حماس وخطابة وعرق في الرقة
مهرجان الشعر العربي الثاني في مدينة الرقة
سيطرة الشعر الحماسي والخطابي على المهرجان
اعتذار شعراء لبنان لأسباب سياسية وشاعر حمصي لأسباب حزبية!!
وسيدة أعمال حمصية تقرض الشعر أثناء فراغها
الجمل ـ خاص
زجت مديرية الثقافة في مدينة الرقة السورية بأكثر من عشرين شاعرا في مهرجان الشعر العربي (دورة الشاعر فيصل بليبل) على مدى أربع أمسيات (15- 18 نيسان 2006 )
شاركت عدة دول عربية في المهرجان (مصر- فلسطين- الأردن- العراق- أسبانيا- إضافة إلى سورية ) فيما اعتذر الشعراء المدعوين من لبنان وتونس، البعض عزا اعتذار الياس خوري ومحمد علي شمس الدين إلى أسباب سياسية فيما لم يستطع الشاعر التونسي خالد المجيري المجيء لكون الطائرة تقلع إلى سورية بعد انتهاء المهرجان!! أما الشاعر الحمصي محمد علاء الدين عبد المولى فاعتذر لكون المهرجان تحت رعاية أمين فرع حزب البعث بالرقة
مهرجان الرقة الشعري وحسب ما القي من قصائد فيه ينتمي إلى زمن الستينات من ناحية سيطرة الخطابة عليه والموقف السياسي الانفعالي (عبد المنعم الحمندي – انتصار البحري – أحمد الحافظ...) ومما زاد الطين بلة أن مقدم الشعراء الشاعر نجم الدرويش قدم ضيوفه بالشعر الحماسي الذي نظمه للمناسبة فكان الشعراء جميعهم حسب الشعر (الدرويشي) نسبة إلى نجم من الفطاحل الذين لا يشق لهم غبار ولولا بعض الشعراء الهامسين المحتفين بتفاصيل الحياة وأرواح البشر (عادل محمود- عبد المنعم رمضان- خوسيه رامون- وفيق سليطين- لقمان ديركي- محمد مظلوم...) لكان جميع ما القي من قصائد (حربية) لا ئق بغبار داحس والغبراء وبصليل سيوف العروبة المثلومة، فالشاعر عبد المنعم حمندي من العراق يحن في قصائده إلى الزمن العروبي الصدامي فقصيدته تسحق الأعداء وتهزمهم وتزلزل الأرض تحت أقدامهم فهو يصرخ من المنبر بمليء صوته ويرتجف ويبكي ويعرق كأنه في عراك مع شخص ما ولم يكد ينتهي من قصائده القومية حتى بح صوته وأصبح العرق (زواريب) على وجهه!
(مابين ليل الصابرين وبين
قلبي
ابتني جسرا
وأسمح للرصافة أن تسرح شعرها
وأهبط عابرا للكرخ ملتجأ
إلى ليل وأغنية حزينة
بيني وبينكم دمي
نزف الحمام نزف لبغداد
استقام
ودق باب الله
أطرق صرخة الموتى وقام
كدنا نموت ولم نمت
وقد ولدنا مرتين من الحروب
لا صوت إلا صوتنا
لا ظل إلا ظلنا)
الشاعر الرقي باسم قاسم تقمص في إلقاءه نمط إلقاء محمود درويش وهذا ما أطرب محافظ الرقة الذي حضر الأمسية خصيصا لحضور باسم القاسم الذي نجح باستخدام طبقات صوته لتحريك عواطف الجمهور وخاصة استعانته فنيا ببعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية. انتهى القاسم من قصائده المحفوظة غيبا فانسحب المحافظ ورهطه!! فيما أكمل الشعراء قصائدهم مع جمهور متململ.
مقطوعة من شعر باسم القاسم يشف عن موقف سياسي يتناغم مع الموقف السوري:
(لفظته...
أشعلت الأصابع
من دمه...
/فلنحتفل/
بيروت أنثى مرة
أخرى وينقصها الكثير..
علموها أن تواعد من تشاء
من الذكور وأنها..
لم تنس عاشقها
الضرير ...
أقنعوها أن جارتها
ستسرق من مساء
غنائها قمر
الأثير...
/فلنحتفل/
بيروت تضحك من غريب
عابر القسمات
داهمه المطر..
صلى ليقتنع القدر
أن الحكاية تحتضر..)
الشاعرين الفلسطينيين (عبد الناصر صالح- ماجد أبو غوش) وبعد معاناة طويلة في الأردن استطاعوا الوصول إلى الرقة في اليوم الأخير من المهرجان فكانت قصائدهم (النضالية منهكة من السفر) ومتناغمة مع ما نراه على شاشة التلفزيون...شعر ليس فيه من الشعر إلا (شرف الانتماء إلى القضية الفلسطينية).
مقطوعة من شعر ماجد أبو غوش من قصيدة مهداة إلى عز الدين المناصرة:
(يا عنب الخليل )
والفلسطيني يجوب الصحارى
والموانيء
يقتله العطش
وأرضه حبلى بالماء والنبيذ
وسماؤه مدلاة فاكهة وقمحا
وهواؤه عليل !
(يا عنب الخليل)
إلى أين نمضي في هذه العتمة
الطرقات كمائن
والأرصفة صماء
وليس في بحرنا مراكب
والقطارات تمضي دوننا
فأين نمضي
والى أي جانب
إن اشتدت الريح نميل!
حضر الشعر الأنثوي في المهرجان بقوة حيث شاركت أربع شاعرات ثلاث سوريات وأردنية وكالعادة سيطرت هموم المرأة والهواجس وظلم الرجل ونكرانه الجميل على شعرهن، يقول أحد النقاد (صحيح أن المرأة نصف المجتمع لكنها ثلاثة أرباع الأدب الرديء).
تقول الشاعرة رولا حسن في مقطوعة بعنوان (حب)
تعدني بالشتاء
وعلى الغيم
تقفل الباب
كأشجار الغابة
عرفت الانتظار
طيور المطر
قرب نافذتي
تمر..
ولا
تلقي السلام
أما الشاعرة المستجدة هاجر عمار فتقول في مقطوعة بعنوان (دندنات على نخب الشعراء)
يا سائلي عنك
أتقبل اعتذارنا
إذا جاء المطر
ولم ننم
والسر أننا وحيدون ولا ننس
يا سائلي
الجرح مفتوح يداهم الضباب
في ليالي الشرق هل أسلم
الأحلام بعدي من حنين
غامض ورعشة مشتركة
على مفارق المقاهي ربما
النهد مجهول وغائم
وأنت أنت
تذوي في تلال الحبر
في معطفك الخارج
من حقيبة تحترف البكاء
أما سيدة الأعمال انتصار البحيري فأبت إلا أن تقول كلمتها في أحداث العراق وأن تشارك مواطنها الحمندي دعم (المقاومة)
(على نحل العراق صلبت قلبي
وقلت: تضيء أعذاقي الشموس
ويولد من ضمير الليل فجر
بدفق سناه تغتسل النفوس
هززت النخل جذعا بعد جذع
أؤمل أن تلين لي الطقوس
فلا رطبا جنيت ولا بنجم
رزقت وما تراءى لي نفيس
واني حرة وأطيق موتي
إذا زلت وطأطأت الرؤوس
وبطن الأرض أكرم من حياة
ترى الأعداء في أرضي تجوس....)
ولم يخل المهرجان من الشعراء المميزين الذين ابتعدوا عن الصراخ واهتموا بالروح والتفاصيل الانسانية التي تعطي الشعر نبضه وعمقه فمقابل الشعر الحماسي – الخطابي الذي يحتفي بالصوت العالي وسيوف الغزو حضرت قصائد تحتفي بتفاصيل البشر ورقصات الروح والتوق لفضاء حر لا قيود فيه على عواطف البشر وأفكارهم فهاهو الشاعر المصري عبد المنعم رمضان (يلقي بالقضايا الكبرى خلف ظهره ويتخلص منها ويلتفت لقضاياه الصغرى)
(ناريمان امرأة حكيمة، تضع الكحل على عينيها عندما تصحو ولكنها عندما تشاء النوم تضع الحنين، ولأنها لم تزل عذراء فهي تغطي مابين فخذيها بقماش سميك وصفته لها إحدى العرافات، ويقال أنها قرأت في مدونات الجدة عن طيور ملونة تنقر طوال الليل الفروج العارية والمغطاة بالشفاف من القماش،....)
بينما لم يتنازل محمد عفيفي مطر عن لغته الشعرية العالية:
(أنت على أرائك عريك انكشفت بك الآفاق
واندلع الذهول
سرحت من نمل الجنون أوابد الصبوات:
نمل بنتشي بشروده المهتاج مابين الذرا
وطراوة العشب المبلل بالحرير
فيرتقي ليجرب العشق انتحارا ،
أو يذوق فينتشي ويدب في سكر الجنون إلى
مغاور جمرك المكنون،
يوغل بين تعتق وبين تطوح في شطحة الغرق الجليل...)
ويسخر الشاعر عادل محمود من وهم المعارك والانتصارات ويميط اللثام عن ورم البطولة الذي يحيل الإنسان إلى شعار خادع حيث يقول في قصيدة بعنوان (العدو)
(صعد الرفاق إلى الجبلْ
في أيديهم بنادقُ
من دول متعددة الفوهاتْ
وفي جعبة الذخيرة والثأر
ما يكفي
ولكن العدو
كان قليلاً
كان مسكيناً
بالأحرى
وجائعاً.
لم نفاوضه على الاستسلام
ولم نقل له أن يركع رافعا
فوق تاريخه الدموي وعلى مدافعه المحطمة، راية بيضاء )
ونقرأ من شعر الدكتور وفيق سليطين الذي اختصر من قصائده لكي لا يأخذ كثيرا من وقت الجمهور بعد أن صعد على المنبر ستة شعراء وهذا ما جعل الجمهور يهمهم محتجا على هذا العدد الكبير
(الحرف حكومة غيري.. قال)
وعبد الله ينام على غيم الحلم
يهيل ترابا علويا
يرفع قشته فوق سنام الدهر
ويجرح..
يبدأ خلف حدود الغامض والمخفي.
-(الحرف اثنان..فلا تتلفت).
«هذي لغة أقذفها في الليل المنسيْ
في الليل الأليل
خلف جدار الكونِ
أعريني منها..
تطلع قُدّامي..
وتسدُّ جهات الضوء ورائي..
كن أنتَ بلا أثر منكْ»...
وقدم لنا مهرجان الشعر الثاني في الرقة صوتا شعريا مميزا من أسبانيا هو خوسيه رامون ريبول كان رشحه للمهرجان الأستاذ رفعت عطفة مدير المركز الثقافي العربي في أسبانيا
يقول ريبول في قصيدة (أطلال في الشاطئ):
«..أتيت باحثاً من أصل ملتبس
قد عبرت الحياة كي ألامس الأحجار
التي نقشت عليها أسطورتك واسمي
من البحر تبدو أطلالك بهاء نار
بحثت عنك في زمني وكنت مؤجلة
أبعد من الليل
والآن تبرزين للعيان
حين لم تعد عيناي تريان
غير ارتعاشة الأفق..»
وقرأ الشاعر العراقي محمد مظلوم عدة قصائد من ديوانه الأحدث (اسكندر البرابرة)
بينما قرأ الشاعر لقمان ديركي عدة قصائدة من شعره الحديث ومن ديوانه أب ضال
(نفسي من أرى في المرآة
وإذا وقعت من طابق عال
لن يخاف علي أحد سواي
وإذا سقطت
فلن يلتقطني سواي
وإذا ملت ستسندي نفسي
واذا بكيت ستمسح نفسي دموعي
ولن يبكي-علي بعد ذلك- سواي)
كواليس أهم من الفعاليات
في مهرجان الشعر العربي الثاني تتابع مدينة الرقة مشروعها الثقافي المدعوم من المؤسسات الأهلية وبعض رجال الأعمال والمحافظ وشيوخ العشائر فهي لا تكاد تنتهي من نشاط حتى تبدأ التحضير لآخر بشكل ممنهج وبعيد عن الارتجال فيما أكثر محافظاتنا يغط في سبات ثقافي عميق، وهذا ما جعل أحد زملائنا يعلق (شيخ عشيرة بالرقة يقدم للثقافة مالم تقدمه وزارة الثقافة)
و لا تكمن أهمية المهرجان فيما قدم على منبره إنما ما قدمه الضيوف في الكواليس حيث حرارة النقاش وزوال الأقنعة فالنقاش السياسي الحامي بين الشاعر محمد مظلوم وبين عبد المنعم حمندي بشأن الوضع العراقي لا يمكن أن نراه في الصالة حيث الابتسامات الدبلوماسية، كما لا نستطيع أن نشاهد لقمان ديركي يغني بالكردي إلا بعد امتلاء (الطاسة) في المطعم وبين مقطع غنائي وآخر لابد من نكتة ديركية تتناول أحد المثقفين أو الشعراء، هذا غير إطلاق مدير ثقافة الرقة لجسده العنان حيث الرقص بين شعراء القوا (بالبرستيج) الثقافي جانبا وأصبحوا حقيقتهم
لذلك كثيرا من المهرجانات تتجلى أهميتها بكواليسها وليس ببرنامجها.
الرقة- أحمد الخليل
إضافة تعليق جديد