إخونج سوريا والمصالحة الخليجية.. رهانات مفتوحة!
لم تكد قمّة العلا الخليجية تُنهي أعمالها في السعودية، حتى دبَّت الحيوية في مفاصل تيارات الاسلام السياسي في المنطقة، على خلفية ما زعموا أنه “نصر قطري” في مواجهة “دول الحصار”.
خير دليل على ذلك ما أثاره أحمد زيدان مراسل قناة “الجزيرة” المعروف بقربه من تيارات الاسلام السياسي، من موجة جدل واسعة بعد أن كتب على قناته على تلغرام أنه “لأول مرة منذ عقود يقوم في الشام كيان سني بمقوماته وأعمدته العسكرية والأمنية والخدماتية، فعظِّموا شوكته”، وأضاف “بالرغم من كل النواقص التي ترونها ونراها فإنّ فرض الوقت هو بدعمه، وإظهار إيجابياته قبل أن يُحرم المحرر منه لا سمح الله”.
وقد سارعت قيادات سابقة في “جبهة النصرة”، مثل الكويتي علي العرجاني للقول إن المغفل هو “من يظن بأن أحمد زيدان إعلامي الجزيرة يتحدث من رأسه وخاصة بعد العلاقات التي فتحت بين قطر وعصابة الجولاني”، وهو ما أثار مخاوف في أوساط المعارضة السورية من عودة الدوحة إلى اللعب على وتر الجماعات الجهادية وتمكينها في الشمال السوري كبوابة لاستعادة نفوذها في الملف السوري.
من جهة أخرى، سارعت جماعة “الاخوان المسلمون – فرع سوريا” إلى “تهنئة دول الخليج العربي على تقدم جهود المصالحة وإعادة فتح الحدود بين الشقيقتين المملكة العربية السعودية ودولة قطر”، وأملت أن “تكون هذه البداية.. انطلاقة في سبيل توحيد الكلمة وتضامن الصف الخليجي والعربي لمواجهة الأخطار المحدقة به”.
ووفق المنظور الإخوانيّ، فإن ما جرى في قمة العُلا “يكرّس واقعاً جديداً ستشهده المنطقة مع تسلم جو بايدن مهامه الرئاسية، حيث من المتوقع أن تترتب على ذلك تغييرات جذرية في خرائط التحالفات والصراعات في المنطقة، وبالتالي انتقال مراكز الثقل إلى عواصم جديدة أثبتت أنها أكثر قدرة على التناغم مع توجهات الإدارة الأميركية الجديدة والتماهي مع متطلباتها السياسية”، كما قال مصدر مقرب من جماعة “إخوان سوريا” لموقع 180 بوست.
ولم يُخف المصدر قناعته بأن قطر “تكاد تكون المرشحة الوحيدة من بين الدول العربية لتصدر المشهد في ظل إدارة بايدن”، وأن التصدّر القطري “سينعكس تلقائياً على حلفائها في دول المنطقة وبينهم بطبيعة الحال تيارات الاسلام السياسي ولا سيما جماعة الاخوان المسلمين”.
وأضاف المصدر أن “تصويب قمة العلا على أدوار إيران التخريبية والتوعد بالتصدي لها سيشكل نقطة تقاطع تلتقي عندها مصالح الجماعة مع سياسة الدول الخليجية التي عبّر عنها البيان الختامي للقمة، وسيؤدي ذلك بطبيعة الحال إلى إعطاء الجماعة فسحة جديدة لإثبات وجودها والتأثير على معطيات المشهد السوري”.
لم تصدر عن الرياض أية مؤشرات تدل على أن المصالحة مع قطر ستؤدي إلى قيام السعودية بمراجعة موقفها من جماعة الاخوان المصنفة سعودياً كتنظيم إرهابي
غير أن التفاؤل الذي تحاول قيادات الاسلام السياسي إشاعته جراء المصالحة الخليجية ومدى انعكاسها على واقع ومآل وأدوار تيارات الاسلام السياسي، يبدو بالنسبة لبعض المراقبين والخبراء مجرد تسطيح للواقع السياسي، ومحاولة يائسة لخداع مناصري هذه التيارات ومؤيديها لضمان بقائهم مغيّبين عن بعض الحقائق التي من شأنها أن تدحض خطاب التفاؤل المزيّف.
فإذا كانت قطر هي الجناح العربي الداعم لتيارات الاسلام السياسي، هناك جناح إقليمي لا تستطيع هذه التيارات الطيران من دونه وهو تركيا. ولا يكفي لرسم المشهد السياسي الذي سيواكب قدوم الإدارة الأميركية الجديدة أن يجري الحديث عن انتقال مراكز الثقل بين العواصم أو عن احتمال التصدر القطري للاستخلاص بأن هذه المتغيرات ستنعكس إيجاباً على الاسلام السياسي وأدواره في بعض الملفات الساخنة. إذ أن الجناح الاقليمي (تركيا) سيكون مهيضاً من دون شكٍّ في عهد إدارة بايدن. وبالتالي سيكون من المتعذّر على أنقرة التي تتلمّس السبل من أجل تأمين تعايش صعب مع الرئيس الأميركي الجديد بسبب النقاط الخلافية الكثيرة بينهما، وانعدام الكيمياء السياسية بين الرئيس التركي رجب طيب إردوغان والرئيس الأميركي المنتخب، أن تواكب تحركات الجناح القطري بغية التحليق بطائر الاسلام السياسي وإخراجه من محنة السنوات الثلاث الماضية.
ولا يمثل اختلال التوازن بين جناحي الاسلام السياسي (قطر وتركيا) بسبب تباين علاقات كل منهما مع إدارة بايدن، التحدي الوحيد الذي سيقف في وجه جماعة الإخوان المسلمين في سعيها لاستعادة أدوارها. إذ أن العلاقة مع السعودية لا تزال في أدنى مستوياتها، ولم تصدر عن الرياض أية مؤشرات تدل على أن المصالحة مع قطر ستؤدي إلى قيام السعودية بمراجعة موقفها من جماعة الاخوان المصنفة سعودياً كتنظيم إرهابي. وبالتالي فإن تفاؤل “إخوان سوريا” بعودة مياه علاقاتهم مع الرياض إلى مجاريها يبدو سابقاً لأوانه.
وسبق لإخوان سوريا في بيان صدر في أعقاب تجديد هيئة كبار العلماء السعوديين تصنيف الاخوان كتنظيم إرهابي، أن حاولوا التذاكي على الرياض عارضين عليها جزرة التصدي للمشروع الصفوي الفارسي في سوريا وذلك كمسعى أخير من قبلهم لكسر جليد العلاقة مع المملكة، على اعتبار أن العداء لإيران يمثل نقطة تقاطع بين الطرفين تستحق لأجلها رفع سمة الارهاب السعودية عن الجماعة.
حصول تقارب سعودي – تركي قد تنبثق عنه إرادة موحدة لزجّ عناصر الإخوان السوريين في مستنقع اليمن من أجل إنهاء الحرب مع الحوثيين بأقرب وقت ممكن قبل أن يعود بايدن إلى توقيع الاتفاق النووي
وتكمن مفارقة العرض الاخواني، الذي تجدد بشكل مبطن في برقية التهنئة بمناسبة المصالحة الخليجية، أنه تزامن مع تسريب أنباء حول وجود مفاوضات برعاية إيرانية ومن قبل “حزب الله” اللبناني لإجراء مصالحة بين حركة حماس – فرع الاخوان في غزة، وبين السلطات السورية. ومن شأن ذلك أن يدلل على أن التنظيم الدولي لجماعة الاخوان المسلمين يعمل على تقسيم الملفات والنظر إلى ملف كل فرع من فروعه ومصالحه وارتباطاته بما يناسب واقعه ويحقق مصالحه بغض النظر عن التناقض بين توجهات فرعٍ وآخر.
وأكثر من ذلك ثمة من يعتقد أن كل فرع من فروع الاخوان منقسم إلى أجنحة وكل جناح لديه رؤية خاصة حول العلاقات مع بعض الدول. وفي ما يتعلق بإخوان سوريا، يرى الباحث السوري المعارض خالد الحمّاد أن التنظيم الرسمي لإخوان سوريا هو حليف للإسلام السياسي (الشيعي) منذ عهد مؤسسه حسن البنّا. ويضيف الباحث في تغريدات على حسابه على تويتر أن “الفصائل والجماعات السورية المنتمية لفكر الإخوان (فكر البنا وسيد قطب) أصبحوا أكبر وأكثر تأثيرا من التنظيم الرسمي التقليدي، والذي أصبح خارج اللعبة السياسية والعسكرية، ولن يتجرأ على عقد أي صفقة دون موافقتهم والتي حتما سيتم رفضها من قبل تلك المجاميع التي تنتمي للفكر وليس للتنظيم”.
ويرى المهتم بالشؤون الإسلامية الدكتور محمد الأمين أن “المصالحة الخليجية لن يكون لها تأثير مباشر على الوضع في سوريا” كما كتب في قناته على تلغرام. واستبعد أن يحصل أي تحسن في العلاقة بين جماعة الاخوان والسعودية في المدى المنظور. ويُفهم من كلامه أن الأمر متوقف على الخيارات التي ستتخذها الجماعة بعد تولي بايدن، فإذا قدمت أوراق اعتمادها للإدارة الأميركية الجديدة كوكيل حصري من أجل تنفيذ مخططاتها وضغوطها ضد بعض الأنظمة بما فيها النظام السعودي، تكون بذلك قد قطعت شعرة معاوية مع الرياض وتجاوزت نقطة اللاعودة نهائياً.
وثمة خيار آخر أشار إليه الأمين، وهو باعتقاده السيناريو الأكثر احتمالاً لتأثير المصالحة على السوريين، ويتمثل في حصول تقارب سعودي – تركي قد تنبثق عنه إرادة موحدة لزجّ عناصر الإخوان السوريين في مستنقع اليمن من أجل إنهاء الحرب مع الحوثيين بأقرب وقت ممكن قبل أن يعود بايدن إلى توقيع الاتفاق النووي مع إيران.
عبدالله سليمان علي – موقع 180
إضافة تعليق جديد