المفتي حسون: لا نريد من حماس الدعم بل الجهر بالحقيقة

13-07-2013

المفتي حسون: لا نريد من حماس الدعم بل الجهر بالحقيقة

قبل انطلاق الأزمة السورية في آذار/ مارس 2011 بما يزيد عن سنة، خرج الشيخ أحمد بدرالدين حسون ليقول كلمته الشهيرة "لو أن محمداً أمرني بقتل الناس لقلت له أنت لست نبياً".. لم يكن مفتي سورية يعلم يومهاً أن مشاهد القتل الغريبة عن الاسلام ونبيه ستُجر إلى سورية باسم "محمد" وباسم "الله".. لتعبث فيها خراباً وفق ما رسمته أيادي الخارج.

يتحدث اليوم إبن حلب البار لموقع قناة المنار عن أزمة دُبرت لبلاده التي لم ترضَ المساومة على قضية مساندتها لحركات المقاومة في المنطقة. وبصراحة يتناول العلاقة مع حركة حماس التي باتت تكن "العداء" لسورية بعد أن احتضنتها يوم صد العرب أبوابهم بوجهها يقول سماحة المفتي. ويوضح أن دولته لا تريد من الحركة الفلسطينية دعماً أو مساندة بل الجهر بحقيقة من ثبّت القطاع ودعم مقاومته، ويرد على من وصفه بأنه عالم السلطة بأنه كان الأكثر نصحاً للسلطة مذكراً أنه سُرح من عمله السابق أكثر من مرة نتيجة مواقفه ولكنه لم يعادي وطنه.

ويكشف الشيخ حسون عن "فوضى اسلامية" تريد أميركا تعميمها عبر قطر، متوقفاً عند الخطاب التكفيري الذي كانت بلاده أول من نبّه من امتداده، والذي اقتص منه باغتيال نجله سارية الذي لم يحمل يوماً سلاح. ويشير إلى أن اغتيال ولده لم يكن أول ضريبة دفعتها العائلة على مذبح الوطن، فسبق وأن خسر شقيقه الشاب الذي قتله زعيم القوت اللبنانية سمير جعجع بيده، كما يقول.

في افتتاحكم للمؤتمر الدولي لاتحاد علماء بلاد الشام  تحدثتم أن هناك مصدراً عربياً رفيعاً عرض على سورية أن تتخلى على المقاومة مقابل أن تتوقف أزمتها الدامية، ما يعني أن سورية اليوم لا تدفع الا ضريبة مساندتها للحركات المقاومة؟

هذا الكلام بدأ منذ غزو العراق، جاء وزير خارجية أميركا كولن باول لزيارة سورية ، وكان طلبه بأن يتم وقف دعم المقاومة مقابل أن يتم فك العزلة والمقاطعة عن سورية ، وستوقف الولايات المتحدة -بحسب باول- أي تحريض دولي ضد سورية، ويومها رفض الرئيس السوري بشار الأسد ذلك.

بعدها زارت عدة وفود أميركية سورية ، والتقيت بوفد من الكونغرس كان مطلبهم الرئيسي فقط أوقفوا المقاومة، كانوا يسعوون كلهم لاسترضاء العدو الصهيوني. وقد عبرنا بصراحة ، وفي أكثر من مرة أن مشكلتنا ليست مع اليهود بل مع من جاء الى فلسطين وطرد 5 ملايين من أهلها وجعلها وطناً قومياً له.

كان جوابنا: أعيدوا الفلسطينيين إلى بيوتهم وبعدها نوقف المقاومة، أما ما دام هناك فلسطيني خارج فلسطين، وسوري خارج مسقط رأسه في الجولان، فستبقى المقاومة حتى نعيدها، او اخضعوا لقرارات الأمم المتحدة التي لم تعترف بحدود الكيان الصهيوني...

المطلب الأميركي انتقل الى بعض القمم العربية التي بدأت تتحدث بنفس اللغة، في مبادرة السلام العربية التي رفضتها اسرائيل بالكامل، وبقي العرب يستجديها بعض العرب. كما أن مصدراً عربياً مهماً تحدث بصراحة لمصدر رسمي سوري قائلاً: "أوقفوا دعم المقاومة ولن يكون هناك مشكلة في سورية".. وقد يأتي وقت ونتحدث عن الأمور بأسمائها.

أن تتوقف سورية عن دعم المقاومة مقابل توقف الأزمة، برأيكم بعد سنتين داميتين عاشتهما سورية وأفرزتا انقساماً حاداً في الشارع السوري والمنطقة، هل لازال العرض قائماً وما مدى واقعية تطبيقه؟

اليوم مؤتمر جنيف المزعم عقد، وسواء تم عقده أم لا، فإنه سيقوم على اساس تخلي سورية عن المقاومة واقامة حكومة ترضى بصلح مع الاحتلال الصهيوني.

الشعب السوري هو من سيرفض هذه الشروط، لأن القضية ليست قضية خيارات رئيس أو حكومة، بل هي تمس ثوابت ومبادئ الشعب السوري.

فضيلة الشيخ تحدثتم أن المعركة في سورية  تستهدف تدمير قدرات الجيش السوري، لماذا الجيش السوري بالذات؟

كما فعلوا بالجيش العراقي، الذي كان اقوى جيش عربي، وهذا ما فعلوه بالجيش الليبي، فقد مات القذافي ولازلنا نرى الليبيين اليوم يقتلون بعضهم بعضاً. هم يريدون من كل الدول العربية أن تغرق بالفوضى.. كانوا يخططون لبلوغ أهدافهم منذ سنوات ونحن كنا نغرق في سبات عميق!

لقد شاهدتم التظاهرات الشعبية التي خرجت في محافظات مصر مؤخراً بعشرات الملايين. في المقابل، أكبر تظاهرة في سورية خرجت ضد الرئيس بشار الأسد يوم كان السلاح غير مستخدم ولم يقف ليصدها شرطي أو مجند كانت في مدينة حماه،  بلغ عدد المشاركين فيها عشرة  آلاف، ولم يتم ازعاج أي منهم. وطالبوا بعدة أمور من الدولة، فأُلغيت المادة الثامنة وغيرها من مواد الدستور.. ومع هذا لم تقف القضية وتحولت التظاهرات الى عصابات.

ثم بدؤوا بقتل العلماء وضباط الجيش واسقاط الطائرات وقتل الجنود، وقالوا إن من لم ينشق يجب أين يقتل، لماذا! لا نعلم. ثم قتلوا ولدي وهو طالب جامعي لم يحمل سلاحاً في حياته. حسناً لماذا اغتالوا ولدي؟ قتلوا ولدي لأنهم يعادونني كوني لم أؤيد أفكارهم.

قتلوه ثم اتهموا الدولة باغتياله فمرت الأيام والتقيت بمن اغتاله بعد ان تم اعتقالهم، رأيتهم مجموعة من الشباب ممن دُفع لهم مال، كانوا يبكون أمامي.. سامحتهم، فقال لي المحقق قتلوا 15 شخصاً بعد ابنك، فسألتهم: هل تعرفون ولدي؟ قالوا:كلا. طيب لماذا قتلتموه أجابوا: جاءتنا أوامر من خارج سورية ودُفع لنا 100,000 دولار.

وهذا التحقيق لازال موجوداً وهو مسجل صوت وصورة.

هم في الأصل يريدون تدمير بنية وقدرات الجيش لضرب عقيدته المقاومة، وما قدمه من مد لفصائل المقاومة في لبنان وفلسطين.. لذلك نجد أن هؤلاء يعملون واقعاً على تدمير البلد، لا تغيير رئيس أو نظام.

اليوم تتحدث الصحف الاسرائيلية بصراحة عما يجري في الساحات العربية، تدعو زعمائها لترك العرب يتقاتلون فيما بينهم.. يتقاطع مع ذلك ما أُطلق من دعوات للـ "جهاد" في سورية، ما هو تعليقكم؟

الذي يحزنني الآن هم أبناء العرب ومثقفوهم وعلماؤعم ، ألا يقرؤون ما يُكتب في الصحف الأجنبية ، وما يتحدث عنه كيسنجر، ألم يلتفتوا إلى ما ذكروه عن ضرورة خلق حرب بين السنة والشيعة تمتد مئة سنة، فماذا تفعل فضائياتهم؟

اليوم تغرق بلادنا بخطاب التكفير، لكننا لا نكفر من يخالفنا في الفكرة أو الرأي . فلم اعمد في حياتي الى اهانة من خالفني في الرأي، حتى عندما كنت اتحدث عن العلماء خارج سورية، كنت أذكرهم بكل أدب واحترام، وما كفّرت أحداً منهم، وادخلي الى الانترنت وقارني بين ما نكتب وما يكتب هؤلاء.

منذ ثلاثين سنة.. وأنا لا أرضى أن أكفر أحداً، لأن المسلم لا يكفر مسلماً. ولكن ما سمعته من تكفير لشيخنا البوطي –رحمه الله- ولي شخصياً ولعلماء أهل الشام ولكل من لم يغادر سورية يدعو للأسف.

يريدون مني أن أغادر وطني، والنبي أمرني بقوله : حين يكثر القتل والهرج والمرج عليكم بالشام.. كيف يطلبون مني أن انشق وأرحل؟

فلينشق من ينشق عن الشام.. لكنها باقية والحكام زائلون والاسلاميون زائلون، وكل من سيقاتل الشام إلى زوال لتبقى هذه البلاد يرتفع فيها عامود الاسلام، وعندما أقول الشام، فأنا أقصد سورية ولبنان وفلسطين وشرقي الأردن.. هذه الشام بالنسبة لي.

برأيكم أين تكمن مشكلة الشارع العربي؟ هذا الشارع نفسه الذي يجمع على دور سورية الداعم المقاومة، والذي بحسب احصاءات غربية سابقة كان قد اختار يوماً ما الرئيس الأسد كالرئيس العربي الأكثر شعبية في الشارع العربي؟

هذا الانقسام لم يبدأ من سورية بل من العراق منذ أكثر من عشر سنوات وفي لبنان منذ أكثر من عشرين سنة. ودخل الجيش السوري يوماً إلى لبنان الذي كان مقسماً إلى دويلات تفصلها خطوط التماس، وكان لي أخ لم يتجاوز عمره 21 عاماً قتل في العام 1981 في لبنان بيد متزعم القوات اللبنانية سمير جعجع قتله ، لم يكن عسكرياً ، إنما جاء لتحويل مال عبر احد المصارف في لبنان إلى بلد آخر. أرى بأن أبناء سورية يدفعون ثمن أنهم دخلوا الى لبنان وفيه أربع دول وخرجنا منه بعد أن صار دولة واحدة.. وهذا ما انبه اليه الشعب اللبناني الذي اخشى عليه كما أخشى على الشعب السوري والفلسطيني أيضاً الذي تنوعت مقاومته الى اسلامية وقومية ويمينية ويسارية فشتت المقاومة.

نحن اليوم لا نعي ما يحدث بيننا. وهاي هي حماس التي وقفت سورية لتساندها وتدعمها يوم أقفل الجميع أبوابهم أمامها، تعلن اليوم عداءها لها.. أسأل حماس: ماذا ستجني من هذا العداء؟

في تصريحاتها الرسمية تقول حركة حماس إنها تلتزم الحياد.. وهناك من يتحدث عن انقسام في الحركة حتى في حقيقة الموقف من سورية..

أنا لا أريد من حماس أن تؤيدنا ، ولكن أريد ان تذكّر العرب والمسلمين من الذي ثبّت غزة وعوّض على أهلها، ومن الذي مدّها بالسلاح لكي تصمد؟

هل هم الذين يتبنون حماس اليوم بعد أن طردوها من قطر وغيرها لتستقبلهم سورية؟

لا أريد من حماس اعلان نصرتها لنا، ولكن فليذكروا حقيقة ما قدمته لهم سورية التي تتهم اليوم بأنها ضد المقاومة، وأنها كانت تستوعب حماس لتضيّق على المقاومة. يتوجب على حماس أن تجهر عالياً بالحقيقة.

هناك في حماس من يقول بصراحة إن دعم المقاومة لا يبرر قتل المدنيين؟

أسأل حماس: من قتل من؟ كنتم في سورية الجيش السوري دعمكم ودربكم.. هل الجيش السوري قتل أحداً خلال مدة الثلاثين سنة؟ ولكن حينما قتل في الأشهر الستة الأولى أكثر من 3 آلاف إنسان.. حينما وجدنا أن السلاح يتدفق من الخارج ليُقتل به عناصر الجيش السوري وجب على هذا الجيش أن يدافع عن نفسه.

نعم تمترس هؤلاء الارهابيون بالمدنيين والمساجد ، وصعدوا الى المآذن وقصفوا مواقع.. والكل يعلم هذا.

سماحة المفتي.. سمعنا من قياديي الحركة من تحدث مطولاً عن حادثة درعا، التي كانت السبب في تأجيج الأزمة بحسب ما نُقل؟

أنا ذهبت بنفسي إلى الصنمين بعد استشهاد عدد من أطفالها وبعد جرح بعضهم، ودخلت إلى الصنمين ووجدت أن من أثار تلك المنطقة هم مجموعات مسلحة وهي من خارج سورية فكراً ومنهجاً..

نعم، لقد أخطأ رئيس الأمن السياسي في درعا والمحافظ أيضاً، ولكن هل هذا يستدعي ان نُحرق سورية من أجل شخصين؟ فلنطالب بمحاكمتهم وبعزلهم ولنصر على ذلك، ولكن لا نحرق البلد ونقتل الآخرين من أجل أشخاص.

أقولها بوضوح.. ما تشهده سورية اليوم لن يقتصر عليها، بل سيمتد إلى الجزائر والمغرب وتونس وليبيا وسيصل إلى الخليج، وقد سمعتم بالأحكام التي صدرت بحق بعض أبناء الخليج بالسجن لسبع سنوات وعشر سنوات، ولو لم يكتشفوا ذلك، لكان الخليج في حالة تقاتل. الأحداث ستعيشها الكويت والسعودية، ونحن هنا ننبه ولا نحذر بأن ما تفعلونه في سورية سيرتد عليكم. وبعدها سيتجه هؤلاء إلى تركيا وأوروبا، فالحروب الدينية هي حروب عالمية كما قال كيسنجر نفسه.

ذكرتم في كلمة أثناء انعقاد مؤتمر علماء بلاد الشام في بيروت أن مصدراً نقل اليكم خبراً مفاده أن الإدارة الأميركية طلبت من رئيس وزراء قطر الأسبق حمد بن جاسم تشكيل لجنة لتحريك "الفوضى الاسلامية" في بلاد روسيا وما حولها.. برأيكم هل المطلوب معاقبة روسيا على ما لعبته من دور داعم لسورية بوجه المؤامرة عليها؟

لماذا لا تقرؤون ما حدث قبل أيام في الصين؟ حيث قتل 26 مسلماً في الصين ، وتم اعتقال ثلاثة.. وحسبما ذكرت صحيفة "بكين" الرسمية أن الثلاثة كانوا يقاتلون في سورية ، وطُلب منهم العودة إلى الصين ليشعلوا الفوضى، وهذا ما ننبه منه. من هم في سورية اليوم سيعودون إلى بلادهم ليشعلوها وهذا ما يحدث في الشيشان اليوم.

وأعتقد أن الموضوع يهدف إلى معاقبة روسيا على مواقفها، بل أجد أن المطلوب توسيع دائرة الفوضى التي نجد أنه لم يستفد منها الا اعداء الأمة الاسلامية.

أين مواقف العلماء المسلمين من كل هذا؟ ولماذا تأخر عقد مؤتمر خاص بالتكفير بعد عامين من سفك ودم وذبح باسم "الله"؟

من قال ان المؤتمر تأخر؟ نحن ننادي بهذا منذ أكثر من عشر سنوات، يوم تم غزو العراق نادينا انتبهوا فالفتنة لن تبقى في العراق، ويوم أشعلوا لبنان بذلنا دم أبنائنا منعاً للتقسيم.

من قال إننا تأخرنا؟ نعم  لقد تأخر عدد من علماء المسلمين في الوقوف بوجه هذا التيار، ولكننا في سورية تكلمنا بهذا منذ أكثر من عشرين سنة ، يوم دخلوا الى لبنان ، وقتلوا مفتي لبنان ، وقُتل عدد من علماء لبنان ، وكان يتم استهداف القادة ،المفكرين والمثقفين في لبنان، ثم اتجهوا الى العراق فقُتل علماء العراق من السنة والشيعة. ما الذي يجعلنا ننسى ان المقام في سامراء في يوم تدميره دمرت 8 مساجد في نفس الساعة. كان هناك من يريد أن يشعل صراعاً بين السنة والشيعة.

ولكن تأخر كثيرمن خطباء المساجد عن تنبيه المسلمين من هذه الفتنة، بل انفعل بعضهم مع الاعلام الذي يبث من خارج هذه الأمة ، ويُدفع له مال اكثر مما نتصور.

مؤتمرات التقريب التي استضافتها سورية وايران ولبنان لعدة سنوات كان صرخة من الصرخات، وفي آخر اجتماع عقد في قطر نبهنا من هذا في الدوحة.. وما كان نشعر ان هناك من كان يتربص بنا ليجعل من مؤتمراتنا هدفاً يُضرب في المستقبل فبدؤوا بتشويه صورتنا ووصفونا بأنّا علماء حكام مع أننا كنا أكثر الناس نصحاً للحكام،  وأنا واحد ممن سُرحت في سورية 3 مرات بسبب الخطابة ، ولكن ما عاديت المجتمع ولا الحكومة ، بل عاديت التصرف الخاطئ ، فكنا نصحح ولا نطلب مناصب..

لذلك نحن اليوم سنستمر وسنقول كلمتنا، ولكن ابشركم لن يصلوا الى هدفهم، وما يحدث لسورية ولبنان ترفضه الجماهير وترفض هذه التصرفات، هناك مئات وآلاف الناس من حلب وحماه وادلب يسكنون في اللاذقية وطرطوس، وهناك مئات الناس من درعا والسهل يسكنون في السويداء مع اختلاف المذاهب، ولكنهم جميعاً في النهاية مؤمنون سوريون.

إسراء الفاس

المصدر: المنار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...