أوربانو تافاريش رودريغش: أرق الماضي

14-08-2013

أوربانو تافاريش رودريغش: أرق الماضي

حين حاز جوزيه ساراماغو «نوبـل للآداب» العام 1998، تعالت بعض الأصوات في البرتغال مندّدة بفوزه، لا لأنه كاتب لا يستحق هذا التكريم الكبـير في عالم الأدب، بل لأنّ هــناك ـ كــما قيل يومها ـ العديــد غيره مـن الكُتّاب الآخرين الذين يستحقون الجائزة قبله (قبل ساراماغو) ومن بينهم أوربانو تافاريش رودريغش الذي يتفق الجميع على أنه أحد الوجوه الأساسية والكبيرة في الأدب البرتغالي في القرن العشرين.
أوربانو تافاريش يغادر عالمنا، تاركا وراءه الكثير من الذكريــات والكــتب، وأيــضا الكــثير من التواريخ الماضيــة التي مــا زالت تؤرق حاضــرنا، بكــل مــا كــانت تحمــله من رعــب وقتل وحروب. غاب يوم التاسع من الشهر الحــالي، ولــم يعــرف أحــد بغــيابـه إلا صــباح أمس الثلاثاء، إذ أعلن ناشره الفرنـسي عن رحـيله عن عمر 89 عاما (مواليد 6 كانون الأول 1923).
ينحــدر أوربانــو تافاريــش رودريغش مـن عائلة غنيّة، تملكت الكـثير من الأراضي في منطقة «الألنتيجو»، وهي المنطقة الحـاضــرة بقوة في أعماله الروائيــة، إذ تشــكل المــكان الذي تدور فيه معظـم أحداث كــتبه... وعلى الرغـم من هذه الأصول البورجوازية، إلا أنه اقترب كثيرا من الحزب الشيوعي الذي انتسب إليه، والــذي قاتــل حــكم سالازار بقــوة، مـا جــعله يغادر بلاده ليعيش «منــفيا» في باريـس بين 1949 و1955 حـيث عمـل كقارئ للـغة البرتــغالية.
التجربة الفرنسية ـ وبخاصة لقائه مع ألبير كامو ـ أتاحت له أن يطلع أكثر على الثقافة الفرنسية كما على باقي الثقافات الأوروبية التي كانت تُترجم بكثرة في العاصمة الفرنسية، وهناك أيضا اكتشف «وجودية» جان بول سارتر التي ألقت بظلّها الكثيف على أدبه المختلف والمتنوع، إذ كتب الشعر والرواية والبحث كما أدب الرحلة.
بعد عودته إلى البرتغال، اعتقل لمرات عديدة بين عاميّ 1963 و1968، حيث تعرض للتعذيب الجسدي من قبل الشرطة السياسية التابعة للنظام الفاشي البرتغالي، وبالطبع أثّر ذلك على كتبه التي غالبا ما مُنعت من قبل النظام الحاكم، وربما من أشهر روايات تلك الحقبة «تقليد السعادة» (1966).
بعد «ثورة القرنفل» العام 1974، استطاع الكاتب أن يُدرّس الأدب مجددا في لشبونة وليتابع عمله الإبـداعي، إذ توالــت روايــات أفردت له مساحة كبيرة في خارطة الأدب البرتغالي والأوروبي، من بينــها «لقــطاء الشمس» و«الذهب والحلم» و«لن تقتل أبدا» وغيرها.
أوربانو تافاريش رودريغـش، أحـد كــبار الكتّاب الانسانويين في العالم، إذ لم يتوقـف عن البحث عن عالم أكثر حرية وعدالة، وأكثر إنسانية، بعيدا عن كل الأفكار المرعبة التي تجتاحه. من هنا، يشكل أدبه، نقطة مضيئة لا في الأدب البرتغالي فقط، بل في أدب العالم الذي عرف رودريغش كيف يلتقط نبضاته المرعبة، ليصور لنا هذا الرعب الكامن في كل حركة من حركاتنا.


إسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...