الصراع السوري – الإسرائيلي على الجبهة الجيورجية - الروسية
الجمل: تناقلت الأوساط الدبلوماسية والإعلامية التصريحات المتعاكسة على خط دمشق – تل أبيب لجهة الموقف السوري المؤيد والداعم لروسيا في الأزمة الجورجية والموقف الإسرائيلي المؤيد والداعم لأمريكا في نفس الأزمة.
* دلالات الموقف المتعاكس: منظور دبلوماسية الطرف الثالث:
خلال الفترة الماضية ظلت واشنطن تقوم بدور الطرف الثالث الداعم لإسرائيل في الصراع العربي – الإسرائيلي وموسكو تقوم أيضاً بدور الطرف الثالث الداعم لسوريا في نفس الصراع، ولكن بالنسبة لصراع جورجيا – روسيا فقد بدا الأمر مختلفاً وإن كان أكثر انسجاماً، فإسرائيل تقوم بدور الطرف الثالث الداعم لجورجيا ومن ثم فقد كان منطقياً أن تقوم سوريا بدور الطرف الثالث الداعم لموسكو.
دبلوماسية دمشق الجديدة تمثل مؤشراً على مدى الثقة بالنفس وعدم التقيد بالأطر التقليدية لإدارة الصراع العربي – الإسرائيلي التي ظلت واشنطن تحاول فرضها على الدبلوماسية العربية ومنعها من أي تحرك خارج الإطار الجيوسياسي الشرق أوسطي وذلك في مواجه الدبلوماسية الإسرائيلية التي ظلت واشنطن تقدم لها الدعم والمساندة وتعزيز حركتها بما يتجاوز كل الأطر الجيوسياسية الموجودة في العالم.
* معركة دبلوماسية القوقاز: دمشق في مواجهة تل أبيب:
من المعروف أن دمشق لم تتدخل في أي صراع إقليمي أو دولي خارج إطار صراعها مع إسرائيل وبكلمات أخرى لم تسع دمشق لجهة التورط في حروب الوكالة لجهة الحصول على القوة المضافة في صراعها مع إسرائيل وإزاء موقف دمشق هذا فقد كان لتل أبيب موقفاً مختلفاً وقد أصبح ثابتاً أن تل أبيب قد ظلت تتدخل في الصراعات الدائرة في كافة مناطق العالم مستفيدة من الغطاء الدبلوماسي – العسكري – الأمني الأمريكي. بكلمات أخرى، فإن إسرائيل حاضرة بقوة في حروب العراق، أفغانستان، السودان، جورجيا، سيراليون، ليبيريا، الكونغو، كولومبيا إضافةً إلى أن إسرائيل تمارس حضوراً ونفوذاً متزايداً في ملفات الأزمة الإيرانية والأزمة الكورية الشمالية وغيرهما.
انفتاح تل أبيب على الصراعات والنزاعات كان بهدف تعزيز موقف إسرائيل في معادلة الصراع العربي – الإسرائيلي وبالمقابل فإن الموقف السوري المؤيد لموسكو قد تميز بالخصائص الآتية:
• الوقوف إلى جانب موسكو لم يكن مجرد رد فعل ميكانيكي لموقف إسرائيل المعادي لموسكو وإنما كان موقفاً يقوم على أساس اعتبارات حق موسكو المشروع في:
- حماية السكان المدنيين في أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا من خطر الإبادة وجرائم الحرب على يد القوات الجورجية المدعومة إسرائيلياً.
- ردع محور واشنطن – تل أبيب الساعي لاستخدام جورجيا كقاعدة متقدمة في مخطط استهداف وحصار روسيا.
- التأكيد لموسكو بأن العلاقة على خط دمشق – موسكو تقوم على التوازن في كل شيء وبالتالي فإن دور موسكو كطرف ثالث داعم لحقوق سوريا العادلة المشروعة في مواجهة إسرائيل يعادله ويوازنه بالمقابل دور دمشق كطرف ثالث داعم لحقوق موسكو العادلة المشروعة في مواجهة جورجيا المدعومة إسرائيلياً.
• الانتقال بالدبلوماسية العربية إلى خطوة جديدة لجهة التأكيد على قدرة الدبلوماسية العربية على خوض معركة التحدي والاستجابة وبكلمات أخرى نقل رسائل واضحة إلى محور واشنطن - تل أبيب مفادها أن مخاطر وتحديات التحركات الإسرائيلية في القوقاز وغير القوقاز ستجد استجابة رد الفعل الدبلوماسي السوري على النحو الذي يبطل مخاطر الدبلوماسية الإسرائيلية ويعزز من فرص الدبلوماسية السورية والعربية.
* ما هي حصيلة المواجهة الدبلوماسية الأخيرة على خط دمشق – تل أبيب؟
تحركات الرئيس الأسد على خط دمشق – موسكو الحالية دفعت تل أبيب إلى أن تجد نفسها مضطرة للإعلان عن قواعد الاشتباك الدبلوماسي على خط موسكو – تل أبيب.
وعلى خلفية دبلوماسية القمة السورية – الروسية اضطر رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى الإعلان صراحة بأن إسرائيل ستقوم بتدمير أي صواريخ روسية يتم نشرها في سوريا، هذا وإن كان أمر نشر الصواريخ الروسية في سوريا ما يزال أمراً سابقاً لأوانه فإن دلالة التصريح الإسرائيلي يمكن قراءتها على النحو الآتي:
• ظل القادة والزعماء الإسرائيليون يزورون موسكو ويحاولون التأكيد على مدى عمق ودفء علاقة تل أبيب بموسكو وقد كشف التصريح الإسرائيلي الأخير عن حقيقة النوايا الإسرائيلية غير المعلنة إزاء موسكو.
• التصريح الإسرائيلي الأخير يشكل الخلفية والأرضية الحقيقية التي يمكن أن تدفع موسكو إلى القيام بإعادة تحديد وتعريف قواعد الاشتباك الدبلوماسي مع تل أبيب وذلك بما يجب أن يؤدي إلى وضع إسرائيل في قائمة أعداء موسكو خاصة وأن الأمر لم يعد ينحصر في تقديم الإسرائيليين المساعدات العسكرية لجورجيا وإنما إلى التهديد المعلن بشن العدوان ضد روسيا.
• انكشاف الغطاء عن حقيقة الموقف الإسرائيلي الساعي إلى إشعال بؤر التوتر في مناطق القوقاز.
• التأثير سلباً على مستقبل الوجود الإسرائيلي في مناطق القوقاز وآسيا الوسطى وتقول المعلومات بأن عملية اصطفاف دبلوماسي جديدة تحدث الآن في منطقة القوقاز برعاية تركية بحيث تضم روسيا جنباً إلى جنب مع دول القوقاز على النحو الذي سيؤدي بلا شك إلى إضعاف الحضور الإسرائيلي في المنطقة، وعلى وجه الخصوص في أوساط دول حلف غوام التي بدت أكثر حذراً في التعامل مع إسرائيل بعد انكشاف تورطها في النزاع الجورجي – الروسي.
على أساس اعتبارات حسابات الفرص والمخاطر والربح والخسارة يمكن القول بأن تل أبيب هي الخاسر الأكبر في المنطقة بعد خسارة حليفها الجورجي ساخاشفيلي وحالياً تحاول الولايات المتحدة استعادة مكانتها وهيبتها التي فقدتها في المنطقة عن طريق إرسال المساعدات والمعونات أما إسرائيل فما تزال حتى الآن تحاول إيجاد الوسيلة التي تمكنها من تغطية فضيحة سحب عناصرها وخبراءها وتركها لحليفها الجورجي يواجه القوات الروسية وحيداً.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد