الولايات المتحدة تذبح مئات المدنيين السوريين في الرقة كل أسبوع
الجمل - بقلم:جوردان شيلتون - ترجمة: وصال صالح
تؤدي الهجمات المدعومة من قبل الولايات المتحدة على معقل داعش في الرقة إلى إزهاق أرواح مئات المدنيين كل أسبوع، بما في ذلك العشرات من النساء والأطفال. حيث تنشر الولايات المتحدة الطائرات والقوات على الأرض والقوة العشوائية ضد مركز المدنيين حيث يقدر عدد أولئك الذين ما يزالون محاصرين ب 25 ألف شخص مع فرار 270 ألف مدنياً.
وفقا لمجموعة Air wars، ومقرها لندن و التي تقوم برصد الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة في كل من العراق وسورية فإن 725 مدنياً فقدوا حياتهم في غضون شهرين ونصف منذ بدء الهجوم على الرقة في حزيران. بينما ذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره لندن أيضاً، أن 168 مدنياً قتلوا بين 14 و22 آب فقط، نتيجة الضربات الجوية الأمريكية، هذا مع الأخذ بعين الاعتبار الحالة الإنسانية السيئة للغاية ما دفع الأمم المتحدة أمس إلى المطالبة بوقف العمليات العسكرية للسماح للمدنيين بالفرار.
وكان مصدر مسؤول في واشنطن نفي نداء الأمم المتحدة، معلناً أن وقف العمليات سيمنح داعش "مزيدا من الوقت لبناء دفاعاته هذا يعني تعريض المزيد من المدنيين للخطر" و "تعزيز داعش لأساليبه في استخدام المدنيين كدروع بشرية".
الإمبريالية الأميركية عازمة على تعزيز مصالحها الاستراتيجية الجغرافية والاقتصادية في سورية والعراق وحتى في المنطقة برمتها ضد منافسيها، ولو اقتضى ذلك ضياع المراكز الحضرية بأكملها، وارتكاب المجازر بحق عشرات آلاف المدنيين الأبرياء.وبينما تزعم الدعاية الرسمية في واشنطن أن الولايات المتحدة تريد القضاء على داعش، إلا أن السبب الرئيسي لهذا الهجوم الذي لا يرحم في المدن المكتظة بالسكان على مدى السنة الماضية كان لضمان تحقيق القوات التي تدعمها الولايات المتحدة السيطرة على مناطق ذات أهمية استراتيجية في شرق سورية وغرب العراق قبل قيام الجيش السوري والقوات الحليفة له المدعومة بالقوة الجوية الروسية بذلك.
في هذه الأثناء كشف تقرير منظمة العفو الدوليةالذي صدر يوم الخميس أن الحنود الأميركيين على الأرض ، الذي يُفترض بأنهم انتشروا ليقوموا بمهمتم "كمستشارين" "لقوات سورية الديمقراطية التي يهيمن عليها الأكراد، يطلقون عشوائياً القذائف المدمرة على الرقة. حادثة واحدة موثقة من قبل مجموعة Air wars شهدت إطلاق اثنتا عشر قذيفة على مبنى سكني، مما تسبب في مقتل اثني عشر مدنياً، من بينهم طفل رضيع. "سواء كنت ستعيش أوستموت الأمر يعتمد على الحظ لأنك لا تعرف أين ستضرب القذيفة القادمة"، قال أحد السكان لمنظمة العفو.
وكان دوناتي ﻻ روفيرا وهو مستشار كبير في الاستجابة للأزمة من منظمة العفو قال إن الهجوم الذي تدعمه الولايات المتحدة يساعد في إنشاء "متاهة قاتلة" للمدنيين في المدينة، الذين هم عُرضة لإطلاق النار من جميع الأطراف.
وبينما تشير التقارير إلى استعادة قوات الدفاع الذاتي، التي تقودها وحدات حماية الشعب الكردي المسلحة من قبل أميركا حوالي 60 بالمئة من الرقة. لكن حتى في المناطق التي يُزعم أنها تحت سيطرة هذهالميليشيا، فإن باستطاعة مقاتلي داعش شن هجمات مضادة.
تأتي المذبحة المروعة بحق المدنيين في الرقة بعد شهور فقط من سيطرة القوات العراقية المدعومة من الولايات المتحدة، معتمدة على القوة الجوية الأمريكية، على مساحات شاسعة من مدينة الموصل في شمال العراق. واستخدام الطائرات الحربية الأمريكية مراراً وتكراراً القوة الساحقة في المناطق السكنية، التي كثيراً ما تلجأ إلى إلقاء الذخائر غير دقيقة التصويب ضد قناصة داعش. بعض التقديرات قدرت أن عدد الوفيات المرتفع في المدينة قد يصل إلى 40,000.
هذه الجرائم الوحشية ضد السكان الذين طالت معاناتهم في سورية والعراق هي جرائم حرب وانتهاكات صارخة للقانون الدولي، الذي يحظر استهداف المدنيين واستخدام الهجمات العشوائية في المناطق الحضرية. إنها دليل على تورط ليس فقط كبار المسؤولين في إدارة ترامب بما في ذلك الرئيس نفسه الذي كان قد تفاخر بإلغاء أي قيود تتعلق باستخدام القوة العسكرية، ولكن أيضا حكومة باراك أوباما، الذي أصبح أول رئيس لولايتين ليشن حرباً طوال فترة عمله في المكتب، وشن أيضاً هجوماً على مدينة الموصل.
الاحتمال الوشيك بأن تٌجبر داعش على الخروج من آخر معاقلها الحضرية الرئيسية لن يؤدي إلى انخفاض عدد القتلى من المدنيين وإنما بدلاً من ذلك زيادة تورط الولايات المتحدة في سورية. وكانت الولايات المتحدة والقوات الخاصة البريطانية تعمل على تدريب المتمردين "الإسلاميين السوريين" في جنوب شرق البلاد بهدف استخدام هؤلاء الوكلاء للاستيلاء على أراضي داعش في الشمال، بدلاً من السماح لها بالوقوع في أيدي الجيش السوري. المنطقة الحدودية الشرقية ذات أهمية استراتيجية كبيرة، إذ أنها ستمكن إيران من إقامة جسر بري من طهران إلى دمشق وحليفها حزب الله في لبنان. بينما تتهم إدارة ترامب، إيران بأنها راعي رئيسي للإرهاب في المنطقة، تنظر إلى ما يجري على أنه لا يُحتمل.
المناقشات الجارية بشكل جيد داخل الدوائر الحاكمة في الولايات المتحدة تم إيجازها بمقال بعنوان "هل ينوي ترامب إحباط طموحات إيران في سورية؟" نشرتها يوم الخميس فورين بوليسي، والتي حذرت من أن "الرئيس يخاطر بالذهاب في التاريخ كرجل هزم داعش فقط لجعل منطقة الشرق الأوسط آمنة للهيمنة الإيرانية."
في هذه الأثناء تزعم إسرائيل، بأنها مهددة من إنشاء ممر إيراني إلى منطقة البحر الأبيض المتوسط، كاتب المقال، جون هانا، الذي شغل منصب مستشار الأمن القومي لديك تشيني خلال إدارة بوش وهو الآن زميل بارز في مؤسسة الدفاع البحثية،عن الديمقراطيات ، انتقل إلى القول بأن الهدف الرئيسي لترامب في سورية ينبغي أن يكون "منع تحولاً جوهرياً في ميزان القوى لصالح أعداء أمريكا الأكثر تصميماً في منطقة من مناطق العالم تعتبر منذ أمد بعيد الأكثر حيوية لمصالح الولايات المتحدة. "
الاستخدام غير المقيد للجيش في واشنطن لن يقتصر على العراق وسورية. يوم الاثنين، تحدث الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى حشد من الجنود يرتدون الزي العسكري ومتفاخراً بإعطاء صلاحيات صنع القرار الكامل للقادة العسكريين لتحديد متى يتم استخدام قوة ساحقة "لطمس" الأعداء في أفغانستان. بينما لا مفر من إزهاق حياة المزيد من عشرات الآلاف من الضحايا المدنيين في بلدان آسيا الوسطى الفقيرة، حيث فقد مئات الآلاف أرواحهم في حرب استعمارية جديدة وحشية، عمرها 16 عاماً من الاحتلال الذي تقوده الولايات المتحدة بالفعل.
ترامب ووزير دفاعه جيمس ماتيس استخدما اللغة التحريضية في التهديدات العدوانية ضد كوريا الشمالية. بعدما حذر ترامب بيونغ يانغ من أنها ستواجه "النار والغضب" من الولايات المتحدة، لم يترك ماتيس مجالاً للشك حول حجم الهجمة التي يجري إعدادها ضد بيونغ يانغ عندما أعلن أن حرباً مع كوريا الشمالية ستؤدي إلى "تدمير شعبها".
في الحقيقة، اندلاع العنف الإمبريالي الأمريكي في أشكال دموية أكثر من أي وقت مضى هو لائحة اتهام مدمرة لكل من تلك القوى السياسية التي سعت على مدى الربع قرن الماضي لتصوير واشنطن كمدافع عن "حقوق الإنسان" و "الديمقراطية". الديمقراطيات التي يقودها "الليبراليون" صحيفة نيويورك تايمز، قدمت الدعاية اللازمة لتسويغ الحرب على العراق في عام 2003، قصف ليبيا بهدف تغيير النظام في عام 2011 تحت ذريعة زائفة "مسؤولية الحماية"، وتسليح المتمردين الإسلاميين في سورية باسم دعم ما يسمى معارضة "ديمقراطية" . كانوا يحظون بتأييد العديد من الجماعات شبه اليسارية الذين ذهبوا إلى حد تصوير الأحداث في سورية على أنها "ثورة"، ووجهوا نداءاً للولايات المتحدة وحلفائها من الإمبريالية الأوروبية للتدخل على نحو أكثر حزماً إلى جانب "المتمردين".
العام الماضي، أصدرت وسائل إعلام الشركات إدانات متواصلة لروسيا وللدولة السورية بارتكاب جرائم حرب وانتهاك القانون الدولي خلال هجومهم لطرد الجهاديين الإسلاميين -المسلحين من الولايات المتحدة- خارج حلب الشرقية. المئات من المدنيين قتلوا أو شوهوا بسبب الهجوم الروسي والسوري المشترك بالمقارنة بعشرات الآلاف الذين ذبحوا نتيجة العمليات التي تقودها الولايات المتحدة حتى الآن هذا العام، ناهيك عن الملايين الذين لقوا مصرعهم نتيجة للحروب الأمريكية دون انقطاع من العدوان على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية في جميع أنحاء الشرق الأوسط.
تحديداً بسبب هذا الواقع، سعت وسائل الإعلام الرئيسية النافذة عمداً إلى دفن تغطية الأحداث الأخيرة، مع إعطاء قدرمن المساحة للإنكارالسخيف عن مسؤولية الجيش الأميركي كما يفعلون لإدانة نتائج التقارير من Air wars ومن منظمة العفو الدولية.
هذه النتائج لم توقف توماس فريدمان، وهو كاتب عمود في صحيفة تايمز يقوم بالدعاية لكل حرب عدوانية تقودها الولايات المتحدة منذ التسعينات، مع الاستمرار في تمجيد براعة الجيش الأميركي. في عموده الأخير المعنون "من كابول إلى بغداد"، أُلهم فريدمان خلال زيارته لمركزالضربات الأميركية المشتركة في أربيل شمال العراق، من حيث أطلقت العديد من الصواريخ والقذائف التي قتلت مدنيين. أنه شاهد القوات الأميركية تُطلق قنابل زنة 500 باوند على أحد المباني حيث يتمركز قناصة داعش، وبالكاد استطاع السيطرة على حماسه. "الشاشة أعادت بث طائرة من طراز F-15E تسقط قنبلة تخترق السقف مباشرة، كتب فريدمان، كما لو كان يصف لعبة فيديو.
"' لدينا دفقة، 'قال أحد المراقبين بينما اجتاح عمود من الدخان شاشة الفيديو". كان ذلك كل ما تبقى من الهدف المحدد، وواصل فريدمان، تحول إلى كومة من"الأنقاض المشتعلة،" نتيجة من الواضح أنه تم إعدادها مئات المرات في الحرب الجوية الأميركية.
خلال الأشهر الأخيرة، قاد الديمقراطييون حملة شرسة ضد روسيا سعوا من خلالها للضغط على بيت ترامب الأبيض للحفاظ على موقف واشنطن العدوانية تجاه موسكو.
الحملة المناهضة لروسيا في نفس الوقت تمثل القيادة العسكرية أيضاً، بما في ذلك ماتيس ورئيس الأركان جون كيلي ومستشار الأمن القومي هيربرت ماكماستر، جميعهم متورطون في جرائم الحرب التي ارتكبتها الإمبريالية الأمريكية حول العالم، كما "المعتدلين" و "الكبار في الغرفة" القادرين على كبح جماح ترامب.
حمام الدم الذي ابتُلي به العراق وسورية، والتهديد الوشيك بتوسعه في أفغانستان، يظهرمدى احتيالية المزاعم الأميركية.
عن: wsws.org
إضافة تعليق جديد