تشومسكي يكتب عن أوهام بوش في الشرق الأوسط
يمنح كثيرون في العالم العربي المفكر الامريكي البارز نعوم تشومسكي تفويضا كأنه يتحدث بلسانهم ويعبر عن قضاياهم المحلية أو ما يتعلق بها خارجيا مثل استخدام الولايات المتحدة ما يطلق عليه واجهات عربية حاكمة ورجال شرطة محليين مستعدين للضرب.
كما يجد تشومسكي تصفيقا عربيا بمجرد أن يعترض على ما يصفه بالمعايير المزدوجة لبلاده في تغيير رؤيتها لشخص مثل الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
وعن هذه الازدواجية يقول تشومسكي (78 عاما) في كتابه (أوهام الشرق الاوسط) الذي صدرت ترجمته العربية في مصر ان الرئيس الامريكي الاسبق جورج بوش والد الرئيس الحالي كان يعتبر صدام حليفه وصديقه حتى أغسطس اب 1990 "عندما ارتكب أول جريمة.. مخالفة الاوامر" في اشارة الى احتلاله الكويت.
ويضيف أن صدام فقد صفة "المعتدل" من وجهة النظر الامريكية لانه اجتاح الكويت لكنه لم يفقد هذا الوضع في فترات سابقة عندما كان حليفا لامريكا "حينما قتل الاكراد بالغاز واعتقل المنشقين عنه."
واتهم صدام بارتكاب جرائم ابادة جماعية وفي مقدمتها ضرب قرية حلبجة الكردية بأسلحة كيماوية عام 1988 وينفي صدام الاتهامات الموجهة اليه بشأن تلك القرية مشيرا الى أن القوات الايرانية التي كانت تخوض حربا مع العراق بين عامي 1980 و1988 كانت المستهدفة بتلك الهجمات.
ولايزال تشومسكي يواصل انتقاداته لسياسة الرئيس الامريكي جورج بوش الابن في العراق منذ شنت الولايات المتحدة حربا في مارس اذار 2003 بحجة اسقاط نظام صدام واحتلت البلاد في التاسع من ابريل نيسان من العام نفسه.
واكتسب تشومسكي مكانته "العربية" حين أصبح من أشهر المعادين للسياسة الخارجية لبلاده واسرائيل متجاوزا تخصصه الدقيق في علم النحو التوليدي.
ولكن ناشري كتبه المترجمة بحماس بالغ الى العربية لا يذكرون في بعض الاحيان المصادر التي ترجموا عنها. ولعل من الاستثناءات القليلة كتاب (في تفسير مذهب بوش ومقالات أخرى) حيث ذكرت مترجمته المصرية لبنى صبري أنها جمعت بعض مقالات تشومسكي من موقعه على الانترنت وترجمتها.
وصدر في القاهرة عن (مكتبة الشروق الدولية) كتابان لتشومسكي هما (اهدار الحقيقة: اساءة التعليم والاعلام وأوهام الليبرالية والسوق الحرة) تحرير وتقديم دونالدو ماسيدو وترجمة نعيمة علي و(أوهام الشرق الاوسط) ترجمة شيرين فهمي. ويخلو الكتابان من الاشارة الى طبيعة الاصل الاجنبي الذي ترجما عنه.
ويتناول كتاب (اهدار الحقيقة: اساءة التعليم والاعلام وأوهام الليبرالية والسوق الحرة) الذي يقع في 200 صفحة كبيرة القطع فصولا منها (حرفة صناعة التاريخ) و(ديمقراطية السوق في نظام ليبرالي حديث المذاهب والواقع) و(فيما وراء ترويض التعليم).
أما كتاب (أوهام الشرق الاوسط) فيقع في 109 صفحات كبيرة القطع وهو استعراض تاريخي تحليلي لتغيرات شهدتها منطقة الشرق الاوسط منذ ما قبل الخمسينيات التي شهدت الانقلاب على حكومة الدكتور محمد مصدق (1880 - 1967) في ايران وثورة عبد الكريم قاسم على الحكم الملكي في العراق.
ويقول تشومسكي في الكتاب الاخير ان الولايات المتحدة في ادارتها "وسيطرتها على" منطقة الشرق الاوسط تنتهج الهيكل الاساسي للنظام البريطاني حين كانت الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس تدير "المستعمرات وتمتصها" باسناد الادارة المحلية الى واجهات عربية تأخذ الشكل الخارجي للسيادة.
وينتقل الكاتب الى التطبيق الامريكي لهذا المفهوم البريطاني قائلا ان الواجهة التي يعتمد عليها يجب أن تكون ضعيفة "وتعتبر العائلات الدكتاتورية هي النموذج المفضل والمحبب. وبغض النظر عن سلوكياتها الوحشية وغير الادمية الا أنها تحظى بشرف واحترام مادامت تخدم مصالح الولايات المتحدة وتحافظ على توجيه وتوصيل تدفق الارباح الى الولايات المتحدة والى شريكها البريطاني... فاذا قامت هذه العلائلات بمهمتها على أكمل وجه فستكون مكافأتها الضخمة من قبل دافع الضرائب الامريكي."
ويصف الواجهة العربية الحاكمة بأنها "تتسم بالضعف والطاعة" وهذا يجعلها مهددة داخليا بسبب القلاقل الجماهيرية التي تستدعي ايجاد نوع من القوة لمواجهتها أو بعبارة أخرى "رجال شرطة محليين مستعدين للضرب."
ويقارن بين ما يطلق عليه العمليات التركية في شمالي العراق والعمليات الاسرائيلية في جنوب لبنان في ظل احتلال دام 22 عاما قائلا "تشابها كبيرا بينهما ففي الحالتين تمت العمليات الوحشية تحت رضاء الولايات المتحدة مما أعطى في النهاية صفة الشرعية" مشيرا الى أن اسرائيل قتلت نحو 45 ألف لبناني خلال تلك الفترة ولكن أحدا في رأيه لا يحصي عدد ضحايا أمريكا ولا ضحايا أصدقائها.
ويصف التزام بلاده بحقوق الانسان بأنه أسطوري كاذب وأن هذه الحقوق تتحدد على أساس الاسهامات في حفظ النظام فللحكومات العربية حقوق لانها تسيطر على الشعوب وتضمن في رأيه تدفق الثروة الى الغرب ولبريطانيا حقوق "مادامت تلعب دور الكلب التابع الوفي" للولايات المتحدة. ويقول ان هدف الولايات المتحدة وبريطانيا يتمثل "أساسا في الاحتفاظ بالسيطرة على المناطق المنتجة للنفط وليس الدفاع عنها."
ومن وجهة نظر الادارة الامريكية وفقا لتشومسكي فان لرجال الشرطة الاقليميين وللواجهة الحاكمة كل الحقوق ماداموا يؤدون مهامهم بكفاءة في حين تسلب حقوق الاخرين "الاكراد. ساكني العشوائيات في القاهرة وغيرهم ومن ضمنهم الفلسطينيون الذين يمتلكون حقوقا سلبية لان معاناتهم تسبب حالة من عدم الاستقرار. هذه الحقائق البسيطة توضح قدرا كبيرا حول السياسات الامريكية في المنطقة بما فيها عملية السلام." ويرى ان تأييد الولايات المتحدة يضمن حماية الواجهة العربية من أية ضغوطات ديمقراطية.
المصدر: رويترز
إضافة تعليق جديد