جدل خلافي في واشنطن حول الغارة الإسرائيلية على سورية
الجمل: بدأت تتضح اليوم بعض المعالم والملامح الأولية للتغذية العكسية التي نتجت من جراء حملة اللوبي الإسرائيلي ضد سوريا، والتي قطعت حتى الآن ثلاث مراحل، وعلى ما يبدو فإن العبور إلى المرحلة الرابعة سوف لن يكون سهلاً أمام اللوبي الإسرائيلي هذه المرة، وذلك على ضوء ما أوردته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية حول ما دار بين بعض أركان الإدارة الأمريكية في عملية تقييم المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية.
أوردت الصحيفة أنه نشب خلاف حاد داخل الإدارة الأمريكية حول مدى أهمية المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية التي أدت إلى الغارة الجوية الإسرائيلية داخل سوريا في صبيحة السادس من أيلول الماضي.
* الخلاف داخل الإدارة الأمريكية: تقرير صحيفة نيويورك تايمز:
نشرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الصادرة اليوم تقريراً إخبارياً أعده الصحفيان مارك مازينتي، وهيلينا كووبر، حمل عنوان: "الغارة الإسرائيلية على سوريا تشكل جدلاً خلافياً في الولايات المتحدة".
أشار تقرير النيويورك تايمز إلى النقاط الآتية:
* تركز الخلاف حول المعلومات الاستخبارية التي قدمتها إسرائيل إلى البيت الأبيض، لدعم المزاعم بأن سوريا قد باشرت البدء بالعمليات الأولية لما يمكن أن يصبح برنامجاً للأسلحة النووية، بمساعدة من جانب كوريا الشمالية، ومدى أهمية وكفاية هذه المعلومات الاستخبارية لتبرير قيام إسرائيل بالعمل العسكري، وإعادة النظر المحتملة في السياسة الأمريكية إزاء سوريا وكوريا الشمالية.
* خطوط الانقسام والخلاف داخل الإدارة الأمريكية تمثلت في:
* خط نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني وصقور المحافظين الجدد داخل الإدارة الأمريكية يتمسكون بالمزاعم القائلة بأن المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية صحيحة ومؤكدة، ومن ثم يتوجب على الإدارة الأمريكية أن تعيد النظر في علاقاتها وروابطها الدبلوماسية مع سوريا وكوريا الشمالية.
* خط وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس وحلفاؤها داخل الإدارة الأمريكية، ويرون بأن المعلومات الاستخبارية التي قدمتها إسرائيل ليست كافية بالقدر الذي يستحق قيام الولايات المتحدة بإجراء أي تغيير في التوجه الدبلوماسي الأمريكي.
أشار تقرير الواشنطن بوست إلى بعض الملاحظات والتعليقات التي صدرت من بعض المسئولين:
• مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية رفض ذكر اسمه قال بأن "بعض الناس يعتقدون بأن ذلك يعني أن السماء قد بدأت في السقوط، وآخرون يقولون بأنهم غير مقتنعين بأن المعلومات الاستخبارية قد شكلت تهديداً حقيقياً..."
• إضافة إلى وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس، قال بعض المسئولين الأمريكيين بأن وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتز كان حذراً حول الاعتماد والتصديق الكامل للتحذيرات الإسرائيلية القائلة بأن سوريا تسير في الطريق الذي يمكن أن يؤدي إلى السلاح النووي. كذلك أشار هؤلاء المسؤولون، إلى أن هناك آخرين في إدارة بوش ظلوا غير مقتنعين بأن ثمة برنامجاً نووياً سورياً وليداً، يمكن أن يشكل تهديداً فورياً قائماً.
كذلك أشار تقرير الصحيفة إلى أن بعض كبار المسئولين الأمريكيين الذين أدلوا بهذه التعليقات والتصريحات، قد رفضوا ذكر أسمائهم، وذلك لأن إدارة بوش مازالت تفرض السرية الكاملة على المعلومات الاستخبارية المتعلقة بالغارة الإسرائيلية.
* موقف نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني وجماعة المحافظين الجدد داخل الإدارة الأمريكية:
عبر ديك تشيني وحلفاؤه داخل الإدارة الأمريكية، عن ضرورة عدم التساهل إزاء قرار الرئيس بوش وكوندوليزا رايس الذي صدر خلال الأسبوع الماضي، والذي قضى بضرورة أن تمضي الإدارة الأمريكية قدماً في الاتفاق القاضي بتزويد كوريا الشمالية بالمساعدات الاقتصادية مقابل قيام الأخيرة بوقف نشاطها النووي.
ويركز تشيني وحلفاؤه على الزعم بان المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية قد أظهرت بأن كوريا الشمالية لا يمكن الوثوق بها، وشدّدوا أيضاً على ضرورة أن تقوم الولايات المتحدة بناءً على ذلك بعدم مواصلة التزامها بالاتفاق مع كوريا الشمالية، إلا إذا أقرّت (كوريا) بتعاونها مع السوريين...
* خفايا موقف إدارة بوش إزاء كوريا الشمالية:
تقول معلومات صحيفة النيويورك تايمز بأنه، وخلال اجتماع فطور عمل بتاريخ 2 تشرين الأول الجاري، وتحديداً في البيت الأبيض، كانت وزيرة الخارجية الأمريكية كوندوليزا رايس قد التقت مع كريستوفر آرهيل، رئيس وفد التفاوض الأمريكي مع الكوريين الشماليين، وتم تحديد الموقف الأمريكي على ضوء أن الإدارة الأمريكية أصبحت مواجَهة بخيارين إزاء التعامل مع كوريا الشمالية:
• الخيار الأول: الاستمرار في الاتفاق مع كوريا الشمالية كوسيلة لإعادتها إلى حظيرة العمل الدبلوماسي، وإعطاءها الحوافز لكي توقف برنامجها النووي.
• الخيار الثاني: العودة إلى إستراتيجية الإدارة الأمريكية السابقة القائمة على أساس اعتبارات عزل كوريا الشمالية، وهذا أمر سيترتب عليه، كما يرى البعض في الإدارة الأمريكية، ترك كوريا الشمالية تمضي قدماً في برنامجها النووي وإجراء اختبار التفجير النووي الذي قالت كوريا بأنه سيتم في نهاية تشرين الأول الجاري.
وأشارت الصحيفة إلى أن هذا الاجتماع قد حضره نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني وستيفن هادلي مستشار الأمن القومي الأمريكي، إضافة إلى بعض كبار المسئولين الآخرين في الإدارة الأمريكية.
* البيت الأبيض والمعلومات الاستخبارية الإسرائيلية حول سوريا:
تقول الصحيفة بأن الغارة الإسرائيلية ضد سوريا قد حدثت في وقت حرج بالنسبة للجهود الدبلوماسية الأمريكية، والتي كانت في مسارين شديدي الأهمية للبيت الأبيض:
* مسار المفاوضات مع كوريا الشمالية، وبداية تنفيذ الاتفاق الذي توصل إليه المفاوضون الأمريكيون معها حول مشروطيات وقف أنشطة برنامجها النووي.
* مسار ترتيب المؤتمر الدولي لسلام الشرق الأوسط، والذي تسعى الإدارة الأمريكية إلى التوصل عن طريقه إلى اتفاقية سلام وشامل دائم بين العرب والإسرائيليين.
مسئولون أمريكيون رفيعو المستوى قالوا للصحيفة بأن إسرائيل سبق أن زودت الولايات المتحدة بمعلومات استخبارية خلال فترة الصيف، حول ما وصفته إسرائيل بأنه يمثل أنشطة نووية في سوريا.
وقال المسئولون أيضاً، بأن إسرائيل أخبرت البيت الأبيض -باختصار واقتضاب- مقدماً بالغارة التي استعدت ورتبت للقيام بتنفيذها ضد سوريا، ولكن لا توجد معلومات واضحة تؤكد أن البيت الأبيض الأمريكي قد اتخذ موقفاً محدداً إزاء تبرير وتجويز القيام بتنفيذ الغارة...
* ردود الأفعال السورية والكورية الشمالية إزاء المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية:
أشارت صحيفة النيويورك تايمز إلى أن المعلومات والمزاعم التي رددتها إسرائيل، قد قوبلت بردود الفعل الآتية:
* على الجانب السوري: تقول الصحيفة بأن مسؤولاً تركياً كبيراً قد زار دمشق مؤخراً، وقام بتسليم السوريين ملفاً إسرائيلياً يتعلق بما تزعم إسرائيل أنه برنامج نووي سوري، وأشارت الصحيفة إلى أن المسئولين السوريين قد نفوا صحة المعلومات الاستخبارية الواردة في الملف الإسرائيلي، وقالوا بأن ما استهدفته إسرائيل كان مجرد مخزن للصواريخ.
* على الجانب الكوري الشمالي: طرح كبير المفاوضين الأمريكيين كريستوفر هيل، مسألة البرنامج النووي السوري مع نظيره الكوري الشمالي خلال الاجتماع التفاوضي الذي تم في بكين في نهاية شهر أيلول الماضي، وقد أنكر كبير المفاوضين الكوريين الشماليين قيام كوريا الشمالية بتزويد سوريا بأي مواد نووية.
وفي محاولة لتقييم المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية صرح بروسي ريديل، المسئول الكبير السابق في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية، ومجلس الأمن القومي الأمريكي، وخبير شئون الشرق الأوسط الحالي بمعهد بروكينغز، قائلاً بأن أجهزة المخابرات الأمريكية ما تزال تتوخى الحذر في التوصل إلى استنتاجات نهائية حازمة إزاء أهمية الأنشطة التي تجري على الجانب السوري.
* وصلْ الخط المنقطع بين البرنامج النووي الكوري الشمالي (الحقيقي) ونظيره السوري (المفترض):
تقول صحيفة النيويورك تايمز، بأن المباحثات السداسية مع كوريا الشمالية، والتي ضمت (الولايات المتحدة، كوريا الشمالية، الصين، روسيا، وكوريا الجنوبية) قد توصلت إلى اتفاق مبدئي في شباط الماضي، بحيث تقوم كوريا الشمالية بإغلاق مفاعلاها النووي مقابل الحصول على الوقود والمساعدات الغذائية..
وتشير الصحيفة إلى أن هذا الاتفاق قد أدى إلى حالة من الغضب العارم في أوساط جماعة المحافظين الجدد الذين كانوا يعتقدون بأن إدارة بوش قد أعطت الجهود الدبلوماسية إزاء كوريا الشمالية قدراً مفرطاً من الأوليّة، على النحو الذي يكون فيه على حساب جهود مكافحة ومحاربة انتشار الأسلحة المحظورة في الشرق الأوسط، وقد عبر عن هذا الغضب العارم جون بولتون السفير الأمريكي السابق في الأمم المتحدة الذي قال: "إن معارضة الغارة الإسرائيلية لصالح حماية محادثات الستة أطراف، هو أمر يمثل جحوداً ونكراناً وتملصاً مفزعاً ومروعاً من جانب الإدارة الأمريكية إزاء إستراتيجيتها المتعلقة بأمنها القومي..".
وعلى كل من المتوقع أن تحاول جماعة المحافظين الجدد، على خلفية دعم اللوبي الإسرائيلي، فرض وممارسة المزيد من الضغوط على الإدارة الأمريكية، باتجاه اعتماد مبدأ سلامة ومصداقية المعلومات الاستخبارية الإسرائيلية حول البرنامج النووي السوري، واستخدام ذلك كذريعة لإفشال اتفاقية الإدارة الأمريكية مع كوريا الشمالية وفرض المزيد من الضغوط الدبلوماسية على سوريا.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد