الحملة الإسرائيلية-الأمريكية الجديدة حول (النووي السوري)
الجمل: عادت تقارير وتحليلات الإسرائيليين وخبراء اللوبي الإسرائيلي المتعلقة بملف البرنامج النووي السوري –المزعوم- للظهور مرةً أخرى، وذلك ضمن أسلوب حملة بناء الذرائع الذي درجت عليه على مدى الأعوام الماضية: فماذا تقول حملة بناء الذرائع الإسرائيلية-الأمريكية الجديدة وماذا تحمل معطياتها المعلنة وغير المعلنة؟
* حملة بناء الذرائع: توصيف المعلومات الجارية
تشير بعض التقارير والتحليلات الجارية الصادرة يوم أمس واليوم على أن ملف البرنامج النووي السوري –المزعوم- قد تجدد الحديث عنه، وفي هذا الخصوص نشير على الآتي:
• قامت واشنطن بتحذير دمشق بأنها سوف تواجه إجراء بواسطة موظفي وكالة الطاقة الذرية العالمية إذا امتنعت عن السماح لمفتشي الوكالة بالوصول إلى مكان الموقع الذي تم قصفه في عام 2007م.
• أشار تقرير المخابرات الأمريكية إلى أن الموقع الذي تم قصفه هو عبارة عن مفاعل وري شمالي التصميم.
• تحدث غلاين دافيس المبعوث الأمريكي لوكالة الطاقة الذرية العالمية قائلاً بأنه من الضروري والعاجل أن يتم السماح للمفتشين بالوصول إلى الموقع والحطام والعاملين فيه.
• تحليل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى: أشار التحليل إلى النقاط الآتية:
- من الخيارات الرئيسية لوكالة الطاقة الذرية العالمية هو القيام بالزيارة وعملية التفتيش والتدقيق المبدئي.
- لم تنجح الأنظمة الاحترازية المطبقة بواسطة وكالة الطاقة الذرية العالمية في الكشف عن البرامج النووية الكورية الشمالية والإيرانية والكورية الجنوبي والمصرية والليبية، وحالياً لم تقم سورية بتلبية متطلبات الوكالة الاحترازية.
- سعت وكالة الطاقة الذرية العالمية إلى تطبيق حملات التفتيش الخاص مرتين، الأولى في حالة رومانيا عام 1992 والثانية في حالة كوريا الشمالية في عام 1993، ولكن كوريا الشمالية رفضت السماح لمفتشي الوكالة القيام بعملية التفتيش الخاصة.
- على وكالة الطاقة الذرية العالمية أن تعمل من أجل الإيفاء الكامل بمتطلبات خطر انتشار الأسلحة النووية.
- يجب أن تستخدم وكالة الطاقة الذرية العالمية حقها في تفتيش سوريا.
هذا وتجدر الإشارة الى تواتر ظهور تقارير وتحليلات مماثلة في: صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية، وصحيفة إسرائيل ماتزاف الإلكترونية إضافةً إلى تقارير وكالة رويترز والموقع الإلكتروني الخاص بإذاعة صوت أمريكا.
* ماذا وراء حملة الذرائع الجديدة
نشر موقع أنتي وار الأمريكي المناهض لجماعات اللوبي الإسرائيلي ومشروع الحرب الأمريكية المفتوحة ضد الإرهاب تقريراً مختصراً سخر فيه من التحذيرات الأمريكية الأخيرة، وأضاف قائلاً بأن إسرائيل وإن كانت تهتم حالياً بمطالبة وكالة الطاقة الذرية العالمية لجهة القيام بإجراء التفتيش والضغط على سوريا، فإن إسرائيل هي نفسها قد قامت بالآتي:
- شن اعتداء ضد الموقع السوري قبل التأكد من صحة المعلومات.
- إبلاغ وكالة الطاقة الذرية بالمعلومات بعد فترة طويلة من قيام إسرائيل باعتدائها ضد الموقع السوري.
وتأسيساً على ذلك، فقد أشار تقرير أنتي وار إلى أن إسرائيل تسعى لدفع وكالة الطاقة الذرية باتجاه العمل وفق رغبة إسرائيل وليس وفق المعايير الرسمية المعتمدة بواسطة الوكالة والتي تقول بأن قيام الوكالة بعمليات التفتيش الخاصة يجب أن يتم ضمن نطاق ضيق ومحدود.
يمكن قراءة معطيات حملة بناء الذرائع الجديدة على خلفية تطورات الوقائع والأحداث الجارية حالياً في منطقة شرق المتوسط وذلك لجهة تزامن هذه الحملة مع الآتي:
• تزايد سخونة تطورات الملف السياسي اللبناني بسبب تحركات المحكمة الدولية الخاصة التي تحولت لجهة استهداف حزب الله اللبناني. إضافةً إلى ضغوط قوى المقاومة الوطنية اللبنانية باتجاه تحويل ملف الشهود الزور إلى القضاء اللبناني.
• تداعيات جولة رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي التي شملت دمشق وبيروت، والتي طالب على خلفيتها سوريا بضرورة القيام بـ«دور بنّاء» -بحسب الفهم الأمريكي-الإسرائيلي للمصطلح.
على أساس اعتبارات تطورات الأحداث والوقائع الجارية بين أطراف مثلث دمشق-واشنطن-تل أبيب، نلاحظ أن محور واشنطن-تل أبيب قد ظل يسعى باستمرار لجهة تطوير حملة بناء الذرائع ضد سوريا:
- مرحلة التصعيد الأولى: تميزت بأسلوب التصعيد الخطي الذي ظل يأخذ طابعاً متواتر الشدة.
- مرحلة التصعيد الثانية: تميزت بأسلوب التصعيد الدائري الحلزوني والذي ظل يدور حول نفس الموضوع، ولكن ضمن أسلوب يركز على إعادة تجديد المعلومات الخادعة.
التدقيق الفاحص في حملة بناء الذرائع الجارية، يكشف عن أن كل مرحلة من تصعيداتها تختلف عن المرحلة التي كانت فيها من ناحية ولكنها في نفس الوقت تشبهها في النواحي الأخرى، وما هو جديد هذه المرة يتمثل في أن المستهدف ليس هو سوريا وحدها وإنما وكالة الطاقة الذرية العالمية والتي تضمنت التقارير التي نشرتها صحيفة ها آرتس الإسرائيلية ووكالة رويترز وتحليل معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى سيلاً من الاتهامات بالتقصير وعدم الفاعلية لجهة القيام بأداء واجبها الرئيسي المتمثل في خطر انتشار الأسلحة النووية.
تشير المعطيات الجديدة، والتي يمكن ملاحظتها من خلال ثنايا عبارات وفقرات تحليل معهد واشنطن على أن المطلوب حالياً هو: الضغط على وكالة الطاقة الذرية العالمية لكي تقوم ليس بالضغط على سوريا وحسب، وإنما برفع الأمر إلى مجلس الأمن الدولي، بحيث تجد أمريكا وبريطانيا وفرنسا الفرصة لاستثمار الأمر لجهة بناء ملف إجراءات دولية ضد سوريا على غرار ملف الإجراءات الدولية المتخذة ضد إيران، وذلك ليس من أجل استهداف دمشق وحسب، بل –إن لم يكن على الأغلب- من أجل توسيع هامش المناورة لمثلث واشنطن-تل أبيب-باريس لجهة القيام بإجراء المساومات مع روسيا والصين داخل المجلس على العديد من الأوراق الأخرى والتي قد تكون الورقة اللبنانية والورقة الإيرانية الأكثر أهمية من بينها.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد