سيناريوهات الأزمة اللبنانية الثلاثة: السيناريو المعلق- التصعيد- التهدئة
الجمل: تزايدت حدة التوترات السياسية الجارية في منطقة شرق المتوسط بسبب ملف المحكمة الدولية وملف المناورات العسكرية الإسرائيلية وملف المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية: فكيف نقرأ ما يمكن أن ينطوي عليه مستقبل المنطقة وما يمكن أن تنطوي عليه صفحات الفترة القادمة التي أصبحت تحمل من الغموض واللايقين بأكثر مما تحمل من الوضوح والمصداقية؟
* سيناريو الأزمة اللبنانية: منظور محور واشنطن-تل أبيب
تشير التوقعات إلى أن محكمة لبنان الدولية سوف تصدر قرار الاتهامات الظنية المحتملة ضد بعض الأطراف اللبنانية وتحديداً لجهة انتقاء بعض عناصر حزب الله اللبناني كمستهدفين بقرار الاتهام الظني، وفي هذا الخصوص تسعى التوقعات باتجاه الآتي:
• المنظور الإسرائيلي: يفترض بأن رد فعل حزب الله اللبناني المتوقع هو:
- خيار التصعيد الداخلي: ويتضمن القيام بإشعال الساحة اللبنانية بما يتيح السيطرة على السلطة.
- خيار التصعيد الخارجي: ويتضمن القيام بمهاجمة إسرائيل بما يتيح له تحويل مجرى الصراع.
• المنظور الأمريكي: يفترض بأن رد فعل حزب الله اللبناني سوف يتضمن أياً كان الرفض القاطع بالتعاون مع قرار المحكمة الدولية وبالتالي فما هو مهم لواشنطن يتمثل في الآتي:
- تشديد الضغوط على الحكومة اللبنانية لجهة التعاون مع المحكمة الدولية.
- تكثيف الدعم لحلفاء أمريكا اللبنانيين لجهة دفع الحكومة اللبنانية باتجاه التعاون مع المحكمة الدولية.
- بناء تحالف إقليمي شرق أوسطي لجهة الضغط على الحكومة اللبنانية من أجل التعاون مع المحكمة الدولية.
- تكثيف استخدام ملف المحكمة الدولية لجهة الضغط على الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي، وحلفاء واشنطن الأوربيين الرئيسيين بريطانيا، فرنسا وألمانيا لجهة الدفع باتجاه أن يضغط الاتحاد الأوروبي على الحكومة اللبنانية من أجل التعاون.
- تكثيف الضغوط الأمريكية، وربما لاحقاً الضغوط الأوروبية على دمشق لجهة الضغط على حلفاء سوريا اللبنانيين بما فيهم حزب الله اللبناني من أجل التعاون مع المحكمة الدولية.
هذا، ونلاحظ أن المنظور الإسرائيلي والمنظور الأمريكي يكملان بعضهما البعض، بما يمكن أن يجعلهما أكثر اندماجاً ضمن ما يمكن أن نطلق عليه تسمية المنظور الإسرائيلي-الأمريكي التكاملي.
* السيناريو المعلق: العوامل الحاكمة
ما لم تسع أطراف محور واشنطن-تل أبيب إلى وضع تصور محدد حوله هو السيناريو المعلق، والذي يمكن أن يتضمن الملامح الآتية:
- رفض حزب الله اللبناني التعاون مع المحكمة الدولية المصحوب بعدم قيام الحزب بخيار الانقلاب الداخلي أو خيار مهاجمة إسرائيل.
- عدم وصول الحكومة اللبنانية إلى قرار قاطع لجهة التعاون أو عدم التعاون مع المحكمة الدولية.
- استمرار الخلافات اللبنانية-اللبنانية حول مبدأ التعاون مع المحكمة الدولية، مع السيطرة على هذه الخلافات ضمن سقف معين بحيث لا تصل إلى مرحلة العنف المتبادل.
- سعي الأطراف الإقليمية الوثيقة الصلة بالملف اللبناني لجهة اعتماد مبدأ السيطرة على هذه الخلافات اللبنانية-اللبنانية هو شأن داخلي لبناني وبالتالي يتوجب إتاحة الفرصة الكاملة للبنانيين لحل خلافاتهم.
احتمال حدوث السيناريو المعلق هو الأمر الأكثر احتمالاً، وللأطراف والقوى السياسية اللبنانية خبرة وقدرة كبيرة بما فيه الكفاية لجهة القيام بإدارة صراع السيناريو المعلق، ومن أبرز الأمثلة على ذلك نموذج إدارة السيناريو المعلق حول الفراغ الرئاسي اللبناني، والذي استمر لفترة طويلة إلى حين انعقاد مؤتمر الدوحة الذي نجح في حل الخلافات اللبنانية-اللبنانية.
* خيار التصعيد والافتراضات الإسرائيلية
على أساس اعتبارات أن إدارة الأزمة، أي أزمة، تتضمن العمل لجهة توجيه مفاعيلها ضمن المسارات التقليدية الثلاث: مسار سيناريو التصعيد، مسار سيناريو التهدئة ومسار السيناريو المعلق، فإن الميول التفضيلية الإسرائيلية لجهة تجنيد سيناريو التصعيد طالما أنه يتناسب مع مبدأ "ولع الحرب" الإسرائيلي، وفي هذا الخصوص جاءت وجهات النظر الإسرائيلية وهي تحمل بين ثناياها معطيات عملية نفسية إسرائيلية تتضمن المزاعم التي أوردها الخبير الإسرائيلي ياكوف كاتز في تحليله الذي نشرته صحيفة أورشليم بوست قبل بضعة أيام، ويمكن الإشارة إلى أبرز النقاط الواردة ضمن تقارير تخمينات القيادة العسكرية الشمالية الإسرائيلية على النحو الآتي:
- قامت طهران بتخفيض دعم حزب الله بنسبة 40% وبالتالي فإن حزب الله اللبناني يحصل الآن على ما يعادل 60% من إجمالي الدعم الذي كان يحصل عليه من قبل.
- حدثت احتكاكات بين العناصر الإيرانية والعناصر اللبنانية بما أدى إلى حدوث توترات بين العناصر الإيرانية وعناصر حزب الله اللبناني الأمر الذي انتقلت تداعياته إلى هياكل حزب الله القائدة العليا.
إضافة إلى ذلك فقد تحدثت التسريبات الإسرائيلية قبل بضعة أيام قائلة بأن حزب الله اللبناني قد بدأ في عمليات شراء واسعة للأسمدة في الأسواق اللبنانية وذلك من أجل استخدام النترات كبديل للمواد المتفجرة الأخرى في صناعة المتفجرات، وذلك بسبب المصاعب والعراقيل المتزايدة التي أصبحت تحول بين حزب الله ومدخلات صناعة المتفجرات.
تقول التسريبات الإسرائيلية، بأن رئيس الأركان الإسرائيلي الحالي الجنرال غابي إشكنازي سوف لن يغادر صفوف الجيش الإسرائيلي وحده وإنما سوف يغادر معه الجنرال غادي إيزينكوت القائد الحالي للقيادة الشمالية الإسرائيلية، وذلك بسبب أن الجنرال يواف غالانت الذي سوف يتولى منصب رئيس الأركان الإسرائيلي الجديد قد تقدم بعرض للجنرال أيزينكوت بأن يتولى نائب منصب رئيس الأركان، وقد رفض الجنرال إيزينكوت هذا العرض لأنه ينظر إلى نفسه باعتباره الأكثر الجدارة لتولي منصب رئيس الأركان وليس الجنرال غالانت.
سوف تؤثر الخلافات العسكرية الداخلية الإسرائيلية على قرار الحرب الإسرائيلية المتوقعة سواء في جنوب لبنان أو في قطاع غزة. وبكلمات أخرى، فإن المفاضلة تشير إلى الآتي:
• يتميز الجنرال يواف غالانت بمذهبية عسكرية جسدتها على الأرض عملية الرصاص المسكوب التي سبق وأن نفذتها القوات الإسرائيلية تحت قيادته المباشرة ضد قطاع غزة.
• يتميز الجنرال غادي إيزينكوت بمذهبية عسكرية جسدتها على الأرض عملية القصف الجوي العشوائي ضد ضاحية بيروت الجنوبية.
وبالتالي، فإن خروج الجنرال إيزينكوت قائد القيادة الشمالية من صفوف القيادة العسكرية الإسرائيلية وصعود الجنرال غالانت إلى منصب رئيس الأركان هو أمر يمكن أن يستخدم كمؤشر لجهة التعرف على الملامح العامة لشكل وخطوط العمليات العسكرية المحتملة. هذا، وبرغم أن السيناريو العسكري الإسرائيلي مازال محتملاً، فإن سيناريو الضغوط الأمريكية المتعددة الخطوط والمسارات سوف يكون هو الأكثر احتمالاً إلا إذا قررت إسرائيل الانفراد بقرار الحرب ومفاجأة واشنطن لجهة دفع الإدارة الأمريكية للرضوخ وقبول الأمر الواقع.
الجمل: قسم الدراسات والترجمة
إضافة تعليق جديد