لواء «عاصفة الشمال».. الحكاية الكاملة

20-08-2013

لواء «عاصفة الشمال».. الحكاية الكاملة

بعد مرور أكثر من عام على اختطافهم، عادت قضية المخطوفين اللبنانيين في أعزاز إلى الواجهة مجدداً، إثر اختطاف الطيارين التركيين في لبنان، الأمر الذي اعتُبر وسيلة ضغط على الحكومة التركية، التي يُعتقد على نطاق واسع أنها تمتلك تأثيراً كبيراً على الخاطفين، وتذهب بعض المعلومات أبعد من هذا، إلى حد التأكيد على أن المخطوفين اللبنانيين، موجودون في قبضة الاستخبارات التركية.مسلح من «لواء الصفوة الاسلامية» في شارع مدمر في حي الجديدة في حلب امس (رويترز)
وبالتزامن مع اختطاف الطيارين التركيين، سارعت قيادة «لواء عاصفة الشمال» إلى إصدار بيانٍ حول اللبنانيين المختطفين، أكدت فيه أن «قيادة اللواء هي المتصرفة في ملف المختطفين»، وأن «لا شيء نفاوض عليه غير المعتقلات في السجون السورية، وقيادة اللواء مستعدة لإطلاق دفعة من المختطفين مقابل الإفراج عن 127 معتقلة مباشرة»، في إشارة إلى اتفاق سابقٍ قيل إنه جاء نتيجة جهود مدير الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم، طلب فيه الخاطفون قيام السطات السورية بالإفراج عن قائمة من المعتقلات لديها، في مقابل الإفراج عن المخطوفين اللبنانيين. فما هي حكاية «لواء عاصفة الشمال»؟، كيف تشكّل؟ ومن هو مؤسسه «أبو إبراهيم»؟
وُلد عمار داديخي الشهير بلقب «أبو إبراهيم» في العام 1961، في مدينة أعزاز في الريف الشمالي لمحافظة حلب. كانت أعزاز تشتهر بوصفها واحدة من أنشط مراكز التهريب في سوريا، ويشكل عدد من عائلاتها «مافيات» لتهريب كل شيء من الحدود التركية القريبة، بما في ذلك الأسلحة والمخدرات.
وبطبيعة الحال كانت هذه العائلات تشكل مراكز قوة في المدينة، ولم تكن عائلة «داديخي» موجودة على خريطة تلك العائلات.
كان إبراهيم داديخي، والد عمار، يمتلك مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، وعدة محلات في سوق أعزاز تبيع الدهانات والإسمنت والخرضوات، وكان يتمتع بسمعة جيدة، ويساعده في إدارة أعماله جميع أبنائه باستثناء عمار، الذي يصفه من يعرفونه في تلك الفترة بأنه صامت وانطوائي.
فضّل عمار العمل في التهريب على المشاركة في أعمال والده التجارية، فقام بشراء «بيك آب مازوت مع شادر»، وهو وسيلة المواصلات المفضلة للتهريب على الطرقات، وبدأ بالتعاون مع مهربي التبغ الشهيرين حينها بلقب «الشبيحة».
فكان يقوم بتوزيع التبغ المهرب في المناطق التابعة لأعزاز وصولاً إلى الرقة والحدود التركية، وكانت العلاقة بين مهربي التبغ وبين الأمن السوري تتسم بالغرابة، إذ يقوم هؤلاء بتلقي الرشاوى، في مقابل تسهيل مرور التبغ المهرب، ويقومون في مرات أخرى بمطاردة المهربين والاشتباك معهم، ونتيجة تلك الحملات التي كانت تُشن بين وقت وآخر، صدرت بحق عمار داديخي عدة مذكرات قبض قضائية، على الرغم من أنه كان يتمتع بعلاقات «طيبة» مع عناصر من الأمن العسكري في المنطقة، حيث كانت تلك الجهة هي الأكثر مطاردة وتعاوناً في الوقت ذاته مع المهربين.
أبو إبراهيم «ثائراً»
تُعتبر أعزاز الملاصقة لمعبر «باب السلامة» مدينة حدودية بامتياز، ويعتمد اقتصادها بالدرجة الأولى على عمليات التهريب التي تنشط عادة في المدن الحدودية.
في شهر نيسان من العام 2011، خرج في المدينة سبعة أشخاص في ما أسموه حينها «تظاهرة»، رددوا خلالها هتافاتٍ ضدّ النظام. وتكررت الظاهرة مع ازدياد بسيط في أعداد المتظاهرين، وعقد حينها اجتماع في منزل الحاج فاضل كنو، وهو أحد وجهاء أعزاز، وعضو في مجلس الشعب السوري، لتحديد موقف أعزاز من الحراك، وخاصة أن معظم المتظاهرين من أقارب كنُّو.
وكان خيار الوجهاء محاولة تهدئة الأجواء، وإقناع المتظاهرين بالكف عن ذلك، لكن من دون جدوى، وكانت أجهزة الأمن تراقب المتظاهرين من دون أن تتعرض لهم، ثم تقوم بعد انتهاء التظاهرة بمداهمة بعض البيوت واعتقال بعض المتظاهرين، ليتم تحويلهم إلى الأمن الجنائي، والذي يحيلهم بدوره إلى القضاء.
وعلى الرغم من تزايد عدد التظاهرات والمتظاهرين، إلا أن داديخي لم يشارك في أي منها، لكنه ظهر فجأة على الساحة، في شهر أيلول من العام 2011، بالتزامن مع بدء العسكرة في المدينة، والبدء بتشكيل المجموعات المسلحة.
قام أبو إبراهيم حينها بتشكيل «لواء عاصفة الشمال»، وكان عدد المقاتلين فيه 220 مقاتلاً، على رأسهم نقيبٌ منشقٌّ تربطه صلة قرابة بالعميد رستم غزالي.
أسفر عمار داديخي عن وجه آخر تماماً، شديد العنف والقسوة، فأمر عناصره بإحضار «بلدوزر»، وحفر حفرة كبيرة في الجبل، وسقفها بالصاج المعدني، محولاً إياها إلى سجن يستضيف كلَّ من يصيبه غضب أبو ابراهيم!
كان تجهيز مستشفى أعزاز الحكومي قد استكمل حديثاً، بعدما تم تزويده بأحدث المعدات الطبية، وبتكلفة تزيد على المليار ليرة سورية (200 ألف دولار). وعندما سقطت أعزاز بيد المجموعات المسلحة استلمه عدد من «الأطباء الثوريين»، وحولوه إلى مستشفى ميداني مجاني لمعالجة مصابي المسلحين في الاشتباكات، فأمر داديخي مقاتليه بمداهمة المستشفى، وقاموا بنهبه وطرد من فيه، واعتقال من اعترض من الأطباء وسجنهم في حفرة الجبل. ولاحقاً قام باستئجار «المستشفى الوطني»، وهو ملك لجمعية «ميتم أعزاز الخيرية»، وأعلن أنه سيقبل المراجعات فيه مجاناً!
خلال تلك الفترة، تزايد عدد المسلحين التابعين لداديخي، بالتناسب مع تزايد الأموال المتوافرة بين يديه من جراء نهب أملاك كبار العائلات في أعزاز، ومن أهمها عائلة «الويسي» التي تعتبر عائلة معارضة تاريخياً للنظام، باعتبارها محسوبة على تنظيم «بعث العراق».
وبرغم ذلك، كانت تلك العائلة التي اشتهرت بتجارة وتصنيع المخدرات، تحظى بعلاقات متينة ومثيرة للتساؤلات مع عدد من ضباط الجهات الأمنية، وكان لرجال تلك العائلة نفوذ هائل في مدينة أعزاز.
وعلى الرغم من شراسة رجال العائلة وتسليحهم الممتاز، استطاع الداديخي تصفية معظمهم ونهب ممتلكاتهم، الأمر الذي كرره مع كثير من عائلات أعزاز، وبالاستفادة من تلك الأموال راح داديخي يحصل على المزيد من الأسلحة المتوسطة، من رشاشات ثقيلة وغيرها. كما حرص على إغداق الأموال على رجاله وأعوانه، فكانوا يدينون له بالولاء الأعمى، حيث استطاع بزمن قياسي الظهور كمتزعم لمجموعة مسلحين تفرض حضورها في المنطقة التي شهدت بالتزامن ولادة مجموعات أخرى مشابهة، ولكنها أقلّ شراسة وتسليحاً.
مع انحسار سلطة الدولة السورية في المنطقة، تسابقت المجموعات المسلحة إلى الاستيلاء على معبر «باب السلامة» الحدودي، إلا أن الجميع فوجئ بسيطرة «لواء عاصفة الشمال» عليه، وراجت رواياتٌ تؤكد قيام مفرزة الأمن العسكري بالانسحاب من المعبر وتسليمه إلى مسلحي الداديخي.
استغلّ أبو إبراهيم سيطرته على المعبر لفرض رسوم مالية على كل شاحنة تجتازه، مع الحرص على خطف كل مسافرٍ تبدو عليه «آثار النعمة»، والمطالبة بفدية، وتبعاً للوزن الاقصادي للمخطوف.
ويؤكد أحد أهالي ضحايا الخطف لـ«السفير»، أن الفدية التي دفعوها لإطلاق سراح مخطوفهم، قد تم إيداعها في حساب مصرفي باسم داديخي في سويسرا!
كان لأبو إبراهيم أربعة مساعدين أساسيين، وهم بحسب أهميتهم لديه: سمير عموري، وهو معلم سابق. طارق دياب حاجولة، وكان يعمل في محمصة موالح. منير حسون، وكان إمام أحد المساجد في أعزاز. محمد شوقي الشش، وكان يعمل في تصليح الدراجات النارية. وانضم إليهم لاحقاً مساعد خامس هو اسماعيل صالو الشهير بـ«أبو هادي»، وهو صاحب سجل عدلي، ومحروم من التقدم إلى الوظائف الرسمية.
لم يخض «لواء عاصفة الشمال» معارك عسكريةً فعلية، إلى أن أعلن محاصرة مطار منغ العسكري. ويربط البعض إقدام داديخي على تلك الخطوة بنشوء علاقات وثيقة له مع الاستخبارات التركية، فيما تقول رواية أخرى أن ذلك الحصار كان مجرد «مسرحية متفق عليها مع أصدقاء داديخي في الأمن السوري».
كانت المحطة الأبرز التي لمع بعدها اسم داديخي و«لواء عاصفة الشمال» هي حادثة اختطاف المسافرين اللبنانيين الأحد عشر في شهر أيار من العام 2012، قبل أن يتم لاحقاً إطلاق سراح اثنين منهم على دفعتين.
وفي شهر شباط الماضي استقرت طلقة «دوشكا» في «بطة ساق» أبو ابراهيم بالقرب من مطار منغ، وأكدت مصادرنا أن الطلقة كانت «صديقة»، حيث أدت إلى إصابة داديخي بتهتك شديد في العضلات، واستغرق الأمر حوالي عشرين دقيقة كي يصل إلى أقرب نقطة طبية، وكان الحل الفوري الذي اقترحه الأطباء هو بتر الساق. كان أبو إبراهيم فاقداً لوعيه، ولم يجرؤ أي من مساعديه على اتخاذ هذا القرار، خوفاً من ردة فعله عند تعافيه، فرفضوا بترها.
ثمة روايتان تردُ كلٌّ منهما على لسان مصدر من داخل «اللواء» بشأن مصير أبو ابراهيم. تقول الأولى إن الرجل نُقل إلى فرنسا عبر تركيا، حيث توفي هناك وأعيدت جثته في شهر آذار الماضي ليدفن خفية في أعزاز، فيما تؤكد الرواية الثانية أن قصة مقتل داديخي ملفقة، وأن ما حصل هو «قتله أمنياً» لتغييبه عن المشهد.
ووفقاً لهذه الرواية (وهي الأرجح) فإن إصابة داديخي كانت مدبرةً، ولم تكن بقصد قتله، وأنه يواصل حياته بعدما تم اقتسام ثروته بينه وبين «لواء عاصفة الشمال».
بعد غياب داديخي، صار الرجل الأكثر نفوذاً داخل «عاصفة الشمال» هو سمير عموري، اليد اليمنى لأبو ابراهيم. وقد عقد عموري «اتفاق شراكة» مع قائد «لواء التوحيد» عبد القادر الصالح، الشهير بـ«حجي مارع»، وأحد قياديي «لواء الفتح» في تل رفعت لتقاسم إدارة معبر «باب السلامة» تجارياً، وفرضوا مبلغ 20 ألف ليرة سورية (ألف دولار) على كل شاحنة تعبر يومياً. كما انشقت مجموعة عن «اللواء»، وشكلت مجموعة حملت اسم «لواء سيوف الشام» ويتزعمها هادي صالو، وهو ابن مساعد أبو ابراهيم الخامس إسماعيل.

صهيب عنجريني

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...