التلفزيون السوري في عيده الـ50: إمكانات محدودة قاصرة عن المنافسة

23-07-2010

التلفزيون السوري في عيده الـ50: إمكانات محدودة قاصرة عن المنافسة

في مثل هذا اليوم الواقع فيه 23 تموز، انطلق التلفزيون العربي السوري قبل خمسين عاماً. في الثامنة مساءً بالتحديد اطل على المشاهد. وثمة تبدلات جوهرية ما بين الانطلاقة واليوم. /مشهد من «اسعد الوراق» بنسخته الجديدة
وفيما يلاحق المشاهد السوري اليوم أحدث أنظمة المشاهدة الرقمية، وأنظمة الستلايت، ويقتني التلفزيونات ذات الشاشات المسطحة، والشاشات الثلاثية الأبعاد، الا أنه ما زال يحنّ لأعمال الرواد الأوائل في التلفزيون، ويسأل أحياناً عن دراما الأبيض والأسود، وزمن «غوار الطوشة»، و«حسني البورظان».. يفتقد لمسلسلات مثل «حارة القصر» و«أسعد الوراق»، و«دليلة والزيبق».. وهي أعمال يسعى بعض المنتجين لإعادة إحيائها.
يترحم المشاهد السوري على المعلق الرياضي الراحل «عدنان بوظو»، الذي كان ينهمر دمعه، وهو يهلل لفوز منتخب رجال سوريا بذهبية كرة القدم لألعاب البحر الأبيض المتوسط. ويتذكر الزميل موفق الخاني وبرنامجه «من الألف إلى الياء» المحال الى التقاعد مؤخراً. ويتذكر الرواد «صباح قباني» (المدير الأول للتلفزيون) و«خلدون المالح» و«عادل خياطة» و«سامي جانو» و«مهران يوسف» و«هيام طباع» وآخرين.
نتذكر هؤلاء ونستعيد حديثهم حول ظروف العمل الصعبة آنذاك: «لم تكن الحافلة تصل إلى مبنى التلفزيون على جبل قاسيون، فكنا نكمل الطريق سيراً على الأقدام. ولم يكن هناك «مونتاج» وكان أي خطأ يقع فيه الممثل، يحتم عليه وعلى بقية زملائه إعادة تصوير المشهد».
في تلك الأيام كان الحب يلف المولود التلفزيوني الجديد. وهو ما حافظ على رونق ما أنتج في ذاك الزمن. وما يجمع اليوم الجمهور السوري أحياناً حول الشاشة هو عمل يعاد عرضه، من مواليد العام سبعين مثل «صح النوم» و«مقالب غوار». كما نركن البرامج الجديدة جانباً لنبحث في الأرشيف عن صوت عدنان بوظو يصرخ «كوووول لسوريا»، وصوت الزميل مروان صواف عبر برنامجيه «مجلة التلفزيون» و«إذا غنى القمر».
مستويان اثنان يمكن الحكم من خلالهما على التلفزيون العربي السوري، في ذكرى انطلاقته الخمسين: المضمون البرامجي والشكل الفني. في المضمون يسجل للمحطة جديتها ورصانتها والتزامها الاجتماعي والقومي في ما تقدمه على شاشتها. بالإضافة الى تجنبها لغة الابتذال الإعلامي والإثارة المجانية. كما يسجل لها «إخلاصها» للغة العربية الفصحى وللقضايا العربية بشكل عام.
إلا أن الحرص الدائم على الالتزام والرصانة لم يفسح في المجال لإنتاج برامج جماهيرية. ولم يستطع أن يكرس نجومية العاملين فيه. لذا نفتقد اليوم إلى برامج المنوعات الترفيهية في المحطة، التي تغيب عنها أيضاً البرامج الحوارية الناجحة، التي تحفل بها في المقابل فضائيات عدة، عمرها لا يتجاوز نصف عمر التلفزيون السوري.
وفي حين كان التلفزيون السوري قبل التسعينيات الجهة الانتاجية الأساسية للدراما السورية، الا أن دوره الإنتاجي تراجع بعد ذلك، على مستوى الكم والنوعية.
وعلى صعيد الشكل البرامجي، يبدو أنه لم يراع طفرة التطور التكنولوجي الذي يعيشها عالم الميديا اليوم، فظلت إمكانياته اللوجستية والبشرية محدودة جداً قياساً لمحطات أخرى..من دون أن نفقد الثقة بمن يجهد فيه اليوم للخروج بشكل برامجي واعد.
وليس خافياً أن أهم الوجوه الإعلامية والفنية في التلفزيونات العربية اليوم هم من متخرجي التلفزيون السوري، الذي يمتلك القدرة على أن يكون أكاديمية للتعلم. ولكن لا يمكن لهذه الأكاديمية في ظل التنافس التلفزيوني المحموم أن تبقى خاضعة لإمكانيات التجريب ومنح فرص لمتدربين، بل لا بد لها أن تنتقل إلى مرحلة الإنتاج التنافسي والاحترافي، وهو الأمر الذي لن يتحقق ما لم يتم الاعتماد على فريق عمل نوعي، والتخلص من «جيش» الموظفين المحسوبين على التلفزيون، والذين إن كانوا لا يشكلون عبئاً مادياً على المؤسسة، فإنهم بمثابة عبء على برامجها.
في عيده الخمسين، حري بنا العودة إلى الظروف التي اطلقت التلفزيون السوري. لعل في تلك العودة دافع لانطلاقة جديدة، تجعل منتجه أكثر جدارة بالثقة. فهو مؤسسة هامة، بيد أن الوقود الحقيقي الذي يحتاجه سوق العرض التلفزيوني اليوم يتطلب منها تغييراً بنيوياً في الأفكار البرامجية وأشكال التعبير عنها، بدءاً من الإعداد مروراً بمقدم متمكن ومثقف، وصولاً الى الشكل الإخراجي المعبر.

ماهر منصور

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...