مبادئ واشنطن الأربعة لعراق ما بعد الانسحاب العسكري
الجمل: تشير المعطيات والوقائع الجارية إلى أن واشنطن قد أعدت العدة من أجل أن تستخدم عملية خروج القوات الأمريكية من العراق كنقطة تحول استراتيجية تتيح لأمريكا تتيح لأمريكا استبدال سيطرتها الحالية على العراق بسيطرة أخرى جديدة أكثر قوة ونفوذاً: فما هي حقيقة وطبيعة سيناريو إعادة إنتاج السيطرة الأمريكية على العراق في مرحلة ما بعد خروج القوات الأمريكية. وما هي علاقة التحركات الأمريكية الجارية حالياً بالخلافات السياسية العراقية المتزامنة معها. وما هي تداعيات ذلك على زخم الأزمة العراقية المتصاعدة، وما هي تأثيرات السيناريو العراقي الأزموي القادم على دول الجوار الإقليمي العراقي. وعلى وجه الخصوص سوريا؟
* نوايا واشنطن الجديدة: بنود السيطرة على العراق بعد انسحاب القوات الأمريكية
تقول التقارير والتسريبات بأن الأشهر الماضية قد شهدت المزيد من الخلافات في أوساط دوائر صنع القرار الأمريكي إزاء العراق، وفي هذا الخصوص، فقد احتدمت الخلافات بين رموز الإدارة الأمريكية ـ الكونغرس الأمريكي، إضافة إلى رموز الحزبين الديمقراطي والجمهوري، وتركزت الخلافات حول: هل يتوجب على واشنطن أن تحتفظ بالسيطرة على العراق. أم تنسحب وتتخلى، ولاحقاً تم التوصل إلى إثارة سؤال جديد حول كيفية الاحتفاظ بهذه السيطرة. وهناك قرار بانسحاب القوات الأمريكية من العراق في نهاية عام 2011م الحالي.
تحدثت التسريبات قائلة بأن واشنطن قد توصلت إلى مخطط جديد، يتيح استبدال نموذج السيطرة الحالي بنموذج سيطرة جديد أكثر فعالية وكفاءة عن النموذج الذي سوف ينتهي العمل به عند لحظة خروج القوات الأمريكية من العراق في نهاية عام 2011م الحالي، هذا وتشير المعلومات والتسريبات إلى أن سيناريو السيطرة الأمريكية على العراق خلال مرحلة ما بعد خروج القوات الأمريكية، سوف يتضمن المبادئ الآتية:
• مبدأ فك الارتباط عن طريق الارتباط.
• مبدأ استبدال السيطرة الجزئية بالسيطرة الكلية.
• مبدأ استبدال التكتيكات الخشنة ـ الكمية بالتكتيكات الناعمة ـ النوعية.
• مبدأ الجمع بين تطويق المركز والتمركز في داخله.
سوف تشكل هذه المبادئ الأربعة مذهبية السيطرة الأمريكية الجديدة على العراق في مرحلة ما بعد خروج القوات الأمريكية، وفي هذه الخصوص نشير إلى المعلومات المتعلقة بإنفاذ هذه المذهبية على النحو الآتي:
• تتواجد القوات الأمريكية حالياً بكثافة في العراق، والمطلوب في مرحلة ما بعد انسحاب هذه القوات، أن يتواجد جزء من هذه القوات داخل العراق، ويتم سحب الجزء الأكبر بحيث يتمركز في القواعد الأمريكية الموجودة في البلدان المجاورة للعراق، وعلى وجه الخصوص في الكويت، وتحديداً في قاعدة الجهراء التابعة للقيادة الوسطى الأمريكية، والتي تعتبر القاعدة العسكرية الأمريكية الأكبر في منطقة الشرق الأوسط. وتبلغ مساحتها حوالي 25 كم مربع. وبالنسبة لحجم القوات الأمريكية التي سوف تكون موجودة في العراق، فقد تحدثت الإدارة الأمريكية عن 3 آلاف جندي، وتحدث الكونغرس عن 10 آلاف جندي، والآن تقول التسريبات بأن العدد من المتوقع أن يكون في حدود 33 ألف جندي.
• القيام بعملية إعادة هيكلة السفارة الأمريكية في العراق، وذلك ضمن سياق جديد، بحيث تتضمن إعادة الهيكلة التأكيد على وجود رئيس للسفارة (وليس سفير)، ويعمل معه نواب رئيس ومساعدين ومستشارين ورؤساء إدارات، ومدراء أقسام. إضافة إلى 16 ألف موظف.
• استخدام الشراكة الاستراتيجية الأمريكية ـ العراقية، كإطار كلي تندرج ضمنه المزيد من الاتفاقيات الفرعية الثنائية العراقية ـ الأمريكية، بما يعطي لأمريكا الحق في الإشراف على كل شيء بدءاً من قرارات الرئيس العراقي وحتى مصير قنوات الصرف الصحي.
هذا، وتقول المعلومات والتسريبات، بأن قوام السفارة الأمريكية الجديد سوف يجعل منها بمثابة حكومة أمريكية مهمتها إدارة أداء الحكومة العراقية، وذلك على النحو الذي سوف يجعل من الحكومة العراقية بمثابة حكومة تعمل تحت إشراف ورقابة حكومة السفارة الأمريكية، وأضافت المعلومات والتسريبات بأن الخبراء الأمريكيين قد أطلقوا على هذه العملية تسمية "احتلال العراق بوسائل السيطرة الذكية".
* بغداد في مواجهة العاصفة
تتميز الأوضاع السياسية العراقية الجارية حالياً بالمزيد من الشكوك واللايقين المصحوب بانعدام المصداقية، وفي هذا الخصوص يمكن ملاحظة المؤشرات المتعلقة بالموقف العراقي إزاء ملف انسحاب القوات الأمريكية، وذلك على النحو الآتي:
• كتلة الحركات الكردستانية: تطالب باستمرار الوجود العسكري الأمريكي صراحة، وذلك لاعتقاد رموز هذه الكتلة بأن المزايا التي حصل عليها أكراد العراق قد تحققت بفضل الوجود العسكري الأمريكي، إضافة إلى أن تأمين استمرار هذه المزايا وتحقيق المزيد منها يتطلب استمرار بقاء القوات الأمريكية ضمن العراق، على الأقل على المدى المنظور. إضافة إلى أن وجود القوات الأمريكية يلعب دوراً هاماً في حماية أكراد العراق من احتمالات مواجهة سيناريوهات الحملات العسكرية التركية، والحملات العسكرية الإيرانية.
• كتلة القائمة العراقية: بسبب تعاظم نفوذ الحركات الإسلامية السنية العراقية، فإن هذه الكتلة وعلى خلفية ارتباطها الوثيق بالسعودية وقطر والدول الخليجية الأخرى، إضافة إلى معاداة رموزها لإيران، فإنها لا تجد أي حرج من استمرار الوجود العسكري الأمريكي في العراق، وتقول التسريبات بأن الموقف الحقيقي لهذه الكتلة، وتحديداً على المستوى غير المعلن هو: إبقاء واشنطن لوجودها العسكري في العراق، وذلك لمنع حدوث أي فراغ يتيح لطهران تمديد نفوذها في العراق وأيضاً لجهة القيام بردع الجماعات الشيعية العراقية من العودة لمخططات استخدام الجماعات السنية والعلمانية العراقية.
• كتلة التحالف الوطني العراقي: تطالب بانسحاب القوات الأمريكية من العراق، ولكن ضمن مواقف مترددة، وإن كان المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي يتزعمه الحكيم لا يمانع من وجود القوات الأمريكية في العراق، فإن التيار الصدري الذي يمثل الفصيل الأقوى في هذه الكتلة، ظل من جهة يطالب بخروج القوات الأمريكية من العراق، ولكنه في نفس الوقت أكد إمكانية الموافقة على القبول باستمرار وجود عدد قليل محدود من هذه القوات بعد الانسحاب الأمريكي.
• كتلة تحالف دولة القانون: يتزعم هذه الكتلة رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، وقد سعت هذه الكتلة إلى اتخاذ موقف وسط، إزاء انسحاب القوات الأمريكية من العراق، فهي من جهة وإن كانت تؤيد انسحاب القوات الأمريكية، فهي من جهة أخرى تطالب ببقاء جزء من هذه القوات.
تقول المعلومات، بأن سخرية القدر قد لعبت دوراً بارزاً في دفع الساسة العراقيين لجهة توريط العراق في مأزق استمرار الاحتلال الأمريكي، ليكون احتلال بالوسائل السياسية ـ الدبلوماسية بدلاً من الاحتلال بالوسائل العسكرية. وإضافة لذلك، فقد أصبح كل طرف سياسي عراقي، لا يمانع بطريقة أو بأخرى من استمرار وجود القوات الأمريكية في العراق. وما لم ينتبه إليه هؤلاء الساسة، هو أن سيناريو احتلال العراق بالوسائل السياسية ـ الدبلوماسية، هو أكثر خطورة من سيناريو احتلال العراق بالوسائل العسكرية، وبكلمات أخرى الاحتلال العسكري الأمريكي تمت مواجهته بواسطة مقاومة العراقيين المسلحة. ولكن الاحتلال بالوسائل السياسية ـ الدبلوماسية تصعب مقاومته لأنه يتم بموجب اتفاقيات ثنائية بين الساسة العراقيين وأمريكا بحيث يكون لأمريكا الحق في استعادة احتلال العراق بالوسائل العسكرية إذا حاول هؤلاء الساسة إبطال هذه الاتفاقيات، علماً بأنهم لن يحاولوا ذلك طالما أن استمرار وجودهم في السلطة سوف يكون رهيناً باستمرار هذه الاتفاقيات.
الجمل ـ قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد