الدول الغربية المارقة
الجمل ـ *بقلم فينيان كانينغهام ـ ترجمة رندة القاسم:
لقد دخلنا فعلا في فترة انحطاط رهيبة ، تقوم فيها الطائرات الحربية، بقيادة الولايات المتحدة، بقتل مدنيين في عدة مدن، و مع ذلك تتهم واشنطن، و حلفاؤها، الآخرين بجرائم الحرب.....و بالطبع لا يمكن توقع الصدق من حكومات تتصرف بشكل إجرامي، و لكن ماذا عن ما يسمى منظمات مستقلة مثل الأمم المتحدة و الإعلام الغربي؟ الخداع الجماعي يشير إلى مشاركة منظمة في الجريمة.
و ما يثير القلق أكثر، هو أنه إذا كان من الممكن تغطية الإجرام من قبل منظمات يعتمد عليها من أجل تطبيق القانون و المساءلة القضائية ، عندها يمكن القول بأن العالم أضحى مكانا خطيرا و مظلما.
الفظاعة الأخيرة التي قام بها طيران التحالف أسفرت عن مقتل خمس عشرة امرأة و جرح خمسين آخرين عندما ضُرب موكب جنازة قرب مدينة كركوك شمال العراق. و الطائرات الحربية للتحالف ذي القيادة الأميركية ، و التي تضم طائرات من بريطانيا و فرنسا و تركيا، تضرب العراق بزعم المساعدة على هزيمة مجموعة داعش الإرهابية. و من المخجل أن وسائل الإعلام الغربية، التي تطلق الاتهامات بجرائم الحرب ضد روسيا بسبب عملياتها العسكرية في سوريه، لاذت الصمت حيال مذبحة كركوك.
و قبل أيام من هذا العمل الهمجي، ارتكبت فظائع أخرى على يد الحلفاء الأميركيين في أماكن أخرى عبر الشرق الأوسط. ففي سوريه قتلت مقاتلتا ف 16 تعود إلى بلجيكا، العضو في الناتو، ستة مدنيين في قرية قرب حلب. و خلال ساعات من هذا الهجوم القاتل، كانت طائرات حربية من تركيا، عضو آخر في الناتو، مسؤولة عن مقتل حوالي مائة و خمسين مدنيا سوريا في عدد من الغارات الجوية في ريف حلب، و ذلك وفقا لما أورده الإعلام الرسمي السوري.
و في الوقت ذاته و في اليمن، استمر القصف الجوي السعودي ،المدعوم من الولايات المتحدة، في قتل أبرياء رغم الإعلان عن هدنة "خيالية" بداية الأسبوع. قتل ثلاثة مزارعين في الضربات الجوية السعودية على منطقة صعدة بعد حوالي أسبوع من قيام الطائرات الحربية الأميركية و السعودية بقتل مائة و أربعين شخصا يحضرون مراسم جنازة في العاصمة صنعاء، إنها عملية خيالية أخرى "ضد الإرهاب".
و علنا تقوم واشنطن و حلفاؤها اليوم بقصف دول ذات سيادة دون أي تفويض شرعي. و هذه الأعمال تشكل جريمة اعتداء و هي أكبر انتهاك للقانون الدولي. إنها استرجاع لفاشية الثلاثينات التي ارتكبتها الدول الغربية و نسبتها بعجرفة إلى روسية.
في سوريه منذ سنتين و التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، و يضم فرنسا و بريطانيا، يقوم بشن ضربات جوية موديا بحياة المئات من المدنيين باسم "محاربة الإرهاب" . و قبل ثلاثة أشهر ، أواخر تموز، قتلت الطائرات الأميركية و الفرنسية أكثر من مائة مدني ، بما فيهم نساء و أطفال، في و حول بلدة منبج قرب حلب، في موجة قصف إثر أخرى. و بين الحين و الآخر تورد وسائل الإعلام الغربية تقارير عن جرائم كهذه ، و لكن بشكل عام يكون واجبها التقليل من شأنها عن طريق وصفها بأضرار جانبية مؤسفة، هذا إذا لم تقم عمدا بالتغاضي عنها، كحال الفظاعة الأخيرة قرب كركوك.....و مع ذلك تُفضح التمثيلية الغربية البشعة بشكل تدريجي.
منذ حوالي ست سنوات و سورية الدولة العربية تدمر تماما بحرب سرية تقودها الولايات المتحدة من أجل تغيير النظام. و لتحقيق هذا الهدف غير المشروع، قامت واشنطن و الناتو التابع لها و حلفاؤها الإقليميون بتمويل و تسليح و توجيه جيش وكيل يضم أفظع المجموعات الإرهابية.
و في العام الماضي عندما تدخلت روسيا و إيران لمساعدة حليفتها سوريه ضد هذه المؤامرة الإجرامية العالمية تمت إعادة البلد من حافة الهاوية، و أخرج الجيش الإرهابي الوكيل، المدعوم من واشنطن و لندن و باريس و تركيا و السعودية و قطر، من مئات البلدات و القرى.
سورية تُحرر من عقاب أنزل عليها منذ آذار 2011 من قبل متمردين بقيادة الولايات المتحدة تحت قناع "انتفاضة مؤيدة للديمقراطية"، و هذه الرواية تنافي عقل أي إنسان يملك تفكيرا نقديا. جهاديون قاطعو رؤوس من أجل الديمقراطية؟ طغاة قطريون و سعوديون حاملو سيوف يؤيدون الانتخابات المؤيدة للتعددية؟
إضافة إلى هذا كانت سورية تتمتع نسبيا بديمقراطية نشيطة تحت حكم الرئيس بشار الأسد، و قبل حرب تغيير النظام بقيادة الولايات المتحدة كانت سورية تتمتع بسمعة حسنة فيما يتعلق بالحرية الدينية و التعايش السلمي و التطور الاجتماعي المعتدل.
الإعلام الغربي ، و خدمة للأجندة الجيوسياسية لحكوماته، حرف أحداث سوريه بشكل فادح. و عوضا عن التحقيق في التدمير الإجرامي، المدعوم من الغرب، عن طريق الإرهاب برعاية الدولة، قامت وسائل الإعلام بانتهاك مصداقية و استقلالية الصحافة مع قيامها بالكذب و تلفيق بدون تحفظ.و أخبر الجمهور الغربي أن واشنطن و حلفاؤها يقصفون دولة (ذات سيادة) من أجل "محاربة الإرهاب"، بينما في الواقع يمكن لأي تحقيق حقيقي و حاسم إظهار العكس.
في شمال مدينة حلب، يقوم الجيش السوري بدعم من روسيا على تحرير عشرات الآلاف من المدنيين الواقعين تحت الحصار رغما عن إرادتهم من قبل وكلاء الغرب في الإرهاب منذ عام 2012. و تغطية الإعلام الغربي لأحداث حلب كاذبة شيطانية ، فحكومة الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا، و كذلك حكومات أوربية أخرى، تقفز للأعلى و الأسفل موجهة اتهامات بجرائم حرب ضد روسيا و حليفتها سوريه.
و نادرا ما قدم دليل لدعم الإدعاءات الغربية المشوشة حول ما يحدث في حلب. و فعليا كل المعلومات التي يعتمد عليها الغرب مصدرها منظمات ذات تمويل غربي و سعودي مثل ما يسمى الخوذ البيضاء و مركز حلب الإعلامي، و كلاهما مرتبطان بمجموعات إرهابية محظورة مثل جبهة النصرة و أحرار الشام.
و قدرة الغرب على الإنكار مذهلة، فالغالبية العظمى من سكان حلب (حوالي 1,6 مليون) يعيشون بإرادتهم تحت حماية الجيش السوري، و مع ذلك وسائل الإعلام الغربي لا تذكر ذلك، و عوضا عن ذلك تركز على منطقة الأقلية المحاصرين من قبل إرهابيين يلقبونهم ب "ثوار أبطال".
و حتى عندما أشار البث المباشر من حلب، و الذي نصب في ممرات المساعدة الإنسانية التي أنشأتها السلطات السورية و الروس، إلى أن الهدنة قد انتهكت من قبل "الثوار" المحبوبين من الغرب، بقي الكذب مستمرا، و خلال الأيام الثلاثة من الهدنة الإنسانية من أجل المساعدة على إخلاء المدنيين، كانت تطلق القذائف على وسائل نقل حيادية و يستخدم الناس كدروع بشرية.
غير أن الإعلام الغربي تحدث بشكل مبهم و كاذب عن عرقلة المساعدات بسبب "فقدان الأمن" ...
العار لواشنطن و حلفائها الغربيين ، و في المقام الأول فرنسا و بريطانيا، و الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون و المبعوث الخاص إلى سوريه دي مستورا . و كذلك وسائل الإعلام الغربية التي كذبت طوال الوقت من أجل إخفاء المجرمين الحقيقيين في سورية.
و وسط هذا التشويه و الجنون قد يبدو من غير المنطقي أن تكون متفائلا، و لكن هناك سبب للتفاؤل يكمن في أن الحكومات الغربية و إعلامها الخانع يكشفون أنفسهم و كم هم مجرمون و كاذبون. تصرفات الدول المارقة التي تتبعها واشنطن و حلفاؤها أضحت مفرطة جدا بحيث لم يعد بالإمكان إخفاؤها.و الغضب الشعبي و ازدراء هذه المؤامرة القاتلة لا يثيره ما يحدث فقط في سوريه و المنطقة فقط ، إذ تدرك الشعوب حول العالم بأن الحروب القذرة و مثيري الحروب الذين تقودهم الولايات المتحدة، متجذرون في النظام الرأسمالي ذاته الذي يقتل مجتمعاتهم و جماعاتهم...
تدرك الشعوب أكثر من أي وقت مضى بأن القادة الغربيين الكبار و العظماء الذين يلقون الأحكام و الاتهامات على الآخرين ، هم في الواقع أسفل المجرمين و أكثرهم حقارة.
*صحفي إيرلندي
عن موقع Information Clearing House
إضافة تعليق جديد