خطوط لبنان الحمراء ... في مَهَب الريح

04-11-2012

خطوط لبنان الحمراء ... في مَهَب الريح

الجمل ـ شرمين نرواني ـ ترجمة: د. مالك سلمان:
 
يمكن لأسبوع واحد أن يخلق واقعاً مختلفاً في الشرق الأوسط.
في 19 تشرين الأول/أكتوبر - عندما انفجرت سيارة مفخخة في حي الأشرفية المسيحي الراقي في بيروت وأودت بحياة مسؤول أمني رفيع – اعترى لبنانَ الخوفُ من فكرة عودة الاغتيالات السياسية.
لم يفوت السياسيون والمعلقون ثانية واحدة. إذ تمت مقارنة جريمة قتل رئيس فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي, وسام الحسن, بجريمة قتل معلمه السابق, رئيس الوزراء السابق, رفيق الحريري في سنة 2005. كما اصطفَ ائتلاف "14 آذار" السياسي, المؤيد للحريري والغرب والمناوىء لسورية, ليوجه ضربة قوية لخصومه, كما فعلوا تماماً في سنة 2005 عندما طردوا القوات السورية من لبنان.
لم يكن دم الحسن قد برد قبل أن يبدأ حلفاؤه السياسيون بتوجيه أصابع الاتهام إلى سورية وإلهاب الجيوب السنية المناوئة لسورية في لبنان. فقد خرج الشبان إلى الشوارع بأسلحتهم, وكان البعض يحمل قاذفات "ر.ب.ج." ويرتدي اللباس الميداني الحربي. ثم حصلت صدامات, ومات البعض, ومع ذلك لم يَدعُ قادتهم في "14 آذار" إلى الهدوء.
في إعادة ل 2005 - عندما انتفض مئات الآلاف من اللبنانيين عند وزارة الخارجية, فيما سمي عندها "ثورة الأرز", لطرد السوريين – دعت مجموعات "14 آذار" الجموع يوم الأحد للتظاهر ضد سورية وحلفائها في الحكومة اللبنانية.
إلا أن سورياً واحداً لم يُتَهَم من قبل المحكمة الدولية المدعومة من الأمم المتحدة والتي حققت في مقتل الحريري. وفي الأسبوع الماضي, لم يكن هناك أي دليل أن سورية متورطة في اغتيال الحسن أيضاً.
لكن ذلك لم يضع حداً للمسرح السياسي في جنازة الحسن الأحد الماضي حيث لم يخرج سوى بضعة آلاف للمشاركة فيما كان يأمل البعض أن يكون إعادة لما حدث في سنة 2005.
لم يكن هناك أي مجال للمقارنة.
وعوضاً عن بحر الأعلام اللبنانية, والشعارات التي تدعو إلى التوحد مثل "حرية, سيادة, استقلال" والتسويق المذهل وتشكيل الألوان الثورية ل "ساتشي و ساتشي" و "أوتبور" صربيا التي ميزت حدث 2005 ... كان المشهد في "ساحة التحرير" في وسط بيروت يوم الأحد أشبه بجنازة معدة لإتلاف "14 آذار".
لم يكن بمقدور المرء أن يرى علماً لبنانياً إلا بصعوبة بالغة. فبدلاً من ذلك, كانت الحشود تحمل أعلامَ "تيار المستقبل" الذي يرأسه ابن الحريري, سعد, وأعلام الميليشيا المسيحية اليمينية "القوات اللبنانية", والأعلام السعودية, وعلم الانتداب الفرنسي الذي ترفعه المعارضة السورية, والأعلام الإسلامية السوداء. فقد تجمهر المتطرفون الإسلاميون جنباً إلى جنب مع المتطرفين المسيحيين –  القاسم المشترك الوحيد بينهما – للتعبير عن كرههم للحكومة السورية وحلفائها, إيران وحزب الله.
كان من المستحيل تجاهُل هذه السماجة المرئية لتحالفات "14 آذار" هذه على التلفزيون اللبناني في ذلك اليوم. فمن كان يستطيع تجاهُلَ التنافر الظاهر في وقوف مؤيد لسمير جعجع المسيحي اليميني جنباً إلى جنب مع شاب سني يربط رأسه بعصابة القاعدة؟ كان المرء يتساءل: كيف يمكن أن يكون هناك مستقبل ل "تيار مستقبل" هجين ومتناقض إلى هذه الدرجة؟
كان هناك قاسم مشترك بسيط بين الجموع, فقدا تسم قادتهم المتشرذمون بالعنجهية, وكان المزاج الوطني تقسيمياً – لا عجب إذاً أن الحدث قد انتهى بالعصي والحجارة والغاز المسيل للدموع. هذا عداك عن المحاولة البائسة لاقتحام "السراي الكبير" وطرد الحكومة اللبنانية التي يرأسها حليف حزب الله, الملياردير السني رئيس الوزراء نجيب ميقاتي.
ساعات الأحد القليلة تلك أفرزت الحقيقة الأولى بعد التفجير: ليس لدى "14 آذار" أي شيء تقدمه للبنان – فهم مفلسون أخلاقياً, وبلا أفكار؛ إنهم قادة الأمس الذين يتمسكون بأسنانهم وأظافرهم بحثاً عن دور لهم في منطقة تجتاحها تغيرات سريعة. كما أن مناصريهم يغربلون الماء – فهذا النوع من الاصطفاف ينشأ كمعارضة لشيء آخر فقط ؛ فهو لا يمثل أي شيء.
بينما دفع التفجير "14 آذار" يلحسون شفاههم الانتهازية, فإن حلفاءَهم الغربيين – فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة – هم الذين حطموا آمالَهم السياسية. فدون أي تنسيق تكتيكي ظاهر, قام هؤلاء الحلفاء بدَحلِ "14 آذار" علناً, وأعلنوا ضرورة بقاء رئيس الوزراء نجيب ميقاتي وحكومته.
المدهش في الأمر هو أن "14 آذار" يجهلون تماماً كيف تهبُ تلك الرياح. ليس فقط فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة, بل الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن و ممثل بان كي مون الشخصي في لبنان أيضاً وقفوا إلى جانب حكومة ميقاتي.
لم يتحدث مجلس الأمن في الأمم المتحدة بصوت واحد فقط, لكن السرعة والحزم اللذين ميزا رسالته عملا على تقويض النغمة الساسية ل "14 آذار" وحلفائهم. وبالتالي, أدركت القوى الدولية أن الحكومة اللبنانية المدعومة من قبل إيران وحزب الله جزء لايتجزأ من ضمان استقرار البلد في وقت خطير كهذا. ولم يعد بمقدور هذا الثنائي الزعم أن هؤلاء اللاعبين الإقليميين يعملون على زعزعة استقرار لبنان.
وهكذا تمت تعرية خط أحمرَ آخر. فقد أظهر الداعمون الغربيون الرئيسيون الثلاثة للمعارضة السورية واللبنانية حدود إمكانياتهم: لا بأس في زرع بذور النزاع الطائفي في لبنان وسورية وأماكن أخرى, ولكن ليس إذا عنى ذلك زعزعة الاستقرار في عدة مناطق محازية لإسرائيل. إذ يمكن السيطرة على بلد واحد غير مستقر في المشرق, ولكن انتشار النزاع في مناطق أخرى يمكن أن يمتد بسرعة النيران التي تأكل الأخضر واليابس. لابأس بالفوضى إذا كانت تحت السيطرة, ولكن بشرط ألا يرافقها فراغ في السلطة. فدولة لبنانية عاجزة سوف تعني فقدان السيطرة على المناطق الجنوبية الحساسة على طول الحدود الإسرائيلية وعلى طول الحدود الشرقية مع سورية – وكلاهما حدود صعبة بالنسبة إلى حلفاء "14 آذار" الغربيين.
أدركت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا, بالطبع, أنها – في هذه المرحلة العصيبة في سورية - بحاجة إلى قوى رافعة في لبنان المجاور. فهي لا تبالي على الإطلاق بإيصال حلفائها إلى السلطة, إذ إن حكومة مطواعة أقلُ قيمة بكثير من حكومة ذات "نفوذ". فائتلاف "8 آذار" الحكومي يقوده ميقاتي الضعيف والقابل للتطويع, لكن المهم في الأمر أنه يفتح الطريق إلى إيران وسورية وحزب الله – وهذا في غاية الضرورة عندما تكون الرهانات الإقليمية في هذه الأهمية.
لا يَهُم أن حزب الله قد أرسل مؤخراً طائرة بلا طيار فوق إسرائيل, حليف هذه القوى الغربية الثلاث, في خرق محرج لأمن الدولة اليهودية. ولا يَهُم أن إسرائيل تطالب بضربة عسكرية لإيران قبَيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية. كما لا يَهُم أن قوى "14 آذار" كانت, ولا تزال, حليفاً قوياً لهذه الدول الغربية في سياق إقليمي جيوسياسي ضد الأعداء المشتركين: سورية وإيران وحزب الله.
الشيء الوحيد المهم الآن هو أن هذه الدول الغربية ليست واثقة من ما ستؤول إليه الأزمة السورية. فقد أحبط الرئيس السوري بشار الأسد جميع توقعاتهم وآمالهم في الانهيار السريع, كما أن قوى المعارضة المدعومة من الغرب تتجه إلى التطرف بطريقة تبعث القلق في رُعاتها. فإذا خرج المتطرفون الإسلاميون عن السيطرة في سورية, سيكون على هذه الدول الغربية ترويضَ هذه الفوضى بسرعة قبل أن تصل إلى حليفتيها الأردن وإسرائيل وتهز الحدود التركية اللبنانية.
لقد أظهرت الخطوط الحمر المرسومة على استعجال في لبنان الأسبوع الماضي للمناوئين الإقليميين بعض الأوراق الجديدة وغير المتوقعة. فالهوية السياسية الضبابية لقوى "14 آذار" غير متناغمة مع هوية اللبنانيين, كما أن مصالحها تفترق عن مصالح الحلفاء الخارجيين التقليديين. حيث تنظر هذه الدول الغربية الثلاث, ومعها مجلس الأمن, إلى الحكومة اللبنانية المدعومة من إيران وسورية وحزب الله بصفتها قوة استقرار في المشرق. كما أن القادة الغربيين يخشون من فقدان السيطرة في الأزمة السورية التي ساهموا في إشعالها. لذلك فإن إيران وحزب الله تمتلك رافعات قيمة للمجتمع الدولي.
يمكن ألا نكتشف أبداً من قتل وسام الحسن, لكن – مع ذلك - كان لبنان مليئاً بالمفاجآت الموحية الأسبوع الماضي.

الجمل- قسم الترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...