أزمة الجامعة العربية تجاه الأزمة السورية: من ينصب الأفخاخ في دروب الحل
الجمل: تحدثت التقارير عن جهود الجامعة العربية لحل أزمة الاحتجاجات السياسية السورية، وجاءت لجنة الجامعة العربية إلى دمشق، والتي وافقت على مبادرة اللجنة الوزارية العربية، والآن بدأت التقارير تتحدث بشكل ينطوي على المزيد من المفارقات، فما هي حقيقة جهود الوساطة العربية، وما مدى مصداقية توجهات الأطراف الثالثة إزاء حل الأزمة، هل باتجاه التهدئة، أم باتجاه التصعيد؟
* جهود الوساطة العربية: أزمة المنعطف الحرج، أم أزمة المصداقية
تشير المعطيات الجارية إلى أن جهود الوساطة العربية أصبحت تقف في مفترق الطرق، بحيث أصبحت أمانة الجامعة العربية، تقف أمام واحدة من أعقد المواقف، وفي هذا الخصوص نشير إلى ما يلي:
• أعلنت دمشق موافقتها الصريحة على قبول المبادرة العربية.
• لم تعلن المعارضة السورية موافقتها الصريحة إزاء قبول المبادرة العربية.
وتأسيساً على ذلك، نلاحظ أن إنفاذ المبادرة العربية على أرض الواقع غير ممكن في الوقت الحالي، طالما أن أحد الأطراف لم يوافق على قبول المبادرة، وبرغم ذلك، ظلت العديد من الأطراف الثالثة الخارجية توجه الانتقادات القائلة بأن دمشق لم تلتزم بالمبادرة العربية.
إضافة إلى ذلك، نلاحظ أن العديد من الأطراف الثالثة، أصبح الآن أكثر اهتماماً لجهة القيام بالآتي:
• تصعيد الحملات الإعلامية التي تصف دمشق بأنها لم تلتزم بالمبادرة وبأنها انتهكت المبادرة، وفي نفس الوقت تتغاضى عن اتهام المعارضة، أو حتى انتقادها لجهة عدم الموافقة على المبادرة.
• برزت بعض الأطراف الأجنبية، وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تحرض المعارضة على عدم قبول المبادرة.
• برزت بعض الأطراف الإقليمية التي تعلن من جهة بأنها لا تمارس أي أنشطة تدخلية في ملف الأزمة السورية، وفي نفس الوقت من الجهة الأخرى تعترف صراحة بأنها تستضيف فعاليات المعارضة السورية المسلحة والسياسية.
اللافت للنظر والمثير للاهتمام وللغرابة، تمثل في موقف أمانة الجامعة العربية، والتي لم تمارس حتى الآن أي ضغوط فعلية على المعارضة السورية لجهة قبول المبادرة، الأمر الذي يزيد مستوى الشكوك إزاء مصداقية أمانة الجامعة العربية، و يفتح الباب واسعاً أمام السؤال الصعب القائل: هل أصبحت الجامعة العربية واقفة على مفترق الطرق وتعاني من العجز والشلل إزاء تحديد إلى أين تمضي، هل إلى جانب المعارضة المدعومة أمريكياً، أم إلى جانب بنود المبادرة التي أقرتها الجامعة العربية، وهل يا ترى سعت الجامعة العربية إلى ترتيب المبادرة بحيث تشكل فخّاً للإيقاع بدمشق، والآن، بعد أن تبين أن الذي وقع في الفخ هو المعارضة، أصبحت أمانة الجامعة العربية تبحث عن المخرج، وهو المخرج الذي سوف يلحق هذه المرة أضراراً بالغة بمصداقية الجامعة العربية.
* الجامعة العربية في مواجهة الخيارات
تنطوي جهود الوساطة في حل النزاعات، بالنسبة لأي وساطة وأي نزاع، على نوعين من الوساطة هما: وساطة من أجل التهدئة وصولاً إلى الحل الشامل وتحقيق الاستقرار، ووساطة من أجل التصعيد وصولاً إلى تعقيد الأوضاع ودفع الأمور باتجاه الفوضى، وحالياً تشير المعطيات إلى أن أمانة الجامعة العربية، تقف أمام معضلة "الوساطة من أجل ماذا"، وفي هذا الخصوص نشير إلى مسارات أمانة الجامعة العرببة المحتملة:
• المسار الأول: خارطة طريق الوساطة من أجل التهدئة:
يقول خبراء النزاعات والصراعات، بأن جهود الوساطة من أجل التهدئة تتضمن الآتي:
ـ حث الأطراف: وفي هذا الخصوص فقد حثت لجنة وزراء خارجية الجامعة العربية دمشق على ضرورة الموافقة على المبادرة، ولكن هذه اللجنة لم تسع حقيقة إلى حث أطراف المعارضة.
ـ تحفيز الأطراف: لم تسع لجنة وزراء خارجية الجامعة العربية إلى تقديم الحوافز لدمشق مقابل قبولها وموافقتها ولو عن طريق إصدار بيان إشادة بموقف دمشق. وفي نفس الوقت لم تصدر هذه اللجنة أي بيان يدعو المعارضة من أجل القبول والموافقة.
ـ الضغط على الأطراف: مارست أمانة الجامعة العربية المزيد من الضغوط على دمشق، و على الجانب الآخر لم تمارس أي ضغوط على المعارضة، ولا حتى على الأطراف العربية الداعمة للمعارضة.
• المسار الثاني: خارطة طريق الوساطة من أجل التصعيد:
يقول خبراء النزاعات والصراعات بأن جهود الوساطة من أجل التصعيد، تتضمن الآتي:
ـ التعامل المزدوج: ويتضمن تقديم المزايا الإيجابية لأحد الأطراف، وفي نفس الوقت تقديم المزايا السلبية للطرف الآخر، فهل يا ترى سوف تسعى لجنة الجامعة العربية لجهة اعتماد وجهة نظر المعارضة السورية، من جهة والسعي من الجهة الأخرى لفرضها على دمشق؟
ـ المساومة غير المتكافئة: وتتضمن الضغط على أحد الأطراف من أجل تقديم المزيد من التنازلات، وفي نفس الوقت السماح للطرف الآخر برفع سقف مطالبه دون قيد أو شرط.
ـ السرديات المتقلبة: وتتضمن اعتماد السرديات التي تدعم وجهة نظر أحد الأطراف، مهما كانت كاذبة وغير حقيقية، وفي نفس الوقت رفض سرديات الطرف الآخر مهما كانت حقيقية وصادقة.
سوف تشهد الأيام القادمة، مدى قدرة أمانة الجامعة العربية على الالتزام بمصداقية توجهاتها إزاء ملف الاحتجاجات السورية، وما هو أكثر أهمية يتمثل في العديد من المؤشرات الدالة على ذلك، ومنها، هل ستسعى الأطراف العربية الراعية لمبادرة الجامعة لجهة الالتزام بالعدالة والنزاهة في التعامل مع أطراف الأزمة، أم أنها سوف تعمل على تقديم الدعم المالي والدبلوماسي والإعلامي لأحد الطرفين دون الآخر. وهل ستسعى الأطراف العربية الراعية لمبادرة الجامعة العربية لجهة حث الأطراف الثالثة غير العربية على ضرورة وقف الدعم العسكري والدعم الدبلوماسي والدعم المالي لأحد الطرفين دون الآخر. أم أن أمانة الجامعة العربية سوف تظل عاجزة عن مخاطبة واشنطن التي حرضت المسلحين علناً على ضرورة عدم تسليم أسلحتهم وفقاً لبنود المبادرة، ومخاطبة أنقرا التي اعترفت بأنها تستضيف الفعاليات المسلحة السورية، وبرغم أن الإجابة عن عجز أمانة الجامعة العربية واضحة، فإن الأيام القادمة سوف تكشف لنا ما الذي يدور ويجري خلف كواليس الجامعة العربية إزاء أزمة ملف الاحتجاجات السياسية السورية.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
التعليقات
مصداقية!!!!
لن يتوقفوا لانهم ببساطة لم يحصلوا على شيئ
إضافة تعليق جديد