أنقرة وواشنطن وباريس تلوّح بـ «مؤتمر أصدقاء سوريا» وموسكو تحذر من أي تحرّك دولي أحادي
تمسكت موسكو، التي تتعرض لضغوط قوية جدا من العواصم الغربية، بموقفها من الأزمة السورية، محذرة أمس من التدخل في الشؤون الداخلية لسوريا، أو من «أي تحرك أُحادي» في مجلس الأمن الدولي أو خارجه. وكررت رفضها الخطة العربية التي تنص على تنحي الرئيس السوري بشار الأسد، وضرورة تشجيع السوريين من خلال الضغط على المعارضة، لإجراء حوار في ما بينهم للخروج من الأزمة.
في هذا الوقت، أعلن البيت الأبيض الاميركي أن واشنطن «تأمل عقد اجتماع مع الشركاء الدوليين قريبا للاتفاق على الخطوات المقبلة لوقف قتل المدنيين في سوريا وسيتضمن ذلك على الأرجح تقديم مساعدات إنسانية. وقال المتحدث باسمه جاي كارني إن اجتماع «أصدقاء سوريا» قد يعقد في القريب العاجل. وكشف وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو، قبيل سفره الى واشنطن، ان أنقرة تعمل على تنظيم مؤتمر دولي بمشاركة أطراف إقليمية ودولية حول الأزمة السورية «في أقرب وقت ممكن».
ومن جهته ، قال الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، خلال لقائه مفتي سوريا أحمد بدر حسون على هامش المؤتمر الـ25 للوحدة الإسلامية في طهران، إن «إيران ستبقى حكومة وشعبا مع سوريا في كل مواقفها التي تبنى بها سوريا المتجددة».
وقال مصدر في الأمانة العامة لدول مجلس التعاون الخليجي إن الاجتماع المرتقب لوزراء خارجية دول المجلس سيعقد الأحد في القاهرة، وليس السبت في الرياض كما أُعلن سابقا. ويأتي الاجتماع متزامنا مع اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة لبحث التطورات في سوريا ووضع المراقبين.
وفي القاهرة، أكد نائب رئيس غرفة عمليات بعثة المراقبين العرب علي الجاروش «أن الأمانة العامة لم توجه بسحب بعثتها من دمشق». وأوضح «أن الأمين العام نبيل العربي بعدما أوقف نشاط البعثة طلب من أعضاء الفريق الذين أمضوا أكثر من شهر بعيدا عن بلدانهم وأُسرهم منحهم إجازة ريثما يحدد وضع البعثة في ضوء قرار مجلس الجامعة الذي سيتخذ الأحد».
وشدد الرئيس الروسي ديمتري ميدفيديف، في مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، على «ضرورة الاستمرار في البحث، بما في ذلك في مجلس الأمن الدولي، عن سبل منسقة لمساعدة السوريين على ضبط الأزمة بأنفسهم»، مؤكدا أن ذلك يجب ان يحدث «من دون تدخل خارجي، وباحترام تام لسيادة سوريا».
ونقل بيان الكرملين عن ميدفيديف قوله إن مشروع القرار الغربي - العربي «لم يسمح لنا بالقيام بتقييمات غير متحيزة للوضع في سوريا أو ضمان دعوة الطرفين إلى وقف إطلاق النار وإنهاء سفك الدماء»، مضيفا إن «مثل هذا القرار لم يكن ليشجع البحث عن طريقة سلمية لحل الأزمة».
وأشار ميدفيديف إلى «أهمية دور تركيا في سياق الأوضاع الإقليمية الراهنة، بصفتها دولة ذات نفوذ كبير على الصعيد الدولي وتاريخ طويل من علاقات حسن الجوار والتعاون مع سوريا». وأكد «إمكانية الاستفادة من هذا الدور لأجل تنظيم حوار وطني شامل في سوريا».
وقال الكرملين في بيان آخر إن ميدفيديف دعا، في اتصال هاتفي تلقاه من نظيره الفرنسي نيكولا ساركوزي، إلى تجنب اتخاذ «تدابير أُحادية متسرعة» لحل الأزمة في سوريا، وخصوصا في مجلس الأمن.
وبناء على طلب ساركوزي الذي بادر إلى الاتصال بميدفيديف، أطلعه الرئيس الروسي على نتيجة محادثات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف والأسد.
وذكر الاليزيه أن ساركوزي طلب من ميدفيديف «دعمه الكامل لخطة الجامعة العربية من أجل إقناع الأسد بالتنحي والحؤول بذلك دون اندلاع حرب أهلية تهدد وحدة سوريا واستقرار المنطقة بأكملها والإفساح في المجال لعملية انتقال سياسي منظم». وشدد على «ضرورة زيادة الضغوط على النظام السوري لوقف القمع الوحشي ضد الشعب السوري وحتى يتمكن هذا الشعب من تحقيق تطلعاته الى الحرية والديموقراطية».
وقال رئيس الحكومة الروسية فلاديمير بوتين، خلال لقائه ممثلي الطوائف في موسكو، «بطبيعة الحال ندين أي عنف مهما كان مصدره. ولكن لا يجوز لأحد أن يتصرف وكأنه فيل في دكان لبيع الأواني الخزفية، بل يجب ترك الناس يقررون مصيرهم بأنفسهم».
وشدد بوتين على «عدم جواز تدخل القوى الخارجية في شؤون سوريا»، مشيرا إلى أن «القوى الخارجية تستطيع أن تقدم المشورة وتحث الأطراف المتنازعة على الامتناع عن استخدام الأسلحة، ولكن التدخل لا يجوز بأي حال من الأحوال». واعتبر أنه في بعض المدن الليبية التي كانت تدعم النظام السابق «تحصل اليوم تجاوزات رهيبة لكن لا يتحدث عنها أحد». وأضاف «هذه هي العواقب الرهيبة للتدخلات الأجنبية، العسكرية في المقام الأول».
ورفض وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في مؤتمر صحافي بعد محادثات مع نظيرته الباكستانية هنا رباني خار في موسكو، الرد على سؤال عما إذا كان بحث مع الأسد احتمال تنحيه من السلطة. وقال «إن خلاصة أي حوار وطني يجب أن تكون نتيجة اتفاق بين السوريين أنفسهم ومقبولة من جميع السوريين». وأضاف «إننا ندعم أي مبادرة تهدف الى إحلال الظروف لقيام حوار بين السوريين، وهذا ما ينبغي أن تفعله الأسرة الدولية، سواء العالم العربي أو أوروبا او الولايات المتحدة او مناطق اخرى من العالم». وتابع «ليس من شأن الأسرة الدولية أن تحاول تحديد نتيجة الحوار الوطني مسبقا».
وأعلن لافروف أن استدعاء عدد من الدول العربية والغربية سفراءها من سوريا «غير منطقي» ولا يساهم في تطبيق الخطة العربية لحل الأزمة في هذا البلد. وقال «إننا لا نفهم هذا المنطق، كما لا نفهم القرار المتسرع بتجميد نشاط بعثة مراقبي الجامعة العربية في سوريا». وأضاف «لا أعتقد ان استدعاء السفراء يوجد ظروفا ملائمة لتطبيق مبادرة الجامعة العربية».
وأكد لافروف من جديد دعوته للدول التي لها تأثير على معارضي الأسد للضغط عليهم للدخول في حوار مع الحكومة. وقال «نحتاج إلى دفع الحكومة وجماعات المعارضة للجلوس حول طاولة المفاوضات».
وأعلن لافروف، الذي بحث الوضع السوري مع نظيريه البريطاني وليام هيغ والألماني غيدو فسترفيله، أن «الأسد أكد له أنه أصدر تفويضا لنائب رئيس الجمهورية (فاروق الشرع) بمفاوضة جماعات المعارضة كافة وتنظيم الحوار الوطني بمشاركة القوى السياسية السورية كافة».
وأكد لافروف من جديد تأييد روسيا لمبادرة جامعة الدول العربية التي طرحت في تشرين الثاني الماضي والتي اقترحت انسحاب القوات من المدن والبلدات وإطلاق سراح السجناء والبدء في تنفيذ إصلاحات.
ودافع لافروف عن الفيتو الروسي، معتبرا أن موسكو إنما حالت بذلك دون تمكن المجموعات المسلحة المعارضة من السيطرة على المزيد من المدن. وقال ساخرا «لقد فوتنا فرصة للسماح للمجموعات المسلحة التي تحارب القوات الحكومية بالسيطرة على المزيد من المدن والقرى». وأضاف «نعم لقد فوتنا تلك الفرصة. وإذا كان ذلك هدف معدي مشروع القرار فكان لا بد أن يقولوا مباشرة إننا نريد أن تسيطر المجموعات المسلحة على المدن في سوريا». وتابع «عليكم اعتماد الصراحة مع شركائكم، لأن نصف الحقيقة اسوأ من الكذب».
وأعلن داود أوغلو ان تركيا تعمل على عقد مؤتمر دولي «في أقرب فرصة» حول الأزمة السورية بمشاركة أطراف إقليمية ودولية. وقال، لقناة «ان تي في» الإخبارية، «نحن مصممون على تنظيم منتدى على اساس واسع من اجل توافق دولي بين الدول التي يقلقها» الوضع في سوريا، مشيرا إلى ان المؤتمر قد يعقد في تركيا او بلد آخر لكن يجب ان يكون «في المنطقة وفي أقرب فرصة». وأضاف أن تركيا تلتزم سياسة دبلوماسية نشيطة من اجل تحديد «خريطة طريق جديدة» لسوريا.
واعتبر داود اوغلو، الذي انتقل الى واشنطن في زيارة تستمر حتى الأحد المقبل ويلتقي خلالها نظيرته الاميركية هيلاري كلينتون ومستشار الامن القومي الاميركي توماس دونيلن، ان بلاده لن تسمح باستمرار سفك الدماء في سوريا وبعدم استقرار المنطقة، محذراً الإدارة السورية مجدداً من العزلة. وقال «نأمل ألا تتحول سوريا التي تقع في قلب الشرق الأوسط الى كوريا شمالية أخرى»، لكنه استبعد مجددا التدخل العسكري في سوريا.
وقال داود أوغلو، في مقابلة مع «رويترز»، إنه «إذا فشل مجلس الأمن الدولي في حماية المدنيين فينبغي للدول التي تتبنى فكرا مشتركا إيجاد سبل لإنهاء القتل وتوصيل المساعدات للمدنيين المحاصرين بسبب هجوم الجيش».
وعما إذا كان تصاعد العنف اقترب من النقطة التي تعتقد تركيا انه قد اصبح من اللازم إنشاء منطقة عازلة داخل سوريا او ممرات أمنية، قال داود اوغلو «نعم، نحن قلقون جدا. الآن يموت مئات الاشخاص يوميا. نحن قلقون مما قد يحدث الاسبوع المقبل او الشهر المقبل، وتركيا معنية مباشرة».
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي ألان جوبيه انه لا يصدق «على الإطلاق» تعهدات دمشق خلال زيارة لافروف، وقال «هذا فعلا تلاعب من بشار الأسد لن ننخدع به».
وكرر جوبيه «لقد كتب بوضوح في مشروع القرار الذي استخدمت روسيا ضده حق النقض، انه لن يكون هناك عملية عسكرية»، معتبرا ان الاشارة الى السابقة الليبية وإلى التدخل العسكري الدولي بعد تبني قرار في مجلس الأمن «ذريعة خادعة». وقال «مرات لا تحصى ذهب مسؤولون إلى دمشق للقاء بشار الأسد وهو يعطيهم تطمينات جيدة... لا أثق على الإطلاق بتعهدات النظام السوري الذي فقد صدقيته». وأضاف «هذا فعلا تلاعب من بشار الأسد لن ننخدع به. عندما نقتل ستة آلاف من مواطنينا... نفقد شرعيتنا».
وأوضح جوبيه أنه بعد الفيتو الروسي «يجب أن نكرر طرح المسألة وما اقترحناه هو أن نعقد اجتماعا لمجموعة أصدقاء سوريا». وأضاف ان الهدف من الاجتماع هو «ممارسة أقصى الضغوط اولا على روسيا لنؤكد لها انها في مأزق، وخصوصا حول بشار الأسد لتشجيع عملية الانتقال التي طرحتها الجامعة العربية». وقال «سنقوم بكل ما في وسعنا من أجل وضع تلك العملية موضع التنفيذ».
كما شككت لندن بتعهدات الأسد. وقال رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون، أمام مجلس العموم، «أعتقد ان ثقتنا قليلة جدا بهذا الموضوع»، مؤكدا ان بريطانيا ستضغط من اجل تشديد العقوبات التي فرضها الاتحاد الاوروبي على سوريا، وستزيد دعمها لمجموعات المعارضة في داخل سوريا وخارجها.
وطالبت المفوضة العليا لحقوق الانسان في الامم المتحدة نافي بيلاي «بتدابير فاعلة» لحماية المدنيين في سوريا، معتبرة ان فشل مجلس الأمن في الاتفاق على قرار شجع «الحكومة على المضي أكثر في قتل شعبها».
في المقابل بث التلفزيون السوري صورا حية من بابا عمرو تسمع فيها أصوات إطلاق نار، وتظهر آثار فجوات في بعض المباني نسبها الى «مجموعات إرهابية مسلحة». وذكر أن «مجموعة إرهابية مسلحة قامت بتفجير سيارة في حمص، ما أسفر عن مقتل وجرح عدد من المدنيين وعناصر من القوى الامنية، كما استهدفت مصفاة حمص بعدد من قذائف الهاون ما أدى الى اشتعال النيران في خزاني وقود». وأضاف ان «هذه المجموعات استهدفت جامعة البعث في حمص، واقتصرت الأضرار على الماديات».
المصدر: السفير+ وكالات
إضافة تعليق جديد