تركيا تقطع الجسور: أردوغان يستعد لإعلان العقوبات على سوريا
لم تصمد «هدنة» وفاة والدة رئيس الحكومة التركية رجب طيب اردوغان الشهر الماضي، حتى استأنفت أنقرة جدول أعمالها السابق حيث يتوقع أن يتوجه رئيس الحكومة رجب طيب اردوغان إلى لواء الاسكندرون (هاتاي) ليعلن من هناك ما كان يريد إعلانه قبل شهر من عقوبات على سوريا.
وجاء قرار الجامعة العربية تعليق عضوية سوريا وفرض عقوبات عليها وسحب السفراء ليقدّم لتركيا ذريعة إضافية لاستئناف معركتها مع النظام السوري ومن معه من قوى إقليمية.
وقد تمثلت أولى الخطوات بالتأكيد باعتراف أنقرة «بالمجلس الوطني» الذي أنشئ في الأساس على الأراضي التركية، واجتماع وزير الخارجية التركي أحمد داود اوغلو ببعض أعضائه أمس الأول، يُضاف إلى ذلك احتضان العقيد السوري المنشق رياض الأسعد في مخيم خاص قرب إنطاكية. وقال مصدر دبلوماسي تركي إن ممثلين عن «المجلس الوطني السوري» طلبوا من داود اوغلو السماح بفتح مكتب تمثيلي للمجلس في تركيا. وأكد أن «مناقشات وأعمالاً ستتم لهذا الغرض». وكرر الوزير التركي القول للمعارضين إن «مستقبل سوريا بين أيدي السوريين، وهم الذين سيبنونه».
وقال داود اوغلو، أمام لجنة برلمانية، إن «الذين ليسوا في سلام مع شعوبهم في الشرق الأوسط ولا يلبون طموحاتهم سيرحلون» في إشارة إلى سوريا التي تتخذ تركيا حيالها نهجاً أكثر تشدداً.
وأكد أنه «سيتخذ أكثر المواقف تشدداً» حيال استهداف البعثات الدبلوماسية التركية على الأراضي السورية، و«سنقف بجوار الكفاح العادل للشعب السوري». وأضاف «لم يعد بالإمكان الوثوق في الحكومة السورية».
وأدان داود اوغلو فشل جهود الوساطة التي انطلقت مطلع العام. وقال «فعلنا كل شيء لتجنب سفك الدماء، ولتعزيز صداقتنا مع هذه البلاد التي نشاطرها حدوداً بطول 910 كلم». وأضاف «نؤيد مطالب الشعوب التي تنتفض من أجل حقوق مماثلة». وتابع «لا يمكن لتركيا أن تقف متفرجة عند الدوس على القيم الجامعة».
وفي مؤشر على دخول العلاقات بين أنقرة ودمشق مرحلة جديدة نسبت صحيفة «ميللييت» إلى مسؤول في وزارة الخارجية التركية قوله «لقد دخلنا مرحلة جديدة بالكامل مع سوريا». وعن معنى ذلك قال المسؤول «يعني أن الحل الدبلوماسي انتهى، وإننا في وضع بدء العدّ العكسي لرحيل (الرئيس السوري بشار) الأسد».
مصادر الخارجية التركية قالت للصحيفة «لقد أعطينا فرصة للأسد لحل دبلوماسي، لكنه لم يستفد منها». وأضافت إن خطة تركيا ستكون متدرجة: بداية عزل النظام على الصعيد الدولي. وذلك بالتعاون والتنسيق مع القاهرة وواشنطن، واتخاذ عقوبات اقتصادية وصولاً إلى الأمم المتحدة وسائر المؤسسات الدولية.
وستسعى تركيا خلال المنتدى التركي - العربي المشترك الذي سيعقد غداً الأربعاء في الرباط إلى اعتراف هذه القوى بالمجلس الوطني السوري المعارض. ومن ثم تأتي الخطوة التي كان اردوغان قد اجلها، وهي زيارة لواء الاسكندرون في الأيام القليلة المقبلة حيث سيزور مخيمات اللاجئين السوريين ويوجه من هناك رسالة شديدة اللهجة ضد الأسد ويعلن عقوبات اقتصادية على سوريا.
أما بخصوص التدخل العسكري أو إقامة منطقة عازلة على الحدود السورية فإن مصادر الخارجية التركية تربطه بتدفق موجات نزوح سورية كبيرة إلى الأراضي التركية، وبناء لطلب المجتمع الدولي. وحتى الآن لم يأت مثل هذا الطلب لا من الولايات المتحدة ولا من حلف شمال الأطلسي.
وتقول هذه المصادر للصحيفة إن أنقرة «مصممة على ان تتحرك بالتنسيق مع المجتمع الدولي، وعلى قاعدة الشرعية الدولية. وإقامة منطقة عازلة في سوريا لن يكون مثل ليبيا سهلاً. فالجيش السوري قويّ. غير أن تركيا ستتحرك إذا كان من قرار دولي بهذا الخصوص».
واعتبرت «ميللييت» أن العلاقات بين تركيا وسوريا وصلت إلى نقطة اللاعودة بعد مهاجمة السفارة التركية في دمشق. ويرى المعلق في الشؤون الخارجية سميح ايديز في الصحيفة نفسها أن قرارات جامعة الدول العربية تساعد تركيا كثيراً في خططها للإطاحة بنظام الأسد. وقال «إن قرارات الجامعة لا تعني الاتجاه لاحقاً إلى مرحلة التدخل العسكري بل بالعكس، إنها تعني أن قرار العرب والغرب وتركيا هو خلع الأسد بطريقة سلمية عبر الضغوط السياسية والاقتصادية، حيث يعرف الجميع أن التدخل العسكري غير ممكن في ظل موقفي إيران وحزب الله». وأضاف إن الإطاحة بالأسد سلمياً «يتناسب مع الإستراتيجية التركية».
ووصفت صحيفة «يني شفق» الموالية لحكومة العدالة والتنمية في عنوانها الرئيسي الأسد بأنه «ناكر الجميل». وقالت «إن الأسد، الذي حمته تركيا عشر سنوات ضد الغرب، قام في أول فرصة بمهاجمة السفارة التركية». واعتبرت أن الهدف الأكبر الذي استهدفه المتظاهرون بعد قرارات الجامعة العربية كان الممثليات التركية في سوريا.
وفي صحيفة «ستار» المؤيدة لحزب العدالة والتنمية، كتب نصوحي غونغور إن الخيوط بين تركيا وسوريا قد انقطعت تماماً، وأنقرة باتت أمام حتمية الوقوف مع «سوريا الجديدة» والاحتجاج الذي قدّمته الخارجية التركية إلى القائم بالأعمال السوري يعكس هذا الانحياز.
وأبدى الكاتب شكوكه حول ما سينتج عن قرارات الجامعة العربية بتعليق عضوية سوريا، خصوصاً مع معارضة لبنان واليمن للقرار وامتعاض العراق منه، وهو ما يحوّل الوضع إلى كباش بين الموالين لإيران والمعارضين لها.
وأشار الكاتب إلى تشكيل نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام مجلساً آخر للمعارضة، هو الذي يعيش في فرنسا ويجعل حسابات الدول تبعاً لمصالحها. وهذا يظهر تنافساً بين أنقرة وباريس على المعارضة السورية، حيث إن اعتراض باريس هو على أن تمثيل الإخوان المسلمين في مجلس اسطنبول كان راجحاً، وفرنسا قلقة من احتمال وصول الإخوان المسلمين إلى السلطة في سوريا في حال سقوط نظام الأسد.
ويقول الكاتب إن المسألة السورية هي كرة نار بيد تركيا، ونيران هذه الكرة تزداد اشتعالاً. وحذر من «لبننة» الوضع في سوريا، متسائلاً عن الضمانة للحؤول دون ذلك، خصوصاً أن البنية السورية تشبه البنية اللبنانية.
محمد نور الدين
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد