية ومرورا بصدر الاسلام وليس انتهاء بعصرنا الحاضر انها ديمومة قائمة على معايير اخلاقية وحضارية ومن هنا يمكننا التصدي لما يسمى بالغزو الثقافي الذي تتفرد به مخططات الولايات المتحدة والعدو الصهيوني كل الامم تحاول ان تجعل من ثقافتها موضع قوة وهيمنة وكأننا نحن العرب في موقف الدريئة والمقاومة التي ينبغي ان تقبل ما يتناسب مع سلوكنا الثقافي والحضاري وتطرح او تنفي ما لا يتلاءم مع طبيعتنا وحضارتنا , ويجب ان نحافظ على هويتنا الثقافية من خلال مفكرينا ومثقفينا عبر هذه المنافذ الثقافية والمراكز المنتشرة في قطرنا بهدف نشر الوعي ودحر الجهل والامية وتعميق الفكر القومي في منظومة المجتمع .
هناك مسألة ربما تكون عائقا في مساحة الدور الذي تأخذه المراكز الثقافية فهناك تشابك اداري وفني ومالي بين وزارة الادارة المحلية التي تقوم فعليا في الاشراف على هذه المراكز في المحافظات بموجب المرسوم ذي الرقم 9722 تاريخ 28/9/1971 القاضي بتطبيق اللائحة التنفيذية لقانون الادارة المحلية الصادر بالمرسوم رقم 15 لعام 1971 تطمح وزارة الثقافة الى حل هذا التشابك وهذه الثنائية لتمكن وزارة الثقافة ومديرياتها من اداء دورها واشرافها الكامل ورقابته المنضبطة على المراكز الثقافية بشكل سليم .
بامكاننا القول : ان المراكز الثقافية اجهزة محلية تتبع ا لى المكاتب التنفيذية لمجالس المدن بمعنى ان ملاكاتها تشكل جزءا من ملاكات المدن وكذلك موازناتها
اسكندر نعمة: من خلال ممارساتي الثقافية واطلاعي على المشهد الثقافي منذ ثلاثة عقود متتالية أرى أننا لا نملك توجهاً ثقافياً أو خطة ثقافية واضحة الملامح وإن وجدت فهي خطة باهتة الإطار ومشوشة / مؤكداً أن ذلك لا يأتي من العدم فالمشهد الثقافي المكتمل والناضج يقتضي توافر أسباب ومؤسسات بعينها ومن هنا فإنني أحمّل وزارة الثقافة بكل مؤسساتها واتحاد الكتاب العرب مسؤولية هذا الفراغ الثقافي.
قد يبدو كل من الوزارة والاتحاد في نشاط ثقافي يضج بالحركة ولكن هذا النشاط تنقصه البرمجة والولوج في محن الحياة الثقافية ومنابعها لا الاكتفاء بمظاهر تبدو براقة, اناشد كل المؤسسات الثقافية بما فيها وزارة الإعلام أن تولي هذا الجانب عناية أكيدة ويخرج من هذا التقوقع الثقافي الى إطار أكثر انفراجاً وعطاءً.
إذا كانت استراتيجية الثقافة تعني العمل على تأكيد حضور الأمة ونشر ما تمتلكه من إرث متفاعلة مع بقية الحضارات ولها دورها في تربية الأجيال والحفاظ على التقاليد والقيم ومواجهة الغزو متحدية بأصالتها ما هو مزيف أو سطحي فعلينا أن ندقق موضوعياً بتلك الاستراتيجية .. ونفتش عن أسباب تراجعها .. قديماً كان الكتاب خير جليس .. أما اليوم فقد تحول لعدو فاقد السطوة وقد جيرنا ذلك لوسائل الاعلام المرئية التي حلت علينا ودخلت بيوتنا وهي أساساً لاتحمل الفكر وتساهم بشل العقل واستبدال التفكير بالبصر فقط . ثمة أسئلة يمكن طرحها .. لماذا غاب المسرح والسينما وبقية الفنون من حياتنا .. , وهل يجوز تقبل فكرة الهروب إلى الشاشة الصغيرة بعمرها القصير .. متجاهلين أعرق ما عرفته البشرية أيمكن أن نكتفي بضجة إعلامية نسخرها كل عام لانتاج فيلم سينمائي واحد عن المؤسسة العامة وفي العالم تتسابق الشركات الكبرى في إبراز تقنياتها وأفلامها .. ويزداد جمهورها .. ونحن هنا نجتر فكرة أن الشاشة ابتلعت كل شيء
... إذا نظرنا لهذا الكم الهائل من الكتابات التي تصدر من الأدب والشعر والقصة والرواية وغياب النقد الجاد .. واختلاط الخيول الأصيلة بالبغال والرث بالثمين والفوضى بالإبداع .. أقيمت المراكز الثقافية في معظم القرى والمدن وزودت بما هو مطلوب لنشر الثقافة .. والسؤال ما دور الأبنية في نشر الثقافة الجماهيرية إن افتقدت للبشر
لنعيد النظر بما نفعل ونعمل على ترسيخ جذور الثقافة وفسح المجال للألق العقلي الذي يدفع صوب العمق .. وليس إلى السطح ونؤكد على الوطن والعلم وتراث الأمة والدفاع عنه .. ونسترجع ذاكرة ضمرت لقلة استعمالها .
مظهر الحجي : الثقافة في بلدنا اليوم اشبه بسوق شعبي يعرض بضائع ملونة تعلو فيه اصوات الباعة بتداخل وضجيج عجيبين ما يصيب الداخل الى هذا السوق بالصمم. لقد اختلط الحابل بالنابل على الساحة الثقافية والكل يروج لأفكاره مستندا الى مرجعيته الفكرية بكثير من التشنج والحدة وان نظرة سريعة الى الفضائيات العربية تثبت صحة ما نذهب اليه ,ان هذه الاصوات الثقافية المتوافقة حينا والمتنافرة في الاغلب الاعم تنتج مثقفا هشا غير محصن وغير قادر على مواجهة الثقافات الاخرى او ثقافة العولمة.
اوضح د. علي سليمان رئيس قسم الرسم والتصوير في كلية الفنون الجميلة سابقا انه للاسف لا يوجد لدينا استراتيجية ثقافية والسبب وجود شللية بكل معنى الكلمة أي ( عصابة) وهذه العصابة عددها قليل لكن استطاعت ان تأخذ خيرات كل الساحة الثقافية, وسيطرت على السوق الفنية الرسمية والخاصة بالاضافة الى انها امتصت الرعاية الكريمة التي تقوم بها سورية في دعم الثقافة وحمايتها فالنوايا الطيبة لأصحاب القرار جعلت هؤلاء يتغلغلون بأسلوب سيئ لامتصاص هذه الخيرات وتحويل الخطط الممتازة التي تقوم بها الدولة لصالحهم فقط .
ما الحل برأيك؟
هو اعادة النظر في اصحاب القرارات في المؤسسات الثقافية ومراقبتهم واود ان اشير ان هناك تهريبا مقصودا لبعض الاعمال الفنية والهدف هو ابعاد اسماء والابقاء على اسماء معينة تعبث في الساحة التشكيلية بالاضافة الى ان لجان التحكيم لا تتغير واذا تغيرت فانهم يتبادلون عليها اثنان من نفس الشلة وهذا لن يجعل لدينا استراتيجية ثقافية في سورية .
محمود نقشو : لا اعتقد ان هناك استراتيجية ثقافية في القطر او لدى العرب عموما لكن هناك محاولات غير منتظمة تتباعد وتتقارب زمنيا يؤثر فيها وجود وزير له باع في الثقافة او وجود مدير ( ابن مصلحة) في اوقات متباعدة ينتظم اثناءها عمل مديريات كالمسارح والموسيقا او ترتيب جائزة تقديرية بحاجة هي الاخرى الى وضع دفتر شروط عامة وخاصة واعتقد ان مهرجان السينما الحالي يكاد يقترب من مثالنا كحد ادنى,الاستراتيجية الثقافية بحاجة الى بنود عدة كي تكون واقعا لا شعارا وفي مقدمتها وجود صاحب المشروع الثقافي كشخص وكمؤسسة ويليها انتظام واحترام ازمنة واماكن وشخصيات المشروع المراد ايلاؤه الاهمية المطلوبة والنهوض بهذا المشروع الثقافي الكبير في المجالات كافة.
ودور المجتمع هو الابرز فالحراك الاجتماعي اساس الحراك الثقافي ولا اعتقد ان مجتمعنا ووفق الشروط المحيطة ببلدنا وما يتهدده من مخاطر شتى لا اعتقد ان استراتيجية منشودة هي في طريقها الينا . اننا نعول على القادة الثقافيين لاعادة المشروع المرتجى الى سياقه التاريخي واعادة الشروط الموضوعية المساعدة كثيرا على نجاحه ومنها محاربة الفساد الثقافي الشائع في العالم اليوم وهذه نقطة البداية على ما اعتقد.
جهاد نعيسه : أقول وأنا كأحد ممارسي العملية الثقافية في قطاع التدريس الجامعي وقطاع الكتابة البحثية والنقدية في قضية الادب اقول : ان لدي من الشجون ما يكفي لكي اتفاءل بعدها عن وجود استراتيجية او ان الاستراتيجية الثقافية في حالة المد والجزر بحيث تبدو لوهلة وكأن هناك افقا لاستيعاب القضايا الملحة اجرائيا وفكريا لدى المثقفين في كل القطاعات وتبدو في فترة اخرى ان الاستراتيجية قد حجمت بل ادخلت في حالة السكون والسبات بحيث يبدو ان من دفع للكتابة للعطاء المنهجي الجيد يبدو عليه ان يتوقف او يعرفه بخطئه لانه لم يفهم بصيغة المد والجزر في هذه الاستراتيجية اقول : إن وعي المرحلة المعيشية واعبائها على المستويات كافة يقتضي استراتيجية ثقافية قائمة على الانفتاح والوعي وعلى استيعاب التعدد اللوني والطيفي لدى المثقفين السوريين على اختلاف مشاريعهم وتوجهاتهم واتاحة الفرص لاعطاء كل مثقف ومن موقعه ما يستطيعه للحراك .
والدعوة حارة لانفتاح الجميع وهذه المرحلة وجملة اشكالاتها تعني الجميع وتمس الجميع.
ومن هنا آمل و أتوخى استراتيجية ثقافية من الجهات المعنية تضع نصب اعينها ان تتفتح في بستان هذا الوطن كل وروده الخيرة.
-أثار السؤال المطروح:(هل لدينا استراتيجية ثقافية) شجونا وحرّك شيئا ما,كلّ يريد أن يقول ما لديه,تتنوع الإجابات بتنوع المشارب والتوجهات,مسؤولو العمل الثقافي أو لنقل المؤسسات الثقافية تحدثوا عن طموحات ربما كانت أوهاما وأشار آخرون إلى افتقاد لمثل هذه الاستراتيجية مع الاشارة إلى أنّ الثقافات ليست وليدة خطط استراتيجية,بل هل هي إنجاز حضاري ومعرفي وتحولت الى نسق أعلى..وعلى هذا الأساس يمكن القول:إننا نعيش على هامش الحراك الثقافي والفعل الثقافي الحقيقي,وهذه حقيقة يعيشها أبناء الوطن العربي,فالثقافة العربية كما المجتمع الذي تمثله غدت الآن استهلاكية,زائفة,لا تملك عمقا حقيقيا,لا التراث الذاخر الذي نعيش أمجاده ونتغنى به,ولا المؤسسات الضخمة بناء بقادرة على الاستمرار بكونها رافعة للتباهي الثقافي,مالم نلمس خطوات حقيقية على أرض الواقع ومن قبل الجهات المعنية كافة للبدء بحراك ثقافي فاعل ومتفاعل خلاّق,يعترف بالآخر ولا يلغيه,يتواصل مع الإنجازات الثقافية في العالم كلّه لا ينغلق ولا يمحق,بل يأخذ ويضيف,وللوصول إلى هذه الحالة نسأل المعنيين بالشأن الثقافي السؤال نفسه: هل ثقافتنا بخير..؟ وماذا في جعبتكم من جديد.؟
تماضر إبراهيم- مانيا معروف- لما المسالمة
المصدر: الثورة
إضافة تعليق جديد