سوريا، تركيا، إسرائيل وحرب الطاقة في الشرق الأوسط الكبير (1/2)

14-10-2012

سوريا، تركيا، إسرائيل وحرب الطاقة في الشرق الأوسط الكبير (1/2)

الجمل ـ إف وليام إنغدال ـ ترجمة: عاصم مظلوم: قامت تركيا في 3 تشرين الثاني 2012 بقصف داخل الأراضي السورية بشكل متكرر. هذا العمل العسكري التركي، ولمصلحة الرغبة التركية، كان بهدف خلق منطقة عازلة بعرض 10 كيلومترات داخل الأراضي السورية وأتى ردا على على مزاعم قيام الجيش العربي السوري بقتل عدة مدنيين أتراك على طول الحدود التركية السورية.

يوجد اعتقاد واسع بأن قذيفة المورتر السورية الوحيدة التي أصابت 5 مدنيين أتراك قد تكون  أطلقت من قبل الجماعات المسلحة المدعومة من تركيا بهدف توفير غطاء لتركيا للتحرك عسكريا، وبلغة الاستخبارات العسكرية يعني ذلك "عملية مزيفة".

وزير الخارجية التركي المقرب من الإخوان المسلمين، أحمد داود أوغلو الغامض، هو المهندس الرئيسي لاستراتيجية الحكومة التركية الانتحارية الهادفة إلى الإطاحة بحليفها السابق بشار الأسد في سوريا.

وفقا لتقرير فإن تركيا منذ عام 2006 تحت قيادة حكومة الإسلامي رجب طيب أردوغان، وحزبه الداعم للإخوان المسلمين، أصبحت تركيا المركز الجديد لحركة الإخوان المسلمين العالمية. مصدر مطلع من العاصمة إسطنبول يعزو ذلك التقرير إلى ما قبل الحملة الإنتخابية التركية حيث تلقى حزب رجب طيب أردوغان "تبرعا" بقيمة 10 مليارات دولار من العائلة الحاكمة السعودية، وهي القلب النابض للحركة الجهادية السلفية العالمية التي تعمل تحت عباءة الوهابية المتشددة. قامت المخابرات المركزية الأمريكية  في الخمسينيات بنقل قادة الإخوان في المنفى إلى مملكة آل سعود وحدث انصهار بين الوهابية السعودية والجهاد المتطرف للإخوان المسلمين.

الرد التركي على قذيفة المورتر السورية الوحيدة، والذي لاقاه اعتذار سوري، يرسم خط حرب واسعة النطاق بين البلدين الذين كانا حتى العام المنصرم حليفين مقربين على المستوى التاريخي، الثقافي، الإقتصادي وحتى الديني.

أصبح خطر تلك الحرب أكثر خطورة من ذي قبل. تتمتع تركيا بعضوية كاملة في النيتو الذي تنص قوانين بشكل واضح أن أي هجوم على أي عضو من الحلف يعتبر بمثابة هجوم على كافة الأعضاء. كما أن حقيقة أن روسيا والصين النوويتين أكدتا أن الدفاع عن نظام الأسد هو أولوية استراتيجية تقرب من احتمال نشوب حرب عالمية إلى حد أكبر مما يتخيله الكثير منا.

في كانون الأول 2011، صرح فيليب غيرالدي، محلل توازن القوى في المنطقة ومحلل سابق في المخابرات المركزية الأمريكية، بملاحظة تعتبر سابقة من نوعها:
إن الناتو متورط سلفا بشكل سري في النزاع السوري، حيث تحتل تركيا موقع القيادة بالنيابة عن الولايات المتحدة. وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو اعترف علنا أن بلده مستعد للغزو العسكري بمجرد حصول توافق بين الحلفاء الغربيين على ذلك. سيعتمد التدخل على غطاء إنساني، أي حماية المدنيين بناء على نظرية "المسؤولية عن الحماية" التي تم تطبيقها لتبرير الحرب على ليبيا. تقول مصادر تركيا أن التدخل من المحتمل أن يبدأ بإنشاء منطقة عازلة على طول الحدود السورية التركية ليتم توسيعها لاحقا. حلب أكبر المدن السورية وأكثرها تنوعا ستكون جوهرة التاج التي ستستهدفها "قوات التحرير".

يتواصل وصول طائرات حربية غير معلمة تابعة للناتو إلى قاعدة تركية عسكرية قرب لواء إسكندرون على الحدود السورية وهي تحمل شحنات من ترسانة الراحل معمر القذافي إضافة إلى متطوعين من المجلس الوطني الإنتقالي الليبي  المتمرسين في تدريب المتطوعين المحليين لمواجهة الجنود المدربين، وهي مهارة حصلوا عليها نتيجة مواجهتهم لجيش القذافي.
الإسكندرون هو أيضا مقر للجيش السوري الحر، الذراع العسكري للمجلس الوطني السوري. يعمل على الأرض أيضا مدربون بريطانيون وفرنسيون من القوات الخاصة لمساعدة المتمردين السوريين، فيما تقوم المخابرات المركزية الأمريكية وأفراد من الوحدات الخاصة الأمريكية بتوفير معدات اتصال ومعلومات إستخبارية لدعم الثوار وبذلك يساعدونهم على تفادي أماكن تجمع الجيش العربي السوري.

الأمر هو أن القليل انتبه إلى حادثة وقعت في ذات اليوم الذي بدأت فيه تركيا بالرد غير المتناسب على شكل هجوم عسكري على الأراضي السورية، وهو مستمر حتى لحظة كتابة هذه السطور، تحركت قوات الدفاع الجوي الإسرائيلية بشكل متعمد لتشتيت تركيز سوريا عن الحدود التركية ولخلق سيناريو مرعب لفتح حرب على جبهتين مماثل لما واجهته ألمانيا في الحربين العالميتين، حيث قامت تلك القوات بحشد عدد لا بأس به من القوات على مرتفعات الجولان الإستراتيجية التي تحد بين البلدين.

المرحلة الجديدة التي تتكشف عن احتمال وقوع تدخل عسكري أجنبي مباشر عبر تركيا يدعمه حقيقة أن نتنياهو ينفذ حرفيا وبشكل مثير للجدل سيناريو وضعه معهد للمحافظون الجدد ذو تأثير في واشنطن وهو معهد أبحاث بروكينغز. في ورقة عمل أصدرها المعهد في آذار 2012 بعنوان "إنقاذ سوريا": تقييم خيارات تغيير النظام، قام محللو الإستراتيجيات الجيوسياسية بوضع خطة لإستغلال القلق المزعوم بشأن موت المدنيين على شاكلة ما حدث في ليبيا عام 2011، لتبرير تدخل عسكري عدواني في سوريا، وهو شيء لم يحدث من قبل.

حدد تقرير معهد بروكينغز السيناريو التالي:

يمكن لإسرائيل نشر قوات في أو قرب مرتفعات الجولان، وبقيامها بذلك يمكن أن تشتت تركيز قوات النظام عن إخماد الإنتفاضة. هذا الإنتشار يمكن أن يبث مخاوف لدى نظام الأسد حول احتمال اندلاع حرب على جبهتين وخاصة مع قيام تركيا بالمثل على حدودها وخاصة إذا تم دعم المعارضة السورية بالتدريب والسلاح بشكل متواصل.

يبدو أن هذا هو بالضبط ما يحدث في مطلع تشرين الأول 2012. كتاب تقرير معهد بروكينغز هم من المرتبطين بصقور الحرب الأشد تأثيرا من المحافظين الجدد والذين كانوا وراء حرب بوش- تشيني على العراق. أما المشرف عليهم، معهد الصبان لسياسات الشرق الأوسط، فهو يضم مستشارين حاليين في الشؤون الخارجية لمرشح الجناح اليميني في الحزب الجمهوري ميت رومني، وهو المرشح الذي يحظى بحظوة نتنياهو علنا.

تم تأسيس مركز بروكينغز صبان لسياسات الشرق الأوسط الذي أصدر التقرير نتيجة تبرع سخي في معظمه من حاييم صبان وهو ملياردير إعلامي صهيو-أمريكي ويملك عملاق الإعلام الإلماني شبكة برو سيفن. لا يخفي حاييم صبان توجهاته وأهدافه في الترويج لمصالح إسرائيلية محددة، وقد وصفته صحيفة ذا نيويوك تايمز بأنه "يدعم إسرائيل بدون كلل أو ملل". في مقابلة مع نفس الصحيفة عام 2004، صرح الصبان بأنه "شخص يحمل قضية واحدة، وقضيتي هي إسرائيل".

باحثو ومديري مركز الصبان يتمتعون بانحياز واضح إلى جانب المحافظون الجدد وحزب الليكود، ومنهم سواء في الماضي أو الحاضر، شلومو ياناي المدير السابق لقسم التخطيط العسكري في قوات الدفاع الإسرائيلية، مارتن إنديك السفير الأمريكي السابق في إسرائيل ومؤسس معهد واشنطن لشؤون الشرق الأدنى الداعم لإسرائيل أحد اللوبيات الرئيسية الداعمة لسياسات الليكود في واشنطن.أما الزملاء في المركز فمنهم أفي ديكتر، مدير الشين البيت، يوسف كوبرفاسر مدير سابق لقسم الدراسات في المخابرات العسكرية الاسرائيلية. الباحثون المقيمون منهم بروس ريدل خبير سي آي إيه في شؤون الشرق الأوسط لمدة 30 عام ومستشار أوباما للشؤون الأفغانية، كينيث بولاك خبير سابق لدى السي آي إيه لشؤون الشرق الأوسط وكان له دور في فضيحة التجسس الإسرائيلي عندما كان مسؤول في شؤون الأمن القومي في إدارة بوش.

لماذا قد ترغب إسرائيل بالتخلص من عدو تعرفه "بشار الأسد" واستبداله بنظام في يد الإخوان المسلمين؟ من الواضح أن أمن إسرائيل قد يواجه تهديد ناشىء عن انبثاق خط متشدد للإخوان في مصر، سوريا وربما الأردن في القريب العاجل.

البعد الجيو سياسي

السؤال الهام الذي يجب طرحه في هذه المرحلة هو ما الذي يمكن أن يجمع بين إسرائيل وقطر وتركيا في هذا التحالف الشيطاني من جهة، وبين سوريا الأسد وإيران وروسيا والصين من جهة أخرى، في هذه المواجهة الفتاكة على المستقبل السياسي لسوريا؟
أحد الأجوبة هو جيوسياسة الطاقة.

أحد الجوانب التي لم تنل التقدير الذي تستحقه حتى الآن في التقييمات الجيوسياسية للشرق الأوسط هو التصاعد الدراماتيكي لأهمية السيطرة على الغاز الطبيعي ليس فقط بالنسبة لبلدان الشرق الأوسط، بل أيضا للاتحاد الأوروبي ومنطقة أوراسيا بما في ذلك روسيا بصفتها منتج والصين بصفتها مستهلك.

يتسارع مدى أهمية الغاز الطبيعي بسرعة لأنه "مصدر نظيف للطاقة" وهو الأمثل لاستبدال محطات توليد الكهرباء العاملة على الفحم والطاقة النووية في الإتحاد الأوروبي، وخاصة بعد القرار الألماني بالتخلص من المحطات النووية بعد كارثة فوكوشيما. يعتبر الغاز مصدرا أكثر صداقة للبيئة من جهة إنبعاث الكربون. السبيل الواقعي الوحيد أمام حكومات الاتحاد الأوروبي، من ألمانيا إلى فرنسا إلى إيطاليا إلى أسبانيا، لتلبية شروط تخفيض انبعاث ثاني أكسيد الكربون الإجبارية بحلول عام 2020 هو تحول كبير نحو استهلاك الغاز بدلا من الفحم. يقلل الغاز من إنبعاث ثاني أكسيد الكربون بنسبة 50-60 % مقارنة بالفحم. نظرا لكون التكلفة الإقتصادية لاستخدام الغاز بدلا من طاقة الرياح أو أي مصدر بديل للطاقة هي أقل بكثير، يرتقي الغاز بشكل متسارع ليصبح مصدر الطاقة الرائج في الاتحاد الأوروبي، أكبر سوق ناشىء للغاز في العالم.

اكتشاف كميات كبيرة من الغاز في اسرائيل، قطر وسوريا بالتوازي بالإضافة إلى صعود الاتحاد الأوروبي ليصبح أكبر مستهلك للغاز في العالم، تجتمع هذه العوامل لتشكل بذور النزاع الجيو سياسي حول نظام الأسد.

يتبع

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...