تعالوا إلى حيثُ «التشبيح»
في الطريق نحو أحد مقاهي اللاذقية تضطر إلى اجتياز الطريق نحو الجهة المقابلة قبل الوصول إلى مقصدك بأمتار، ثم تعبر مجدداً لدخول المقهى. عدد كبير من السيارات الرباعية الدفع على الرصيف محاطة بالحراس، تجعل المرور إجبارياً بينهم... وهذا غير محبّذ في مدينة «المرافِقين».
في هذه البقعة «المعفاة» من الاشتباكات، وحده الدعاء الذي يخرج من ثغر أم مكلومة يغطّي على الهمّ المعيشي. دعاء حُشرت فيه «أسماء عَلَم» إلى جانب اسم «داعش» وأخواته.
لقب «شيكاغو السوريّة» قد يكون مبالغاً فيه لوصف مدينة حضنت عشرات الآلاف من النازحين والهاربين من هوْل «قندهار» وأمثالها... لكن تجّار الحرب و«وطنيّي الغفلة» جعلوا منها، ومن محيطها، مسرحاً مفتوحاً لمشهديات من نوع آخر.
هنا، تقدّم مجموعة نافذين ومتسلقين، يومياً، عُروضاً مستمرة من «التشبيح» والتجاوزات والاحتيال. هؤلاء أعلى من الدولة والقانون. يصفهم أحد أبناء المدينة الساحلية بـالطفيليات: يُسجن واحدهم فينمو شبيه له في الخارج. يعتدي ببساطة على شرطي مرور، أو يحتقر النازحين ويعنّفهم. يفرض تسعيرته الخاصة أو يبيع مساعدات الدولة والجمعيات. وفيما يتحرك هؤلاء بلا مايسترو، تبدو الأجهزة الأمنية عاجزة عن ضبط إيقاعهم. شبكات منفصلة توحي لمن يريد «الارتقاء» طبقياً أنّه يستطيع ذلك.
في المدينة الساحلية، محالّ يصعب على المواطن أن يدخلها: «فلان هنا... قد ينزعج من نظرتي»، وهذا المطعم يجلس فيه «زعران المسؤول الفلاني...». قد يكون المعتدي «لا أحد»، لكن الجميع يخاف أن يسأل «من يدعمه». هذه الخشية المسبقة، تجعل سلوك «يا ربي السترة» مسيطراً على البسطاء في السوق أو في طوابير محطات البنزين. فالمسألة لم تعد متعلقة بـ«مدعوم» يحرّك إشارات السير على هواه، أو آخر يفرض الرعب في الشوارع، بل هي أشبه بحالةٍ عامة تسود المدينة وتُفاقم أزماتها.
من علامات «النصر» الإعلامي للمعسكر المعادي لسوريا، تكريس مفردة «شبيحة» وإلصاقها بكل فرد خاصم/ عادى/ وقف على الحياد تجاه «الثورة». هؤلاء «الناجحون» خلف منابرهم وشاشاتهم، والمموّلون جيداً، يحتاج بعضهم زيارة واحدة إلى مدينة اللاذقية أو مصياف (ريف حماه) أو غيرهما، ليدركوا أنّ فئة عريضة من المواطنين تستخدم كلمة «شبيحة» بما يفوق خطابهم الدعائي.
الهاربون من «التشبيح» على الطرقات، يتابعون من يتهمهم بـ«التشبيح» على الشاشات في منازلهم.
يشاهدون، مثلاً، خبراً عن «مقتل أم الشبيحة مع ثلاثة من جنود الأسد». هم يعرفون جيداً الشهيدة المهندسة سهام الشبل: ابنة جبلة التي تلاحق الخطوط الأمامية لإيصال الطعام الساخن للجنود. وفيما هم يذرفون دمعة على الفقد، يُخطّط آخرون (في شارع قريب) لعملية نصب جديدة. هنا لا «إرهابيين» ولا فوضى معارك. في اللاذقية مواطنون إلى جانب الدولة يُسرقون ويُعتدى عليهم باسم الدولة.
إيلي حنا
المصدر: الأخبار
إضافة تعليق جديد