الخليج العربي .. بين البلبلة التاريخية والهيمنة الأميركية ؟!

08-09-2017

الخليج العربي .. بين البلبلة التاريخية والهيمنة الأميركية ؟!

تلعب الولايات المتحدة الأميركية منذ أمد في المنطقة العربية أسوأ الأدوار التاريخية في ما يُسمى بالحرب على الإرهاب،الخليج العربي .. بين البلبلة التاريخية والهيمنة الأميركية ؟! فإذا كانت الحرب الباردة قد سقطت بفعل الصعود الروسي الصيني، وسقطت معها الأحادية القطبية وبالتالي العودة إلى الخط العام للتاريخ الذي توخته لاحقاً سياسة “فلاديمير بوتين” وعلى مدى السنوات العشر الماضية، قد تم رسمها إلا أن رمادها لازال لم يخمد بعد مادامت مهمة تلك الحروب التي شنتها أميركا لم تتحقق أوهامها بعد، ومادام الاقتصاد العالمي يحرك التاريخ باتجاه اللاتاريخ كما ينظر لذلك الاقتصادي الأميركي ” فوكو ياما” وهماً!! ..ومن الخطأ استنطاق الأحداث من خارج الجو العام لهذه المهمة، ومن الخطأ أيضاً اعتبار الحصار مع الحرب بالوكالة على العراق وسوريا وليبيا واليمن مهمة ردعية لأخطاء ارتكبتها هذه الدول، إنه وبكل محتويات نتائجها الحاصلة واللاحقة عدوان جهنمي حيكت خيوطه بدقة في أروقة أجهزة الظل ولحسابات استعمارية أفصح عن مقدماتها أحد مسؤولي الأمن الأوروبي، حيث ذكرت “الواشنطن تايمز” إن الغرب يُحضّر لردع ما سمّته بالخطر الأصولي”!! إن الغرب أعلن رسمياً الحرب البادرة ضدّ الإسلام والمسلمين من أجل حماية مصالحه في المنطقة العربية.. ويبقى الحُكام العرب في صراع مزدوج ضدّ أنفسهم، و ضدّ المشروع الوطني المستقبلي على أمل أن يتوصلوا إلى تسوية مع الذات لمواجهة الخطر الاستعماري الجديد..! وما أظن ذلك ممكناً الآن لأن الحُكم السلالي يرفض الانصياع لحُكم الواقع والتاريخ وحتى الجغرافيا.

ويبدو جلياً أن منطقة الشرق الأوسط مُرشّحة لاحتضان الحرب الباردة الجديدة بدواعي الداخل والخارج معاً إن لم تكن حرباً ساخنة، بخلاف ما يلوّح به “دولاند ترامب” ضدّ كوريا الشمالية، والطرف الأساس في هذه الحرب هو الولايات المتحدة الأميركية، ولكن بالوكالة، والخاسر الأكبر فيها هي الدول العربية، فما يجري في المنطقة الآن تحت الظلّ وبمؤسسات غير منظورة يمكن أن يُشكّل البداية المُعقّدة لمرحلة قادمة، تلعب فيها المصالح الأميركية أسوأ الاحتمالات وأشّدها خطراً، احتمالات يمكن أيضاً أن تفجّر المنطقة باتجاه المجهول، وما الصراع الدائر بين قطر والسعودية إلا واجهة مُحتمَلة له، ويُخطئ مَن يعتقد أنه صراع سيُحلّ على المدى القريب، فعلاقة قطر بإيران صارت علاقة عضوية خلافاً للسعودية التي ترى فيها العدو الأساس، وقد تخسر السعودية الكويت، وعُمان بسبب ذلك ما يزيد الوضع سوءاً.

لقد أخطأت أميركا، ومعها أنظمة الحُكم السلالي في حصر مشكل التحدّي في دول مثل سوريا والعراق واليمن وبالتالي محور المقاومة، كان من الممكن للأنظمة العربية الخليجية على وجه الدقّة مواجهة تيار المقاومة بالإصغاء إليه، وإعطائه الفرصة في التمكين لآرائه الرافضة للظلم والعدوان، إسرائيلياً كان أم أميركياً،لا مواجهته والتصدّي له بتأليب الغرب عليه واتّهامه بالإرهاب أو التوسّع في المنطقة، إن هذا الموقف أوقع هذه الأنظمة الحاكمة في تناقضات سياسية، وتحالفات استعمارية استفاد منها الأميركي والغرب معاً، و جددا من خلالها ولايته الاستعمارية، فسقطت دول عربية إن لم يكن أغلبها في الفوضى المُدمّرة، وسقطت معها المنطقة في دوامة العنف، والعنف هنا لم يعد محصوراً في منطقة مُحدّدة بل اتّخذ أبعاداً جغرافية ورؤية للأحداث من خلال المنظور السيّئ الذي لا يحمّل أميركا وإسرائيل ويحمّل إيران والمقاومة..!!

إن هناك الآن ما يشبه الشلل الكلّي في الموقف العربي اتجاه ما يجري من أحداث مُدمّرة للأمن القومي العربي، بل إن هناك مَن يؤكّد على أن هناك حرباً استعمارية غربية تمرّر من طرف الغرب كله تحت غطاء محاربة الإرهاب، و إن ما يجري في المنطقة من أحداث وراءها مؤسسات غير منظورة ولكنها محسوسة ، مؤسسات أميركية وأوروبية، وإن السؤال المُحيّر والمُثير للتقزّز هو سكوت العالم العربي بأنظمته وليس بشعوبه اتجاه تلك التصرّفات المُشينة لأميركا وبريطانيا وفرنسا على الخصوص تجاه ليبيا والعراق وسوريا واليمن إذاً كيف يُفرَض الحصار على دول عربية في تجاوز حاد للقانون الدولي، وتساوم أميركا على سيادتهم من دون أن يكون هناك موقف عربي موحّد، بل إن هناك دولاً عربية تؤيّد وتلحّ على إثبات هذا الحصار تحت ضغط أميركي وتمارس هي بدورها الحصار، وفي الوقت الذي قام فيه الاتحاد الأوروبي بمساندة الصرب على التطهير العرقي والاغتصاب السياسي لمسلمي البوسنة والهرسك سكت الكل، وفي الوقت الذي تقوم فيه روسيا بصدّ العدوان على سوريا من خلال استعمال حق النقض في مجلس الأمن الدولي وتسخير قوتها العسكرية لمحاربة الإرهاب في رؤيا متوازنة للأبعاد الجيو سياسية لروسيا وللمنطقة، بل وللعالم كله تقوم أميركا عكس ذلك.

لقد ظلّت شعوب من خارج مجلس التعاون الخليجي بالرغم من الحصار المفروض عليها تحفر جدار هذه الترتيبات، وتوسّع هذا الحفر مع التيار الراديكالي الآتي من إيران، وزادته الحرب الدولية ضدّ سوريا قوة حيث برز على السطح كأهم تشكيل سياسي معارض، وهو التشكيل السياسي المقاوِم، ومع أن محور المقاومة أوشك أن ينتزع النصر، وإن ”الهيمنة الأميركية التي ثُبّتت بوسيلة حرب جديدة للحرب، ارتاحت جميعها في قبر مجهول مُخصّص للأفكار الفاشِلة. والذين روّجوا لحرب العراق وأصرّوا عليها أمّنوا المجرفة التي ساعدت على حفر الحفرة” كما يقول كاتب أميركي وهذا ما لم يعهِ بعد حكّام الخليج ولا زالوا يترّجون المظلة الأميركية.

إن الموقف الجديد هذا، وضع الأنظمة في المنطقة أمام الأخطاء التاريخية التي ورّثتها للأجيال واستفاد منها أعداء الإسلام، وهي أخطاء تناقض الأسّس الجوهرية للإسلام فضلاً عن المبادئ العامة فيه، وهنا برزت ظاهرة التطرّف على خطين متوازيين، التطرّف من طرف المعارضة، والتطرّف من طرف السلطة للمحافظة على امتيازاتها السياسية والاقتصادية، ولعبت أميركا دوراً مهماً في مساندة “المعارضات المسلّحة” حفاظاً على مصالحها، لأنها تدرك إن أيّ تغيير يحدث في الأنظمة من الداخل لن يكون لصالحها، لأن منطق الاستغلال الذي فرضته على المنطقة لم يكن ليتم لولا التواطؤ الداخلي، بل إن حرب الإبادة ضدّ العراق وسوريا لم تكن لتتم لولا المؤامرات المُحزنة من أطراف عربية، وهي طبعاً الأطراف التي همّها تصفية المنطقة من أيّ تيار يقرأ الأحداث بمنطق التاريخ، تاريخ المنطقة المصحّح والمنقّب من الشوائب، فضلاً عن التاريخ الإسلامي، إن الإسلام يرفض توريث الحكم ويرفض التصرّف في ثروات الأمّة وفق أهواء الحاكم!!

والمنطقة تعيش منذ أكثر من نصف قرن بما يخالف المنطق السياسي فضلاً عن الإسلام ومنطق التاريخ. فالأسرة الحاكمة في السعودية مثلاً تستحوذ على 90% من أموال النفط ولا تعطي الشعب سوى 10% كما يقول وزير المالية السعودي السابق عبد العزيز الدخيل، بل إن أثرياء السعودية وجلّهم أمراء “يطيرون بطائرات خاصة للعلاج في مستشفيات “إسرائيل” الفخمة” كما يقول الكاتب الصحفي “روبرت فيسك” ولهذا، فإن إصرار الولايات المتحدة الأميركية على بقاء الحصار على المنطقة تحت سياط الإرهاب رغم انعدام المُبرّرات له لأنها هي صنيعته، ويصبّ تواجده أساساً في هذا الاتجاه الرافض للتغيير ولدُعاة العودة بالأحداث في المنطقة صوب حقائق التاريخ … ولذلك فتحت فجوة ما سُمّي بالسلام في الشرق الأوسط، بواسطة “جون كيري” وهي الفجوة التي تعطي لإسرائيل الحق في أن يكون المحور الأساس في تقرير السياسة التي تراها في المنطقة، والمحور هذا يركّز على مبدأ التفوّق العسكري الإسرائيلي،(التفوّق الآن ملغى بقوة المقاومة) ولعلّ ما طُرِح مند فترة في الكواليس بمساهمة أميركا وأوروبا من أجل إعفاء “إسرائيل” من الانضمام إلى اتفاقية معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، بدعوى أنها تملك منها ما هو جاهز ويحتاج إلى سنوات وأموال طائلة لتدميره، أي إنها حتى ولو انضمت إلى المعاهدة فإنها تحتاج لأكثر من عشر سنوات للتخلّص من مخزونها النووي هو خلاصة هذه الرؤية !!

وهذا يعني إن كل ما يجري في المنطقة تحت غطاء السلام مع “إسرائيل” هو في الواقع مجرّد ستار لأخطر مما هي عليه المنطقة الآن، إن طائرات الرصد الأميركي قامت لحد الآن بمسح شامل لمنطقة الخليج العربي، وأصبحت المناطق الحسّاسة فيه تحت رحمة صواريخ “توما هوك” وهذه من أخطر ما يُعرّض الأمن القومي اليوم لأسوا الاحتمالات، وهذا الحاصل استعمل كغطاء لابتلاع المنطقة لاحقاً، خاصة وإن الدراسات السياسية لكثير من الأجهزة العاملة في الظلّ أكّدت على أن تيار المقاومة على أبواب رحلة ما بعد التنظير، وإن بداية العهد المقبل هي البداية الحقيقية لسيطرة قوى المقاومة على أنظمة الحكم في أكثر من تسعين في المائة من الخارطة العربية …هذه الرؤيا الجديدة للأحداث لم تعد في الواقع معزولة عن بعض الحقائق الموضوعة ضمن السياقات التاريخية للأحداث ذاتها، ولذلك تحاول أميركا ألا تحشر نفسها في حرب ثالثة مباشرة، إنها الآن تحاول التقنين لحروب بالوكالة، في الدول التي تمثّل العُمق الاستراتيجي لكل تيّار مُقاوِم يرفض سياسة الاحتواء والاستقطاب معاً.

المصدر: الميادين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...