الكومبارس يدمرون الدراما التاريخيّة السوريّة
ما عادت البادية السورية الممتدة من شرق حمص مروراً بتدمر ودير الزور وصولاً إلى الرقة، ذلك الأستوديو الطبيعي والمفتوح لتصوير الأعمال التاريخية. شهدت سنوات الحرب الأربع تراجعاً حاداً في إنتاج ذلك النوع من الأعمال، بعدما كانت الدراما السورية هوليوود العرب في هذا المجال. وفي الخلاصة، اندثرت مهن عدّة قامت تلبيةً للإنتاجات الضخمة التي تعتمد على المجاميع البشرية الكبيرة.
فرق الخيل والخيالة المدرّبون على خوض المعارك بالسيف والترس والرماح في مواقع تصوير افتراضية (معظمها في الرقة)، تحوّلت بمعظمها للقتال تحت راية ألوية تقاتل بالكلاشينكوف ومدافع الدوشكا. والطريف في الأمر أن أسماء تلك الألوية حمل في بداية الحدث السوري عناوين مسلسلات تاريخية، مثل «القعقاع بن عمرو التميمي»، و«خالد بن الوليد»، و«الناصر صلاح الدين»، وذلك ما انسحب أيضاً على ألقاب قادة «داعش». هكذا انتقل الكومبارس المدجّج بالسيوف والدروع الحديديّة من عمله أمام كاميرا الدراما، إلى حربه أمام كاميرات محطّات الأخبار، مرةً عبر عدسات مراسلي هذه القنوات، ومرّات عبر كاميرات الهواتف الذكية؛، ومنها إلى مواقع التواصل الاجتماعي و«يوتيوب». كأنّ الكومبارس احتلّ «اللوكيشن» وخيم الممثّلين وفنيي الإضاءة والصوت، مصادراً الكاميرات لتصوير مشاهد إعدامات جماعيّة. مشهد يشبه ما تنبّأت به لوحة بعنوان «ثورة كومبارس» في المسلسل الكوميدي الساخر «بقعة ضوء».
تطوّرت أسلحة الحشود التي كانت تتحرك وتقاتل بإشارة من مخرج المسلسل إلى كتائب وميليشيات في مسلسل «تاريخي»، لتنطوي بذلك صفحة من تاريخ الدراما السورية التي تفوقت منذ مطلع تسعينيات القرن الفائت بأعمال مثل «الزير سالم»، و«ربيع قرطبة»، و»صقر قريش»، و«الظاهر بيبرس»، و«أبو زيد الهلالي»، و«المتنبي»... لعلّ الحدث الأكثر غرابة في تلك المفارقة التاريخيّة/ الدراميّة تكمن في استخدام بعض الجماعات المسلّحة للمنجنيق في المعارك التي أداروها ضدَّ الجيش السوري، وهي الآلة الحربيَّة القديمة التي كانت عنصراً أساسياً في تصوير الغزوات في المسلسلات التاريخيّة.
وتوقّفت بفعل الحرب ورشٌ ضخمة كانت رديفاً أساسياً لهذه الصناعة، وتعرّضت معظم مستودعات الألبسة التاريخية للتدمير والحرق أو النهب الممنهج، ناهيك عن مستودعات الإكسسوار من سيوف ورماح وسروج خيل وخوذ وتروس. كانت مقارّ كلّ تلك المستودعات تقع في الأرياف والبلدات القريبة من مواقع التصوير، في عمق البادية الشامية أو ريفي دمشق والقنيطرة، مثل بلدات دير العصافير وقطن ورخلة، وحتى في ريف اللاذقية من مثل صنوبر جبلة وكسب حيث دارت وتدور معارك ضارية على طول الحدود التركية السورية.
عشرات المهن الدرامية اختفت باختفاء صناعة المسلسل التاريخي التي كانت مصدر رزق لعشرات العائلات السورية، سواء في مهن صناعة الأسلحة والأزياء والمكياج والذقون واللحى المستعارة ومصممي الديكور والمدن التاريخية، أو حتى بما يتصل بخبراء المعارك وساسة الخيل وفرق المجازفين، عدا عن مهن تقنية مثل تصميم الغرافيك الخاص بالمعارك التاريخية الكبرى. وكان العاملون ككومبارس يعتبرون أشهر الصيف بمثابة «موسم» لهم ولعائلاتهم، بالرغم من أنّ الفرد كان يتقاضى أجوراً مهينة، بجانب معاملة غير إنسانية لقاء يوم تصوير واحد (250 ليرة سورية، ما يعادل 5 دولارات وقتها). فرخص اليد العاملة كان أيضاً من العوامل المشجعة لتصوير المسلسل التاريخي على الأراضي السورية، عدا عن التسهيلات اللوجستية التي كانت تقدمها الدولة السورية في هذا الجانب لشركات الإنتاج وطواقمها الفنية.
لكن يبدو أن الحرب التلفزيونية حمالة أوجه، والدراما لم تعد تشفي غليل البعض، لتتحول ثارات تغلب وبكر في مسلسل «الزير سالم» إلى حرب بين الأخوة، كل من يشارك فيها يردّد جملة كليب التي كتبها محتضراً بالدم: «سالم لا تصالح».
سامر محمد اسماعيل
المصدر: السفير
إضافة تعليق جديد