سمير القصير يوطد سفارته بكتاب جديد
رغم أن إيطاليا تعتبر من أقرب البلدان الأوربية جغرافياً إلى البلدان العربية، إلا أن طبيعة العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي قامت منذ عصر النهضة بين البلدان العربية وبلدان أوربا الغربية والشرقية هي التي حددت حجم الترجمة من لغات هذه البلدان إلى اللغة العربية. وتأسيساً على ذلك، لم يُترجم الأدب الإيطالي بغزارة إلى اللغة العربية كما هو حال الأدب الفرنسي والإنكليزي والروسي، ولعل ذلك يعود لطبيعة العلاقات السياسية بين البلدان العربية وفرنسا وبريطانيا اللتين كانتا تستعمران معظم البلدان العربية على الشاطئ الجنوبي والشرقي للمتوسط، وبين هذه البلدان والاتحاد السوفييتي في النصف الثاني من القرن العشرين. ورغم مساهمة الأدب الإيطالي في نهضة الآداب الأوربية، ومساهمة إيطاليا في النهضة الحديثة، فقد بقيت هذه المساهمات غير معروفة بشكل واسع في البلدان العربية. ومساهمة منه في تعريف القارئ العربي بنوع أدبي إيطالي مميز، قام الدكتور سمير القصير، السفير السوري في إيطاليا بترجمة مجموعة مختارة من القصص للكاتب الإيطالي الراحل دينو بوتزاتي، حملت فيما حملت لمسات بوتزاتي الإبداعية ومهارة القصير اللغوية، وهو العارف باللغة الإيطالية كما يعرف لغته الأم العربية ومواطن جمالياتها. وصدرت هذه المجموعة القصصية المختارة في دمشق عن دار الأهالي للنشر، وحملت عنوان (قصص قصيرة لدينو بوتزاتي)، وضمت 22 قصة قصيرة تعطي صورة عن حياة وتجربة وملامح أناس من عالم بوتزاتي الخاص، قام باختيارها بعناية السفير الأديب، وترجمها عن لغتها الأم، وهو الكتاب الثاني الذي يترجمه السفير القصير لنفس الكاتب، بعد مجموعته القصصية الأولى (قصص قصيرة من دينو بوتزاتي) التي صدرت عام 1990 عن وزارة الثقافة السورية والتي أعقبها بمجموعة مختارة أخرى من القصص القصيرة للكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو صدرت في 1994 عن دار الأهالي أيضاً، كما ترجم مجموعة أخرى من القصص القصيرة لعدد من الكتاب الإيطاليين البارزين وصدرت عن دار صحارى منتصف التسعينات. وقد سبق للدبلوماسي السوري أن أعد وبالتعاون مع السيدة بيانكا ماريا سكارشيا آموريتي، أستاذة الدراسات الإسلامية في جامعة لاسابينزا بروما، عدداً خاصاً عن الأدب الإيطالي من مجلة الآداب الأجنبية صدر في العام 1988 عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق. كما سبق له أن نشر ترجمات قصصية وشعرية إيطالية في الصحف السورية وفي صحيفة السفير اللبنانية. وحول أهمية ترجمة الإنتاج الأدبي الإيطالي إلى العربية، قال الناشر حسين العودات مدير دار الأهالي بدمشق في تعليق لـ (آكي) "لاحظنا وجود تقصير كبير في ترجمة الإبداع الإيطالي، سواء ما كان منه يتعلق بالعصر الرومانتيكي أم بالأدب الواقعي، وأن هناك حاجة حقيقية ليعرف العرب ومن ضمنهم السوريون توجهات الأدب الإيطالي، ويطلعوا على حراك المجتمع الإيطالي من خلال إبداعات كتّابه". وأضاف الناشر "لسوء الحظ.. لا يوجد اهتمام جدّي رسمي أو خاص من الطرفين العربي والإيطالي لتنشيط التبادل الثقافي بينهما بشكل واسع"، ورأى أن "المبادرات الفردية"، كمبادرة السيد السفير ودار النشر "تحاول أن تردم جزءاً بسيطاً من هذه الفجوة". ويشار إلى أن (الكوميديا الإلهية) لدانتي تعتبر من أوائل ما تُرجم إلى اللغة العربية، وصدرت دراسات عديدة جداً قارنتها بما كتبه أبو العلاء المعري في كتابه (رسالة الغفران)، وباستثناء دانتي نادراً ما تُرجمت أعمال الشعراء الرومانسيين الإيطاليين إلى العربية. ثم تُرجمت أيضاً بعض أعمال الأدباء والشعراء الإيطاليين من القرن العشرين، كالشاعر جيوفاني باسكوالي، وحائز جائزة نوبل لويجي بيرانديللو، أما الكاتب الإيطالي الذي تُرجم على نطاق واسع فهو ألبيرتو مورافيا، حيث انتشرت ترجمات كتبه في مختلف البلدان العربية وأخذ شهرة واسعة. وبوتزاتي (1906 ـ 1972)، صاحب الكتاب الذي ترجمه القصير، كاتب وصحفي من ميلانو (شمال إيطاليا) عمل في صحيفة الكورييرا ديللا سيرا، كتب أولى رواياته عام 1933 (برنابو الجبال) وأثارت كتاباته جدلاً واهتماماً من أوساط النقاد والأدباء في إيطاليا. عكست كتاباته تأثره الشديد بالطبيعة بمختلف صورها، واتخذ منها رموزاً وعناصر أساسية ليجعل منها إطاراً وقوالب لتصوراته وتخيلاته العجائبية، وليرسم ضمنها ملامح لأناس ومخلوقات مسحورة ومجروحة وخائبة في كثير من الأحيان. وتنوعت كتاباته بين الرواية والقصة والشعر والمسرح، وترجمت أعماله إلى لغات عدة، كما تحول بعضها مثل (صحراء التتار) إلى أفلام سينمائية ناجحة.
المصدر : آكي
إضافة تعليق جديد